الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلنا: نعم، هو حاكم وهو محقق وهو منفذ، الرسول صلى الله عليه وسلم ليس في عهده من يحقق أولًا ثم ترفع للمحكمة فتحكم ثم تأتي إلى الإمارة فتنفذ ليس موجودا، وعلى هذا فقد اجتمعت الولايات الثلاث في حق النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: بيان أن الأردية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت غالية رفيعة الثمن حملًا لهذا الحديث على أن الرداء يبلغ النصاب، ومن قال: إن النصاب ليس بشرط أستدل بهذا الحديث قال: لأن الرداء في الغالب لا يساوي هذه القيمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لدينا قاعدة معلومة للأكثر وهي حمل المتشابه على المحكم، فلدينا نصوص محكمة تدل على أنه لا قطع في أقل من ربع دينار فتحمل هله الأحاديث المشتبهة على هذا الحديث البيِّن الواضح.
1190 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: جيء بسارقٍ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: "اقتلوه، فقالوا: إنَّما سرق يا رسول الله، قال: اقطعوه فقطع، ثمَّ جيء به الثَّانية، فقال: اقتلوه، فذكر مثله، ثمَّ جيء به الرَّابعة كذلك، ثمَّ جيء به الخامسة فقال: اقتلوه". أخرجه أبو داود، والنِّسائيُّ، واستنكره.
- وأخرج من حديث الحارث بن حاطبٍ تخوه، وذكر الشَّافعيُّ أنَّ القتل في الخامسة منسوخٌ.
قوله: "استنكره" يعني: قال: إنه منكر، وهو جدير بأن يكون منكرًا؛ لأنه يبعد جدًّا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بقتله دون أن يتحقق موجب القتل هذا من أبعد ما يكون، ولهذا نعتبر هذا الحديث منكرًا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى الكلام عليه ولا إلى بيان فوائده لأن المبني على الباطل باطل.
وقوله: "وأخرج من حديث الحارث
…
إلخ"، نقول: لا نفرح حتى يثبت وإذا لم يثبت، فلا حاجة لدعوى النسخ.
الشبهة أنواعها وشروط انتفائها:
وبهذا انتهي الكلام على حد السرقة، وبقي هناك شروط ذكرها الفقهاء وهي انتفاء الشبهة، ولكن الشبهة على أنواع: شبهة قريبة، وشبهة بعيدة، وشبهة بين ذلك، فأما الشبهة القريبة فنعم ينبغي أن يرفع القطع عن السارق، ومن ذلك عام المجاعة؛ أي: إذا لحق الناس مجاعة عامة
وسرق أحد من الناس سرقة لحفظ حياته فإن هذا لا يقطع، وقد رفع ذلك أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في زمن المجاعة؛ لأن الشبهة هنا قوية وهي أن هذا السارق مضطر، والمضطر يجب على من علم بحاله أن ينقذه، فهو يقول: سواء علم بي صاحب المال أم لم يعلم لا بد أن يبذل لي من ماله ما تقوم به حياتي، أما إذا ادعى السارق أنه جائع وقال: لو لم أسرق لمت فهل يرتفع القطع عنه؟ لا؛ لأن هذا ليس مجاعة عامة، ولو أننا صدقنا مثل هذا لكان كل سارق يقول: إنه مضطر.
السرقة من مال من تجب نفقته هل فيها شبهة: نعم، فيها شبهة، فهذا رجل فقير عنده أخ غني يجب عليه أن ينفق على هذا الفقير، فسرق منه الفقير فقال: أنا سرقت منه؛ لأنه لم ينفق علي النفقة، فهذه لا شك أنها شبهة، ولكن نقول لهذا السارق: بدلًا من أن تسرق خذ من ماله - إذا قدرت عليه - ما يكفيك؛ لأنه يجوز لمن تجب نفقته على شخص ولم ينفق عليه أن يأخذ من ماله بغير علمه بقدر النفقة، أفتى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم هند بنت عتبة حين جاءت تشكو زوجها أبا سفيان بأنه رجل شحيح لا يعطيها ما يكفيها فقال:"خذي من ماله ما يكفيك وبنيك بالمعروف".
هل سرقة الزوج من مال زوجته يقطع؟ الفقهاء يقولون: هذه شبهة؛ لأن العادة جرت بأن الزوج يتبسط بمال زوجته وكذلك العكس، مع أن الزوجة إذا سرقت فلها شبهتان الشبهة الأولى: وجوب النفقة، والثانية: البسط بمال الزوج.
فإذا قال الإنسان: يوجد امرأة لا تريد أن يأخذ زوجها منها ولا فلسًا ولا ترضى أن يتبسط بمالها فهل تقطعونه إذا سرق من مثل هذه الزوجة؟ نقول: النادر لا حكم له والعبرة بالأكثر، أكثر النساء قد يطيب لها أن يأخذ زوجها من مالها سرقة أو نهبًا وترى هذا من كمال المودة، وكذلك بالعكس هذا هو الغالب، وإذا وجدت حالات نادرة فالنادر لا حكم له، إذا ثبت القطع فمن الذي يقطع المسروق منه أم أولو الأمر؟ الثاني؛ لأنهم هم الذين توجه إليهم مثل هذه الخطابات إقامة الحدود وما أشبه ذلك، إذا كان عبدًا فهل يقطعه سيده أم ولي الأمر العام؟ الثاني، والسيد لا يقطعه، ولهذا لم يرخص الفقهاء للأسياد أن يقيموا الحدود على مماليكهم إلَّا في الجلد فقط وأما القطع فلا، ثم إن هناك محظورًا آخر نقول للسيد إذا قطع يد عبده السارق ربما نقول إنه يعتق عليه؛ لأن التمثيل بالعبد يوجب العتق، لكن يدفع هذا الإيراد بأن هذا ليس قصده التمثيل، وإنما قصده التأديب.
وما معنى قولنا: إذا مثل بعبده عتق؟ يعني: لو قطع أنملة من أصابعه عتق، ولو قطع ظفرًا من أظفاره لم يعتق؛ لأن الظفر في حكم المفصل، ولو قطعه خطأ فظاهر التعليل أنه لا يعتق؛