الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1123 -
وأخرجه أبو داود، والنسائي: من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن عمر رضي الله عنه سأل من شهد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين؟ قال: فقام حمل ابن النابغة فقال: كنت بين يدي امرأتين فضربت إحداهما الأخرى ...... ". فذكره مختصرًا وصححه ابن حبان، والحاكم.
ما الذي يتعلق بالجنايات من هذا الحديث؟ يتعلق به ضمان الجنين وأن ديته غرة ويتعلق به أيضًا أن دية شبه العمد أو الخطأ تكون على العاقلة.
العفو عن الجناية:
1124 -
وعن أنس رضي الله عنه: "أن الربيع بنت النضر- عمته - كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو، فأبوا، فعرضوا الأرش، فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله، أتكسر ثنية الربيع؟ لا والذي بعثك بالحق، لا تكسر ثنيتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس، كتاب الله: القصاص، فرضي القوم، فعفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره". متفق عليه، والفظ للبخاري.
"عمته" هنا عطف بيان صلة هذه المرأة بأنس، والعمة هي أخت الأب وقوله:"جارية"، يعني: شابه، هي لما كسرت ثنية الجارية طلبوا من أهلها أن يعفوا، ولكن أبوا قالوا: فالأرش، يعني: قيمة السن فأبوا إلا القصاص والقصاص أن يكسر سن الربيع {والسن بالسن} كما قال الله عز وجل فقام أنس بن النضر فقال: "أتكسر ثنية الربيع؟ " استفهام استعظام، يعني: كسر ثنيتها عظيم؛ لأنها أخته وهي غالية عنده، فقال:"لا والذي بعثك بالحق لا تكسر" فأقسم ألا تكسر وليس مراده الاعتراض على حكم النبي صلى الله عليه وسلم لكنه أراد التفاؤل وأحسن الظن بالله، حيث ظن أن الله تعالى سيجعل لها فرجًا ومخرجًا، وإلا من المعلوم أنه لو كان قصده الامتناع والاعتراض والإباء عن تنفيذ حكم الله ورسوله لكان على خطر عظيم ولما أبره الله عز وجل لكن مراده التفاؤل وإحسان الظن بالله ع وجل والثنية هي أحد السنين المتلاصقين في وسط الأسنان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أنس كتاب الله القصاص"، يعني: أن الله تعالى كتب القصاص {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن} ، يعني: أن الله تعالى كتب القصاص فإذا طلبه من له الحق وجب تنفيذه ولما قال له هذا اقتنع واستسلم فيسر له عز وجل فعفا أولئك القوم، وهذا يأتي دائمًا أن الله سبحانه ينزل الفرج عند الشدة كما أنزل
الفرج عند الشدة في قصة الذبيح إسماعيل بن إبراهيم - عليهما الصلاة والسلام -، يعني: لما لم يبق إلا التنفيذ جعل الله في قلوبهم الرأفة والرحمة فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد .. الخ"، "عباد الله" جمع عبد، والمراد بالعبودية: العبودية الخاصة وهي عبودية الشرع؛ وذلك أن العبودية تنقسم إلى قسمين: عبودية الكون- القدر- وهذه عامة لكل أحد ومنها قوله تعالى: {إن كل من في السموات والأرض إلا أتي الرحمن عبدًا} [مريم 93]. وهذا يشمل الكافر والمؤمن وعبودية خاصة وهي عبودية الشرع التي يخضع فيها الإنسان لشرع الله عز وجل مثل قوله تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا} [الفرقان: 63] وهذه تنقسم إلى ما هو أخص من الخاصة وما هو خاص على سبيل العموم فالرسل - عليهم الصلاة والسلام- عبوديتهم لله هي أخص العبادات أو أخص التعبد قال الله- تبارك وتعالى في نوح- عليه الصلاة والسلام:
{إنه كان عبدًا شكورًًا} [الإسراء: 3]. وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} [الفرقان: 1] يقول: "إن من عباد الله" هذه من الخاصة، وقوله:"من لو أقسم"، "من" هذه اسم إن؛ يعني: الذي، وخبرها مقدم، ومعنى "من لو أقسم على الله"؛ أي: حلف على الله أو ألا يكون هذا الشيء، "لأبره"؛ أي: لو في له سبحانه وتعالى بالقسم، وقوله:"إن من عباد الله" لا يشمل جميع العباد، بل منهم هذا الحديث ومناسبته لكتاب الجنايات القصاص في السن.
وفيه فوائد منها: ما يجري بين الصبيان والصغار من المناوشات التي قد تؤدي إلى مثل هذه الحال إلى الكسر، كسر السن، كسر الذراع كسر الأصبع، وهذا مما يوجب لفت النظر لأولياء الصغار بحيث يحذرونهم من هذه الأعمال ويدرسونهم إذا جلسوا معهم على العشاء وغيره يحذرونهم من هذه الأشياء.
ومن فوائد الحديث: أن الخيار في القصاص أو الدية أو العفو لمن وقعت عليه الجناية لا لمن وقعت منه، وجه ذلك: أنهم طلبوا منهم العفو والأرش وأبوا إلا القصاص فالخيار إذن للمعتدي عليه لا للمعتدي.
ومن فوائد الحديث: جواز طلب العفو من المجني عليه وأن هذا لا يدخل في المسألة المكروهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر هؤلاء حين طلبوا العفو.
ومن فوائد الحديث: أن الحق لولي الصغير وجه ذلك قوله فطلبوا إليهم العفو فأبوا فعرضوا الأرش فأبوا وهذا الذي يدل على أن الذي يتكلم هم أولياء هذه الصغيرة، وهذا أحد القولين في هذه المسألة أنه إذا وجب القصاص لصبي فإن المرجع في ذلك إلى أوليائه لما في هذا من تعجيل الحق وأخذ الحق، وقال بعض العلماء: إذا وجب القصاص لصغير فإنه ينتظر إلى أن يبلغ لأنه هو المجني عليه فينتظر إلى أن يبلغ ثم إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا، لكن هذا الحديث يدل على أن الأولياء لهم الحق في ذلك.
هل يجوز للإنسان أن يحلف على الله ألا يفعل شيئًا؟
ومن فوائد الحديث: جواز إقسام الإنسان على الله إذا كان الحامل له على ذلك التفاؤل وإحسان الظن بالله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أنس بن النضر وأما إذا كان الحمل له التألي على الله أو تحجر رحمته فإن ذلك لا يجوز ويدل على هذا قصة الرجل العابد الذي كان يمر برجل عاص فينهاه عن المعصية كلما مر به وهو على المعصية نهاه ولكنه مستمر في معصيته فقال الرجل العابد والله لا يغفر الله لفلان قال ذلك إعجابًا بعمله هو وتأليًا على الله وتحجرًا لرحمته فقال الله عز وجل من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان قد غفرت له وأحبطت عمله وهنا نعرف الفرق بين إنسان يحمله حسن الظن بالله والتفاؤل على الإقسام على الله وبين شخص يريد أن يتألى على الله وأنه فوق الله وأنه يريد أن يتحجر رحمه الله وأنه معجب بعمله فهذا لا يستحق أن الله يبر بقسمه.
ومن فوائد الحديث: جواز القسم بمثل هذه الصيغة - والذي بعثك بالحق - وذلك لأن الذي بعثه بالحق هو الله وهذا قسم بصفة من صفات الله عز وجل أو قسم بفعل من أفعال الله والقسم بصفة من صفات الله أو فعل من أفعاله جائز، وأما القسم بغير الله فإنه لا يجوز، فإن أقسم بغير الله هل ينعقد اليمين؟ لا تنعقد بل يكون آثمًا وعليه التوبة فلو قال مثلًا والنبي لا أفعل ذا ففعل فإنه لا كفارة عليه ولكن عليه أن يتوب وإنما قلنا لا كفارة عليه لأن الفعل المنهي عنه لا يترتب عليه أثره لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" أي: مردود عليه.
ومن فوائد الحديث: أن ما كان شرعًا لغيرنا فهو شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كتاب الله القصاص" فنحن لا نرى في القرآن الكريم شيئًا من القصاص في السن وشبهه وإنما في {والجروح قصاص} لكن السن إنما ذكر فيما كتب على بني إسرائيل {والسن بالسن} .
ومن فوائد الحديث: إثبات القصاص في السن، وهذا إذا خلع فالأمر فيه واضح والمكافأة فيه واضحة، فإذا خلعت الثنية وخلع من الآخر الثنية فإنه واضح أننا أخذنا ثنية بثنية، ولكن إذا كسرت الثنية كسرًا فهل في هذه الحال يجوز القصاص أو لا؟ المشهور عند الفقهاء أنه لا يجوز القصاص وذلك لأنه لا يمكن القصاص في هذه الحال فمن الذي يضبط محل الكسر مقدار الكسر نسبة الكسر ولكن الصحيح أنه إذا أمكن فإنه يجوز القصاص ويكون بالنسبة لا
بالحجم، وهل يقاس على السن ما سواه من العظام؟ الجواب: نعم على القول الراجح يقاس إذا أمكن القصاص وإذا لم يمكن فلا.
ومن فوائد الحديث: أن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره وهذا محمول على ما إذا كان الحامل له على القسم حسن الظن بالله عز وجل والتفاؤل.
ومن فوائد الحديث: أن من عباد الله من يقسم على الله ولا يبره لقوله من عباد الله و "من" للتبعيض.
ومن فوائد الحديث: إثبات سمع الله عز وجل لأنه لم يبره إلا إذا سمع قسمه.
ومن فوائد الحديث: أن الله سبحانه عند حسن ظن عبده به فإذا أقسم الإنسان على ربه محسنًا الظن به فإن الله سبحانه قد يعطيه ما ظنه به.
وهل يؤخذ من الحديث الحث على الإقسام على الله؟ لا، لا يؤخذ لأن قوله:"إن من عباد الله" تدل على التبعيض، فلا يعلم هل هذا الذي أقسم على الله من هؤلاء الذين أراد الله أن يبر قسمهم أو لا، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يقسم على الله إلا إذا قرنه بالمشيئة.
ومن فوائد الحديث: أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الله، وجه ذلك: أن أهل الجارية كانوا مصممين على القصاص، فلما أقسم هذا الرجل الصالح أبره الله عز وجل فصرف قلوبهم فرضي القوم وعفوا. ففيه دليل على أن القلوب بيد الله عز وجل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل قلب من قلوب بني آدم فهو بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء.
ومن فوائد الحديث: إثبات القدرة لله عز وجل لقوله: "لأبره"، غير الله عز وجل إذا اقسم عليه الإنسان هل من حقه أن يبره؟ نعم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من حق المسلم على أخيه أن يبر قسمه إلا كان في ذلك ضرر على المقسم أو المقسم عليه فإنه لا يلزم بل إذا كان فيه ضرر على المقسم فإنه يمتنع أو يحرم عليه أن يجيبه، فلو قال شارب الدخان لشخص: أقسم بالله عليك أن تعطيني عشرة دراهم أشتري بها عبوة دخان، هل من حقه أن يبر قسمه؟ لا؛ لأنه يعينه على الإثم والعدوان كذلك لو أقسم على شخص في شيء يضره الإخبار عنه، مثل أن يقول له: والله لتخبرني ماذا تفعل في بيتك مما يكون بينك وبين أهلك؟ أو: والله لتخبرني ما مدى صلتك بأبيك أو ما مدى محبة أبيك لك أو ما أشبه هذا؟ فإنه لا يلزمه أن يبر بقسمه، بل في مثل هذه