المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ضده، فالحائض مثلًا يحرم جماعها وما عدا الجماع جائز، وإلحاق - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٥

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب الطلاق

- ‌تعريف الطلاق لغة وشرعًا:

- ‌ذكر المفاسد المترتبة على الطلاق:

- ‌حكم طلاق الحائض

- ‌المحرم من الطلاق:

- ‌اختلاف حكم الطلاق ثلاثة مجموعة في عهد عمر رضي الله عنه:

- ‌مسألة: هل يقع الطلاق بحديث النفس أو الوسوسة

- ‌حكم الطلاق الخطأ وطلاق المكره:

- ‌ثبوت الطلاق يترتب على ثبوت النكاح:

- ‌حكم طلاق الصغير والمجنون والسكران:

- ‌كتاب الرجعة

- ‌حكم الإشهاد في الطلاق والرجعة:

- ‌1 - باب الإيلاء والظهار والكفارة

- ‌حكم الإيلاء:

- ‌مدة الإيلاء:

- ‌حكم المجامع في رمضان:

- ‌كفارة الظهار:

- ‌2 - باب اللعان

- ‌تعريف اللعان:

- ‌3 - باب العدة والإحداد والاستبراء وغير ذلك

- ‌عدة الوفاة

- ‌عدة الطلاق وفسخ النكاح:

- ‌حكم السكنى والنفقة للمطلقة البائنة وعدتها:

- ‌حكم التطيب والحناء في الحداد:

- ‌حكم الكحل في الحداد:

- ‌حكم خروج المعتدة المطلقة:

- ‌حكم خروج المعتدة بعد وفاة زوجها من بيتها:

- ‌طلاق الأمة وعدتها:

- ‌الاستبراء وأحكامه:

- ‌أحكام امرأة المفقود في العدة وغيرها:

- ‌التحذير من الحلوة بالأجنبية:

- ‌أحكام السبايا في الاستبراء:

- ‌4 - باب الرضاع

- ‌تعريف الرضاع:

- ‌مسألة إرضاع الكبير وأحكامها:

- ‌يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب:

- ‌صفة الرضاع الذي يثبت به التحريم:

- ‌النهي عن استرضاع الحمقى:

- ‌5 - باب النفقات

- ‌أسئلة ومناقشة:

- ‌النفقة على الزوجة والأولاد وأحكامها:

- ‌النفقة على المملوك وأحكامها:

- ‌حكم النفقة على الحامل المتوفى عنها زوجها:

- ‌مسألة طلب المرأة الطلاق عند عجز زوجها عن النفقة:

- ‌النفقة على الوالدين وأحكامها:

- ‌6 - باب الحضانة

- ‌تعريف الحضانة:

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌تعريف الجنايات لغة وشرعًا:

- ‌حرمة دماء المسلمين وتعظيمها:

- ‌المعتدي جان يفعل به كما فعل:

- ‌حالات إباحة قتل المسلم:

- ‌حرمة الدماء:

- ‌القصاص من الحر للعبد:

- ‌حكم قود الوالد بولده:

- ‌حكم قتل المسلم بكافر:

- ‌حكم قتل المؤمن بمعاهد:

- ‌الجناية على النفس:

- ‌جناية الصغير والمجنون:

- ‌ترك القصاص في الجروح قبل البرء:

- ‌الجناية على الحمل:

- ‌العفو عن الجناية:

- ‌الجناية على النفس وأنواعها:

- ‌الاشتراك في الجناية:

- ‌قتل الجماعة بالواحد:

- ‌التخيير بين الدية والقصاص وشروطه:

- ‌1 - باب الديات

- ‌مقادير الدية في الجروح:

- ‌دية القتل الخطأ:

- ‌دية قتل العمد وشبه العمد:

- ‌إلحاق دية شبه العمد بالقتل الخطأ:

- ‌دية الأصابع والأسنان:

- ‌ضمان الطبيب:

- ‌دية الشجاج:

- ‌دية أهل الكتاب:

- ‌دية المرأة والرجل:

- ‌تغليظ الدية وضوابطه:

- ‌2 - باب دعوى الدم والقسامة

- ‌3 - باب قتال أهل البغي

- ‌تعريف البغي، وبيان أهل البغي بالتفصيل:

- ‌قتال من حمل السلاح على المسلمين:

- ‌عقوبة مفارقة الجماعة:

- ‌ضوابط معاملة البغاة:

- ‌الحث على الاجتماع ونبذ الفرقة:

- ‌4 - باب قتال الجانب وقتل المرتدِّ

- ‌جواز قتل الصائل:

- ‌سقوط الضمان في الدفاع عن النفس:

- ‌سقوط الضمان للمتطلع لبيوت المسلمين:

- ‌ضمان ما أتلفته المواشي:

- ‌قتل المرتد:

- ‌شروط قتل المرتد:

- ‌قُتل من سب النبي أو زوجاته أو أصحابه:

- ‌كتاب الحدود

- ‌مفهوم الحدود وحكمه:

- ‌1 - باب حد الزاني

- ‌حد الزاني غير المحصن:

- ‌حكم الجمع بين الجلد والرجم:

- ‌ثبوت الزنا بالإقرار:

- ‌وجوب التثبت في إثبات الزنا:

- ‌طرق ثبوت الزنا

- ‌حد الأمة الزانية:

- ‌السيد يقيم الحد على مملوكه:

- ‌تأجيل إقامة حل الزنا على الحامل:

- ‌تخفيف الحد على المريض الضعيف:

- ‌عقوبة اللواط:

- ‌الجمع بين الجلد والتغريب للزاني البكر:

- ‌لعنة المخنثين والمترجلات:

- ‌درء الحدود بالشبهات:

- ‌وجوب إقامة حد الزنا عند ثبوته:

- ‌2 - باب حدِّ القذف

- ‌اللعان:

- ‌حد المملوك القاذف:

- ‌3 - باب حدِّ السَّرقة

- ‌نصاب السرقة الموجب للقطع:

- ‌جحد العارية:

- ‌المختلس والمنتهب:

- ‌اشتراط الحرز لوجوب القطع:

- ‌ثبوت السرقة بالإقرار:

- ‌لا ضمان على السارق:

- ‌حكم الجمع بين الضمان والقطع:

- ‌الشفاعة في الحدةد، ضوابطها:

- ‌الشبهة أنواعها وشروط انتفائها:

- ‌4 - باب حدِّ الشَّارب وبيان المسكر

- ‌عقوبة شارب الخمر:

- ‌تجنب الضرب على الوجه:

- ‌الخمر بين الطهارة والنجاسة:

- ‌كل مسكر خمر:

- ‌حكم مزج الزبيب بالماء أو اللبن:

- ‌حكم التداوي بالمحرم:

- ‌حكم التداوي بالخمر:

- ‌5 - باب التعزيز وحكم الصَّائل

- ‌التعزيز بين الوجوب والاجتهاد:

- ‌إقالة العثرات وضوابطها:

- ‌حكم الصائل:

- ‌الدفاع عن النفس:

-

- ‌كتاب الجهاد

- ‌تعريف الجهاد لغة وشرعًا:

- ‌أقسام الجهاد:

- ‌وجوب جهاد الدفاع وشروطه:

- ‌شرط القدرة على الجهاد وضوابطه:

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله:

- ‌جهاد النساء:

- ‌تقديم بر الوالدين على الجهاد:

- ‌حكم الإقامة في دار الكفر:

- ‌الهجرة من دار الكفار وأحكامها:

- ‌وجوب الإخلاص في الجهاد:

- ‌جواز الهدنة:

- ‌حكم الإغارة بلا إنذار:

- ‌وصايا الرسول صلي الله عليه وسلم لأمراء الجيوش:

- ‌فائدة جواز الجزية من مشركي العرب:

- ‌التورية عند الغزو:

- ‌القتال أول النهار وأخره:

- ‌جواز قتل النساء والذرية عند التبييت:

- ‌لا يستعان بمشرك في الحرب:

- ‌النهي عن قتل النساء والصبيان في الحروب:

- ‌جواز قتل شيوخ المشركين:

- ‌المبارزة في الحروب:

- ‌الحمل على صفوف الكفار وضوبطه:

- ‌إتلاف أموال المحاربين:

- ‌النهي عن الغلول:

- ‌سلب القاتل:

- ‌الرمي بالمنجنيق:

- ‌جواز قتل المرتد في الحرم:

- ‌القتل صبرًا:

- ‌الأسير وأحواله:

- ‌إسلام الكافر ونتائجه:

- ‌معرفة الجميل لأهله:

- ‌النهي عن وطء المسبية حتى تستبرأ أو تضع:

- ‌تنفيل المجاهدين بعد قسمة الفيء:

- ‌سهم الفارس والفرس والراجل:

- ‌حكم التنفيل:

- ‌حكم الأخذ من طعام العدو قبل القسمة:

- ‌وجوب المحافظة على الفيء:

- ‌يجير على المسلمين أدناهم:

- ‌إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب:

- ‌إجلاء بني النضير من المدين

- ‌تقسيم غنائم خيبر:

- ‌لا يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم الرسل ولا ينقض العهد:

- ‌حكم الأرض المفتوحة:

- ‌1 - باب الجزية والهدنة

- ‌أخذ الجزية من المجوس:

- ‌أخذ الجزية من العرب:

- ‌مقدار الجزية عن كل حالم:

- ‌علو الإسلام بالوقوف عند العمل به:

- ‌السلام على الكفار وحكمه:

- ‌صلح الحديبية:

- ‌النهي عن قتل المعاهد:

- ‌2 - باب السبق والرمي

- ‌السباق على الخف والحافر والنصل:

- ‌محلل السبَّاق:

- ‌شرعية التدريب على القوة:

الفصل: ضده، فالحائض مثلًا يحرم جماعها وما عدا الجماع جائز، وإلحاق

ضده، فالحائض مثلًا يحرم جماعها وما عدا الجماع جائز، وإلحاق المظاهر منها بالحائض أقرب من إلحاق المحرمة؛ لأن المحرمة متلبِّسة بعبادة بناء على جواز الاستمتاع، ثم إن المحرمة أيضًا قد ورد ما يدل على تحريم الاستمتاع بها، فقد حرم الرسول صلى الله عليه وسلم على المحرم أن يخطب الخطبة التي قد تكون ذريعة لعقد النكاح، وقد لا تكون، وحرم عليه أيضًا أن يعقد النكاح، فيكون الاستمتاع من باب أولى، وعلى كل حال: ففي مسألة الظهار الذي يظهر أن المحرَّم هو الجماع، وأن ما سواه لا بأس به.

يستفاد من هذا الحديث: صراحة الصحابة- رضي الله عنهم في طلب الوصول إلى الحق لأنه جاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالواقع ولم يستحي.

ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يستحيي من الحق؛ كما هي عادة الصحابة وهم أقوى منا إيمانًا وأقوى منا حياء؛ لأن الحياء من الإيمان ومع ذلك يصرحون بما تقتضي المصلحة التصريح به.

ومن فوائد الحديث: أن من ظاهر ثم جامع قبل التكفير فإنه لا تلزمه كفارتان بل كفارة واحدة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "حتى تفعل ما أمرك الله به"، وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا ظاهر ثم جامع قبل التكفير لزمته كفارتان ولكن لا وجه لهذا مع وجود هذا النص.

ومن فوائد الحديث: تحريم الجماع قبل أن يكفِّر لقوله: "كفِّر ولا تعد".

‌كفارة الظهار:

1054 -

وعن سلمة بن صخرٍ رضي الله عنه قال: "دخل رمضان، فخفت أن أصيب امرأتي، فظاهرت منها، فانكشف لي شيء منها ليلةً، فوقعت عليها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرِّر رقبةً. قلت: ما أملك إلا رقبتي. قال: فصم شهرين متتابعين، قلت: وهل أصبت الَّذي أصبت إلا من الصِّيام؟ قال: أطعم فرقًا من تمرٍ بين ستِّين مسكينًا". أخرجه أحمد، والأربعة إلا النَّسائيَّ، وصحَّحه ابن خزيمة، وابن الجارود.

رحم الله المؤلف، لو ذكر الأحاديث الواردة التي هي أصرح من هذا في مسألة الظهار لكان أولى من ذكر هذا الحديث، ولكن على كل حال نشرحه، قوله:"دخل رمضان فخفت أن أصيب امرأتي فظاهرت منها" يريد بذلك منع نفسه من أن يجامع امرأته، وكان في أول الأمر إذا أراد الرجل الصوم في رمضان فإنه لا يقرب أهله بعد صلاة العشاء أو بعد نوم ولو قبل العشاء، يعني: امتنع إتيان النساء في رمضان ليلًا، إذا نام ولو قبل صلاة العشاء أو إذا صلى العشاء وشق

ص: 77

ذلك على الناس فنسخ الله هذا الحكم وقال: {أحلَّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنُّ علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم} [البقرة: 187]. ومعنى "تختانون": تخدعونها بحيث لا تصبرون على هذا التكليف، {فالآن باشروهنَّ وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتَّى

} الآية.

سلمة بن صخر أراد أن يمنع نفسه من أهله فظاهر منها، ولكنه انكشف له شيء منها ليلة فعجز عن نفسه فوقع عليها، إذن وقع عليها بعد أن ظاهر، وماذا يجب عليه؟ يجب عليه أن يكفرِّ بل إن الكفارة تجب في العزم على الجماع قبل أن يجامع لقوله تعالى: } من قبل أن يتماسَّا

} يقول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حرر رقبة" يعني: أعتق، ورقبة لفظ مطلق يتناول الذكر والأنثى والعدل والفاسق، والمؤمن والكافر، وهذا الإطلاق هو الذي في القرآن، قال الله تعالى:{والَّذين يظاهرون من نِّسائهم ثمَّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسَّا} [المجادلة: 3]. رقبة مطلقة ولم يقيد الله تعالى الرقبة بالإيمان إلا في كفارة واحدة وهي كفارة القتل ففي الأيمان قال: {فكفَّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ} [المائدة: 89].

ولم يقيدها بالإيمان، وهنا قال:{فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسَّا} ، قلنا: إن هذا مطلق يتناول الذكر والأنثى، والعدل والفاسق، والمؤمن والكافر، والصغير والكبير، والمعيب والسليم، لأن المطلق على اسمه مطلق غير مقيد بوصف، فأما كونه ذكرًا أو أنثى فهذا محل إجماع، يعني: أن العلماء أجمعوا- فيما أعلم- أنه لا فرق بين الذكر والأنثى، وأما الصغير والكبير فكذلك، إذ لم يفرق العلماء بينهما، وأما العدل والفاسق فكذلك لم يفرقوا بينهما. هذه ثلاثة أشياء، بقي السليم والمعيب، الكافر والمؤمن اختلفوا فيه، اتفقوا على تقييد ما قيده الله، وذلك في كفارة القتل واختلفوا فيما أطلقه الله، فمنهم من قال: ما قيده الله وجب علينا أن نقيده وما أطلقه يجب علينا أن نطلقه، فإذا كان الله عز وجل قال في كتابه:{ونزَّلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيءٍ} [النحل: 89]. فإن المطلق إذا لم يقيد بيانه أن يبقى على إطلاقه والمبين مبين، لكن الجمهور على أنه لا بد من الإيمان، واستدلوا لذلك بأن الله تعالى يطلق أشياء وهي مقيدة بأوصاف إما في القرآن أو في السنة، مثلًا: العمل الصالح الحسن وما أشبه ذلك، فهناك أعمال كثيرة مطلقة نحو: من صلى ركعتين فله كذا "من صلى البردين دخل الجنة" هذه كلها مطلقات، وكلها مقيدة بابتغاء وجه الله، كما قال تعالى:{محمدٌ رسول الله والَّذين معه أشداء على الكفَّار رحماء بينهم تراهم ركَّعًا سجَّدًا يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا} [الفتح: 29]. وقال الله تعالى: {لَّا خير في كثيرٍ من نَّجواهم إلَّا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين النَّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله} [النساء: 114]. فكل الأعمال المطلقة مقيدة بهذا القيد بالاتفاق، إذن تحرير الرقبة كفارة لما فعل الإنسان من الذنب، عمل

صالح وإذا كان عملًا صالحًا فإنه يحمل المطلق فيه على المقيد، ويوضح ذلك وضوحًا كاملًا حديث معاوية: بن الحكم أنه ذكر أن له جارية ترعى غنمًا حول المدينة وأنه اطلع عليها ذات يوم فرأى الذئب عدا على شاة منها وهي جارية مملوكة، يقول: فلطمها- صكها صكة عظيمة- ثم جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: فعلت كذا وكذا أفلا أعتقها، ماذا يريد من إعتاقها؟ أن يكون كفارة له على صكها فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ائتي بها"، فجاء بها، فقال:"أين الله؟ " قالت: في السماء، قال:"من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله، قال:"أعتقها فإنها مؤمنة"، مع أن هذه ليست كفارة، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم علَّل الإعتاق بالإيمان في غير الكفارة ففي الكفارة من باب أولى، أيضًا الإعتاق تحرير العبد من الرق يكون محررًا يستطيع أن يعبد الله تعالى على حريته يصل رحمه، يتصدق، يبيع ويشتري، تيسر له الأمور بالحرية وهذا كله إنما يناسب المؤمن وليس الكافر، الكافر بقاؤه في الرق قد يكون أقرب إلى إسلامه، لأننا لو حررناه تحرر وذهب إلى بلاد الكفر أو عثى في الأرض فسادًا، فهذا القول هو الصحيح بمعنى: أنه لا بد من الإيمان في إعتاق الرقبة.

السليم والمعيب: السليم لا أعلم أحدًا نازع في جواز عتقه إذا كانت رقبة مؤمنة ولكن المعيب ينقسم إلى قسمين: عيب لا يخل بالعمل، وعيب يخل بالعمل.

فأما العيب الذي لا يخل بالعمل فلا شك في إجزاء العبد إذا كان فيه عيب لا يخل بالعمل، مثال ذلك: أن يكون العبد أعور، أو أن يكون مقطوع الخنصر من اليد أو من الرجل، أو أن يكون فيه برص، أو أن يكون فيه عرج لا يمنعه من مزاولة العمل وما أشبه ذلك هذا لا شك في أنه يجوز أن يعتق بالكفارة، لكن إذا كان به عيب يمنع العمل كالشلل وكقطع اليد أو الرجل أو قطع الإبهام من اليد فقد اختلف العلماء في إجزائه، فمنهم من قال: إنه يجزئ ومنهم من قال: إنه لا يجزئ، وظاهر النصوص أنه يجزئ، لأن الله تعالى لم يشترط إلا الإيمان، وكونه لا يستطيع العمل يكون كغيره من المسلمين يجعل له شيء من بيت المال أو يلزم السيد إذا قلنا بإلزامه

ص: 78

بالاتفاق عليه؛ لأن السيد يرثه إذا مات ولم يكن له عصبة أو ذو فرض يستغرق، على كل حال: الذي يترجح عندي أنه لا يلزم أن يكون سليمًا من العيوب.

المستحق للقتل هل يجزئ يعني كما لو كان العبد قاتلًا لأحد قتل عمد هل يجزئ أن يكفَّر به؟ وهو لا يوجد غيره وه مؤمن فيجوز أن يعتق بالكفارة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"حرر رقبة" هذه الجملة فيها حذف، أو كما يقول البلاغيون: إيجاز بالحذف والإيجاز عند البلاغيين

ص: 79

ينقسم إلى قسمين إيجاز قصر وإيجاز حذف، أما إيجاز القصر فمعناه: أن تشتمل الجملة على معنى كثير بدون حذف، وأما إيجاز الحذف فمعناه: أن يحذف من الجمل ما يدل عليه الباقي، ومعلوم أنه إذا حذف من الجملة ما تحتاج إليه ولكن يدل عليه الباقي فإن ذلك إيجاز، والإيجاز بالحذف كثير في القرآن، وكذلك الإيجاز بالقصر- يعني: قصر العبارة- فقوله تعالى: {وجزاؤا سيئةٍ سيئةٌ مثلها} [الشورى: 40]. هذا إيجاز بالقصر، لو تكتب على هذه الآية مجلدات ما استوعبت صورها وقوله سبحانه وتعالى:{ولكم في القصاص حيوةٌ} [البقرة: 179]. هذا أيضًا إيجاز قصر، هذه الجملة لها معان كثيرة، وقد حاول بعض الناس أن يقارن بينها وبين كلمة مشهورة عند العرب يكتبونها بالذهب وهي: القتل أنفى للقتل فبين أن ما في القرآن أبلغ بكثير وذكر نحو عشرة أوجه على أنني لا أحبذ أن يقارن بين كلام الله وكلام الخلق؛ لأنه أجل وأعظم، لكن قد يجوز ذلك إذا كان الدافع عليه هو من باب أن يبين المقارن أن هذه الكلمة بل هذه الجملة اشتملت على معانٍ عظيمة.

الإيجاز بالحذف كثير في القرآن ومنه قصة موسى- عليه الصلاة والسلام حينما قتل القبطي ثم خرج إلى مدين: {ولمَّا توجَّه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السَّبيل (22) ولمَّا ورد ماء مدين وجد عليه أمةً من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتَّى يصدر الرَّعاء وأبونا شيخٌ كبيرٌ (23) فسقى لهما ثمَّ تولَّى إلى الظِّلِّ فقال رب إنِّي لما أنزلت إليَّ من خيرٍ فقيرٌ (24) فجاءته إحداهما تمشي على استحياءٍ} [القصص: 22 - 25]. في هذا المكان حذف جمل، ما الذي حذف؟ حذف: فذهبت المرأتان إلى أبيهما وأخبرتاه الخبر فأرسل إحداهما إلى موسى فجاءته إحداهما تمشي على استحياء، هذا إيجاز بالحذف.

وكذلك الحال في الحديث الذي معنا، فيه إيجاز بالحذف، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:"حرر رقبة"؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس عنده حين فعل ما فعل، ولكن في الكلام شيء محذوفٌ تقديره فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"حرر رقبة" وقوله: "حرر" بمعنى: أعتق رقبة والرقبة هي المملوك من ذكر وأنثى وصغير وكبير ومؤمن وكافر وسليم ومعيب وعدل وفاسق وتقدم الكلام عليه. "فقلت: ما أملك إلا رقبتي" المعنى: ليس عندي شيء لا دراهم ولا متاع ليس عندي إلا رقبتي،

ص: 80

وليس هذا يعني أن الإنسان مالك لرقبته ملكًا يتصرف فيها كما يشاء، ولكن المعنى ليس عندي شيء وهذا كقول موسى:{رب إني لا أملك إلَّا نفسي} [المائدة: 25]. ومعلوم أنه لا يملك نفسه ملك العبد، قال:"فصم شهرين متتابعين" أي: بدون إفطار بينهما، والفاء هنا- "فصم"- يسمونها فاء التفريع، أي: أن ما بعدها مفرع على ما قبلها، والمعنى: فإذا لم تجد شيئًا فصم شهرين متتابعين، قلت: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام رضي الله عنه، يعني: كيف يستطيع صيام شهرين وقد عجز عن صيام شهر واحد؟ ! ، فقال: "أطعم فرقًا من تمر

إلخ" الفرق بفتح الفاء والراء هو ما يسمى عندنا بالزنبيل ويسمى المكتل أيضًا يكون كبيرًا ويكون صغيرًا لكن لا شك أن الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أنه فرق يحتمل أو يسع إطعام ستين مسكينًا.

في هذا الحديث عدة فوائد منها: شدة ورع الصحابة- رضي الله عنهم، حيث إن سلمة لما خاف على نفسه من الوقوع في المحذور ذهب يظاهر؛ ليحمل نفسه على ترك جماع أهله، وذلك لأن الظهار كفارته مغلظة فالإنسان يخاف إذا حنث فيه أن يلزم بهذه الكفارة المغلظة.

ومنها: جواز الظهار الموقت، يعني: أن يظاهر الرجل امرأته لمدة شهر أو شهرين وما أشبه ذلك؛ لأن سلمة إنما ظاهر من امرأته شهر رمضان فقط ففيه جواز الظهار الموقت.

ومن فوائد الحديث: أن الظهار لا يجري مجرى اليمين؛ لأن هذا الظهار أراد به الامتناع هذه المدة ولكنه شبه امرأته بأمه فلا يجري مجرى اليمين أو مجرى تحريم المرأة؛ لأن الصحيح أن تحريم المرأة بلفظ: أنت عليَّ حرام حكمه حكم اليمين كما سبق.

ومن فوائد الحديث: أن من ظاهر من امرأته ثم عاد في ذلك وجامع فإنه تلزمه الكفارة.

ومن فوائده: أنه إذا جامع قبل أن يكفر لم يلزمه إلا كفارة واحدة، خلافًا لمن قال: إنه إذا جامع قبل أن يكفر لزمه كفارتان، والصواب أنه يلزمه كفارة واحدة حتى ولو تكرر.

ومن فوائد الحديث: أن الرقبة تجزئ ولو كانت غير مؤمنة يؤخذ ذلك من الإطلاق، ولكن سبق لنا أن القول الراجح أن الإطلاق مقيد، وله نظائر كثيرة في القرآن حيث تأتي آيات مطلقة فتحمل على المقيد؛ لأن الوحي شيء واحد المشرع له واحد وهو الله عز وجل، فيحمل مطلقه على مقيده.

ومن فوائد هذا الحديث: أن كفارة الظهار مرتبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الخصال الثلاث كل واحدة على الأخرى.

ومن فوائد الحديث: أنه يجب إذا لم يجد رقبة أن يصوم شهرين متتابعين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فصم شهرين متتابعين"، والتتابع التوالي، وهنا سؤلان: الأول: هل تعتبر الأشهر بالأهلة أو بالأيام؟ قال بعض العلماء: بالأيام، وعلى هذا فيصوم ستين يومًا، وقال آخرون: بل بالأهلة،

ص: 81

وهذا هو الصحيح، سواء ابتدأ الصوم من أول ليلة من الهلال أو في أثناء الشهر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الشهر تسعة وعشرون" وقال: الشهر هكذا وهكذا مرة ثلاثون ومرة قبض إبهامه أي أنه يكون تسعة وعشرين وهذا هو الواقع، فإذا كان ذلك فكيف نلزمه بستين يومًا مع احتمال أن يكون أحد الشهرين تسعة وعشرين، أو الشهران جميعًا، وعلى هذا فالمعتبر الأهلَّة ولو نقصت عن ستين يومًا سواء ابتدأ من أول الشهر أو في أثنائه، فإذا ابتدأ في اليوم الخامس عشر من محرم مثلًا فمتى ينتهي؟ في اليوم الرابع عشر من ربيع الأول، لا نقول: صم ستين يومًا قد يرى هلال صفر ويكون تسعة وعشرين يومًا، وكذلك المحرم فلا يهمنا، المهم أن يصوم شهرين متتابعين. السؤال الثاني: هل إذا حصل عذر يبيح الفطر كالمرض والسفر هل يقطع التتابع؟ الصحيح ألا يقطعه؛ لأنه إذا كان يباح للإنسان أن يفطر يومًا من رمضان للعذر فكيف لا يفطر بما وجب التتابع فيه، وعلى هذا فلو سافر الإنسان في أثناء الشهرين وأفطر مدة سفره فإنه يبني على ما مضى، فلو صام شهرًا ثم سافر عشرة أيام ثم عاد إلى بلده يصوم شهرًا ثانيًا فقط؛ لأن هذا عذر، لكن لو سافر ليفطر حرم السفر وحرم الفطر؛ يعني: فيلزم بأن يصوم، فإن أفطر انقطع التتابع؛ وذلك لأنه إذا نوى بالسفر التحايل على إسقاط الواجب فإنه لا يسقط، الواجبات لا تسقط بالتحايل عليها والمحرمات لا تحل بالتحايل عليها.

ومن فوائد الحديث: صراحة الصحابة- رضي الله عنهم؛ لأنهم لا يستحيون من الحق؛ لقوله: "وهل أصبت

إلخ".

ومن فوائده: أن الواجب إطعام ستين مسكينًا لإطعام ستين مسكينًا فبينهما فرق، إذا قلنا: إطعام ستين مسكينًا فلابد من هذا العدد، وإذا قلنا طعام ستين مسكينًا فإنه يجوز أن تعطيه واحدًا، إذا كان طعام ستين مسكينًا فالواجب إطعام ستين مسكينًا، ولكن هل الإطعام مقدر أو غير مقدر؟ الصحيح أنه غير مقدر. وسؤال آخر: هل يعتبر فيه التمليك أو لا يعتبر؟ الصحيح: أنه لا يعتبر فيه التمليك؛ لأن الله- سبحانه وتعالى أطلق قال: {فمن لَّم يستطع فإطعام ستين مسكينًا} [المجادلة: 4]، وقال في كفارة اليمين:{فكفَّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم} [المائدة: 89]. فأطلق الله الإطعام، وعلى هذا فنقول: الواجب الإطعام أن تطعم ستين مسكينًا لا أن تملك الستين مسكينًا فلو غدَّى المساكين أو عشاهم فإنه يجزئه؛ لأنه يصدق عليه أنه أطعم ستين مسكينًا، أما ما قدره الشرع فإنه لا بد فيه من التمليك، ولابد فيه من التقدير الذي قدره الشرع، مثاله: صدقة الفطر، وفدية الأذى قال الله تعالى:{فمن كان منكم مريضًا أو به أذىً من رأسه ففديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسكٍ} [البقرة: 196]. ما قال: أو إطعام، بل قال:{صدقةٍ} ، والصدقة

ص: 82

لابد فيها من تمليك، ولهذا قدرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع، والفرق بين قوله تعالى:{فإطعام ستين مسكينًا} وبين قوله: {صدقةٍ} الفرق بينهما ظاهر لأن صدقة فيها تمليك إلا أنها كانت مجملة في الآية وبينها النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع" صدقة الفطر قدَّرها النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام وقال: "إنها طعمة للمساكين".

وإذا كان صاعًا من طعام علمنا أنه لا يكفي إطعامهم، بل لا بد من صاع، والصاع يملك، وعند التأمل يتبين لك أن الكفارات ونحوها ترد على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: ما قدر فيه المعطي والآخذ.

والثاني: ما قدر فيه المعطي دون الآخذ.

والثالث: ما قدر فيه الآخذ دون المعطي، أما ما قدر فيه المعطي والآخذ فهي فدية الأذى المعطي ثلاثة آصع والآخذ ستة مساكين، وما قدر فيه المعطى دون الآخذ، صدقة الفطر صاع من طعام، ولهذا يجوز أن تعطي الصاعين والثلاثة لواحد وأن تفر الصاع الواحد بين اثنين فأكثر؛ لأن المقدر فيها المعطي دون الآخذ، وما قدر فيه الآخذ دون المعطي كفارة الظهار، وكفارة اليمين كفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وفي الظهار قال الله تعالى:{فمن لَّم يستطع فإطعام ستين مسكينًا} .

ومن فوائد الحديث: أن الفقير والمسكين يتعاوران بمعنى أن أحدهما يكون بدل الآخر، وذلك عند انفراد أحدهما عن صاحبه فقوله تعالى:{إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} [النور: 32]. يشمل الفقير والمسكين، وقوله تعالى:{للفقراء المهاجرين} [الحشر: 8]. يشمل الفقير والمسكين، وقوله:{فإطعام ستين مسكينًا} يشمل المسكين والفقير، وقوله:{إنَّما الصَّدقات للفقراء والمساكين} [التوبة: 60]. يختلفان، الفقراء أشد حاجة من المساكين وهذا له نظائر أن تكون كلمتان عند الاجتماع مختلفتين وعند الانفراد متفقتين.

ليس في هذا الحديث بيان أنه يمسك عن الجماع مرة ثانية حتى يكفر، لكنه يؤخذ مما سبق أنه لو جامع قبل أن يكفر تمنعه من أن يعود مرة ثانية حتى يكفر، فيما لو جامع في أثناء الكفارة، مثلًا: جامع المظاهر منها بعد أن صام شهرين فهل يلزمه أن يعود أو يبني على ما مضى؟ نقول: إن جامعها بالنهار فلا شك أنه يعيد من جديد؛ لماذا؟ لانقطاع التتابع وإن جامعها ليلًا ففيه خلاف بين العلماء، وهل يستأنف أو يبني؛ لأنه لو صام من الغد فهل يكون

ص: 83