الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذا الحديث فوائد وهي: وجوب الوفاء بالعهد، وقد دل على ذلك نصوص كثيرة منها قوله تعالى:{وأوفوا بالعهد إنَّ العهد كان مسئولاً} [الإسراء: 34].
ومنها: أن الله أمر بقتال الكفار إلا المعاهدين.
ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الغدر بالعهد من علامات النفاق هذه أدلة سمعية أما الأدلة العقلانية فلأننا لو غدرنا بالعهد مع أعدائنا لكان هذا وصمة عار في ديننا لأنهم بعد ذلك يقولون: هذه أمة الإسلام تغدر بالعهد، الغدر بالعهد من كبائر الذنوب لأنه رتب عليه عقوبة خاصة.
فإن قال قائل: إذّا خفنا من نقض العهد؟
نقول: هذا الخوف إما أن يكون قبل إبرام العهد أو بعد إبرام العهد، فإن كان قبل إبرام العهد فإننا لا نبرمه معهم، لأن هذا يعتبر ذلاً، وإما أن يكون ذلك بعد العهد فهؤلاء لا يجوز أن ننقض عهدهم لكن ماذا نصنع؟ ننبذ إليهم على سواء لقوله تعالى:{وإمَّا تخافنَّ من قومٍ خيانةً فانبذّ إليهم على سواء} [الأنفال: 58]. فإن وفوا بالعهد وجب علينا أن نفي بالعهد لقول الله تعالى: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنَّ الله يحبُّ المتقين} [التوبة: 7]. وإن نكثوا العهد وجب قتالهم وقد حث الله عليه حثًّا بينًا فقال: {وإن نَّكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمَّة الكفر إنَّهم لا أيمان لهم لعلَّهم ينتهون} [التوبة: 12]. فصار المعاهدون ثلاثة أقسام.
ومن فوائد الحديث: بيان وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم حتَّى مع أعدائه؛ لأن قوله: "لا أخيس بالعهد" عام.
ومنة فوائده: منع حبس السبيل- رسل الأعداء- الَّذين يأتون للمفاوضة.
فإن قال قائل: إذا خفنا أن يكون هذا الرسول الَّذي أرسل عينًا للمشركين- ومعنى عينًا أي: جاسوسًا- فهل نحبسه؟
نقول: نعم نحبسه؛ لأن الأعداء ربما يرسلون رسولاً لا يريدون الصلح ولا التفاوض لكن يرسلون هذا الرسول ليعلم ما نحن عليه فيرجع وقد جسّ علينا، فمثل هذا إذا علمنا بالقرائن أنه قدم لهذا وجب علينا أن نحبسه؛ لأنه أهدر حقه بكونه عينًا للمشركين.
حكم الأرض المفتوحة:
1255 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما قريةٍ أتيتموها فأقمتم فيها؛ فسهمكم فيها، ، وأيما قريةٍ عصت الله ورسوله؛ فإن خمسها لله ورسوله، ثمَّ هي لكم". رواه مسلم.
قوله: "أيما قرية" هذه اسم شرط، وفيها إشكال وهو أن اسم الشرط لا يليه إلا فعل وهذا وليها اسم فما الجواب عن هذا الإشكال؟
نقول: "قرية" مضاف إليه والمضاف: "أي" القرية هي المدينة سواء كانت كبيرة أو صغيرة هذا هو المعلوم من اللغة قال الله تعالى: {وكأين من قريةٍ هي أشدُّ قوَّةً من قريتك التي أخرجتك} [محمد: 13]. والقرية التي أخرجته مكة أم القرى، وهناك قرى أعظم منها أهلكها الله عز وجل وأما المعروف بين الناس وهو أن المدينة للقرية الكبيرة، والقرية للمدينة الصغيرة فهذا لا أصل له في اللغة لكن تسمى القرية الكبيرة مصرًا؛ ولهذا يقول الفقهاء في القرى والأمصار فيفرقون بين القرى وبين الأمصار.
وقوله: "فسهمكم فيها" يعني: أنها تكون لكم، "وأيما قرية عصت الله ورسوله
…
إلخ"، يعني: القرية الأخرى الَّتي عصت الله ورسوله وحوربت وفتحت، "فإن خمسها يكون لله ورسوله" فيذهب فيئًا، والباقي يكون لكم؛ أي: للمجاهدين، فيقسم بينهم على ما سبق وقد تقدم حكم هذه المسألة؛ لأن قوله: "ثمَّ هي لكم" يدل على أنهم يملكونها وسبق أن الإمام يخيّر فيها بين أن يقسمها على المجاهدين وبين أن يدعها وقفًا للمسلمين ويضرب عليها خراجً مستمًرا، يؤخذ ممن هي بيدهم فيقول مثلاً هذه الأرض لا أقسمها بين الغانمين لأنني إذا قسمتها بين الغانمين وهي أرض باقية لا تفني بفناء الناس حرمنا الأجيال القادمة من المسلمين فإننا لا نقسمها ولكن نوزعها الأراضي الزراعية نوزعها زراعة والأراضي السكنية نوزعها سكنى ونضرب على كل مسافة معينة شيئًا معينًا، وقال أهل العلم: إن المرجع في هذا إلى اجتهاد الإمام فقد يضرب على الفدان في هذه الأرض ألفًا وفي أرض أخرى ألفين وقد يضرب على الفدان في أرض ثالثة خمسمائة على حسب الحال وربما تتغير الأمور فيكون المرغوب هذا العام غير مرغوب في العام المقبل فتتغير الأحكام، ولهذا قال العلماء- رحمهم الله: إن المرجع في الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام.
ففي هذا الحديث فوائد: منها: أن القرى تنقسم إلى قسمين: قرية أسلم أهلها فهذه لا تقسم ولكنها تبقى لهم وقسم آخر بقيت على كفرها وعصت الله ورسوله فهذه تخمس ويكون خمس أراضيها للفيء وأربعة أخماسها للمجاهدين هذا ما يدل عليه الحديث. وبهذا انتهى كتاب الجهاد.