الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفارقات بالحياة والمفارقات بالموت فبأي العمومين نأخذ؟ نقول إذا لم يوجد دليل على تغليب أحد العمومين أخذنا بما يجمع بينهما كرأي علي وابن عباس؛ لأننا إذا أخذنا بأطول الأجلين فقد أخذنا بالعمومين، أما إذا وجد دليل على أن أحد العمومين أقوى من الآخر فإننا نعمل به وهنا وجد دليل على أن أحد العمومين أقوى من العموم الآخر، ما هو الدليل؟ حديث سبيعة فإنه يدل على أن الحامل إذا وضعت الحمل وإن لم يأت عليها أربعة أشهر وعشر تنقضي عدتها.
- وفي لفظٍ: "أنَّها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلةً".
- وفي لفظٍ لمسلم، قال الزُّهريُّ:"ولا أرى بأسًا أن تزوَّج وهي في دمها، غير أنَّه لا يقربها زوجها حتَّى تطهر".
ما قاله الزهري صحيح، لأنه لا بأس أن يتزوجها بعد نفاسها ولو كانت في دمها لم تطهر من النفاس؛ لكي لا يقربها حتى تطهر وكذلك الحائض لا بأس أن يتزوجها الإنسان وهي حائض، لكن لا يقربها حتى تطهر، ولكن هل ندخله عليها وهي حائض؟ يعني: لو عقد الإنسان على امرأة بكر حائض فالعقد صحيح، ولكن هل ندخله عليها وهي حائض؟ فيه تفصيل: إذا كان الرجل صاحب دين وعقل فإننا ندخله ولا بأس؛ لأنه يعرف أن هذا حرام، أما إذا كان شابًا يظهر عليه التهاون وقلة الدين فإننا لا ندخله لأنه لا يملك نفسه في هذه الحال نقول انتظر حتى تطهر.
عدة الطلاق وفسخ النكاح:
1065 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمرت بريرة أن تعتدَّ بثلاث حيضٍ". رواه ابن ماجه، ورواته ثقاتٌ، لكنَّه معلولٌ.
"بريرة" هي أمة لناس من الأنصار كاتبها أهلها على تسع أواقٍ من الفضة فجاءت تستعين بعائشة رضي الله عنها فقالت عائشة: "إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي ففعلت، فذهبت إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم" يعني: أن المعتق عائشة والولاء لغيرها فجاءت بريرة وأخبرت عائشة بأنهم أبوا إلا أن يكون لهم الولاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "خذيها
واشترطي لهم الولاء فأخذتها واشترطت لهم الولاء" فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا في الناس وقال: "ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق"، فأبطل الشرط وأخذتها عائشة وأعتقها، وكان لها زوج يسمَّى مغيثًا فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين أن تبقى معه أو أن تفسخ النكاح فاختارت فسخ النكاح وكانت تبغض زوجها وهو يحبها حبًّا شديدًا ويمشي وراءها في أسواق المدينة يطلب منها ألا تفسخ ولكنها تأبى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا تعجبون من حب مغبث لبريرة وبغض بريرة لمغيث؟ " يقولون: بلى، لأن العادة أن الحب متبادل والبغض متبادل، لكن هذا خلاف العادة، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم على بريرة أن تبقى بعد أن بين لها الحكم الشرعي فقالت: يا رسول الله، إن كنت تأمرني فسمعًا وطاعةً وإن كنت تشير علي فلا رغبة لي فيه، تقدم ما يحبه الله ورسوله على ما تحبه فسخ النكاح، هذا الفسخ هل يوجب عدة الطلاق؟ في هذا خلاف بين العلماء بناء على هذا الحديث، فمن صحح هذا الحديث قال: إنه يجب أن تعتد بثلاث حيض؛ لأن هذا فراق من حياة فوجب أن تعتد به ثلاث حيض كالفراق في الطلاق، وقال آخرون: لا يجب أن تعتد بثلاث حيض؛ لأن هذا فسخ لا رجعة فيه، والقرآن يدل على أن الاعتداد بثلاث حيض لمن يمكن رجعتها؛ لقوله تعالى: {والمطلَّقات يتربَّصن بأنفسهنَّ ثلاثة قروءٍ ولا يحلُّ لهنَّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهنَّ إن كنَّ يؤمن بالله واليوم الأخر وبعولتهنَّ أحقُّ بردهن
…
} [البقرة: 228].
ومعلوم أن المفسوخة لا حق لبعلها في الرجوع إليها وعلى هذا فيكون عدتها استبراء بحيضة واحدة، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على أن جميع الفسوخ ليس لها إلا حيضة واحدة استبراء، ولكن هذا الحديث له طرق تشهد بصحته، وإذا اجتمعت الطرق ترقى الحديث وإن كان ضعيفًا إلى الحسن، ووجب العمل به ويكون مقدمًا على القياس، ويجاب عن الآية: بأن عود الحكم إلى بعض أفراد العموم لا يقتضي التخصيص بدليل حديث جابر قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، فإننا لو نظرنا إلى أول الحديث لوجدناه عامًّا في كل مشترك، وإذا نظرنا إلى آخره رأينا أنه خاصٌّ بالأرض، إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، ومن ثمَّ اختلف العلماء هل تجب الشفعة في غير الأرض أو لا تجب إلا في الأرض؟ فمنهم من يرى العموم ومنهم يرى الخصوص وفي هذه الحال إذا وجد دليل يرجح هذا القول وجب الأخذ به وعليه فنقول إذا صح هذا الحديث حديث عائشة وجب العمل به، وإلا فالقياس لا يعمل به.