الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قومه؛ لأن الإجازة بيننا وبينه فقط وهذا يكون من الإمام وغير الإمام، وهل يجب علينا إجابة طلبه للإجازة؟ ذكرنا تفضيلاً وأنه على ثلاثة أحكام: واجب ومباح وحرام.
إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب:
1251 -
وعن عمر رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لأخرجنَّ اليهود والنَّصارى من جزيرة العرب، حتَّى لا أدع إلَاّ مسلمًا". رواه مسلم.
قوله: "لأخرجن" هذه الجملة مؤكدة بثلاث مؤكدات، وهي القسم المقدر واللام ونون التوكيد، وقوله:"اليهود" هم الَّذين ينتسبون إلى موسى والنصارى الَّذين ينتسبون إلى عيسى فلماذا سمي اليهود يهودًا؟ قيل: إن ذلك نسبة إلى جدهم يهوذا، وقيل: إنه من قوله تعالى: {إنَّا هدنا إليك} [الأعراف: 156]. أي: من الهود وهو الرجوع ولا يبعد أن يكون من هذا ومن هذا لكننا قلنا: هم المنتسبون إلى موسى، فلماذا لم نقل هم أتباع موسى؟ لأنهم لم يتبعوه حقيقة، بل هم كافرون به وبجميع الرسل حتى الرسل الَّتي قبله كإبراهيم وغيره هم كافرون بهم؛ وذلك لأن المكذب بواحد من الرسل مكذب بجنس الرسالات وجنس الرسالات عام وإلا فما الفرق بين أن يكون فلانًا أو فلانًا، وقلنا أيضًا في النصارى: إنهم المنتسبون إلى عيسى ولم نقل أتباع عيسى لأنهم لم يتبعوه بل كذبوه وردوا بشارته وقال لهم عيسى: {يا بني إسراءيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يدي من التَّوراة} وهذا الرسول الَّذي قبله {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} [الصف: 6]. بشرهم وهل يبشرهم برسول لا ينتفعون به؟ لا، إذن بشرهم برسول، يعني: أنه رسولكم الَّذي تحصلون بإتباعه على كل خير وتسلمون من كل شر، ولهذا جعلها بشرى، لكن أتدرون ماذا قال النصارى؟ قالوا: إن الرسول الَّذي بشرنا به أحمد وهذا محمد ونحن ننتظر أحمد، فيقال لهم: قبحكم الله أخذتم بالمتشابه وتركتم المحكم، في هذه الآية نفسها:{فلمَّا جاءهم بالبيّنات قالوا هذا سحر مبين} إذن هذا الرسول الَّذي اسمه أحمد جاء فتبيَّن بطلان حجتهم.
فإن قال قائل: لماذا لم يسمه محمدًا؟
قلنا: إن عيسى لا يعلم الغيب، وإنه تلقى الاسم من الوحي أوحاه الله إليه وأوحى الله إليه هذا الاسم لفائدة عظيمة؛ لأن أحمد اسم تفضيل وهو إقرار من عيسى بفضيلة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه أحمد الناس لله وأحق الناس أن يحمد، فاسم التفضيل هنا للفاعل والمفعول، يعني: أحق الناس أن يحمد هو محمد صلى الله عليه وسلم فأوحى إليه هذا الاسم ليتبين فضله- صلوات الله وسلامه عليه- دون محمد الَّذي هو اسم مفعول، ثمَّ نقول للنصارى: إنه جاءكم بالبينات وقلتم: هذا سحر
مبين وأن الله ألهم عيسى أن يسميه أحمد لهذا السبب ليتبين فضله وأنه أحمد الناس لله وأحق الناس أن يحمد صلى الله عليه وسلم.
قوله: "لأخرجن اليهود
…
إلخ" أقسم أن يخرجهم من جزيرة العرب والنصارى سموا بهذا الاسم إما لأنهم من بلدة تسمى الناصرة في فلسطين وإما من قوله تعالى: {قال الحواريُّون نحن أنصار الله} [آل عمران: 52]. وإما من الأمرين جميعًا وهؤلاء النصارى كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أقرب إلى المؤمنين من اليهود لقوله تعالى: {لتجدنَّ أشدَّ الناس عداوة للَّذين ءامنوا اليهود والَّذين أشركوا ولتجدن أقربهم مَّودَّةً للَّذين ءامنوا} يعني: من الكفار {الَّذين قالوا إنَّا نصارى} وعلل آية: {ذلك بأنَّ منهم قسيسين ورهبانًا وأنَّهم لا يستكبرون (82) وإذا سمعوا مآ أنزل إلى الَّرسول ترى أعينهم تفيض من الدَّمع
…
} إلخ، ومثل هذه الأوصاف لا توجد في اليهود؛ لأن اليهود عتاة معاندون من أشد الناس عنادًا وكبرًا، فلا تجد فيهم هذا الوصف أما النصارى ففيهم هذا ولهذا صاروا أقرب الناس مودة إلى المؤمنين من سائر الكفار، ولكن بما أن الحكم يدور مع علته فإنه إذا انتفت هذه العلة انتفى الحكم، ولذلك نجدهم اليوم من أشد الناس عداوة للمؤمنين وأشدهم شراسة في قتال المسلمين وهذا شيء مشاهد فمنذ الحروب الصليبية إلى يومنا هذا وهم في صراع دموي وغير دموي مع المسلمين ولا يسعون أبدًا إلا لصالح أنفسهم ولو على حساب المسلمين، ونجد أنهم الآن تحقق فيهم قول الله- تبارك وتعالى:{يأيها الَّذين ءامنوا لا تتَّخذوا اليهود والنَّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ} [المائدة: 51].
فاليهود مع النصارى أولياء وفي هذا الزمن ظهر هذا تمامًا في قضية اليهود في فلسطين وقضية النصارى في البلاد الأخرى وأنهم يساعدون بالمال والعتاد وكذلك أيضًا بالسياسة، وهذا أمر معروف ولهذا قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم""لأخرجن اليهود والنصارى"، فجعل الاثنين حكمهما واحد في أنه يخرجهم من جزيرة العرب لما في إبقائهم فيها من الشر، ولأن جزيرة العرب منها خرج الإسلام وشاع نوره في الآفاق وإليها يعود كما ثبت عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "أن الإيمان يأرز إلى المدينة، - أي: يرجع - كما تأرز الحية": ، إلى جحرها؛ ولأنه لو فشا فيها هذان الدينان لفسدت، ولهذا جاء في الحديث: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب"، يعني: لا يمكن أن تقام
شعائر دين الكفر مع شعائر دين الإسلام في المدينة، فإما هذا وإما هذا وهو إشارة إلى وجوب أن تمحيص هذه الجزيرة للمسلمين.
فما هي الجزيرة؟ الجزيرة حدودها: من الشمال الشام الشامل لسوريا وفلسطين وما والاها، وحدودها من الغرب البحر الأحمر وحدودها من الشرق العراق وحدودها من الجنوب اليمن، هذه جزيرة العرب، وسميت جزيرة من باب التغليب على خلاف المعروف عند الجغرافيين؛ لأن الجزيرة عند الجغرافيين هي ما جزر عنه الماء في وسط البحر، فيكون البحر محيطًا بها من كل جانب أما الجزيرة العربية فإنه لا يحيط بها البحر من كل جانب، ولهذا يعبر بعضهم بشبه الجزيرة؛ لأنها ليست جزيرة كاملة، هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بأنه يؤكد إخراج هؤلاء من جزيرة العرب.
وورد عنه فيما رواه أهل السنن أنه أمر بذلك فقال: "أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب" وفي مرض موته صلى الله عليه وسلم أوصى أمته فقال: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب".
وعلى هذا فالواجب على المسلمين إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وإخراج المشركين من جزيرة العرب وقد ذكرنا آنفًا الحكمة في ذلك.
فإن قال قائل: يرد على هذا أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع وأقره ولم يجلهم إلا عمر بن الخطاب لسبب من الأسباب؟
فالجواب أن نقول: إن إقامة اليهود والنصارى في الجزيرة على نوعين:
النوع الأول: على وجه الإذلال وأنهم عمال من جملة العاملين، فهذا لا بأس به لكن بشرط أن نأمن شرهم فإنه لا يجوز أن يبقوا.
والثاني: إقامة استيطان فهذا هو الذي منع منه الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر بإخراجهم، بقاء اليهود في خيبر من النوع الأول، فلهذا قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في العقد الَّذي جرى بينهم:"نقركم على ذلك ما شئنا" ولما استغنى المسلمون عنهم في عهد عمر رضي الله عنه ولما حصل منهم من الغدر أجلاهم إلى أذرعات في الشام وإلى مواطن أخرى.
فالحاصل أن نقول: إن المراد استيطان اليهود والنصارى والمشركين في المدينة هذا ممنوع ويجب على ولي الأمر منعه؛ لأنهم إذا استوطنوا سوف يطالبون بطلب المواطن من المدارس والمعابد وغيرها من الحقوق لا سيما الدين وهذا يوجب إشكالاً كبيرًا؛ لأنهم إما أن يجابوا فيجتمع دينان في جزيرة العرب، وإما ألَاّ يجابوا فيحصل منهم شر وبلاء؛ لهذا يمنع استيطان اليهود والنصارى والمشركين في الجزيرة مطلقًا بأي حال من الأحوال، أما بقاؤهم بأنهم عمال فهذا لا بأس به ما لم يؤد إلى شر وفساد فإن خيف شرهم وفسادهم فإنهم لا