الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد الحديث: اشتراط النصاب في السرقة لقوله: "فبلغ ثمن المجن"، والمجن ثمنه ثلاثة دراهم، والدراهم تساوي في ذلك الوقت ربع دينار، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء هل الفضة والذهب كلاهما معتبر في نصاب السرقة أو الذهب فقط، والصواب أنه الذهب فقط، وأنها تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا ولا تقطع فيما دون ذلك، لكن كان الدينار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يساوي اثني عشر درهما فيكون ربعه ثلاثة دراهم.
ومن فوائد الحديث: مطابقة أحكام الشريعة للحكمة، ووجهه: التفريق في الأحكام بين هذه الأحوال الثلاثة حيث جعل لكل حال حكمًا خاصًّا، ويتفرع على هذه الفائدة قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية وهي: أنها لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين مختلفين، لأنها من لدن حكيم خبير:{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا} [النساء: 82].
الشفاعة في الحدةد، ضوابطها:
1189 -
وعن صفوان بن أميَّة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له لمَّا أمر بقطع الَّذي سرق رداءه، فشفع فيه:"هلَّا كان ذلك قبل أن تأتيني به؟ ". أخرجه أحمد والأربعة، وصحَّحه ابن الجارود والحاكم.
صفوان بن أمية يعني كان نائمًا في البطحاء، قيل: في بطحاء عارية، وقيل: في المسجد النبوي، وقيل: في المسجد الحرام، وهذا لا يوجب اضطراب الحديث؛ لأن المقصود منه لا اختلاف فيه، وهذه مرت علينا في مصطلح الحديث، أي: أن الاختلاف الذي ليس في أصل الحديث لا يعد اضطرابًا كاختلاف الناس في ثمن جمل جابر، واختلافهم فيما وجد في ثمن قلادة حديث فضالة بن عبيد.
قوله: "سرق رداءه"، ما هو الرداء؟ الرداء: ما يستر به أعلى الجسد، وكان أكثر اللباس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو الإزار والرداء، وقد توسد صفوان رضي الله عنه رداءه فسرق الرداء فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم "فأمر بقطع يده"، "فأمر" الفاعل هو الرسول صلى الله عليه وسلم، "بقطع يد الذي سرق"، لكن خذفت اليد للعلم بها، وقد أصَّل ابن مالك رحمه الله في ألفيته أصلًا مفيدًا في قوله:
وحذف ما يعلم جائزٌ كما
…
نقول زيدٌ بعد من عندكما
وقوله: "سرق رداءه" الضمير يعود على صفوان بن أمية، "فشفع فيه" الفاعل: صفوان، والضمير في "فيه" يعود على السارق، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"هلًا كان ذلك" أي: شفعك "قبل أن تأتيني به"، "هلا" أداة تحضيض، "ألا" أداة عرض، والعرض دون التحضيض، والتحضيض عرض بإلحاح، ويجوز أن تكون هنا - أعني: هلا بمعنى: لو أي: لو كان ذلك قبل أن تأتي به لقبلت، والقصة أن صفوان بن أمية كان نائمًا على ردائه إما في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي أو في بطحاء من الأرض على اختلاف الروايات في ذلك، وربما يقول قائل: اختلاف الروايات على هذا الوجه يقتضي أن يكون الحديث مضطربا، واضطراب الحديث يقتضي ضعفه؛ لأنه يدل على أن الرواة لم يضبطوه، ولكن عند المحدثين قاعدة وهي: أنه إذا كان الاختلاف لا يتعلق بالحكم فإن ذلك لا يضر، لأنه لا يؤثر في أصل الحديث وحكم الحديث، ولذلك أمثلة منها اختلاف الرواة في ثمن القلادة في حديث فضالة بن عبيد، ومنها اختلاف الرواة في قدر ثمن جمل جابر، وهذا لا يؤثر لأنه لا يتعلق به حكم هذا أيضًا نفس الشيء؛ لأن المهم أن الرداء سرق من تحت رأسه وهو نائم سواء في المسجد النبوي أو في المسجد الحرام أو في بطحاء من الأرض، فلما سرق الرداء رفع الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيء بالسارق واعترف فأمر النبي بقطع يده، فشفع فيه صاحب الرداء وهو صفوان، لأنه ظن أن الأمر لا يصل إلى حد القطع، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"هلا كان ذلك قبلي أن تأتيني به" يعني: ولو كان لأفادت الشفاعة.
يستفاد من هذا الحديث فوائد من أهمها: أن الحرز يختلف باختلاف الأموال فرداء النائم حرزه أن يضعه تحت رأسه؛ لأن هذا هو العادي، فالوسادة تحت الرأس تعتبر في حرز؛ لأن هذا هو الذي جرت به العادة، ولو أن الإنسان توسد حفيظة دراهم -يعني: بوك دراهم - هل يعتبر هذا حرزًا؟ لا؛ لأن الدراهم لا تحفظ في مثل هذا، اللهم إلَّا أن يكون هناك قوة سلطان، فإن قوة السلطان تجعل ما ليس حرزًا تجعله حرزًا، يعني: في بعض الأحيان يكون أمير البلد أو السلطان الأكبر يكون حازمًا قويًا شديدًا فيكون الحرز في عهده أقل مما لو كان غير ذلك.
ومن فوائد الحديث: أن وضع الرداء ومثله المشلح تحت الرأس توسُّدًا له يعتبر حرزًا.
ومن فوائد الحديث: جواز الشفاعة في الحد قبل أن يصل إلى السلطان، ومن هو السلطان هل هو المحقق أو الحاكم أو المنفذ في عهدنا الآن ثلاث جهات: جهات تحقق وهي الشرطة، وجهات تحكم وهو القاضي، وجهات تنفذ وهي الإمارة، فأيها يعتبر سلطانًا؟ الظاهر لي الأخير أن الأمير هو المنفذ.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم حاكم؟