الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد الحديث: علو الإيمان والإسلام على غيره ويتفرع منه ألا يقتل مسلم بكافر.
ومن فوائد هذا الحديث: أن من له عهد فهو معصوم لا يجوز أن يقتل في عهده ويستثنى من ذلك ما إذا نقض العهد أو يقال إنه لا استثناء ولكن مفهومه أنه إذا نقض العهد فإنه يقتل وهو كذلك، وعلى هذا فلا حاجة إلى أن نقول إنه مستثنى بل نقول إن مفهوم قوله "ولا ذو عهد في عهده" أنه إذا انتفض عهده فإنه يقتل وهكذا قال أهل العلم أنه إذا نقض المعاهد عهده بأي ناقض فإنه يحلُّ دمه وماله فلو أنه اعتدى على مسلم بأن زنى بامرأة مسلمة أو تلَّوط بغلام أو شرب الخمر علنًا أو ما أشبه ذلك، فإنه ينتقض عهده ويحلُّ دمه وماله.
ومن فوائد الحديث: أن العصمة تكون لغير المسلم؛ "ولا ذو عهد في عهده"، ففي أي شيء تكون العصمة؟ المعصومون أربعة المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن وحينئٍذ نحتاج إلى معرفة الفرق بين هؤلاء، أما الفرق بين المسلم وغيره فظاهر، وأما الفرق بين ذي الذمة والمعاهد فذو الذمة تحت حمايتنا نحوطه ونكفُّ عنه الأذى ولا نعتدي عليه وهو من مسئوليتنا ولنا عليه الجزية نأخذها منه، وأما المعاهد فهو منفصل عنا هو في بلده لكنه لا يعتدي علينا ولا نعتدي عليه.
بقي الفرق بين المعاهد والمستأمن؛ الفرق أن العهد عقد بين طائفتين بين الأمة الإسلامية والأمة الكافرة فهو عقد عام لا يعتدي فيه أحد على أحد، وأما المستأمن فهو خاصُّ بفرد معين نعطيه الأمان حتى يبيع سلعته إن كان تاجرًا وحتى يسمع كلام الله إن كان يريد الإسلام وما أشبه ذلك لقوله تعالى:{وإن أحٌد من المشركين استجارك فأجره حتَّى يسمع كلام الله ثمَّ أبلغه مأمنه} [التوبة: 6]. وكل هؤلاء الأربعة معصومون وعلى هذا فنقول لا يجوز قتل المعاهد ولا المستأمن ولا ذي الذمة لأن الكل منهم معصوم.
الجناية على النفس:
1119 -
وعن أنس بن مالٍك رضي الله عنه: "أنَّ جاريًة وجد رأسها قد رضَّ بين حجرين، فسألوها: من صنع بك هذا؟ فلاٌن. فلاٌن، حتَّى ذكروا يهوديًّا، فاومأت برأسها، فأخذ اليهوديُّ، فأقرَّ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرضَّ رأسه بين حجرين". متفٌق عليه، واللَّفظ لمسلٍم.
"الجارية" هي الأنثى، وتطلق على الصغيرة وربما تطلق على الكبيرة، وقوله: "وجد رأسها
قد رضَّ بين حجرين" أي جعل بين حجرين ورضَّ بالحجر الأعلى وهي في آخر رمق، فسألوها من صنع بك؟ هذا فلان فلان حتى ذكروا
…
إلخ. "سألوها" أي: سألها أهلها أو من عثر عليها من صنع بك هذا وعينوا أناسًا ولا شك أنهم لن يعينوا إلا من كان قريبًا منها وفيه شبهة، وأما من كان بعيدًا وليس فيه شبهة فلن يذكروه لها "حتى ذكروا يهوديًّا فاومأت برأسها" يعني: أنه هو الذي فعل ذلك، وهذا من نعمة الله- سبحانه وتعالى وفضله أن أبقى حياة هذه الجارية حتى أخذوا إقرارها بأن الذي فعل بها ذلك رجل من اليهود "فأخذ اليهودي فأقرَّ" بأنه الفاعل ولو لم يقر لكان نكبة لأنه لو لم يقر لبرئ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم"، فأقر فأمر رسول الله
…
إلخ، "أمر أن يرضَّ رأسه بين حجرين" وهذه حالة قد تصعب على النفوس أن يرض الإنسان رأس رجل بين حجرين ولكن يهون ذلك أن يكون عند التنفيذ يستشعر أن هذا المجرم فعل بالمعتدي عليه هذا الفعل فيهون عليه، يعني: يعتبر هذا قصاصًا.
هذا الحديث فيه فوائد: أولًا: جواز بقاء اليهود في المدينة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطرد هذا الرجل ولا غيره بل ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، ولكن هذا كان قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم "لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلمًا" ولكنه صلى الله عليه سلم مات قبل ذلك إلا أن أوصى أمته فقال أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب.
ومن فوائد هذا الحديث: أن حرم المدينة ليست حرم مكة في منع الكفار من دخولها وجه ذلك إقرار النبي صلى الله عليه وسلم اليهود على البقاء في المدينة أما مكة فقال الله تعالى: {يأيها الذَّين ءامنوا إنَّما المشركون نجٌس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} .
ومن فوائد هذا الحديث: محبة اليهود للمال وأنه لا يهمهم أن يرتكبوا أبشع جريمة من أجل الوصول إلى المال لأن هذا اليهودي إنما رضَّ رأس الجارية من أجل حلي كان عليها فأخذه.
ومن فوائد هذا الحديث: اعتبار قول المحتضر أو بعبارة أخرى اعتبار قول من أصابه سبب الموت ما دام ذهنه باقيًا تؤخذ من اعتبارهم إشارة الجارية.
ومن فوائد الحديث: أن الإشارة تقوم مقام العبارة فإذا كان هذا مع تعذر العبارة شرعًا أو حسًّا فلا شك أن الإشارة تقوم مقام العبارة، وإن كان مع القدرة ففيه خلاف بين العلماء، ففي هذه القصة قامت الإشارة مقام العبارة لتعذر العبارة في هذا الحال، وفي إشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين صلًّى بهم جالسًا فصلوا قيامًا فأشار إليهم أن اجلسوا هذا فيه تعذر العبارة شرعًا. إذن الإشارة تقوم مقام العبارة عند تعذر العبارة شرعًا أو حسًّا فأما مع القدرة على ذلك فما يصح بالكناية يصح بالإشارة وما لا يصح بالكناية لا يصح بالإشارة فالنكاح مثلًا هل ينعقد
بالإشارة من قادر على النطق؟ الجواب: لا لماذا؟ لأنه لا ينعقد بالكناية ولابد من الإشهاد عليه فلو قيل مثلًا للولي يشير إلى الزوج وإلى الزوجة، يعني: عقدنا فقال برأسه هل يكفي؟ لا يكفي لأن الكناية فيه لا تقوم مقام الصريح ولو قيل له: أطلقت امرأتك فقال برأسه فهذه محل خلاف بعضهم قال تطلق وبعضهم قال: لا تطلق والصحيح أنها تطلق لأن هذا كالصريح في قوله نعم.
ومن فوائد الحديث: قلنا: اعتبار قول من حضره الأجل ولكن بشرط ألا يكون قد تغير فكره، يعني: لو تغير فكره فإنه لا يعتبر قوله، وعليه لو أوصى الإنسان وهو محتضر ينازع نفسه فهل تعتبر هذه الوصية؟ الجواب: تعتبر بشرط ألا يكون قد تغير فكره فإن كان قد تغير وعرفنا أنه يهذي ولا يضبط قوله فإنه لا عبرة به.
ومن فوائد الحديث: جواز أخذ المتهم بالتهمة يؤخذ من أخذ اليهودي ولكن هل كل مدعى عليه يؤخذ بالدعوى أو ينظر للقرينة؟ الواجب أن ينظر للقرينة إن كان يمكن صدق الدعوى أخذنا المدعي عليه، وإن كان لا يمكن فذهب مالك وجماعة من أهل العلم إلى أن المدعي هو الذي يؤدب فلو أن بقالًا قال أنا أدعي أن الملك اشترى مني عشرة حزم بقالة ولم يعطني حقي وأنا أطلب حقي هل تقبل هذه الدعوى؟ لا، لأن الملك لا يمكن أن يقوم بشرائها بنفسه هذا مستحيل فقال الإمام مالك: إن هذا يؤدي لأن متلاعب ولا يؤخذ المدعي عليه في هذه الحال، أما إذا أمكن أن تكون الدعوى صحيحة فإن المدعى عليه يؤخذ لاحتمال صدق المدعي ولكن هل يحكم بما ادعاه المدعي عليه؟ الجواب: لا حتى يقر.
ومن فوائد الحديث: أن الله- سبحانه وتعالى يقيد من يقتل القاتل ولو قتل اختفاء كيف ذلك؟ لأن الله تعالى أبقى حياة هذه الجارية حتى سألوها ولو يستطع المدعى عليه المجرم أن ينكر وإلا لو ماتت هذه الجارية لذهب الحق ولو أنكر المجرم لذهب الحق، ولكن القاتل مقتول قال الله تعالى:{ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا يسرف في القتل إنَّه كان منصورًا} [الإسراء: 33]. سلطانًا كونيًّا قدريًّا وسلطانًا شرعيًّا أما السلطان الشرعي فلولي المقتول أن يقتصَّ شرعًا، وأما السلطان القدري فإن الله تعالى لابد أن يطلع على القاتل طال الزمن أو قصر، ولهذا قال:{فقد جعلنا لوليّه سلطانًا فلا يسرف في القتل} يعني: كأن القاتل بين يديك ولكن لا يسرف، يعني: لا تأخذه الغيرة على أن يمثِّل بالقاتل أو يقتله بأشد مما قتل به ثم قال: "إنه" أي: الولي "كان منصورًا" أي: كان منصورًا في علم الله ولابد أن يعثر على قاتل وليه.
ومن فوائد الحديث: أنه يفعل بالجاني كما فعل إن قتل برصاص قتلناه برصاص، وإن قتل بسيف قتلناه بسيف، وإن قتل بخنجر قتلناه بخنجر، وإن قتل بحجر قتلناه بحجر وإن قتل بتقطيع الأعضاء والتمثيل قتلناه كذلك ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يرض رأس اليهودي