الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جواز قتل الصائل:
1152 -
عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قُتل دون ماله فهو شهيدٌ". رواه أبو داود، والنَّسائُّي، والترمذي وصحَّحه.
وليت المؤلف ذكر الحديث الآخر الذي هو أوفى من هذا أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن أراد ماله أو نفسه قال قاتله قال: أرأيت يا رسول الله إن قتلني قال فأنت شهيد، قال: أرأيت يا رسول الله إن قتلته قال فهو في النار وهو أوفى من الحديث الذي ذكره لأن الحديث الذي ذكر المؤلف يدل على أن الذي يقتل دون ماله شهيد لأنه قتل ظلمًا.
هذا الحديث فيه فوائد: أولاً: جواز مدافعة الإنسان عن ماله والتعبير بالجواز هل هو لنفي التحريم، فلا ينافي الوجوب أو هو جائز حكمًا والفرق بينهما واضح إذا قلنا الجواز لنفي التحريم صار لا ينافي الوجوب وعلى هذا فيجب عليه أن يدافع عن ماله ولكن الأمر ليس كذلك بل المدافعة عن المال جائزة وليست بواجبة ووجه هذا أن للإنسان أن يتبرع بماله لأي واحد من الناس ولو كان يجب عليه أن يحفظ ماله لنفسه حرم عليه أن يتبرع به لأحد إذن فله أن يدافع عن ماله فلو جاءك إنسان وقال أعطني السيارة غصبًا فقلت: لا إن قاتلك فقاتله فإن لم يندفع إلا بالقتل فاقتله فإذا قتلته فهو في النار وإذا قتلك فأنت شهيد وهل يلزمه الدفاع عن نفسه وعن حرمته؟ الجواب: نعم يلزمه أن يدافع عن نفسه وعن حرمته إلا إذا كان في زمن فتنة فإنه لا يلزمه القتال لأنه إذا دافع فربما تراق دماء كثيرة بسبب مدافعته لأن المقام مقام فتنة ربما إذا قتل هذا الصائل في الفتنة تقتل جميع قبيلته ولهذا لما طُلب من أمير المؤمنين عثمان أن يُقاتل دون حين حُوصر في بيته أبى وقال لا تقاتلوا لأنه خاف أن يكون بالمقاتلة تُراق دماء كثيرة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسلم رضى الله عنه حتى قتل، وهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنها ستكون فتنة فكن فيها عبد الله المقتول ولا تكن القاتل"، لأن الفتنة ليست بهينة غوغاء الناس وعامتهم والجهال والسفهاء كلها تطيش كما يطيش القدر من فوق النار يمينًا وشمالاً، إذن يلزمه الدفع عن نفسه إلا في الفتنة.
أما إذا كان في غير فتنة فيجب أن يدافع عن نفسه لأنه مأمور بحفظ نفسه قال الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم)، (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، وهل يلزمه أن يدافع عن حرمته لو أن أحدًا
حاول أن يزني بامرأته فيجب أن يدافع، فإن لم يندفع الجاني إلا بالقتل فله قتله له نفي للتحريم وليست للإباحة، يعني: لا يحرم القاتل، لكن يجب دفاعًا عن حرمته، واختلف العلماء في الدفاع عن مال غيره، والصحيح أنه لا يلزمه الدفاع عن مال غيره كما لا يلزمه الدفاع عن مال نفسه لأن مال غيره إن كان بيده أمانة فأقل ما فيه أنه سيضمه إذا كان متعديًا مفرَّطًا وضمانه من ماله.
ومن فوائد الحديث: أن من قتل دون ماله فهو شهيد وكذلك من قتل دون نفسه أو دون حرمته من باب أولى.
ومن فوائده: أنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ويدفن مع المسلمين أغني المقتول ظلمًا لأنه شهيد والشهداء لا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم ويدفنون إن كانوا في قتال في مصارعهم، ولهذا لما جيء بشهداء أحد إلى المدينة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بردهم إلى مصارعهم فيس أحد حيث يخرجون يوم القيامة من المكان الذي قتلوا فيه وهذا الذي قتله هو المشهور من مذهب الإمام أحمد أن المقتول ظلمًا حكمه حكم المقتول في سبيل الله في أنه شهيد دنيا وأخرى وقيل: لا بل شهيد أخرى وليس شهيد دنيا وعلَّلوا ذلك بان هناك فرقّا بين هذا الذي قتل ظلمًا وبين المقتول في سبيل الله، المقتول في سبيل الله بذل نفسه اختيارًا وعرض رقبته اختيارً لأعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا وهذا الرجل الذي قُتل ظلمًا اضطرارًا فبينهما فرق عظيم، ولهذا لما قال الفقهاء إنه يقاس على المقتول في سبيل الله لأن كلاً منهما قتل بغير حق قلنا لكن هناك فرق عظيم بين من عرض رقبته لأعداء الله لإعلاء كلمة الله ومن دافع نفسه حتى قتل فالصواب أنه شهيد أخرى وليس شهيد دنيا وأنه يجب أن يغسل ويكفن ويصفى عليه كما يجب ذلك في سائر الأموات ولو أننا قلنا: كل من أطلق الشارع عليه شهيدًا فإن حكمه حكم الشهيد في سبيل الله لقلنا المطعون والمبطون ومن مات بغرق أو هدم أو حرق يكون حكمه حكم الشهداء في سبيل الله ولا قاتل بذلك، إذا قُتل الجاني في المدافعة فهو كما قلنا في النار ولكن إذا اختلف أولياء الجاني والقاتل دفعًا عن نفسه فقال أولياء الجاني إنه لم يصل عليه وقال أولياء المدافع بل صال عليه فما العمل؟
أهل المذهب يقولون: إننا لا نصدق دعوى القاتل لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء ناس وأموالهم ولكان كل واحد يقتل من يريد قتله لأنه صائل عليه فلابد من بينة البينة