المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم طلاق الصغير والمجنون والسكران: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٥

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب الطلاق

- ‌تعريف الطلاق لغة وشرعًا:

- ‌ذكر المفاسد المترتبة على الطلاق:

- ‌حكم طلاق الحائض

- ‌المحرم من الطلاق:

- ‌اختلاف حكم الطلاق ثلاثة مجموعة في عهد عمر رضي الله عنه:

- ‌مسألة: هل يقع الطلاق بحديث النفس أو الوسوسة

- ‌حكم الطلاق الخطأ وطلاق المكره:

- ‌ثبوت الطلاق يترتب على ثبوت النكاح:

- ‌حكم طلاق الصغير والمجنون والسكران:

- ‌كتاب الرجعة

- ‌حكم الإشهاد في الطلاق والرجعة:

- ‌1 - باب الإيلاء والظهار والكفارة

- ‌حكم الإيلاء:

- ‌مدة الإيلاء:

- ‌حكم المجامع في رمضان:

- ‌كفارة الظهار:

- ‌2 - باب اللعان

- ‌تعريف اللعان:

- ‌3 - باب العدة والإحداد والاستبراء وغير ذلك

- ‌عدة الوفاة

- ‌عدة الطلاق وفسخ النكاح:

- ‌حكم السكنى والنفقة للمطلقة البائنة وعدتها:

- ‌حكم التطيب والحناء في الحداد:

- ‌حكم الكحل في الحداد:

- ‌حكم خروج المعتدة المطلقة:

- ‌حكم خروج المعتدة بعد وفاة زوجها من بيتها:

- ‌طلاق الأمة وعدتها:

- ‌الاستبراء وأحكامه:

- ‌أحكام امرأة المفقود في العدة وغيرها:

- ‌التحذير من الحلوة بالأجنبية:

- ‌أحكام السبايا في الاستبراء:

- ‌4 - باب الرضاع

- ‌تعريف الرضاع:

- ‌مسألة إرضاع الكبير وأحكامها:

- ‌يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب:

- ‌صفة الرضاع الذي يثبت به التحريم:

- ‌النهي عن استرضاع الحمقى:

- ‌5 - باب النفقات

- ‌أسئلة ومناقشة:

- ‌النفقة على الزوجة والأولاد وأحكامها:

- ‌النفقة على المملوك وأحكامها:

- ‌حكم النفقة على الحامل المتوفى عنها زوجها:

- ‌مسألة طلب المرأة الطلاق عند عجز زوجها عن النفقة:

- ‌النفقة على الوالدين وأحكامها:

- ‌6 - باب الحضانة

- ‌تعريف الحضانة:

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌تعريف الجنايات لغة وشرعًا:

- ‌حرمة دماء المسلمين وتعظيمها:

- ‌المعتدي جان يفعل به كما فعل:

- ‌حالات إباحة قتل المسلم:

- ‌حرمة الدماء:

- ‌القصاص من الحر للعبد:

- ‌حكم قود الوالد بولده:

- ‌حكم قتل المسلم بكافر:

- ‌حكم قتل المؤمن بمعاهد:

- ‌الجناية على النفس:

- ‌جناية الصغير والمجنون:

- ‌ترك القصاص في الجروح قبل البرء:

- ‌الجناية على الحمل:

- ‌العفو عن الجناية:

- ‌الجناية على النفس وأنواعها:

- ‌الاشتراك في الجناية:

- ‌قتل الجماعة بالواحد:

- ‌التخيير بين الدية والقصاص وشروطه:

- ‌1 - باب الديات

- ‌مقادير الدية في الجروح:

- ‌دية القتل الخطأ:

- ‌دية قتل العمد وشبه العمد:

- ‌إلحاق دية شبه العمد بالقتل الخطأ:

- ‌دية الأصابع والأسنان:

- ‌ضمان الطبيب:

- ‌دية الشجاج:

- ‌دية أهل الكتاب:

- ‌دية المرأة والرجل:

- ‌تغليظ الدية وضوابطه:

- ‌2 - باب دعوى الدم والقسامة

- ‌3 - باب قتال أهل البغي

- ‌تعريف البغي، وبيان أهل البغي بالتفصيل:

- ‌قتال من حمل السلاح على المسلمين:

- ‌عقوبة مفارقة الجماعة:

- ‌ضوابط معاملة البغاة:

- ‌الحث على الاجتماع ونبذ الفرقة:

- ‌4 - باب قتال الجانب وقتل المرتدِّ

- ‌جواز قتل الصائل:

- ‌سقوط الضمان في الدفاع عن النفس:

- ‌سقوط الضمان للمتطلع لبيوت المسلمين:

- ‌ضمان ما أتلفته المواشي:

- ‌قتل المرتد:

- ‌شروط قتل المرتد:

- ‌قُتل من سب النبي أو زوجاته أو أصحابه:

- ‌كتاب الحدود

- ‌مفهوم الحدود وحكمه:

- ‌1 - باب حد الزاني

- ‌حد الزاني غير المحصن:

- ‌حكم الجمع بين الجلد والرجم:

- ‌ثبوت الزنا بالإقرار:

- ‌وجوب التثبت في إثبات الزنا:

- ‌طرق ثبوت الزنا

- ‌حد الأمة الزانية:

- ‌السيد يقيم الحد على مملوكه:

- ‌تأجيل إقامة حل الزنا على الحامل:

- ‌تخفيف الحد على المريض الضعيف:

- ‌عقوبة اللواط:

- ‌الجمع بين الجلد والتغريب للزاني البكر:

- ‌لعنة المخنثين والمترجلات:

- ‌درء الحدود بالشبهات:

- ‌وجوب إقامة حد الزنا عند ثبوته:

- ‌2 - باب حدِّ القذف

- ‌اللعان:

- ‌حد المملوك القاذف:

- ‌3 - باب حدِّ السَّرقة

- ‌نصاب السرقة الموجب للقطع:

- ‌جحد العارية:

- ‌المختلس والمنتهب:

- ‌اشتراط الحرز لوجوب القطع:

- ‌ثبوت السرقة بالإقرار:

- ‌لا ضمان على السارق:

- ‌حكم الجمع بين الضمان والقطع:

- ‌الشفاعة في الحدةد، ضوابطها:

- ‌الشبهة أنواعها وشروط انتفائها:

- ‌4 - باب حدِّ الشَّارب وبيان المسكر

- ‌عقوبة شارب الخمر:

- ‌تجنب الضرب على الوجه:

- ‌الخمر بين الطهارة والنجاسة:

- ‌كل مسكر خمر:

- ‌حكم مزج الزبيب بالماء أو اللبن:

- ‌حكم التداوي بالمحرم:

- ‌حكم التداوي بالخمر:

- ‌5 - باب التعزيز وحكم الصَّائل

- ‌التعزيز بين الوجوب والاجتهاد:

- ‌إقالة العثرات وضوابطها:

- ‌حكم الصائل:

- ‌الدفاع عن النفس:

-

- ‌كتاب الجهاد

- ‌تعريف الجهاد لغة وشرعًا:

- ‌أقسام الجهاد:

- ‌وجوب جهاد الدفاع وشروطه:

- ‌شرط القدرة على الجهاد وضوابطه:

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله:

- ‌جهاد النساء:

- ‌تقديم بر الوالدين على الجهاد:

- ‌حكم الإقامة في دار الكفر:

- ‌الهجرة من دار الكفار وأحكامها:

- ‌وجوب الإخلاص في الجهاد:

- ‌جواز الهدنة:

- ‌حكم الإغارة بلا إنذار:

- ‌وصايا الرسول صلي الله عليه وسلم لأمراء الجيوش:

- ‌فائدة جواز الجزية من مشركي العرب:

- ‌التورية عند الغزو:

- ‌القتال أول النهار وأخره:

- ‌جواز قتل النساء والذرية عند التبييت:

- ‌لا يستعان بمشرك في الحرب:

- ‌النهي عن قتل النساء والصبيان في الحروب:

- ‌جواز قتل شيوخ المشركين:

- ‌المبارزة في الحروب:

- ‌الحمل على صفوف الكفار وضوبطه:

- ‌إتلاف أموال المحاربين:

- ‌النهي عن الغلول:

- ‌سلب القاتل:

- ‌الرمي بالمنجنيق:

- ‌جواز قتل المرتد في الحرم:

- ‌القتل صبرًا:

- ‌الأسير وأحواله:

- ‌إسلام الكافر ونتائجه:

- ‌معرفة الجميل لأهله:

- ‌النهي عن وطء المسبية حتى تستبرأ أو تضع:

- ‌تنفيل المجاهدين بعد قسمة الفيء:

- ‌سهم الفارس والفرس والراجل:

- ‌حكم التنفيل:

- ‌حكم الأخذ من طعام العدو قبل القسمة:

- ‌وجوب المحافظة على الفيء:

- ‌يجير على المسلمين أدناهم:

- ‌إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب:

- ‌إجلاء بني النضير من المدين

- ‌تقسيم غنائم خيبر:

- ‌لا يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم الرسل ولا ينقض العهد:

- ‌حكم الأرض المفتوحة:

- ‌1 - باب الجزية والهدنة

- ‌أخذ الجزية من المجوس:

- ‌أخذ الجزية من العرب:

- ‌مقدار الجزية عن كل حالم:

- ‌علو الإسلام بالوقوف عند العمل به:

- ‌السلام على الكفار وحكمه:

- ‌صلح الحديبية:

- ‌النهي عن قتل المعاهد:

- ‌2 - باب السبق والرمي

- ‌السباق على الخف والحافر والنصل:

- ‌محلل السبَّاق:

- ‌شرعية التدريب على القوة:

الفصل: ‌حكم طلاق الصغير والمجنون والسكران:

يتساهل في التصحيح؛ ولهذا يصحح أحيانًا أحاديث ضعيفة ويتعجب منه البخاري ومسلم كيف لم يخرجا هذا الحديث مع قوة تأكد الصحة عنده، ولكن التساهل بالتصحيح ليس بجيد والتساهل بالتضعيف أيضًا ليس بالجيد والواجب الحكم بالقسط والعدل يعطى الحديث حقه بما يليق.

1044 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك". أخرجه أبو داود والترمذي وصححه، ونقل عن البخاري أنه أصح ما ورد فيه.

هذه ثلاثة أشياء: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك" سواء علق النذر على ملكه أو أطلق وله صور أن يقول: الله علي نذر أن أعتق هذا العبد والعبد ليس ملكًا له فالنذر لا ينعقد؛ لأنه لا يملك ذلك ولكن عليه كفارة يمين وقال بعض العلماء لا ينعقد ولا شيء عليه؛ لأنه ليس محلًا لنذره حيث إنه ملك غيره فإن قال: إن ملكت هذا فلله على نذر أن أتصرف به إن كان مالا أو أعتقه إن كان عبدًا فهل يصح؟ نعم يصح لقول الله تعالى: {*ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين (75) فلما أتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون} [التوبة: 75، 76]. فيصح وإذا ملكه فيتصرف به أو أعتقه، الثاني قال: ولا عتق له فيما لا يملك وسبق الكلام عليه ولا طلاق له فيما لا يملك وسبق الكلام عليه أيضًا، لو قال قائل: كل امرأة أتزوجها فهي طالق لا يصح، مناسبة الأحاديث الثلاثة للباب ظاهرة، وهي أنه يشترط لوقوع الطلاق أن يكون بعد النكاح.

‌حكم طلاق الصغير والمجنون والسكران:

1045 -

وعن عائشة رضى الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق". رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي، وصححه الحاكم، وأخرجه ابن حبان.

هل هو قلم القدر أو قلم التكليف؟ هو قلم التكليف أما القدر فلا يرفع عن أحد، كل

ص: 57

يجري عليه، قلم القدر لكن قلم التكليف، رفع عن ثلاثة والرافع له هو الله عز وجل يقول:"عن النائم حتى يستيقظ"، فيرفع عنه القلم فإذا استيقظ ينظر إن كان صغيرًا دخل في الجملة التي بعدها أو المجنون وإن كان بالغًا عاقلًا فالقلم يجري عليه، قوله: "وعن الصغير حتى يكبر

إلخ"، الصغير حتى يكبر والمراد بكبره: بلوغه، والمجنون حتى يفيق ويزول عنه الجنون ويرتد إليه عقله فهؤلاء ثلاثة رفع عنهم القلم وذلك أن رحمة الله عز وجل تسبق غضبه وعفوه يسبق عقوبته فلهذا رفع القلم عن هؤلاء الثلاثة أولًا: النائم، وما المراد الذي يرتفع به القلم؟ النوم الذي يفقد فيه الإنسان الإحساس فأما النوم الذي لا يفقد فيه الإحساس فإنه لا يرتفع عنه القلم لكن إذا نام وصار ما يدري فإنه مرفوع عنه القلم أحيانًا لا يستغرق الإنسان في النوم لكن يذهب عنه الإحساس بحيث لو لقنته لتلقن تأتي عند إنسان ينعس تقول جاء فلان فيستيقظ يقول من جاء، لكن قد غلبه النوم وتجده يخبط يذكر كلام غير متناسق هذا تقول: إنه مرفوع عنه القلم؛ لأن العلة في رفع القلم عن النائم هي فقد الإحساس، وعن الصغير حتى يكبر أن يبلغ والبلوغ يحصل بواحد من أمور ثلاثة بالنسبة للذكور أولًا الحلم يعني: بأن يخرج منه المني بشهوة والثاني نبات شعر العانة وهو الشعر الخشن الذي يكون حول القبل، والثالث تمام خمس عشرة سنة فإذا حصل واحد من هذه الثلاثة فالإنسان بالغ سواء كان صغير الجسم أو كبير الجسم وتزيد النساء برابع وهو الحيض فإذا حاضت ولو بدون خمس عشرة سنة فإنها تكون بالغة فهذا الذي يحصل به البلوغ فما دام الإنسان لم يبلغ فقلم التكليف مرفوع عنه لا تجب عليه الفرائض ولا يعاقب على المحرمات لأنه صغير مرفوع عنه القلم، والثالث المجنون حتى يفيق أو حتى يعقل، المجنون: فاقد العقل سواء فقد عقله بجنون أو فقد عقله بإغماء، فقد عقله بحادث فصار يهذي أو فقد عقله بكبر صار يهذي، المهم كل من فقد عقله فإنه مرفوع عنه القلم.

يستفاد من الحديث فوائد: أولًا: أنه لا عقاب على الصبي في فعل المحذور؛ لقوله: "رفع القلم عن ثلاثة".

ومن فوائده: أن الصغير لو حنث في يمين وقلنا إنها تنعقد فلا كفارة عليه؛ لأنه رفع عنه القلم.

ومن فوائده: أن الصغير لو فعل محذورًا في الحج فلا فدية عليه لأنه رفع عنه القلم ومن فوائده أن الصغير لو ترك واجبًا في الحج فلا فدية عليه فلو ترك الطواف أو السعي أو لبس

ص: 58

الثوب أو ما أشبه ذلك فلا شيء عليه وهذا هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله ومال إليه صاحب الفروع وهو ابن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية البارزين الذين قالوا: إنه أعلم الناس باختيارات شيخ الإسلام الفقهية حتى كان ابن القيم رحمه الله يراجع ابن مقلح فيها وقد قال له شيخ الإسلام ابن تيمية: ما أنت ابن مفلح بل أنت مفلح وهذه بشارة طيبة من شيخ الإسلام إن ابن مفلح يميل إلى مذهب أبي حنيفة في أن الصبي لا يلزمه إتمام النسك ولا يلزمه فدية في فعل المحذورات وهو قول قوي لأنه قد رفع عنه القلم وعلى هذا فلو أن الصبي أحرم ثم استضاق من الإحرام وقال رجعت مثل ما يفعل بعض الصبيان إذا ألبسوه الرداء والإزار ثم فارق المألوف لأن المألوف قميص يركض ويأتي ويذهب وهذا مقيده فراح يصيح قالوا: اخلعوا عني هذا الشيء، فعلى هذا القول نخلعه ونقول حللت من إحرامك ولا شيء عليك وفي زمننا هذا وفي زمن المضايقات التي تحدث بعد الإحرام لو أفتى به أحد لكان له وجه لأنه أحيانًا يحرص الآباء على أن يحرم الأبناء الصغار ثم يتضايقون مع الزحام فيتركونه، فلو أفتى بهذا المذهب لكان له وجه وفيه تيسير على الأمة.

ومن فوائد الحديث: أن الصبي لا يقع طلاقه لأنه رفع عنه القلم وهذا أحد القولين في المسألة أن الصبي لو طلق زوجته لم يقع طلاقه وعللوا ذلك بأنه مرفوع عنه القلم وبأن والده هو الذي يعقد له النكاح فكان الأمر إلى والده وبأنه لا ينفذ تصرفه في ماله فتصرفه في أهله من باب أولى لأنه أعظم خطرًا وعلى هذا لو جاء الصبي الذي زوجه أبوه منذ عشر سنوات وأغضبته زوجته التي عمرها خمس عشرة سنة فقال لها: أنت طالق فهل يقع؟ لا يقع لكن المشهور من مذهب الحنابلة أنه يقع إذا كان يعقل الطلاق ويعرف معناه لأنه مميز ولعموم الحديث إنما الطلاق لمن أخذ بالساق فقالوا: هذا أخذ بالساق فله الطلاق.

ومن فوائد الحديث: أن جميع ما يسقط بالجهل والنسيان عن المكلف يسقط عن الصغير لأنه غير مكلف وكذلك الجاهل والناسي من المكلفين غير مكلف، فإن قال قائل: لو جنى

ص: 59

صبي على إنسان خطأ ومات مثل أن يكون يقود السيارة فدعس شخصًا فهل عليه الكفارة؟ في هذا خلاف بين العلماء فالمشهور من المذهب أن عليه الكفارة؛ وذلك لأن القتل لا فرق فيه بين العمد والخطأ فالمكلف إذا قتل خطأ لزمته الكفارة وعمد الصبي كخطأ المكلف فتلزمه الكفارة والقول الثاني في المسألة أنه لا كفارة عليه لأنه ليس أهلًا للتكليف بخلاف المكلف الذي أخطأ فإنه أهل للتكليف لكن وجد فيه مانع وفرق بين فوات الشرط وبين وجود المانع فالصبي فقد منه شرط التكليف والمكلف المخطئ وجد فيه مانع التكليف وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس أنه لو دعس وهو لم يبلغ فليس عليه كفارة؛ لأنه ليس أهلًا للتكليف بخلاف البالغ إذا دعس خطأ فعليه الكفارة، وقوله: وعن النائم حتى يستيقظ وهل النائم كالصغير فات منه شرط التكليف أو وجد فيه مانع التكليف؟ الثاني: ولهذا لو انقلب نائم على صبي ومات فعليه الكفارة ويفرق بينه وبين الصبي بأن الصبي رفع عنه ذلك لفوات الشرط وهذا لوجود المانع.

ومن فوائد الحديث: أن النائم لو طلق زوجته وهو نائم وسمعناه يقول: زوجتي طالق فإنها لا تطلق حتى لو فرض أن الإنسان خاطب روحه وقال: طلقت زوجتي قال: نعم فإنه لا طلاق عليه؛ لأن بعض النوم تخاطبب روحه وتعطي جميع ما عنده، حدثني الثقات أن من الناس من يجلس إلى جنب النائم يقول سلام عليكم يرد عليه السلام ثم يبدأ يحدثه ماذا فعلت اليوم فالنائم يقول فعلت كذا وكذا يمكن بقوله طلقت زوجتك يقول نعم لو قال هذا وهو نائم لا يقع الطلاق وهذا الذي قلته لكم حقيقة؛ لأن الذي حدثني إنسان ثقة لكن ما أظن جميع الناس يستطيع الإنسان أن يأخذ ما عندهم وهم نوم لكن هذا نائم يقول إذا نام سلمنا ونفتح معه الحديث نسأل الله السلامة وألا يجعلكم كذلك، لو طلق زوجته وهو نائم لا يقع الطلاق لأنه نائم حتى لو سمع يتكلم يقول زوجتي فلانة طالق فلا يقع الطلاق.

ومن فوائد الحديث: أن النائم لا ينسب إليه فعل فلا يأثم بما وقع منه من خطأ، والدليل على أن النائم كذلك لا ينسب إليه فعل أن الله قال في أصحاب الكهف:{ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} [الكهف: 18]. هم يتقلبون فأضاف الله فعلهم إلى نفسه لأن النائم لا ينسب إليه فعلي، وقوله:"حتى يستيقظ" أي: "يستيقظ" ويعي ما يقول لأن بعض النوم إذا كان نومه ثقيلًا أو كان قريب النوم يستيقظ ويحدثك ويقوم، لكنه ليس معه وعي! وهذا شيء مشاهد يستيقظ ويقوم يصلي ثم يقف وتكون الدرجة عن الشمال ثم يذهب هو إلى جهة اليمين، فهذا الذي استيقظ من النوم لكنه لا يدري ما يقول أيضًا مرفوع عنه القلم لو تحدث بطلاق زوجته فإنها لا تطلق، الثالث: وعن المجنون حتى يفيق أو يعقل أيضًا المجنون مرفوع عنه القلم حتى يفيق أو

ص: 60

يعقل فلو أن شخصًا مجنونًا حدث بإقرار أو إنشاء أو طلاق أو فسخ أو غير ذلك فإنه لا يقع منه شيء، لو قال: طلقت نسائي، أعتقت عبيدي، أوقفت بيوتي، لا يقع منه شيء؛ لأنه مجنون وسواء كان الجنون دائمًا أو كان أحيانًا كالذي يصرع فإنه في حال جنونه لا يترتب على قوله شيء، ولكن الفعل هل يترتب عليه شيء؟ نقول: لا يترتب عليه شيء إلا ما يعلق بالخلق، ولاحظوا هذه- في الخلق- فإنه يترتب عليه أثره سواء في الصغير أو في المجنون أو في النائم فلو أتلف الصغير شيئًا لزمه ضمانه ولو أتلف المجنون شيئًا لزمه الضمان ولو أتلف النائم شيئًا لزمه ضمانه لكن هذا فيما بينه وبين الله؛ لأن حقوق الله مبنية على المسامحة فإذا قال قائل: ما هي العلة في عدم وقوع الطلاق من هؤلاء؟ العلة عدم العقل وعدم الاختيار، عدم العقل في المجنون والنائم وعدم الاختيار الصحيح في الصغير، وبناء على ذلك نأخذ من هذا قاعدة أن كل شخص يقع الطلاق منه بغير اختيار حقيقي فليس عليه طلاق ويدخل في هذا أشياء: الأول: الغضب الشديد الذي يغلق على صاحبه لا يقع فيه الطلاق وقد قسم العلماء الغضب إلى ثلاثة أقسام: أول وأخر وأوسط يعني: مبتدأ وغاية ووسط؛ فالغاية هي ألا يدي الإنسان ما يقول إطلاقًا ولا يدري هل هو في الأرض أو في السماء شبه المغمى عليه فهذا لا يقع طلاقه بالاتفاق وهو يقع من بعض الناس الذين يطلق عليهم اسم عصبي يجن هذا إذا طلق زوجته لا يقع الطلاق بالاتفاق، الثاني: ابتدائي غضب عادي فهذا يقع طلاقه بالاتفاق ولا إشكال في هذا، الثالث: الوسط يعي لما يقول لكن لشدة الغضب يجد نفسه قد أجبر على هذا كالمجبر من شدة الغضب يعني يدري ما يقول لكن لا يملك نفسه ففي هذا خلاف هل يقع أو لا يقع والصحيح أنه لا يقع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق في إغلاق" ولأن الأصل بقاء النكاح- هذا تعليل- فلا يزول إلا بإرادة الزوال وهذا لم يرد ولذلك تجده يندم من حين يقع الطلاق تعود عليه طبيعته ثم يندم نقول: هذا لا طلاق عليه على القول الراجح ولابن القيم كتاب جيد في هذا الموضوع سماه: "إغاثة اللهفان في عدم وقوع طلاق الغضبان"، غير "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان"، ومن هذا أيضًا: إذا كان الإنسان موسوسًا في الطلاق فإنه لا يقع طلاقه، وهذا يحدث كثيرًا بين الناس يتسلط عليه الشيطان ويرى أنه قد طلق ويضيق عليه حتى يقول أطلق

ص: 61

وأستريح فيطلق فنقول: هذا لا طلاق عنه؛ لأنه في إغلاق من أشد ما يكون من الإغلاق فإذا جاء يستفتي فإننا نقول لا طلاق عليك قال: أنا قلت: زوجتي طالق قلنا لا طلاق عليك إلا طلقت بإرادة جازمة تامة وذهبت للمأذون وقلت: أكتب الطلاق وهذا لا يقع منهم؛ لأنهم من هذا يفرون ولا يريدون الطلاق لكن غصبًا عنهم مثل ما يفعل بعض الناس يشك في الحدث وهو على طهارة ثم يحدث يقول لنفسه اضرط وتوضأ وإلا مس الذكر وتوضأ واذهب للحمام وبل أو تغوط لأجل أن يستريح من هذه الضائقة التي اتبعته، كل هذا من الشيطان؛ لأن دواء هذا ليس أن تستسلم للشيطان وتعطيه ما أراد دواء هذا ذكره الطبيب- عليه الصلاة والسلام قال:"لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، هذا الدواء أن تدع هذا الشيطان ووساوسه، وقال في الوساوس العقيدية التي تصيب الإنسان في القلب ويقول في الله ما لا يليق به أمر أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وينتهي، هذا هو الدواء.

ومن ذلك أيضًا: طلاق السكران فهو لاشك أنه ليس بعاقل لا يعلم ما يقول لقول الله تعالى: {يا أيها الذين امنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43]. ومر ناضحان لعلي بن أبي طالب بحمزة بن عبد المطلب عم علي وعم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان قد سكر حمزة وعنده جاريتان تغنيان فلما أقبل الناضحان كانت من جملة غنائهما ألا يا حمز للشرف النواء يهيجنه على أن يذبح البعيرين فقام رضى الله عنه وجب أسنمتهما وأطنه بقر بطونهما فجاء علي بن أبي طالب يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم عمك فعل كذا وكذا فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليه ومعه أصحابه فلما وقف عليه وإذا الرجل قد ثمل يعني تأثر بالخمر فلما كلمه قال له حمزة: هل أنتم إلا عبيد أبي يقوله للنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرف إنسان عنده ويجله إجلالًا عظيمًا ويقول هل أنتم إلا عبيد أبي فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال تأخر وتركه هل هو آخذه على ذلك؟ لا؛ لأنه لو أخذه لكان ردة لم يؤاخذه لأنه سكران والسكران لا يعلم ما يقول، فإذا طلق السكران زوجته فإنه لا يقع طلاقه لأنه لا يعلم ما يقول فضلًا عن أن ينوي ما يقول وهذا القول هو الصحيح الذي روي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعن جماعة من الصحابة وهو القياس الصحيح والمشهور من المذهب أن طلاق السكران يقع، وعللوا ذلك بتعليل عليل، قالوا: لأن هذا السكر نشأ عن فعل محرم فلا ينبغي أن يكون محلًا للرخصة، ولهذا لو شرب سكرًا جاهلًا به ثم سكر وطلق فليس عليه طلاق ولكن الصحيح أنه لا طلاق عليه؛ لأن عقوبة شارب الخمر

ص: 62

لا تتعدى إلى غيره وهذا الرجل إذا أوقعنا عليه الطلاق تعدى الضرر لغيره لزوجته وربما يكون له أولاد منها وأيضًا مناط التصرف هو التكليف والعقل وهذا غير عاقل ثم إن الخمر له عقوبة خاصة، وهي الجلد أربعين مرة خمسين مرة ستين مرة سبعين مرة ثمانين مرة تسعين مرة مائة مرة لأن عقوبة الخمر ليست حدًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه أتي إليه بشارب فقال: اضربوه، فقام الصحابة الذي يضرب باليد والذي يضرب بالنعل والذي يضرب بطرف الثوب والذي يضرب بالجريدة مع كل يضرب بما حوله نحو أربعين جلدة بدون تحديد لا عدد ولا حدد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عين ما يضرب به كل يضرب بما تهيأ له وفي عهد أبي بكر كذلك نحو أربعين في عهد عمر كثر الشراب؛ لأنكم كما تعرفون انتشرت الرقعة الإسلامية ودخل في الإسلام من إيمانه ضعيف وكثر الشرب وكان من سياسة أمير المؤمنين عمر الحزم وحمل الناس على الطاعة والدين فاستشار الناس ماذا نعمل؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون وهو حد القذف إذن ليس هناك حد دون الثمانين قاله عبد الرحمن بن عوف بحضرة عمر والصحابة لم يقل: واحد منهم بل أخف الحدود أربعون أبدًا، فجعله عمر كأخف الحدود ثمانين.

وهل تظنون أن عمر سيخالف حدًا حده الرسول؟ أبدًا، لو كثر الزنا في الناس هل يمكن لعمر أو غير عمر أن يرفع حد الزاني إلى مائتين؟ لا يمكن، فلما قال عبد الرحمن:"أخف الحدود ثمانون"، وأقره عمر والصحابة وعلمنا أيضًا من حال عمر الذي هو قاض على حدود الله أنه لا يمكن أن يزيد على حد حده الرسول صلى الله عليه وسلم عرفنا أن العقوبة ليست حدًا إنما هي اجتهاد لو دعت الضرورة أو الحاجة إلى أن تزاد من ثمانين إلى مائة زدناها. على كل حال: أنا قصدي أنه لا ينبغي أن يعاقب السكران بأمر يتعدى ضرره إلى غيره وللسكران عقوبة معينة في النوع وهي الجلد، فالصحيح: أن طلاق السكران لا يقع، وأن أفعاله لا يترتب عليها حكم العمد، فلو قتل السكران شخصًا بالسكين حتى هلك فإنه لا يجب عليه القود؛ لأنه سكران لا يعقل، وبعض العلماء يفرق بين أقواله وأفعاله، فيقول: فإنه يؤاخذ على أفعاله دون أقواله؛ لأن الأقوال مبناها على العقل والأفعال مبناها على الفعل، ولكن الصحيح: أنه لا فرق؛ لأن الأفعال مبنية على الإرادة، والإرادة من السكران مفقودة، نعم يقول ابن القيم وأنا به أقول لو شرب ليفعل فهذا يؤاخذ؛ لأنه جعل الفعل وسيلة، لو أراد أن يقتل شخصًا أو يتلف ماله وقال في نفسه: إن أتلفته أو قتلته وأنا صائل اقتصوا مني، لكن أسكر من أجل أن أتلفه وأنا سكران فيسقطون عني القصاص؛ فهذا لا

ص: 63

شك أننا نؤاخذه؛ لأنه جعل السكر ذريعة ووسيلة إلى فعل محرم ولو فتح الباب وقلنا حتى ولو سكر لفعل محرم لا يؤاخذ به لكان فساد في الأرض كبير. إذن الموسوس لا يقع طلاقه والسكران لا يقع طلاقه، الغضبان غضبًا شديدًا بحيث يغلق عليه حتى يتكلم بالطلاق لا يقع طلاقه، هل يمكن أن نأخذ من هذا أنه يشترط للطلاق نية بمعنى: لو أن الإنسان أرسل لفظ الطلاق بدون نية فلا طلاق عليه، فيه خلاف بين العلماء ولكن الصحيح أنه يدين يعني: يرجع إلى نيته فيما بينه وبين الله وأما إذا وصل الأمر إلى الحاكم فالواجب على الحاكم أن يعامله بظاهر لفظه وفي هذا الحال هل يجب على الزوجة أن تحاكمه من أجل ثبوت الطلاق؟ في هذا تفصيل إن كانت تعلم أن هذا الرجل عنده من تقوى الله ما يمنعه أن يدعي أنه غير مريد وهو قد أراد فلا يحل لها أن تحاكمه وإن كان الأمر بالعكس وجب عليها أن تحاكمه وإن شكت فالأولى ألا تحاكمه؛ لأن الأصل بقاء النكاح أنا ذكرت لكم قبل قليل أن مذهب الإمام أحمد أن طلاق السكران يقع وهذا مذهبه الاصطلاحي، أما مذهبه الشخصي فإنه لا يقع طلاق السكران؛ لأنه رحمه الله صرح بذلم فقال كنت أقول بوقوع طلاق السكران حتى تبينته، يعني: فرأيت ألا يقع؛ لأنني إذا قلت: إنه يقع أثبت خصلتين: منعتها من زوجها، وأحللتها لغيره، وإذا لم أقل به أتيت خصلة واحدة وهي أني أحللتها لزوجها الذي كان قد طلقها ومعلوم أن ارتكاب مفسدة واحدة أخف من ارتكاب مفسدتين، هذا إذا قلنا: إنها مفسدة، أما إذا قلنا: إنه لا عبرة بقوله إطلاقًا فالأمر واضح والإمام أحمد رحمه الله أحيانًا يصرح بالرجوع ومع ذلك يكون مذهبه عند المتأخرين يكون مذهبه خلافه كهذه المسألة ومن المسائل التي صرح بالرجوع عنها والمذهب خلافها إذا مسح الإنسان على خفه في الحضر ثم سافر قبل أن انتهاء مدة الحضر وهي يوم وليلة فهل يتم على مسح الحضر أو على مسح السفر؟ المذهب على مسح الحضر؛ لأنه اجتمع مبيح وحاظر فغلب جانب الحظر، اجتمع مبيح للزيادة على يوم وليلة وهو السفر وحاظر، أي: مانع للزيادة، وهو الإقامة فغلب جانب الحظر وهو الإقامة، ولكن الإمام أحمد صرح بأنه رجع عن ذلك وقال: إنه يتم مسح مسافر، وهو الصحيح هذا ما لم تتم مدة الإقامة، فإذا تمت مدة مسح الإقامة فقد تمت ووجب عليه الاستئناف.

ص: 64