الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل المحرم مجرد الركوب أن يركبها حتى يعجفها؟ يحتمل أن تكون "حتى" للغاية أو تكون للتعليل، وإذا نظرنا إلى أن هذا المال قد تعلق به حق جميع الغانمين ترجح أن تكون "حتى" للتعليل، نعم لو دعت الضرورة إلى ركوب الدابة فلا حرج تكون كالطعام الذي يحتاج إليه، أما بدون ضرورة فلا.
ومن فوائد الحديث: أن ركوب الدابة من فيء المسلمين مناف لكمال الإيمان بالله واليوم الآخر، وجهه: أنه جعل مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر ألا يركب، فإذا كان هذا من مقتضاه وتخلف هذا المقتضى دل على نقصان الإيمان بالله واليوم الآخر.
ومن فوائد الحديث: حماية بيت المال، وجهه: حيث جعل ذلك من كبائر الذنوب، ويتفرع على هذه الفائدة: بطلان قاعدة قعدها العوام، يقولون: مال الحكومة حلال، كل كما شئت بالكذب والحيلة وكل شيء! ! إذا كان هذا الوعيد على من ركب دابة من فيء المسلمين فكيف بمن نهب أموال كثيرة وبه نعرف أن من أعطي انتدابًا وهو لم ينتدب فإنه يأكل سحتًا وأن الذي أعطاه ذلك لم يقم بواجب الأمانة لأنه مؤتمن على مال الحكومة، وأنه- أي: الذي أعطاه هذا الانتداب- ظالم له- للمعطي؛ لأنه أعطاه ما لا يستحق وجعله يأكل سحتًا، لأن بعض الموظفين مساكين قد يقبلون هذا إما لحاجتهم أو لاستكثارهم من المال لكن الذي أغراهم بذلك وجعل لهم انتدابًا هو الذي لم يقم بأمانته وهو الذي ظلمهم ومثل ذلك أيضًا من يكتب له [حاضر] الدوام وهو لم يعمل فإن هذا حرام عليه أن يأخذه وكذلك من كتب له هذا فإن لم يقم بواجب الأمانة من جهة ولي الأمر فيكون ظالمًا لهذا المسكين الذي أخذ مثل هذه المكافأة، إذن القاعدة العامية باطلة.
من فوائد الحديث: تحريم لبس ثوب من فيء المسلمين، لقوله:"ولا يلبس ثوبًا من فيء المسلمين" ونقول في قوله: "حتى إذا أخلقه" ما قلنا في قوله: "حتى إذا أعجفه" وإن "حتى" للتعليل، أن اللبس لا بد أن يؤثر في الثوب ولو لبسه واحدة كما هو معروف.
يجير على المسلمين أدناهم:
1247 -
وعن أبى عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجير على المسلمين بعضهم" أخرجه أبن أبى شيبة وأحمد، وفي إسناده ضعف.
1248 -
وللطيالسي من حديث عمرو بن العاص: "يجير على المسلمين أدناهم".
1249 -
وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: "ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم".
زاد ابن ماجه من وجه آخر: "ويجير عليهم أقصاهم".
1250 -
وفي الصحيحين من حديث أم هانئ: "قد أجرنا من أجرت".
هذه أحاديث، الأول منها قال المؤلف: في إسناده ضعف، والثاني لم يتكلم عن إسناده لكنه يسمى عند أهل المصطلح شاهدًا؛ لأن الشاهد عند أهل المصطلح ما جاء من رواية صحابي آخر مؤيدًا للحديث الضعيف، والثالث:"ذمة المسلمين" أي: عهدهم واحد، شاهد مقو لا شك ورواية ابن ماجه "يجير عليهم أقصاهم"، وأيضا هناك شاهد تطبيقي وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ".
نعود إلى البحث في الأحاديث، هذه الأحاديث في إجارة الإنسان رجلا من المشركين، هل تنفذ إجارته؟ والإجارة بمعنى: التأمين؛ يعني: لو أمنه هل ينفذ أو لا بد أن يكون ذلك من الإمام أو نائبه هذا هو موضوع الأحاديث، وليعلم أن عقد الذمة لا يكون إلا من الإمام أو نائبه، وعقد العهد العام لا يكون إلا من الإمام أو نائبه، وتأمين شخص معين يكون من كل واحد من المسلمين.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه: "يجير على المسلمين بعضهم" أي: يكون جارا مجيرا مؤمنا للمشرك على المسلمين بعض المسلمين، فلو دخل مشرك إلى بلد المسلمين بأمان من تاجر أو عالم أو ما أشبه ذلك فإنه يجار، ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليه؛ لأن ذمة المسلمين واحدة، يعني: عهدهم يسعى بها أدناهم، وقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم:{وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6]، "وحتى" هنا للغاية وللتعليل أيضًا {ثم أبلغه مأمنه} أي: إلى مكانه الذي يأمن فيه، وهذا إذا طلب أحد من المشركين أن يجار فإن كان لقصد ديني وجب علينا أن نجيره إذا قال: أجيروني أريد أن أسمع كلام الله، أريد أن أنظر عمل المسلمين كيف يصلون، كيف يتصدقون كيف يصومون، فههنا يجب علينا أن نقبل وأن نجيره؛ لأن هذا لمصلحة الإسلام والمسلمين، وإن طلب الإجارة من أجل أمور مباحة كالبيع والشراء فإننا لا
يلزمنا أن نجيره لكن لنا أن نجيره، وإن طلب الإجازة يريد أن يطلع على أحوال المسلمين فيكون عينًا للمشركين فهنا يحرم أن نجيره، إذ لا يصح ولا يمكن أن نجير شخصًا يكون جاسوسًا على المسلمين لأعداء المسلمين.
وقوله: للطيالسي من حديث عمرو بن العاص: "يجبر على المسلمين أدناهم""أدنى" اسم تفضيل من الدنو والمراد: أدناهم مرتبة، فلا يشترط في المجير أن يكون ذا شرف وسيادة في قومه بل وإن كان أدنى قومه، تجير المرأة؟ نعم تجير، والفقير والجاهل، كل من يصح منه عقد الإجازة فإنه يجير ولو كان أدنى قومه:
وقوله: في حديث عليِّ "ذمة المسلمين"، "وذمة" بمعنى: عهد، فعهد المسلمين إذا وقع من واحد منهم حرم على غيره أن يعتدي على أجيره الذي آجره؛ ولهذا قال:"يسعى بها أدناهم" وهذا كقوله في رواية الطيالسي: "يجير على المسلمين أدناهم".
وزاد ابن ماجه: "ويجير عليهم أقصاهم" يعني: أن أقصاهم وأبعدهم عن المراتب والشرف والسيادة يجير عليهم.
وخلاصة هذه الأحاديث: أنه يجوز أن يستجير أحد من المشركين بواحد من المسلمين ولو لم يكن ذا شرف وسيادة وأنه إذا أجاره فهو كإجارة جميع المسلمين؛ لأن ذمة المسلمين واحدة،
وقوله في الصحيحين عن أم هانئ: "قد أجرنا من أجرت" أم هانئ أخت علي بن أبي طالب- رضي الله عنها وعنه- أجارت رجلين من المشركين عام الفتح فكانا في جوارها فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "وقد أجرنا من أجرت" وإنما قال ذلك لأن علي بن أبي طالب امتنع أن يجيرهما وهو أخوها حتى رفع الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قد أجرنا من أجرت" والمرأة بالنسبة لقومها من أدناهم إذن يكون هذا الحديث تطبيقًا عمليًا لقوله: "يسعى بها أدناهم"، صار عندنا الآن ثلاثة أقسام بالنسبة لتأمين الكفار، الأول: عقد الذمة، والثاني: عقد العهد العام، والثالث: الإجازة، أما الأول والثاني فلا يعقده إلا الأمام أو نائبه لأنه عقد عام.
لكن إذا قال قائل: ما الفرق بين عقد الذمة وعقد العهد.
نقول: عقد الذمة يكون بيننا وبين الكفار على أن يقيموا في بلادنا آمنين محفوظين ولكن عليهم الجزية، والعهد عهد بيننا وبين الكفار ألا نقاتلهم ولكنهم في ديارهم وليس علينا المطالبة بحمايتهم إنما لا يكون بيننا وبينهم قتال، كما جرى بين النَّبّي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، قريش في مكة والرسول في المدينة، والثالث: الإجازة الخاصة هذه لا تتعلق بالإمام ونائبه بل تكون من أدنى واحد من المسلمين وليس لها حكم، يعني: هذا الَّذي أجرناه من الكفار لنا أن نقاتل