الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعتدي على هؤلاء الّذين جرى بيننا وبينهم الصلح لأنهم في عهد وأوفى الناس بالعهود هم المسلمون كما قال تعالى: } والموفون بعهدهم إذا عاهدوا {[البقرة: 177].
ومن فوائد الحديث: في رواية مسلم جواز مثل هذا الشرط أن من جاءنا منهم مسلمًا رددناه، ومن جاءهم منا فإنه لا يرد، ونعلل بما علل به النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أن من جاءهم منا فأبعدهم الله ولا خير فيه ومن جاءنا منهم فرددناه فسيجعل الله له فرجًا ومخرجًا، وقد حصل هذا كما توقعه النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بل كما وعد به، لأنه قال: سيجعل والسين للتنفيس تفيد التحقيق، من الَّذي رد فجعل الله له فرجًا؟ أبو بصير، فهو جاء مسلمًا من قريش فألحقه قريش برجلين يطلبان رجوعه فلما أدركاه في المدينة رده النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وفاء بالشرط، لأن مراعاة المصلحة العامة أولى من مراعاة المصلحة الخاصة فهذا الرجل الَّذي رد إلى الكفار لاشك أن فيه غضاضة عليه عظيمة، وربما يقتلونه لكن المصلحة العامة - وهي وفاء المسلمين بعهودهم - أولى من مراعاة المصلحة الخاصة لا يقال كيف نرده وهو مسلم هذا إذلال للمسلم، نقول: نعم هو إذلال لكن المصالح العامة مقدمة، المهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رده فذهب به الرجلان وفي أثناء الطريق نزلوا يتغدون، فقال أبو بصير لأحدهم يمدح سيفه ويثني عليه فقال لذاك الرجل - والظاهر أنه غبي - قال: نعم ولقد فعلت وفعلت قال أعطني أراه فأعطاه إياه فسله وجبَّ رأسه، الثاني هرب إلى المدينة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلحقه أبو بصير، فلما وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بصير: يا رسول الله، إن الله قد أبرأ ذمتك ووفيت بعهدك، يعني: لا تردني قال: "ويل أمّه مسعر حرب لو يجد له من ينصره لما قال هذا الكلام" كان أبو بصير ذكيًّا عرف أنه سيرده فهرب خارج المدينة وذهب إلى الساحل - ساحل البحر - وجلس على الطريق وكلما مرت عير لقريش عدا عليها وأخذ منها وعلم به المستضعفون - الذين أسلموا بمكة علموا به - فخرجوا إليه فكوَّن عصابة لكن عصابة مسلمة بحف فكانت كلما جاء شيء لقريش أخذوه، فتعبت قريش منهم وأرسلوا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يفكهم من هؤلاء وهو أيضًا في حل، فهذا الَّذي حصل، فجعل الله لهم فرجًا ومخرجًا، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون واثقًا بالله عز وجل في كل شيء.
النهي عن قتل المعاهد:
1263 وعن عبيد بن عمر رضى الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"من قتل معاهدًًا، لم يرح رائحة الجنَّة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا". أخرجه البخاريُّ.
"من" شرطية وجملة "لم يرح رائحة الجنة" جواب الشرط وهنا هل العمل لـ "لم" أو العمل لـ "من"؟ نقول أيهما المباشر؟
"لم"، وعلى هذا فتكون الجملة في محل جزم جواب الشرط، "وإن ريحها" أي: الجنة "ليوجد من مسيرة أربعين عامًا"، ريح الجنة أشجارها ورياحينها وكل ما فيها يوجد من مسيرة أربعين عامًا وفي رواية أخرى يأتي الإشارة إليها إن شاء الله.
قوله: "من قتل معاهدًا" المعاهد هو من عقدنا معه عهدًا، وهو ثلاثة أنواع: مستأمن، وذمِّمي، ومعاهد.
المستأمن: هو الَّذي دخل بلادنا بأمان لمصلحة إما ليسمع كلام الله وإما ليحضر مجالس العلم، وإما ليبيع أو يشتري، وإما ليعمل، وإن كان أصله حربيًا فإنه إذا أمن بالدخول صار آمنًا.
أما المعاهد: فهو الّذي جرى بيننا وبينهم عهد كما جرى للنبى صلى الله عليه وسلم مع قريش.
وأما الذمي: فهو الَّي يبقي في بلادنا تحت حمايتنا ويبذل لنا الجزية كل عام، وكلها تدخل في المعاهدة، لكن تختلف المعاهدة وأحكامها بين هؤلاء.
ففي هذا الحديث دليل على فوائد: أولًا: وجوب الوفاء بالعهد، وجهه أنه رتب على من غدر بالعهد حرمانه من دخول الجنة وهذا يقتضى أنه من كبائر الذنوب.
ثانيًا من فوائد: أن ما يصنعه بعض الناس اليوم من قتل الداخلين إلى البلاد بعهد وأمان يدخل في هذا الحديث، ما دام من له السلطة قد أذن له أذن له في دخول البلاد وأعطاه عهدًا فإنه لا يحل لأحد أني قتله، فإن فعل حق عليه هذا الوعيد.
ومن فوائد الحديث: إثبات أن للجنة رائحة، وهذا أمر معلوم، قال الله تعالى: } فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنات نعيم {[الواقعة: 88، 89].
ومن فوائد الحديث: أن ريح الجنة يوجد من مسافات بعيدة ورد: "أربعين عامًا" وورد: "سبعين عامًا"، وورد غير ذلك، فاختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث والجمع بينها سهل، فإما أن يقال: إن اختلاف هذه التقادير باعتبار اختلاف الشم، وإما أن يقال باعتبار اختلاف المشام لأن بعض الناس يشم شمًّا قويًّا وبعضهم دون ذلك، وإما أن يقال باعتبار المشمون، فإن بعض المشمومات لها رائحة تشم من بعيد وبعضها دون ذلك، المهم: أن القاعدة أنه ليس فيما أخبر الله به ورسوله شيء من التناقض وإذا تراءى لك شيء من التناقض فالواجب عليك أن تحاول الجمع بين النصوص، لأن نصوص الكتاب والسنة لا يمكن أن يكذب بعضها بعضًا، وبهذا الحديث انتهى باب الجزية والهدنة، ثمَّ قال المؤلف:
* * * *