الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الكفارة فهي: مأخوذة من الكفر وهو- لغة-: الستر، وهو- في الشرع-: الفداء الذي يفدي به الإنسان نفسه من مغبة المعصية، سواء في الظهار أو في كفارة اليمين أو ما أشبه ذلك، إنما هي في مقابل الذنب يريد الإنسان بها أن يستر الله عليه ما فعل.
حكم الإيلاء:
حكم الإيلاء أنه: محرم؛ لأنه حلف على انتهاك حق، فإن الزوجة يجب على زوجها أن يجامعها بالمعروف، وكذلك الظهار حرام قال الله تعالى:{وإنَّهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا} [المجادلة: 2]. أما الكفارة فهي واجبة إذا وجد سببها.
1049 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرَّم، فجعل الحلال حرامًا، وجعل لليمين كفَّارة". رواه التِّرمذيُّ، ورواته ثقاتٌ.
قولها رضي الله عنها: "آلى من نسائه" كم آلى؟ ألى شهرًا من نسائه صلى الله عليه وسلم وفي آخر الشهر نزل، وقال:"إن الشهر تسعة وعشرون يومًا"، حرم- على القول الصحيح- العسل قال الله تعالى:{يأيُّها النَّبيُّ لم تحرِّم ما أحل الله لك} [التحريم: 1]؟ وقيل: إنه حرم مارية وه ضعيف، والصواب: أنه العسل، "فجعل الحرام حلالًا، وجعل لليمين كفارة" يعني: استحل ما حرمه وكفر عن يمينه استرشادًا بإرشاد الله عز وجل حيث قال له: {يأيُّها النَّبيُّ لم تحرم ما أحلَّ الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفورٌ رحيمٌ (1) قد فرض الله لكم تحلَّه أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم} ففي هذا الحديث جواز الإيلاء، ولكن بشرط ألا يزيد على أربعة أشهر، ولكن هل هذا جائز بدون سبب؟ لا، لا يجوز بدون سبب؛ وذلك لأن المرأة لها حق في الجماع، فكما أن الرجل له حق في الجماع، وإذا دعا زوجته فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح فكذلك هي، قال الله تعالى: } ولهنَّ مثل الَّذي عليهنَّ بالمعروف} [البقرة: 228]. لكن له أن يولي شهرًا أو أسبوعًا أو شهرين من باب التعزير كما إذا كانت الزوج قد قصرت في الواجب أو طالبت بما لا تستحقه، فإن له أن يعزرها بذلك، أما الإيلاء بدون سبب فإنه لا يجوز، لأنه- أي: الجماع- حق لها.
من فوائد الحديث: أن تحريم الشيء يقصد الامتناع منه يكون يمينًا، يعني: حكمه حكم اليمين، وإذا جعلنا حكمه حكم اليمين فهل يحرم ذلك الشيء؟ لا؛ لأنك لو قلت: والله لا آكل الخبز ما حرم الخبز عليه، لكنه إن فعلته وجب عليك الكفارة وقولنا: يقصد الامتناع احترازًا مما لو قصد الخبر، فإذا قصد الخبر لم يكن يمينًا، ولكنه يكون كاذبًا مثل: أن يقول: الخبز عليَّ حرام يريد الخبر ماذا نقول له؟ كذبت ليس حرامًا، واحترازًا أيضًا من أن يريد بذلك إنشاء التحريم، أي: إثبات حكم شرعي يخالف حكم الله فهذا أخطر؛ لأن الله يقول: {ولا تقولوا لما
نصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لافتروا على الله الكذب إنَّ الَّذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (116) متاعٌ قليلٌ ولهم عذابٌ أليمٌ} [النحل: 116، 117]. فصار إضافة التحريم إلى الشيء على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يريد الخبر فما الذي يترتب عليه من حكم؟ لا يترتب عليه شيء، بل يقال: إن الرجل كاذب، عليه أن يتوب مما قال. الثاني: أن يقصد الامتناع منه فحكمه حكم اليمين، أي: أنه يكفر- إذا استحله- كفارة يمين. الثالث: أن يقصد إنشاء الحكم المخالف للشرع، فهذا خطر عظيم قد يؤدي إلى الكفر، حيث شرع ما لم يشرعه الله عز وجل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في قوله تعالى: {اتَّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله} [التوبة: 31]. عندما قال يا رسول الله، لسنا نعبدهم، قال:"أليسوا يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ " قال: نعم، قال:"قتلك عبادتهم".
ومن فوائد الحديث: أن من حرم شيئًا يريد الامتناع منه فإنه يلزمه الكفارة؛ لقوله: "وجعل لليمين كفارة" فسمى ذلك يمينًا وأثبت أن فيه الكفارة، وهل يلحق بذلك الطلاق والنذر والعتق وما أشبهها؟ يعني: إذا قالها يريد الامتناع، مثل: أن يقول: إن فعلت كذا فامرأتي طالق لا يريد الطلاق لكنه يريد الامتناع من ذلك؟ الجواب: نعم على القول الراجح، وكذلك لو قال: إن فعلت كذا فعبدي حر نقول أيضًا: حكمه على القول الراجح حكم اليمين إذا قصد الامتناع، وكذلك لو قال إن فعلت كذا فلله عليَّ نذر أن أصوم سنة يقصد الامتناع من هذا الشيء ثم فعله فهل يلزمه أن يصوم سنة؟ لا وإنما يلزمه كفارة يمين؛ لأن الإنسان الذي قال هذا النذر ما قصد أن يتطوع لله بالنذر، قصد أن يمنع نفسه، وهذه القاعدة هي التي مشى عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكن جمهور العلماء على خلاف ذلك أي أنهم يغلبون جانب التعليق فيقولون: إن فعلت كذا فزوجتي طالق ثم فعله فإن الزوجة تطلق ولو نوى الامتناع، وإذا قال: إن فعلت كذا فعبدي حر فإنه يعتق العبد، ولو كان أراد الامتناع، أما النذر فالمشهور من المذهب أنه إذا أراد الامتناع فهو يمين وهذا القول أعني أنهم يجعلون النذر إذا أريد به الامتناع في حكم اليمين مما احتج به شيخ الإسلام، وقال: إذا كنتم لا توجبون عليه أن يوفِّي بالنذر مع أنه طاعة فكيف تلزمونه بالطلاق مع أنه غير طاعة والمعنى واحد؛ لأن الذي قال: إن فعلت كذا فزوجتي طالق إنما أراد الامتناع، كالذي قال: إن فعلت كذا فلله عليَّ نذر أن أصوم سنة كلاهما أراد بذلك الامتناع فكيف تقولون: في الطلاق بالإلزام وفي النذر بأنه يمين مع أنه كان المتوقع أن يكون الأمر بالعكس؟ ّ لأن الطلاق يكرهه الشرع والوفاء بالنذر- نذر الطاعة- يحبه الشرع،