المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجناية على الحمل: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٥

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب الطلاق

- ‌تعريف الطلاق لغة وشرعًا:

- ‌ذكر المفاسد المترتبة على الطلاق:

- ‌حكم طلاق الحائض

- ‌المحرم من الطلاق:

- ‌اختلاف حكم الطلاق ثلاثة مجموعة في عهد عمر رضي الله عنه:

- ‌مسألة: هل يقع الطلاق بحديث النفس أو الوسوسة

- ‌حكم الطلاق الخطأ وطلاق المكره:

- ‌ثبوت الطلاق يترتب على ثبوت النكاح:

- ‌حكم طلاق الصغير والمجنون والسكران:

- ‌كتاب الرجعة

- ‌حكم الإشهاد في الطلاق والرجعة:

- ‌1 - باب الإيلاء والظهار والكفارة

- ‌حكم الإيلاء:

- ‌مدة الإيلاء:

- ‌حكم المجامع في رمضان:

- ‌كفارة الظهار:

- ‌2 - باب اللعان

- ‌تعريف اللعان:

- ‌3 - باب العدة والإحداد والاستبراء وغير ذلك

- ‌عدة الوفاة

- ‌عدة الطلاق وفسخ النكاح:

- ‌حكم السكنى والنفقة للمطلقة البائنة وعدتها:

- ‌حكم التطيب والحناء في الحداد:

- ‌حكم الكحل في الحداد:

- ‌حكم خروج المعتدة المطلقة:

- ‌حكم خروج المعتدة بعد وفاة زوجها من بيتها:

- ‌طلاق الأمة وعدتها:

- ‌الاستبراء وأحكامه:

- ‌أحكام امرأة المفقود في العدة وغيرها:

- ‌التحذير من الحلوة بالأجنبية:

- ‌أحكام السبايا في الاستبراء:

- ‌4 - باب الرضاع

- ‌تعريف الرضاع:

- ‌مسألة إرضاع الكبير وأحكامها:

- ‌يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب:

- ‌صفة الرضاع الذي يثبت به التحريم:

- ‌النهي عن استرضاع الحمقى:

- ‌5 - باب النفقات

- ‌أسئلة ومناقشة:

- ‌النفقة على الزوجة والأولاد وأحكامها:

- ‌النفقة على المملوك وأحكامها:

- ‌حكم النفقة على الحامل المتوفى عنها زوجها:

- ‌مسألة طلب المرأة الطلاق عند عجز زوجها عن النفقة:

- ‌النفقة على الوالدين وأحكامها:

- ‌6 - باب الحضانة

- ‌تعريف الحضانة:

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌تعريف الجنايات لغة وشرعًا:

- ‌حرمة دماء المسلمين وتعظيمها:

- ‌المعتدي جان يفعل به كما فعل:

- ‌حالات إباحة قتل المسلم:

- ‌حرمة الدماء:

- ‌القصاص من الحر للعبد:

- ‌حكم قود الوالد بولده:

- ‌حكم قتل المسلم بكافر:

- ‌حكم قتل المؤمن بمعاهد:

- ‌الجناية على النفس:

- ‌جناية الصغير والمجنون:

- ‌ترك القصاص في الجروح قبل البرء:

- ‌الجناية على الحمل:

- ‌العفو عن الجناية:

- ‌الجناية على النفس وأنواعها:

- ‌الاشتراك في الجناية:

- ‌قتل الجماعة بالواحد:

- ‌التخيير بين الدية والقصاص وشروطه:

- ‌1 - باب الديات

- ‌مقادير الدية في الجروح:

- ‌دية القتل الخطأ:

- ‌دية قتل العمد وشبه العمد:

- ‌إلحاق دية شبه العمد بالقتل الخطأ:

- ‌دية الأصابع والأسنان:

- ‌ضمان الطبيب:

- ‌دية الشجاج:

- ‌دية أهل الكتاب:

- ‌دية المرأة والرجل:

- ‌تغليظ الدية وضوابطه:

- ‌2 - باب دعوى الدم والقسامة

- ‌3 - باب قتال أهل البغي

- ‌تعريف البغي، وبيان أهل البغي بالتفصيل:

- ‌قتال من حمل السلاح على المسلمين:

- ‌عقوبة مفارقة الجماعة:

- ‌ضوابط معاملة البغاة:

- ‌الحث على الاجتماع ونبذ الفرقة:

- ‌4 - باب قتال الجانب وقتل المرتدِّ

- ‌جواز قتل الصائل:

- ‌سقوط الضمان في الدفاع عن النفس:

- ‌سقوط الضمان للمتطلع لبيوت المسلمين:

- ‌ضمان ما أتلفته المواشي:

- ‌قتل المرتد:

- ‌شروط قتل المرتد:

- ‌قُتل من سب النبي أو زوجاته أو أصحابه:

- ‌كتاب الحدود

- ‌مفهوم الحدود وحكمه:

- ‌1 - باب حد الزاني

- ‌حد الزاني غير المحصن:

- ‌حكم الجمع بين الجلد والرجم:

- ‌ثبوت الزنا بالإقرار:

- ‌وجوب التثبت في إثبات الزنا:

- ‌طرق ثبوت الزنا

- ‌حد الأمة الزانية:

- ‌السيد يقيم الحد على مملوكه:

- ‌تأجيل إقامة حل الزنا على الحامل:

- ‌تخفيف الحد على المريض الضعيف:

- ‌عقوبة اللواط:

- ‌الجمع بين الجلد والتغريب للزاني البكر:

- ‌لعنة المخنثين والمترجلات:

- ‌درء الحدود بالشبهات:

- ‌وجوب إقامة حد الزنا عند ثبوته:

- ‌2 - باب حدِّ القذف

- ‌اللعان:

- ‌حد المملوك القاذف:

- ‌3 - باب حدِّ السَّرقة

- ‌نصاب السرقة الموجب للقطع:

- ‌جحد العارية:

- ‌المختلس والمنتهب:

- ‌اشتراط الحرز لوجوب القطع:

- ‌ثبوت السرقة بالإقرار:

- ‌لا ضمان على السارق:

- ‌حكم الجمع بين الضمان والقطع:

- ‌الشفاعة في الحدةد، ضوابطها:

- ‌الشبهة أنواعها وشروط انتفائها:

- ‌4 - باب حدِّ الشَّارب وبيان المسكر

- ‌عقوبة شارب الخمر:

- ‌تجنب الضرب على الوجه:

- ‌الخمر بين الطهارة والنجاسة:

- ‌كل مسكر خمر:

- ‌حكم مزج الزبيب بالماء أو اللبن:

- ‌حكم التداوي بالمحرم:

- ‌حكم التداوي بالخمر:

- ‌5 - باب التعزيز وحكم الصَّائل

- ‌التعزيز بين الوجوب والاجتهاد:

- ‌إقالة العثرات وضوابطها:

- ‌حكم الصائل:

- ‌الدفاع عن النفس:

-

- ‌كتاب الجهاد

- ‌تعريف الجهاد لغة وشرعًا:

- ‌أقسام الجهاد:

- ‌وجوب جهاد الدفاع وشروطه:

- ‌شرط القدرة على الجهاد وضوابطه:

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله:

- ‌جهاد النساء:

- ‌تقديم بر الوالدين على الجهاد:

- ‌حكم الإقامة في دار الكفر:

- ‌الهجرة من دار الكفار وأحكامها:

- ‌وجوب الإخلاص في الجهاد:

- ‌جواز الهدنة:

- ‌حكم الإغارة بلا إنذار:

- ‌وصايا الرسول صلي الله عليه وسلم لأمراء الجيوش:

- ‌فائدة جواز الجزية من مشركي العرب:

- ‌التورية عند الغزو:

- ‌القتال أول النهار وأخره:

- ‌جواز قتل النساء والذرية عند التبييت:

- ‌لا يستعان بمشرك في الحرب:

- ‌النهي عن قتل النساء والصبيان في الحروب:

- ‌جواز قتل شيوخ المشركين:

- ‌المبارزة في الحروب:

- ‌الحمل على صفوف الكفار وضوبطه:

- ‌إتلاف أموال المحاربين:

- ‌النهي عن الغلول:

- ‌سلب القاتل:

- ‌الرمي بالمنجنيق:

- ‌جواز قتل المرتد في الحرم:

- ‌القتل صبرًا:

- ‌الأسير وأحواله:

- ‌إسلام الكافر ونتائجه:

- ‌معرفة الجميل لأهله:

- ‌النهي عن وطء المسبية حتى تستبرأ أو تضع:

- ‌تنفيل المجاهدين بعد قسمة الفيء:

- ‌سهم الفارس والفرس والراجل:

- ‌حكم التنفيل:

- ‌حكم الأخذ من طعام العدو قبل القسمة:

- ‌وجوب المحافظة على الفيء:

- ‌يجير على المسلمين أدناهم:

- ‌إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب:

- ‌إجلاء بني النضير من المدين

- ‌تقسيم غنائم خيبر:

- ‌لا يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم الرسل ولا ينقض العهد:

- ‌حكم الأرض المفتوحة:

- ‌1 - باب الجزية والهدنة

- ‌أخذ الجزية من المجوس:

- ‌أخذ الجزية من العرب:

- ‌مقدار الجزية عن كل حالم:

- ‌علو الإسلام بالوقوف عند العمل به:

- ‌السلام على الكفار وحكمه:

- ‌صلح الحديبية:

- ‌النهي عن قتل المعاهد:

- ‌2 - باب السبق والرمي

- ‌السباق على الخف والحافر والنصل:

- ‌محلل السبَّاق:

- ‌شرعية التدريب على القوة:

الفصل: ‌الجناية على الحمل:

إلى النفس ومات الجاني فإنه لا ضمان على المجني منه وذلك لأن اقتصاص فعل جائز شرعًا وما ترتب على المأذون فليس بمضمون، وهذه قاعدة مفيدة إلا في هذه المسألة وهي ما إذا اقتص قبل البرء فإن سراية الجناية لا تكون مضمونة.

ومن فوائد الحديث: بيان الآثار السيئة التي تترتب على معصية الشرع وذلك أن هذا الرجل تعجل وعصى النبي صلى الله عليه وسلم فكانت آثار معصيته سيئة حيث إنه بطل عرجه، ولو أنه انتظر حتى يبرأ لكان أسلم له لأنه إذا برأ عرف منتهى هذه الجناية واقتص منه بحسبها.

ومن فوائد الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في تأخير القصاص حتى يبرأ وما هي الحكمة؟ هي أننا ننظر هل تسري هذه الجناية؟ لأنها قبل البرء مجهولة قد تسري وقد لا تسري فهذا كان من الحكمة أن يؤجل حتى يبرأ أو حتى تسري الجناية ويؤخذ بحسبها.

‌الجناية على الحمل:

1122 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "اقتتلت امرأتان من هذيٍل، فرمت إحداهما الأخرى بحجٍر، فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ دية جنينها. غرَّةٌ؛ عبٌد أو وليدٌة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورَّثها ولدها ومن معهم، فقال حمل بن النَّابغة الهذليُّ: يا رسول الله، كيف يغرم من لا شرب، ولا أكل، ولا نطق، ولا استهلَّ، فمثل ذلك يطلُّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هذا من إخوان الكهَّان؛ من أجل سجعه الَّذي سجع". متَّفٌق عليه.

قوله: "اقتتلت" مأخوذ من الاقتتال وهو المضاربة وما أشبه ذلك، "فقتلت المرأة" المضروبة "وما في بطنها" فإن الجنين خرج ميتًا فرفعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الخصومة في هذه القضية لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكم بشريعة الله- سبحانه وتعالى، والجنين هو الحمل وسمِّي بذلك لأنه مجتٍن أي مستتر في بطن أمه فلذلك سمِّي جنينا قال الله تعالى:{وإذ أنتم أجنٌة في بطون أمهاتكم} ، أي جمع جنين وكل شيء مستتر فإنه يسمى بهذا الاسم أجنة والجن مستترون والجنة: البستان الكثير الأشجار لأنه يستر من فيه والجنة التي يتترس بها المقاتل عند القتال لأنها تسترها يقول: "إن دية الجنين غرة عبد أو وليدة"، "عبد" عطف بيان لغرة، والغرة في الأصل هي البياض في مقدم الفرس وتطلق الغرة على العبيد والإماء لأنهما غرة المال وأفضل المال فهم أفضل من الإبل

ص: 242

والمواشي والدراهم والدنانير، ولهذا سمِّي العبيد والإيماء غررًا وقوله:"عبد" ووليدة تفسير لقوله: "غرة" و"أو" هنا الظاهر أنها للتخيير وليست للشك، فيخير من عليه الغرة بين هذا وهذا، وقضى بدية المرأة على عاقلتها قضى بدية المرأة المقتولة على عاقلة المرأة القاتلة، والدية هي ما يجب بإزهاق النفس المحترمة وهي مائة من الإبل، هذا هو الأصل، أو ما يقوم مقامها من البقر والغنم والدراهم والدنانير وقد سبق بيان ذلك وقوله "على عاقلتها" جمع عاقل، وهم ذكور العصبة من ولاء أو نسب وسمّوا عاقلة لأنهم يأتون الإبل التي هي الدية ويعقلونها عند باب أهل القتيل هذه عادتهم في الجاهلية فسموا عاقلة من عقل الإبل وورثها ولدها ومن معهم ورثها؛ أي: ورث الدية ولدها أي ولد المقتولة ومن معهم وهو زوجها لأن الدية عوض عن النفس فإذا كانت عوضًا عن النفس فإنها تنتقل مع مال المقتول كما أن مال المقتول يرثه ورثته، فكذلك الدية تعتبر من المال فقال:"حمل ابن النابغة الهذلي كيف يغرم من لا يشرب ولا أكل؟ ! " يشير إلى الجنين لأن الجنين الذي سقط ميتًا فيقول: "كيف يغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق؟ " يعني: بلسانه، "ولا استهلَّ"، أي: لم يبك "فمثل ذلك يطل" أي: يهدر ولا يكون له قيمة، لأنه ليس بحي؛ حيث إنه لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فلا يكون له قيمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما هذا" المشار إليه حمل ابن النابغة من إخوان الكهان أي من نظرائه كما قال تعالى: {إنَّ المبذّرين كانوا إخوان الشياطين} ، ليس معناه كانوا إخوان الشياطين في النسب؛ لأنهم ليس بينهم وبين الشياطين نسب لكنهم من أشباه الشياطين، فقوله:"من إخوان الكهان"، أي: من نظرائهم وأشباههم، لأن الكهان يستعملون السجع في تذييل كلامهم ليموهوا به على الناس، والكهان جمع كاهن وهو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل وكان الكهان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرين تنزل عليهم الشياطين بخبر السماء فيصدقون خبرًا واحدًا صادقًا ويكذبون معه مائة كذبة ثم إذا جاء الخبر الصادق من هذه المائة كذبة اعتبرهم الناس من علماء الغيب فصاروا يرجعون إليهم، فكانوا إذا كلموا الناس يكلمونهم بالسجع تذييلًا للكلام لأنه لا شك أن السجع يزين الكلام ويعطيه حلاوة وطلاوة، هنا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن دية الجنين غرة وأما دية المقتولة فهي دية كاملة دية الحر المسلم مائة من الإبل ودية المرأة الحرة المسلمة خمسون من الإبل.

ففي هذا الحديث فوائد: منها: بيان ما يكون بين الضرتين من العداوة والبغضاء وإيغار الصدور؛ لأن هاتين المرأتين كانتا تحت رجل واحد زوجتين له، وهذا أمر معلوم فطري أنه يكون بين الزوجتين من العداوة والبغضاء وإغارة الصدور ما هو معلوم حتى إن كمل النساء لم يسلمن منه- زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ومنها أن الغيرة قد تؤدي إلى القتل كما هنا.

ص: 243

ومن فوائد الحديث: أن القتل بالمثقل لا يوجب القصاص لأن الذي يوجب القصاص هو الذي يكون جارحًا أما ما قتل بثقله فإنه لا يوجب القصاص وإلى هذا ذهب أبو حنيفة رحمه الله وقال إن الآلة إذا كانت لا تجرح فليس فيها قصاص ولو كانت ثقيلة ولو كانت تقتل وأنه يشترط في القصاص أن يكون بجارح ولكن جمهور العلماء على خلافه على أن القتل يكون بكل آلة تقتل غالبًا ولا فرق بين الجارح وبين المثقل.

وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن الحجر الذي أرسلته على هذه المرأة حجر ثقيل لا يقتل غالبًا لكنه أصاب بطنها فأجهضت وماتت بسبب الإجهاض في غير وقته وما ذهب إليه الجمهور أقرب إلى الصواب، لأن العلة واحدة وهي أن الآلة تقتل غالبًا سواء كانت جارحة أو غير جارحة.

ومن فوائد الحديث: أن دية الجنين غرة عبد أو وليدة والمخير في ذلك من يغرم وهو القاضي فإذا أتى بعبد لزم أولياء الجنين قبوله وإذا أتى بأمة لزمهم قبوله ولكن إذا لم توجد الأمة أو العبد فإنه يرجع إلى خمس من الإبل يعطي أولياء الجنين خمسًا من الإبل عشر دية الأم، فإن لم يوجد إبل فإنهم يعطون قيمة الإبل إن قلنا: إن الإبل هي الأصل في الديات وإلا يعطون عشر دية الأم من البقر ومن الغنم ومن الدراهم والدنانير، وقد سبق أنها من البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألفا شاة فيكون من البقر دية الجنين عشرة وتكون من الغنم مائة وهنا ينبغي أن نبين الأقسام الجنين الذي يموت بجناية على أمه ينقسم إلى أقسام:

الأول: أن يموت معها أي تموت وهي وولدها قبل أن يخرج فهذا لا شيء فيه، وإنما الدية في الأم أما هو فلا دية له لأنه كعضو من أعضائها.

الثاني: أن يخرج حيًّا فيستهل ويعطس ويشرب ثم يموت متأثرًا بالجناية ففيه دية كاملة إن خرج بوقت يعيش لمثله هو ما بعد ستة أشهر، يعني: إنسان دفع امرأة حاملًا ولجنينها سبعة أشهر فسقط الجنين حيًّا حياة مستقرة ثم مات فعليه دية كاملة لأنه قتل نفسًا فيلزم الجاني دية كاملة.

الثالث: أن يخرج ميتًا.

الرابع: أن يخرج حيًّا في وقت لا يعيش في مثله ويموت ففي هذه الحال يكون فيه غرة وكل هذا في جنين نفخت فيه الروح.

فالأقسام أربعة أما إذا خرج قبل نفخ الروح فيه، فإن كان قد تبين فيه خلق الإنسان ففيه غرة، إذا خرج وإن ماتت الأم فلا شيء كما هو الحال فيما إذا كانت قد نفخ فيه الروح وإذا خرج قطعة لحم ولم يتبين فيه خلق الإنسان فليس فيه شيء، لأننا لا نتيقن أنه بدأ خلق آدمي،

ص: 244

وإذا لم نتيقن أنه بدأ خلق آدمي فالأصل براءة الذمة ولا يجوز فيه شيء، فصارت الأقسام أربعة بعد نفخ الروح وقسمان قبل نفخ الروح فيه بقي علينا الكفارة في الأقسام الأربعة التي حصل فيها الموت بعد نفخ الروح فيه إلا إذا مات مع أمه فإنه لا كفارة فيه ولا دية؛ لأنه صار جزءًا من أجزائها ولا تجب الكفارة في القسمين الآخرين وهي ما إذا خرج قبل نفخ الروح فيه لأن الكفارة إنما تجب في القتل وهنا لم يحصل قتل لأن القتل أزهاق الروح وهذا لم ينفخ فيه الروح حتى يتحقق فيه القتل فإذا سألنا سائل وقال خرج الجنين حيًّا حياة مستقرة لوقت يعيش بمثله وبقي زمنًا غير متألم صحيحًا شحيحًا ثم مات فهل يضمن؟ الجواب: لا يضمن لأننا لم نتحقق أن موته بسبب الجناية والأصل براءة الذمة، وكما لو علمنا أنه مات بسبب آخر فإنه بالاتفاق ليس فيه ضمان مثل أن يدعس هذا الجنين أو يوطأ فيموت بالسبب الثاني فإنه ليس في الأول ضمان لأنا تيقنا أنه مات بهذا السبب الثاني- هذه هي أقسام الجنين.

ومن فوائد الحديث: وجوب الدية على العاقلة، ولكن ما هي الدية التي تجب على العاقلة هي دية الخطأ وشبه العمد، أما العمد فتجب الدية فيه على القاتل، فإذا قتل رجل آخر قتلًا عمدًا ثم عفى أولياء المقتول عن القصاص وجبت الدية على القاتل لا على عاقلته، وإذا قتل خطأ أو شبه عمد فالدية على العاقلة والفرق هو أن المتعمد ليس أهلًا للمساعدة ولا للإعانة فلزمته الدية، أما الخطأ وشبه العمد فإنه يقع كثيرًا، والإنسان لم يتعمد القتل فكان أهلًا للمساعدة والإعانة فكانت الدية فيه على العاقلة، ولكن كيف تحمل العاقلة؟ نحملهم بقدر حالهم فالغني الكبير يحمل أكثر من الغني الذي دونه والفقير لا يحمل شيئًا فيحمل كل إنسان ما يليق بحاله ومن الذي يقدر أحوال الناس ويقدر ما يحملونه؟ هو الحاكم الشرعي فهو الذي يقدر أحوال الناس ويقدر ما يحمله كل واحد وليست المسألة فوضى.

ومن فوائد الحديث: حسن أحكام الشريعة حيث تنزل كل إنسان منزلته وجه ذلك كون العمد يحمله القاتل والخطأ وشبه العمد تحمله العاقلة.

ومن فوائد الحديث: أن الدية مال موروث يرثه أولياء المقتول حسب الميراث الشرعي، وإذا جعلناها مالًا موروثًا فإن الثلث بحسب منها فإذا أوصى شخص بوصية ووجدنا عنده من

ص: 245

المال ثلاثمائة ألف وهو قد أوصى بالثلث فكم يكون ثلثه؟ مائة ألف، فإذا انضافت الدية إليه وهي مائة ألف صار الثلث مائة وثلاثًا وثلاثين ألفًا وثلثًا، المهم انه يضاف ما يؤخذ من الدية إلى مال الميت المقتول وتؤخذ منه الوصية وكذلك توزع بين الورثة.

السجع نوعان: جائز ومحرم:

ومن فوائد الحديث: ذمُّ السجع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما هو من إخوان الكهان" ولكن السجع الذي يذم هو الذي يأتي بتكلف أو يقصد به إثبات باطل أو إبطال حق والأول مذموم والثاني محرم لأن إثبات الباطل حرام وإبطال الحق حرام وما كان وسيلة لذلك فللوسائل أحكام المقاصد، أما إذا كان السجع يأتي عفوًا وبدون تكلف ولا يراد به إبطال حق ولا إثبات باطل فإنه حسن وهو من الفصاحة والبلاغة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسجع في أحاديثه أحيانًا مثل قوله صلى الله عليه وسلم "قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق" وكذلك يوجد السجع في القرآن كثيرًا.

قال الله تبارك وتعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان فبأي آلاء ربكما تكذبان} ، فتجد أنه لما قال:{والأرض وضعها للأنام} وكان آخر الآية الميم قال بعدها: {والنخل ذات الأكمام} بالميم لتناسب الآية ما قبلها فالسجع لا شك أنه يعطي الكلام حلاوة وطلاوة ويجب الاستمتاع إليه، فإذا جاء من غير تكلف فلا بأس به.

ومن فوائد الحديث: جواز توبيخ من عارض الحق لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما هو من إخوان الكهان".

ومن فوائد الحديث: أن الكهان يأتون بزخرف القول غرورًا من اجل أن يقبل الناس كلامهم ويستمعون إليه حينما يأتون بالسجع.

وهل يؤخذ من الحديث أنه إذا سقط ميتًا فإنه لا يضمن لقوله: "من لا شرب ولا أكل

ز الخ؟ " لا يؤخذ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رده ولم يقره على ذلك فدل ذلك على أن الجنين يضمن بالغرة وإن لم ينطق ولم يستهل ولم يشرب ولم يأكل.

* * *

ص: 246