الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد الحديث: أن حديث النفس لا يؤاخذ به مهما عظم ما يحدث به، لو حدث نفسه في أمور عظيمة تتعلق بالتوحيد أو في جانب الربوبية فإنه لا يؤاخذ بذلك ما دان لم يستقر ويقر ما حدث به النفس فلا عبرة به؛ ولهذا لم شكا الصحابة- رضي الله عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يجدون في نفوسهم مثل هذا حتى قالوا إننا يا رسول الله، نحب أن يكون الواحد منا حمة يعني: فحمة محترقًا ولا يتكلم بين لهم أن ذلك لا يضر وأنهم إذا رأوا ذلك فليستعيذوا بالله ولينتهوا يتغافلون عن هذا الشيء فيزول وهذا هو الدواء أن نقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم لا نتكلم أغفل ولا ياستهوينك الشيطان فتكلم بل اقصر لسانك وما حدثت به نفسك فإنه لا يضر.
ومن فوائد الحديث: اعتبار القول أن من قال قولًا فإنه يؤاخذ به لقوله: "أو يتكلم" فإذا حدث نفسه بشيء ثم تكلم به مقررًا له فإنه يؤاخذ به.
ومن فوائد الحديث: أيضًا إذا عمل الإنسان عملًا فإنه مؤاخذ به؛ لأن حديث النفس يؤدي إما إلى قول وإما إلى عمل، فإذا أدَّى إلى العمل فإنه يؤاخذ بما يقتضيه ذلك العمل.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا قرن القول بالعمل اختلف المعنى، وأما إذا أطلق العمل وحده فإنه يشمل القول؛ لأن القول عمل اللسان لكن إذا ذكر القول معه صار العمل للجوارح، والقول للسان، وكذلك أيضًا في الفعل، إذا ذكر مع القول فهو فعل الجوارح، وإذا أطلق فإنه يشمل القول.
حكم الطلاق الخطأ وطلاق المكره:
1039 -
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما عن النَّبيِّ قال: "إنَّ الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ، والنِّسيان وما استكرهُوا عليه". رواه ابن ماجه والحاكم، وقال أبو حاتم: لا يثبت.
معنى: "لا يثبت" يعني: عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن معناه صحيح ولنتكلم عليه وضع عن أمتي الخطأ والنسيان "وما استكرهوا عليه" أي: ما أكرهوا عليه، "الخطأ" مجانبة الصواب عن غير قصد، و"النسيان" هو: الذهول عن شيء معلوم والاستكراه هو إجبار الإنسان على الشيء فعلًا أو تركًا أو قولًا وهذا الحديث وإن لم يثبت سندًا فهو ثابت معنى، الخطأ والنسيان معفو عنهما بنص القرآن قال الله تعالى:{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]. فقال الله قد فعلت وقال تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} [الأحزاب: 5]. أم الإكراه فقال الله عز وجل {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان
ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} [النحل: 106]. فإذا كان الإكراه على الكفر وهو أعظم الخطايا معفو عنه فما دونه من باب أولى.
ولكن هل يلزم هذا المخطئ أو الناسي أو المكره شيء؟ الجواب: ننظر إن كان المكر عليه أو المنسي أو المخطأ فيه إن كان من قسم المنهيات لم يلزمه شيء وإن كان من قسم المأمورات فإن أمكن إتمامه وإن لم يمكن وله بدل أخذ ببدله وإلا سقط. مثال ذلك: نسي إنسان فصلى ثلاثا في الرباعية وسلم هل تسقط الرابعة بالنسيان؟ لا، لأنه من باب المأمور كمل المأمور يعني أتم الصلاة أربعًا واسجد للسهو، لو نسي فطاف ستًا فهل يسقط السابع؟ لا، لأنه مأمور فيأتيه، لو نسي فلم يرم الجمرات هل تسقط؟ لا، لكن إن كان في وقت الرمي رمى وإن كان قد انتهى وقته وجب عليه البدل وهو عند أهل العلم دم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء. أما المحذورات فإنها لا أثر لها، لا أثر لفعلها إذا كان صادرًا عن خطأ أو نسيان أو إكراه، الخطأ قلنا: إنه مجانبة الصواب من غير قصد ينقسم إلى قسمين: خطأ في الحكم، وخطأ في الحال، وكلاهما سواء والخطأ في الحكم قد يكون عن اجتهاد وقد يكون عن تفريط فإن كان عن اجتهاد فلا إثم عليه ولو أخطأ فعمله صحيح بمعنى أنه لا بإثم به ولا يلزم بإعادته لأنه فعل ما أمر به وأما إذا لم يكن عن اجتهاد فإنه لا يأثم، ولكن يأتي ببدله إن كان له بدل، ولنضرب لهذا أمثالا: رجل احتجم وهو صائم يظن أن الحجامة لا تفطر هذا خطأ في الحكم، مثال آخر رجل أكل وشرب بعد طلوع الفجر لكنه لم يعلم بالفجر هذا خطأ في الحال؛ لأنه يعلم أن الأكل بعد طلوع الفجر مفطر للصائم لكنه لم يعلم أن الفجر قد طلع فيكون جاهلًا بالحال، رجل ثالث صلى في ثوب نجس وهو لا يعلم بالنجاسة هذا خطأ في الحال، رجل رابع صلى في ثوب وهو يعلم أن فيه نجاسة ولكن لم يظن أن هذه نجاسة هذا خطأ في الحال، خامسًا رجل صلَّى وفي ثوبه نجاسة لكنه لا يظن أن النجاسة تبطل الصلاة هذا خطأ في الحكم ولا فرق بين الخطأ في الحكم والخطأ في الحال.
النسيان: ذهول القلب عن الشيء المعلوم، يعني: كان معلوما عنده ولكن ذهب.
فإن قال قائل: لماذا جاء المؤلف بهذا الحديث في كتاب الطلاق؟
الجواب: لأنه يتعلق به كثير من أحكام الطلاق فمثلا لو قال الرجل لزوجته: أن فعلت كذا
فأنت طالق يريد الطلاق فعلته ناسية فما الحكم؟ لا طلاق عليها أو قال إن فعلت كذا فأنت طالق ولكنها لم تعلم أنه قال هذا القول ففعلت فلا طلاق عليها أو قال إن دخلت البيت على فلان فأنت طالق فظنت أنه يريد إن دخلت البيت عليه في الليل لا في النهار فدخلت في النهار لم تطلق لأنها جاهلة متأوله وهذا القول الذي جاء المؤلف بهذا الحديث ليشير إليه هو القول الراجح أن الطلاق يعذر فيه بالجهل والنسيان كغيره والمشهور من المذهب أنه لا عذر فيه بجهل ولا نسيان متى وجد الشرط على أي حال ثبت الطلاق أما الإكراه فنعم يرون أن الرجل إذا أكره على الطلاق منه وقد ذكرنا من قبل قصة وقعت في عهد عمر أن رجلًا نزل من الجبل ليشري عسلًا، يعني: يجني عسلًا فأمسكت امرأته بالحبل وقالت: إما أن تطلقني ثلاثًا أو أطلقت الحبل فماذا يصنع؟ طلقها ثلاثًا فبلغ ذلك عمر فقال: هي امرأته لأن الرجل مكره.
ومن الإكراه أن تقول المرأة للزوج وقد وقع هذا- تأتي بالسكين وتقول إما أن تطلقني أو أقتل نفسي هذا أيضًا إكراه لأنه لا أحد يريد أن تذبح زوجته نفسها فإذا طلق بناء على هذا فلا طلاق ومن ذلك أن يأتي ظالم فيكرهه على أن يطلق زوجته فيفعل فلا طلاق، وأما الطلاق خوفًا من الغصب فليس بطلاق مكره، بعض الناس مثلًا يأتيه بنو عمه ولاسيما في البادية يقولون هذه المرأة ليست من أكفانك ولا تصلح لك نحن بنو فلان وهذه من بني فلان فيلزمون عليه فيطلق فهذا ليس بإكراه لأنه بإمكانه أن يقول: لا إلا إذا هددوه بالقتل لها أو له أو فعل معه ما يضره فحينئذ يكون مكرهًا.
يستفاد من هذا الحديث: أولًا: بيان رحمة الله تعالى بهذه الأمة حيث وضع عنها الآصال والأغلال التي من جملتها أنه لا حكم لما فعلته جاهلة أو ناسية أو مكرهة.
ومن فوائد الحديث: إثبات الحكم المطلق لله لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع" ولا يمكن لأحد أن يضع عن الخلق شيء من الأفعال إلا الله وحده أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: عموم رحمة الله وفضله على هذه الأمة حيث لم يؤاخذها بما فعلت جاهلة أو ناسية أو مكرهة.
ومن فوائد الحديث: أن من طلق ناسيًا أو جاهلًا أو مكرهًا فلا طلاق عليه لأن الحديث عام والطلاق يدخل في هذا العموم.
1040 -
وعن ابن عباس رضى الله عنها قال: {إذا حرم امرأته ليس بشيء، وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21]. رواه البخاري.
هذا الحديث موقوف على ابن عباس؛ لأنه لم يرفعه إلي النبي صلى الله عليه وسلم فهو من قوله، وإذا قال الصحابي قولًا فإن كان تفقهًا فهو كغيره، يستنبط الأحكام من الأدلة ويكون كغيره من الناس، لكنه لا شك أقرب إلى الصواب من غيره، وما قاله ابن عباس هنا تفقهًا؛ لأنه استدل له بقوله:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ، قوله:"إذا حرم الرجل" تحريم المرأة يقع على وجوه: الوجه الأول أن يقصد أنها حرام يقول إن الله حرم الزوجة خبرًا لا إنشاء، فهذا نقول له كذبت وليس بشيء لا يعتبر كلامه شيئًا؛ لأنه أخبر أن الله حرم الزوجة ونحن نعلم أن الله لم يحرم وهل يلزمه شيء؟ لا يلزمه إلا التوبة من الكذب، الوجه الثاني: أن يحرمها على سبيل الامتناع يعني يقصد بقوله لزوجته: أنت علي حرام الامتناع منها وتحريمها على نفسه لا تغيير حكم الله فهذا حكمه على القول الصحيح حكم اليمين، وظاهر حديث ابن عباس أنه ليس بشيء، فيحتمل أن يريد بقوله:"ليس بشيء" أي: ليس بشيء من الظهار، بدليل قوله: {لقد كان لكم
…
إلخ}.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما حرم نساءه وألى منهن، قال الله له {قد فرض الله لكم تحله أيمانكم} [التحريم: 2].
هذا على أحد القولين في الآية ويحتمل أنه قال ليس بشيء؛ لأنه وإن حرم زوجته فإنها لا تحرم فيكون كالذي أخبر عن تحريمها وهي ليس بحرام، الوجه الثالث: أن يريد بقوله: هي حرام إنشاء التحريم الحكمي يعني كالذي يقول الخبز حرام يعني: يريد أن يحرم ما أحل الله فهذا حكمه حكم من حكم بغير ما أنزل الله لأن الله أحلى النساء وهو يريد أن يحرمها تحريمًا حكميًا فهذا حكمه من حرم ما أحل الله يعني: أنه على خطر عظيم قد يؤدي به إلى الكفر، الوجه الرابع: أن ينوي بالتحريم الطلاق لأن الطلاق فيه نوع من التحريم فإنه يحرم على الزوج ما يحرم بالطلاق فيريد بقوله: أنت علي حرام أو زوجتي علي حرام يريد به الطلاق فإذا أراد به الطلاق صار كناية فتطلق المرأة، الوجه الخامس: ألا ينوي شيئًا خرج من لسانه وقال: أنت علي حرام فقيل: إنه ظهار وقيل إنه يمين يعني: حكمه حكم اليمين؛ لأن كل من حرم شيئًا مما أحله الله له يقصد الامتناع منه فحكمه حكم اليمين وهذا القول الثاني أصح من أن نقول إنه ظهار لأن الظهار رخصه الله تعالى بمن ظاهر من زوجته فقال: أنت علي كظهر أمي، وهذا القول أشد من قوله: أنت علي حرام فإذا أطلق قوله: أنت علي حرام لم نصرفه إلى الظهار، بل نقول حكم هذا
حكم اليمين لقوله تعالى: {يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم (1) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} [التحريم: 1 - 2]. فقوله جل ذكره: {ما أحل الله لك} يشمل الزوجة مما أحل الله له فيكون حكمه حكم اليمين، هذه خمسة أوجه في قول الرجل لامرأته أنت علي حرام، يقول ثم قال:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} أسوة يعني: تأسيًا حسنًا يعني: لا زيادة فيه ولا نقص يشير رضى الله عنه إلى تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لأمته على أحد الأقوال أو للعسل على القول الثاني والعسل مما أحل الله له والمرأة مما أحل الله له فإذا حرم زوجته كان كتحريم العسل لكن في هذا إشكال وهو أن الذي حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يمينًا يلزمه كفارة يمين وهذا مما يؤيد التفسير الثاني في قوله: "إذا حرم زوجته فليس بشيء" أي: ليس بشيء من الظهار أو الطلاق.
ولمسلم عن ابن عباس رضى الله عنها: "إذا حرم الرجل امرأته فهو يمين يكفرها".
وهذا مما يؤيد أن معنى قوله فليس بشيء أي: من الظهار بل تكون يمينًا يكفرها وهذا القول هو الصحيح كما سمعتم في أول البحث على أنه إذا حرم زوجته ولم ينو شيئًا فهو يمين.
من فوائد الحديث: حكم هذه المسألة وهي إذا حرم الرجل زوجته فماذا يترتب عليه وقد علمتم الحكم مما فصلنا.
ومن فوائد الحديث: أن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله الأصل التأسي لقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21].
ومن فوائد الحديث: أن المرء يجب عليه أن يكون تأسيه بالنبي صلى الله عليه وسلم تأسيًا حسنًا والحسن كما قلنا ألا يزيد ولا ينقص.
ومن فوائد هذا الأثر عن ابن عباس أن التحريم تحريم المرأة كتحريم غيرها من الحلال يكون يمينًا.
1042 -
وعن عائشة رضى الله عنها: "أن ابنه الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها.
قالت: أعوذ بالله منك، فقال: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك". رواه البخاري.
هذا المرأة لم يقدر الله لها ما هو خير، فإنها لو بقيت من زوجات الرسول لكانت معه في الجنة، لكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء لما أدخلت عليه، قالت: أعوذ بالله منك" ومعنى أعوذ: أي: اعتصم بالله منك تريد أن يبتعد عنها وقالت ذلك لأنها امرأة مغرورة بنفسها فقالت: أعوذ بالله منك لما قالت هكذا استعاذت بالله فإن المشروع فيمن استعاذ أحد بالله منه المشروع
أن يعيذه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من استعاذ بالله فأعيذوه" فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لقد عذت بعظيم" وهو الله- سبحانه وتعالى أعظم العظماء وهو يعيذ من استعاذ به الحقي بأهلك يريد الطلاق، يعني: اذهبي لأهلك أنت مطلقة.
فيستفاد من هذا الحديث: أولًا: أن الإنسان قد يحرم الخير- والعياذ بالله- بمقالة يقولها؛ لأن هذه المرأة قالت: "أعوذ بالله منك" فحرمت أن تكون من أمهات المؤمنين.
ومن فوائده: شدة تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لربه حيث قال: "لقد عذت بعظيم" وأعاذها.
ومن فوائده: أن قول الرجل لامرأته الحقي بأهلك بنية الطلاق يعتبر طلاقًا ودليله من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"
…
الحديث.
فإن قال قائل: لو أخذنا بالعموم لكان الرجل إذا قال: والله لا ألبس الثوب ثم لبس الثوب فقلنا له: حنثت قال أردت بقولي والله لا ألبس الثوب أي لا آكل الخبز قال: "إنما الأعمال بالنيات"، فنقول: نعم، بشرط أن يكون اللفظ محتملًا للنية التي نواها أما إذا كان غير محتمل فلا يصح الحقي بأهلك هل هو محتمل للطلاق؟ نعم؛ لأن الطلاق فراق الزوجة لزوجها إلى أهلها ففيه احتمال للطلاق فلهذا إذا نوى به الطلاق فهو طلاق، أخذ العلماء من هذا أن الطلاق صريحًا وكناية يعني: صيغة صريحة، وصيغة كناية فما هو الصريح؟ الصريح ما لا يحتمل غيره أو ما يتبادر إلى الذهن من اللفظ وإن كان يحتمل غيره، هذا الصريح الكناية على العكس من ذلك ما يتبادر إلى الذهن سوى الطلاق لكن تحتمل النية وعلى هذا، فإذا قال الإنسان لزوجته: أنت طالق فهذا صريح لأنه يحتمل غيره لكن ما الذي يتبادر إلى الذهن؟ الطلاق يحتمل أنت طالق، يعني: غير مقيدة؛ ولهذا لو قال الرجل بعيري طالق المعنى: أنه غير مقيد، فاللفظ هنا مجرد لا شك أنه يحتمل غير الطلاق، لكن لما أضيف إلى المرأة صار المتبادر منه طلاق المرأة فيكون صريحًا، إن الألفاظ في الحقيقة تتقيد بالأعراف نحن عندنا هنا في القصيم إذا قال خلى زوجته أو هي مخلاة فهو طلاق صريح، العامة الآن إذا طلق رجل زوجته ما يقول طلقت يقول مخلاة فعلى هذا يكون صريحًا وعند قوم آخرين لا يعرفون هذه الكلمة فيكون كناية فصارت الكناية الآن ما يتبادر إلى الذهن سوى الطلاق، لكن يحتمل الطلاق وعكسه الصريح ما يتبادر إلى الذهن منه الطلاق ويحتمل غيره لكنه خلاف الظاهر.
بقي أن يقال: هل يقع الطلاق بالكناية بمجرد التلفظ بها.
الجواب: لا؛ وذلك لأن اللفظ موضوع لغير الطلاق ولهذا لا يتبادر منه الطلاق فلا يقع الطلاق بالكناية بمجرد التلفظ بها، لو قال لزوجته بدون أي سبب الحقي بأهلك هل يقع الطلاق؟ لا ما دام لا نوى ولا هناك سبب يجعل الظاهر من اللفظ هو الطلاق فالطلاق حينئذ لا يقع لأن مجرد الحقي بأهلك يريد حتى يهدأ غضبه أو حتى تهدأ هي إن كانت هي الغاضبة أو لأن أهلها دعوها فقال الحقي بأهلك المهم أنه بمجرد أن يقول الحقي بأهلك إذا لم ينو الطلاق ولم يكن هناك سبب يوجب حمل اللفظ على الطلاق فإنه ليس بطلاق، الحديث الذي معنا هل هناك سبب يحمل لفظ الحقي بأهلك على الطلاق؟ نعم ما هو؟ استعاذتها بالله من الرسول صلى الله عليه وسلم هذا يقتضي أن يكون المراد باللفظ الطلاق ولهذا قال العلماء يقع الطلاق بالكناية في أحوال ثلاث: أولًا: إذا نوى وهذا ظاهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات
…
"الحديث.
ثانيًا: إذا طلبت الطلاق قالت: "طلقني" فقال: "الحقي بأهلك"، فإن سؤالها الطلاق وبناء الكلام على الجواب على ذلك يقتضي أنه أراد الطلاق لكن لو أراد غيره في هذه الحال وقال: أنا لم أرد بقولي الحقي بأهلك أنها تطلق إنما أردت تفارق عن وجهي حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا فحينئذ لا يقع الثالث إذا كان له سبب وسببه يقتضي الطلاق يعني: ليس جوابًا، سؤال: غاضبته مثلًا فقال: "الحقي بأهلك" هذا سبب عن مغاضبة سبب يقتصي أن يطلقها فقوله: "الحقي بأهلك" له سبب يؤيد أن يكون المراد الطلاق فيعمل بهذا السبب، ودليل هذه المسألة الأخيرة الحديث الحقي بأهلك، لو قالت: يا فلان طلقني طلقني طلقني قال: فارقي ولا يدري ماذا نوى فهل يقع؟ يقع لأن المغاضبة سبب فيقع فارقي طلاق لأن الطلاق فراق، لو قال قائل: كيف تطلق وهو ما نوى؟ قلنا: الكناية يقع به الطلاق في ثلاث أحوال: النية والسبب الذي يقتضي الطلاق وجواب، سؤال، هل النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الحقي بأهلك لا شك أنه أراد الطلاق فيما يظهر لنا. فهذا الرجل لما غاضبته غضب وقال:"الحقي بأهلك" أو فارقي، لكن لو قال أنا نويت غير الطلاق أو لم أنو الطلاق فهنا ندينه.
يقول الراجز:
وكل لفظٍ لفراقٍ احتمل
…
فهو كناية بنية حصل
هذا تعريف الكناية: كل لفظ يحتمل الفراق فهو كناية، فلو قال: أعطني القهوة وقال: نويت الطلاق، لا تقبل نيته؛ لأن اللفظ لا يحتمل الفراق.