الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: إذا أسلموا قبل قتالهم أحرزوا دماءهم وأحرزوا أموالهم أيضًا ولا يجوز أن نأخذ من أموالهم شيئًا، لا من الأموال المنقولة ولا من الأموال غير المنقولة، لأنهم أسلموا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى فهؤلاء الذين أسلموا بمجرد أن أسلموا لا يجوز أن نتعرض لهم قد أحرزوا دماءهم وأموالهم.
الحال الثانية: أن يسملوا بعد القتال، فما أخذ من أموالهم حال القتال وقبل الإسلام فهو غنيمة للمسلمين وما لم يؤخذ فهو لهم ومنه غير المنقول كالأراضي فإذا أسلموا على أراضيهم فلا يجوز أن نقسمها بين الغانمين، لأنهم أسلموا عليهم فتكون لهم ويحرزون بذلك أموالهم التي لا تنقل وكذلك الأموال التي كانت بأيديهم بعد أن أسلموا، لأنهم صاروا محترمين معصومين أما إذا أسلموا بعد المقاتلة وبعد أن غنمنا أموالهم فما غنمناه من الأموال فهو غنيمة وكذلك لو اسلموا بعد أن فتحنا أرضهم عنوة وملكناها فإن هذه الأرض للإمام أن يصالحهم فيها على ما يريد مما تقتضيه المصلحة.
معرفة الجميل لأهله:
1236 -
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أساري بدر: "لو كان المطعم بن عدي حيًا، ثم كلمني في هؤلاء النتني لتركتهم له" رواه البخاري.
"في أساري بدر" يعني: الذين أسروا في بدر، وكان عددهم سبعين نفرًا أسروا، وقتل سبعون، هؤلاء جاء بهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقال: "لو كان المطعم بن عدي- الذي هو أبو جبير- حيًا ثم كلمني
…
الخ" "النتني" جمع نتن، والنتن: الرائحة الكريهة المستقذرة وإنما وصفهم بذلك لأنهم مشركون، والمشرك نجس كما قال الله تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28]، وقوله: "لتركتهم له" يعني: لأطلقتهم، وهذا فيه المن بال شيء، وسبب ذلك- يعنيك سبب ذلك هذا القول- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف بعد أن ردوا دعوته ودخل مكة أجارة المطعم بن عدي وركب فرسه وأمر أبنية أن يكون أحدهما عن يمينه و [الآخر] عن الشمال وكان مجيرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يناله سوء من قريش فمن أجل هذه الحسنة العظيمة التي فعلها بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أحق الناس برد الجميل وأن المطعم لو كلمه في هؤلاء لتركهم له.
ففي هذا دليل على فوائد: أولاً: رد الجميل والمعروف حتى وإن كان الفاعل لو كافرًا وهذا يؤيده عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من صنع إليكم معروفًا فكافئون".
ثانيًا: جواز التعبير بـ "لو" وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، في كتاب التوحيد قال: باب ما جاء في اللو ثم ساق ما ساق من الآثار والأحاديث، واستعمال" لو" على ثلاثة وجوه، أولاً أن يكون المراج بها مجرد الخبر فهذه جائزة ولا تنافي التوحيد، ومنه هذا الحديث" لو كان حيًا ثم كلمني لتركتهم له" وكذلك لو قلت: لو جاءني زيد لأكرمنه، هذا لا بأس به ولا ينافي التوحيد، لأنه خبر وهل منه قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم"؟ نعم، هو منه وليس هذا تمني ما فات ولكنه الإخبار عما كان يفعله لو استقبل من أمره ما استدبر.
الوجه الثاني: أن تكون للندم والحزن على ماضي فهذه منهي عنها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت، لكان كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان" وهذه لأن الإنسان يظهر الندم والحزن على ما فات، وهذا لا ينفع، فما فات لا يمكن أن يرد ولا تستفيد من هذه "اللو" إلا التحسر والضيق وعدم الأمل، فلهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إنها من عمل الشيطان "، لأن الشيطان يريد أن يقلقك دائمًا وأن يحزنك {إنما النجوي من الشيطان ليحزن الذين أمنوا} [المجادلة: 8] ولهذا إن وجدت من نفسك قلقًا وحزنًا من شيء فاعلم أنه من الشيطان، استعن بالله عز وجل على رفع ما يمكن رفعه وما لا يمكن فلا يمكن أن يرفع المهم هذه اللو منهي عنها.
الوجه الثالث: أن تكون في التمني أن يتمني الإنسان شيئًا، فهذه حسب ما يتمناه إن تمني خيرًا فهي خير وإن تمني شرًا فهي شر، ويدل لذلك حديث أربعة النفر أحدهم عنده مال ينفقه في طاعة الله والثاني فقير لكنه يحب الخير يقول: لو أن لي مال فلان فأفعل فيه مثل عمل فلان أو لعملت فيه مثل عمل فلان، فهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه:"هو بنيته فهمًا في الأجر سواء" وهذا طيب، لأن الإنسان إذا فعل هذا فإن يحثه على فعل الخير، والثالث: رجل غني لكنه يبذل ماله في غير مرضاة الله، والرابع: فقير ليس عنده مال لكن يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه مثل عمل فلان هذه لو مذمومة، لأنها في تمني شر، فهذه أقسام "لو" التي جاءت بها السنة قوله تعالى: