الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه أيضًا: أنه من كبائر الذنوب ووجه كونه من كبائر الذنوب: الوعيد عليه، لأن كل ذنب توعد عليه بوعيد خاص فإنه يكون من كبائ الذنوب، لأن المحرمات نوعان: منهيات لم تذكر لها عقوبة، ومنهيات ذكر لها عقوبة، فالأول صغائر، والثاني كبائر هذه هي القاعدة عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الكبيرة ما رتب عليها وعيد خاص دون الوعيد العام على كل شيء.
ومن فوائد الحديث: أن الغلول نار على صاحبه يوم القيامة فإن ما غله يوقد عليه نارًا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب الشملة الذي غلها أنها نار عليه.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث ربط الحكم بالعلة لما نهي عنه بين ما يترتب عليه.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز الترهيب عن العمل المحرم فيما ذكر من عقوبة الدنيا والآخرة، ولا يقال: إن تارك المحرم خوفًا من عقوبة الدنيا لا يكون له أجر بل يكون له أجر حتى وإن تركه خوفًا من عقوبة الدنيا لكن أجره ناقص عمن تركه خوفًا من عقوبة الآخرة.
فإن قال قائل: فإذا غل الإنسان فماذا يكون الحكم؟
يقال: إن الحكم أن يحرق رحله كله إلا السلاح والمصحف والحيوان، أما السلاح فلأنه ينتفع به في القتال وأما المصحف فاحترامًا له، وأما الحيوان فئلا يعذب النار مع أنه لم يحصل منه شيء.
سلب القاتل:
1229 -
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضي بالسلب للقاتل" رواه أبو داود.
- وأصله عند مسلم.
"قضي" بمعني: حكم، والقضاء يطلق على أمور متعددة منها: الفراغ من الشيء مثل قوله تعالى: {فقضاهن سبع سموات} ، ومنها: الفصل مثل قوله: {وقضي بينهم بالحق} يعني: فصل بين الناس كما قال تعالى: {يوم القيامة يفصل بينكم} [الممتحنة: 3]، ومنها: الحكم الشرعي أو الكوني ففي قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} [الإسراء: 4]، كوني {فلما قضينا عليه الموت} [سبأ: 14] كوني {وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: 23] شرعي يطلق أيضًا على علي الحكم بين الناس وهو بمعني الفصل الذي أشرنا إليه أولاً.
قوله: "السلب للقاتل" السلب ما على المقاتل من ثياب وسلاح ونحوها وهو على العدو
يقتله المسلم فقضي النبي (صلى الله ع ليه وسلم) بالسلب لهذا القاتل ينفرد به من الغنيمة من بين سائر الأعيان التي تغنم.
وقوله: "قضي" هل المراد بالقضاء هنا أنه حكم شرعي ثابت أو حكم في قضية معينة تبع المصلحة؟ في هذا للعلماء قولان: الأول أنه قضاء شرعي حكم شرعي، وعلى هذا فيكون السلب للقاتل، سواء شرط له أم لم يشترط، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضي به، وقيل: إنه قضاء تدبيري اقتضته المصلحة، وعلى هذا فإذا رأي الإمام أن يقول للمجاهدين: من قتل قتيلاً فله سلبه استحق السلب وإن لم يقل فإن سلب المقتول يكون مع الغنيمة فأيهما الأصل أنه قضاء تدبيري أو قضاء شرعي؟ الظاهر أن الثاني أولى وأحوط، وذلك لأن الأصل إتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به حتى لو فرض أنه قضاء تدبيري فإنه ينبغي لقائد الجيش أن يقضي بهذا القضاء:
{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21].
فيستفاد من هذا الحديث- على احتمال أنه قضاء شرعي-: أن السلب للقاتل سواء اشترط له أم لم يشترط.
ويستفاد منه: تشجيع الإنسان على العمل الصالح بأمر دنيوي، لأن الرسول شجع على القتال وعلى قتل العدو بجعل السلب للقاتل، وعلى هذا فالجوائز التي تجعل على المسابقات الشرعية إذا دخل الإنسان المسابقة فإنه لا يحرم الأجر ما دام يريد الوصول إلى العلم، لكن جعل هذا العوض- الذي في المسابقة- حافزًا له على الدخول في البحث والمراجعة والسؤال.
ومن فوائد الحديث: أنه يشرع للإنسان أن يشجع على الخير ولو بأمر دنيوي، لأن النفوس مجبولة على محبة الدنيا والآخرة فلا حرج أن تجعل مسابقة فيها عوض لمن سبق لكن هل يجوز التفريق بين المتسابقين فيقال: من كان أجود أعطي أكثر أو لا بد أن يتساووا؟ الأول هو الجواب الصحيح ولا يلزم التساوي، ولهذا قضي النبي صلى الله عليه وسلم بالسلب للقاتل مع أن المقتول من العدو قد يكون سلبه كثيرًا وقد يكون سلبه قليلاً.
ومن فوائد الحديث: حسن تدبير النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يجعل المحفزات عند الحاجة إلى ذلك كما فعل هنا في جلب السلب للقاتل.
1230 -
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في قصة قتل أبى جهل قال: "فابتدراه بسفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاخبراه، فقال: أيكما قتله؟ هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا قال: فنظر فيهما، فقال: كلاكما قتله، فقضى صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح" متفق عليه.
قوله في: "قصة قتل أبى جهل" أبو جهل من أكبر زعماء قريش، وكان يكني أبا الحكم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كناه بأبى جهل، وهذه الكنية هي المطابقة تمامًا لحال هذا الرجل، لأن من جهله أن يرد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وليس من الحكمة أن يردها فكيف يستحق أن يكني بأبي الحكم بل هو أبو جهل وقوله:"في قصة قتل أبى جهل"، القصة: هو أن عبد الرحمن بن عوف كان بين شابين صغيرين فسألاه عن أبى جهل، فقال لهما: ماذا تريدان منه؟ فصرح أحدهما قال: والله لأن عرفته لأقتلنه أو أموت دونه ثم التفت إلهي الآخر وسارة أيضًا وقال ما قال الأول، فلما رآه عبد الرحمن قال: هذا هو الرجل الذي تريدانه؟ قال فانطلقا من عنده كالصقرين على الصيد يريدان هذا الرجل فضرباه بسيفيهما فأردياه حتى سقط على الأرض ثم جاء بعدهما عبد الله بن مسعود وأجهز عليه وحز رأسه وكان يخاطبه، لمن الدائرة الآن؟ فقال عبد الله، ورسوله يا عدو الله، ثم وضع رجله على صفحة وجهة، ابن مسعود راعي غنم يضع رجله على صفحة وجه أبى جهل زعيم قريش فقال له: لقد ارتقيت مرتقي صعبًا يا رويعي الغنم، يحقره فهذا عزة الإسلام جاء الشابان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه أنهما قتلا أبا جهل فقال:"أيكما قتله؟ " ولعله سأل عن ذلك ليقي بالسلب للقاتل ثم قال: "هل مستحتما سيفيكما؟ "
قال: لا، فنظر في السيفين وإذا كلاهما متغمص بالدم فعرف أنهما قتلاه جميعًا.
يقول: "فقضي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح".
في هذا الحديث فوائد متعددة منها: أن الشجاعة قد تكون في قلوب الصغار، لأن هذين الشابين سألا عبد الرحمن بن عوف عن أبى جهل وقالا هذه الكلمة العجيبة: لأقتلنه أو أموت دونه، وهذا يدل على التصميم التام في قلهما أبا جهل.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للإنسان أن يتخلف عن فرض الكفاية إذا قام به من يكفي؛ لأن عبد الرحمن يشاهد أبا جهل، وليس بذاك الرجل الجبان لكنه لما رأي هذه الشابين يريدان قتله اكتفى بهما وهذا هو القاعدة في فرض الكفاية أنه إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.
ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب لقوله: "أيكما قتله"، فيكون رد لقول الخرافيين الذين يدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب حتى بعد موته، يقولون: إنه يعلم الغيب يحتجون بشبهات مثل قوله النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن صلاتكم تعرض على"، ومثل ما ورد في بعض الآثار أن أعمال الأمة تعرض عليه، فيقال: لا يلزم من عرضها عليه أن يكون عالمًا بها قبل وقوعها ولا عالمًا بها قبل أن تعرض عليه أيضًا فهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب لا حيًا ولا ميتًا.
ومن فوائد الحديث: العمل بالقرائن، لأنه استدل بما على سيفيهما من الدم على أنهما قتلاه وقد ثبت العمل بالقرائن بالكتاب والسنة، أما في الكتاب فقصة يوسف مع امرأة العزيز حيث شهد الشاهد:{إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكذبين (26) وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين} [يوسف: 26، 27]، كذلك أيضًا من السنة حكم سليمان عليه الصلاة والسلام في قصة المرأتين اللتين تحاكمتا إلى داود بابن إحداهما حيث أكل ابن إحداهما الذئب فاختصمتا في الابن الباقي إلى داود فرأي عليه الصلاة والسلام أن يحكم به لكبيرة بناء على أنها أحوج للولد من الصغيرة وبناء على أن الصغيرة يمكن أن تنجب ولكن سليمان- عليه الصلاة والسلام خالفه في الحكم، فلما تحاكمتا إليه دعا بالسكين وقال أريد أن أشق الولد بينكما نصفين كل واحدة تأخذ النصف فقالت الصغرى: هو لها يا نبي الله، وقالت الكبرى: شقة! فحكم به للصغرى، أين القرينة؟ الرحمة والحنان من الصغرى، الصغرى لا يهمها أن يفارقها ولكن يبقي حيًا والكبرى ال يهمها أن يقتل ويموت، لأن أبنها قد أكله الذئب، والحديث أن يفارقها ولكن يبقي حيًا والكبرى لا يهمها أن يفارقها ولكن يبقي حيًا والكبرى لا يهمها أن يقتل ويموت؛ لأن أبنها قد أكله الذئب، والحديث الذي معنا من الحكم بالقرائن على يدي الرسول خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، ولكن لا بد أن تكون القرائن قوية لا مجرد شبهة فإن مجرد الشبهة لا يكفي، بل لا بد أن تكون القرينة قوية جدًا مثلاً: لو تنازع الزوجان بعد الفراق في أساس البيت فقالت الزوجة: دلال القهوة لي، وقال الزوج: لي، القرينة مع الزوج، لأن النساء لا يكثرن من شرب القهوة والذي يكثر الرجال إذن يحكم بأنها للرجل بناء على الظاهر وإن كان فيه احتمال أن المرأة هي التي اشترتها.
تنازع الرجل والمرأة في حلي سوار من الذهب، قال الزوج: لي، وقالت الزوجة: لي القرين مع الزوجة مع أن فيه احتمالاً أن للزوج وأنه أعارها إياه كما يفعل بعض الأزواج الآن يشتري ذهبًا وبعيره زوجته، ويكتب بأني أعرت الزوجة كذا وكذا، إذن العمل بالقرآن إذا كانت قوية عمل مشروع وطريق صحيح إلى الحكم بين الناس.
ومن فوائد الحديث: أن من اشتركا في عمل استحقا ما جعل عليه ولا حاجة إلى الإقراع بينهما ما دامت القسمة ممكنة، وإن كان لا يمكن احتيج إلى إجراء القرعة بينهما، ووجه الاستدلال من الحديث يترتب على تحرير الحديث.