الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويستفاد منه أيضًا: بيان مرتبة الدين الإسلامي وهو أنه لا يمكن أن يعلوه أي دين لقوله: "ولا يعلى" وهذا خبر كما قلت لكم لكنه يتضمن أحكامًا منها ما ذكره العلماء: أنه لا يجوز للكفار أن يعلو بنيانهم على المسلمين إذا كانوا في بلد واحد وأراد الكافر أن يعلي بنيانه على من حوله من المسلمين فإنه يمنع لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
ومنها: أن العلماء كرهوا أن يكون الإنسان المسلم مستخدمًا عند الكافر ويكون خادمًا له شخصيًا فإن هذا من إذلال المسلم والعلو عليه، ولهذا يستطيع الَّذي استخدمه أن يقول: يا فلان هات الحذاء ألبسني إياه، اغسل ثوبي، ولهذا قال العلماء: إنه يكره ولو قيل بالتحريم لم يبعد، وأما استخدام الكافر للمسلم في جهة لا لعينه كما لو كان الكافر رئيسًا في شركة أو غير ذلك، فإن هذا الَّذي يخدم ليس يخدم الكافر وإنما يخدم الشركة أو المصلحة الحكومية أو ما أشبه ذلك فلا يعد هذا من باب استخدام الكافر للمسلم ومنها-أي: من الأحكام المترتبة على أن الإسلام له العلو- أننا لا نبدأغير المسلمين بالسلام، ولهذا أتى المؤلف رحمه الله بحديث أبي هريرة بعد ذلك؛ لأن الإسلام هو الذي يجب أن يكرم أهله، وأما غير الإسلام فلأهله الإهانة والإذلال وعلى هذا ننتقل إلى حديث أبي هريرة.
السلام على الكفار وحكمه:
1260 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدءوا اليهود وانَّصارى بالسَّلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريقٍ، فاضطرُّوه إلى أضيقه". رواه مسلم.
اليهود: هم الَّذين يدَّعون أنهم أتباع موسى، والنصارى هم الَّذين يدعون أنهم أتباع عيسى، سمي اليهود بذلك نسبة إلى جدهم يهوذا، وسمي النصارى بذلك من المناصرة؛ لأنهم نصروا عيسى ابن مريم؛ أعني: أن طائفة منهم نصرته وطائفة لم تنصره كما هو معروف في آية الصف، وقيل: إنهم سموا نصارى من البلد المعروف بالناصرة فهو نسبة إلى مكان وأيًّا كان فهم الَّذين يدَّعون أنهم متبعون لعيسى ابن مريم، وقلنا: يدَّعون وأضربنا عن قول: يتبعون؛ لأنه لا يصح أن نقول: إن النصارى اليوم متبعون لعيسى بل هم مكذبون لعيسى كافرون به؛ لأن عيس ابن مريم قال لهم: {يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدّقًا لما بين يدي من التوراة} فهذا موقفه من الرسالات السابقة وموقفه من الرسالات اللاحقة قال: {ومبشرا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد} ولم يقل ومصدقًا بل قال ومبشرًا وهذا أبلغ؛ لأن المبشر به يكون نعمة على من بشر به فيكون تصديقه من باب تصديق الخبر وشكر النعم ومع ذلك رفضوا هذه البشارة وأنكروها ولم يؤمنوا
بمحمد صلى الله عليه وسلم إذن فهم حقيقة كافرون بعيسى وعيسى خصمهم يوم القيامة لأن الله سيقول له: } يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته
…
{الآيات؛ فعيسى هو خصمهم يوم القيامة وهم مكذبون له كافرون به، لكن الإسلام - لسعته ورحابته - أقرهم على دينهم بالجزية ولعلهم بما عندهم من الكتاب لعلهم يهتدون ويرجعون للصواب، وقوله: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام" ولم يقل: بالتحية؛ لأن التحية أعم فقد يضطر الإنسان إلى بداءتهم بالتحية لكن نقول: لا تبدأهم بالسلام، التحية مثل أهلًا وسهلًا ممكن أن يضطر الإنسان إلى أن يقول لرجل يهودي أو نصراني أو وثني: أهلًا وسهلًا لكن لا يمكن أن يقول بمقتضى الشرع: السلام عليكم وعلم من قوله: "لا تبدءوهم بالسلام" أننا نرد عليهم السلام؛ لأننا إذا رددنا فهم البادءون، والنهي إنما هو عن بداءتهم أما الرد عليهم فلا. ولكن كيف نرد عليهم؟ نرد عليهم بمثل ما حيَّونا به كما قال الله تعالى: } وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها {[النساء: 86]. فبدأ بالأحسن ثمَّ قال: } أو ردوها {وهو الواجب، فإذا قال اليهودي أو النصراني: السلام عليك بلفظ صريح، فأقول: عليك السلام بلفظ صريح، وإذا قال: السام عليك أقول: وعليك وإذا احتمل الأمران أقول عليك أيضاً، وهذا أيضاً من الآداب الإسلامية أنهم إذا قال أحدهم: السام عليك لا أقول: عليك السام بل أكون أنا أحسن أدباً منه، وأقول: وعليك، ففي هذه الحال أكون قابلته بما قابلني به ولهذا لما قالت عائشة في ردها على اليهودي الَّذي مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وقال السام عليك يا محمد، قالت: وعليك السام واللعنة نهاها الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله" وهذا من آداب الإسلام وعلوه ألا أنزل مثله إلى الساحة التي نزل فيها وهي الدعاء بل أقول عليك كما قال: "إن كان قال السلام فهو عليه وإن كان قال السام فهو عليه أيضاً".
وقوله: "وإذا لقيتم أحداً منهم في طريق فلا تفسحوا له اضطروه" أي: ألجئوه إلى أضيق الطرق فلا تفسح له مهما كان ولو كان أكبر منك مرتبة أو أغنى منك أو أعظم منك سلطة لا تفسح له إن بقي لم يذهب يميناً ولا يساراً فلا تهتم به اجعله هو الذَّي يميل يمينًا ويسارًا، وليس المعنى: أنك تلجؤه حتَّى تضيق عليه برصِّه على الجدار لماذا؟ لأن قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم يفسره فعله وفعل أصحابه فما كان الناس في المدينة يفعلون هكذا باليهود الَّذين فيها لكن إذا لقيناهم مثلاً ونحن خمسة وهم خمسة والطريق لا يتسع إلا لخمسة فقط فهل نحن نفسح لهم ونمشي واحداً واحداً حتَّى يتجاوزوا أو بالعكس؟ بالعكس نضطرهم إلى الأضيق، أما نحن فنبقى أعزة.
في هذا الحديث فوائد متعددة: أولًا: النهي عن بدء اليهود والنصارى بالسلام والأصل في النهي التحريم ولاسيما والقرينة هنا تدل عليه وهو أن بداءتهم بالسلام فيه شيء من إكرامهم