الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد الحديث: أن الجزاء كما يكون في الدنيا يكون في الآخرة، ومن قال: إن الآخرة ليست دار تكليف فليس على إطلاقه؛ لأن الآخرة فيها تكليف، لكنه ليس كالتكليف في الدنيا، أرأيتم قوله تعالى:{يوم يكشف عن ساقٍ ويدعون إلى السُّجود فلا يستطيعون} [القلم: 42]. قال: {يدعون إلى السُّجود} [القلم: 43]. وهذا تكليف، فالآخرة فيها شيء من التكليف لكن ليس كالتكليف في الدنيا.
ومن فوائد الحديث: إثبات يوم القيامة، وهو الذي يبعث فيه الناس، وسمي يوم القيامة لوجوه ثلاثة: الأول: أن الناس يقومون من قبورهم لله عز وجل والوجه الثاني: أنه يقام فيه تمام العدل، والوجه الثالث: أنه يقوم فيه الأشهاد كما قال تعالى: {إنَّا لننصر رسلنا والَّذين آمنوا في الحياة الدُّنيا ويوم يقوم الأشهاد} [غافر: 51].
ومن فوائد الحديث: أنه لا حد على السيد إذا كان الأمر كما قال لقوله صلى الله عليه وسلم: "إلَّا أن يكون كما قال"، ويتفرع على هذه الفائدة فائدة عظيمة بل فوائد عظيمة واسعة منها: لو أن الرجل حلف على شيء يعتقد أنه على ما حلف عليه فتبين خلافه فإنه لا يحنث، وكذلك لو حلف على زوجته بطلاق وتبين أن الأمر بخلافه فإنها لا تطلق كما لو قيل له مثلا: إن فلانًا يكلم زوجتك فقال: أهكذا حصل؟ قيل: نعم، قال: إذن هي طالق، ثم تبين أن الذي كان يكلمها ليس هو الذي أوقع الطلاق من أجل مكالمته، فهنا لا تطلق الزوجة حتى وإن صرح بالطلاق؛ لأن هذا الطلاق مبني على سبب تبين أنه لم يوجد، كذلك أيضًا لو أن رجلًا حلف على شيء يعتقد صحة ما حلف فتبين أنه على خلافه فإنه لا حنث عليه؛ لأنه إنما حلف على شيء يعتقده، فإذا كان يحلف على شيء يعتقده فتبين خلافه فإنه لا يضر.
* * *
3 - باب حدِّ السَّرقة
"حد السرقة" يعني: عقوبة السارق، وليس المراد بالحد هنا: التعريف، والسرقة: أخذ المال على وجه الاختفاء من مالك أو نائبه، فقولنا:"أخذ المال" خرج به أخذ ما ليس بمال فإنه لا يعد سرقة شرعًا؛ لأنه لا حرمة له، كما لو سرق الإنسان آلة لهو فإنه ليس بسارق شرعًا؛ لأن هذه الآلة لا يقر عليها مالكها فهي حرام، وقولنا:"من مالك" خرج به ما لو سرق من غير المالك مثل أن يسرق من سارق فإنه لا يقطع، لماذا؟ لأن بقاء المال بيد السارق الأول بقاء غير شرعي لا يقر عليه، فالسارق من السارق لا يقطع، وليس كما قال العامة: السارق من السارق كالوارث من أبيه! هذا غير صحيح؛ لأن الوارث من أبيه يرث مالًا حلالًا وهذا لا يرث اللهم إلَّا إذا كان يسرق من السارق ليوصله إلى صاحبه فهذا جزاه الله خيرًا، وقولنا:"من نائبه" أي: من ينوب مناب المالك كمستأجر العين ومن استودعت عنده والمرتهن وغير ذلك، المهم كل من
قام مقام المالك فإذا سرق منه فهي سرقة شرعًا، إذن هل السرقة شرعًا أعم أم السرقة لغة؟ نقول: السرقة لغة أعم، والغالب في جميع التعريفات أن التعريف اللغوي أعم من التعريف الشرعي؛ لأن التعريفات الشرعية متلقاة من الشرع.
ثم إن السرقة من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن السارق، واللعن لا يكون إلَّا على كبيرة من كبائر الذنوب، ولأن فيها حدًّا في الدنيا، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن كل ذنب فيه حدٌّ في الدنيا فهو من كبائر الذنوب فهي حرام، ومنزلتها في المحرمات أنها من كبائر الذنوب وتوجب القطع - قطع اليد - لقول الله تعالى:{والسَّارق والسَّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالًا من الله والله عزيزٌ حكيمٌ} [المائدة: 38]. {والسَّارق والسَّارقة} يعني: من ثبت آنه سارق أو سارقة فاقطعوا والخطاب للأمة ويقصد به أو بالقصد الأول ولاة الأمور، {أيديهما} جمع يد، ومعلوم أنه لا يقطع من الإنسان إلَّا يد واحدة، لكن المتعدد إذا أضيف إلى متعدد فالأفصح فيه الجمع، وقوله:{أيديهما} لم يقيدها سبحانه وتعالى فتختص بالكف؛ لأن اليد إذا لم تقيد فهي الكف، والدليل على هذا قوله تعالى في التيمم:{فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مِّنه} [المائدة: 6]. ومعلوم أن التيمم في الكف فقط، وقوله:{أيديهما} في القراءة المشهورة اليد مجملة، أو إن شئت فقل: مبهمة، لكنه فسرها قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين قال:{فاقطعوا أيمانهما} فيكون المراد باليد: اليد اليمنى، ولأنها هي آلة الآخذ والإعطاء غالبًا، {جزاءً بما كسبا نكالًا من الله} [المائدة: 38]. أي: جزاء بكسبهما؛ أي: بما كسباء من المال المحرم {نكالًا من الله} أي: عقوبة حتى ينكل الناس عن السرقة، {والله عزيزٌ حكيمٌ} [المائدة: 38]. فلعزته وحكمته وحكمه قطع، ويذكر أن أعرابيًا سمع قارئًا يقرأ:{والله غفورٌ رَّحيمٌ} فأمره الأعرابي أن يعيد الآية فقال: {جزاء بما كسبا نكالًا من الله والله غفورٌ رَّحيمٌ} . فأمره فأعاد في الثالثة والرابعة فقال: {والله عزيزٌ حكيمٌ} قال الأعرابي: الآن؛ يعني: الآن أصبت لأنه عزَّ وحكم فقطع، ولو غفر ورحم ما قطع، وصدق الأعرابي لو غفر ورحم ما قطع، ولهذا قال في قطاع الطريق:{إلَّا الَّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنَّ الله غفورٌ رَّحيمٌ} [المائدة: 34]. قال العلماء: يؤخذ من هذا أنهم إذا تابوا قبل أن يقدر عليهم سقط عنهم الحد، وظاهر الآية الكريمة:{والسَّارق والسَّارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38]. العموم، وأن السارق يقطع سواء سرق من جرز أو من غير حرز، وسواء سرق قليلًا أو كثيرًا لأن الآية مطلقة:"السارق"، وبهذا أخذ الظاهرية وقالوا كل سارق يقطع ولم يلتفتوا إلى السُّنة، وبعضهم التفت إليها في الذهب فقط، فقالوا: الذهب لا يقطع إلَّا ما بلغ النصاب - أي: نصاب القطع -، وما سوى ذلك فإنه يقطع فيه بالقليل والكثير، ولكن الصحيح أنه لا بد من بلوغ النصاب، ويدل لذلك قوله: