الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1074 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "إنما الأقراء؛ الأطهار". أخرجه مالكٌ في قصَّةٍ بسندٍ صحيح.
تريد بذلك قول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأرنفسهن ثلاثة قروء} .
والقروء: جمع قرء، وقد اختلف فيه العلماء، فقال بعضهم: إنه الحيض، وعلى هذا يكون معنى قوله:{ثلاثة قروء} أي: ثلاث حيض.
وقال بعضهم: إنه الطهر وعلى هذا فيكون قوله: {ثلاثة قروء} أي: ثلاثة أطهار، ولكن الصحيح أن المراد بالقروء: الحيض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة "اتركي الصلاة قدر ما تحبسك أقراؤك"، وهذا صريح في أن المراد به الحيض.
وقد أطال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" الكلام على هذه المسألة، وتكلم بما تتعين مراجعته، لأنه مفيد وعلى هذا فإذا طلَّق الإنسان في أثناء الحيضة وقلنا بوقوع الطلاق فإن بقية الحيضة التي طلَّقها لا يعتد بها لأن الله يقول:{ثلاثة قروء} وهنا لو اعتدت بها لكانت قرأين ونصفًا أو قرأين ونصف الثالثة مع نصف التي وقع فيها الطلاق ومعلوم أن الحيض لا يتبعض أما إذا قلنا: بأنه هي الأطهار فإنها إذا شرعت في الحيضة الرابعة انتهت من العدة؛ لأن الأطهار ثلاثة بين كل حيضتين قرء، فإذا طلقها في أثناء الحيضة وقلنا بوقوع الطلاق فإننا نحسب الطهر الذي بعدها والطهر الذي بعد الثانية، والطهر الذي بعد الثالثة فإذا شرعت في الرابعة انتهت العدة، ولكن القول الصواب هو أن المراد بالإقراء: الحيض.
طلاق الأمة وعدتها:
1075 -
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: "طلاق الأمة تطليقتان، وعدَّتها حيضتان" رواه الدارقطنُّي وأخرجه مرفوعًا وضعَّفه، وأخرجه أبو داود، والتِّرمذيُّ، وابن ماجة: من حديث عائشة، وصحَّحه الحاكم، وخالفوه، فاتَّفقوا على ضعفه".
الحديث- كما ترون- موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنه "طلاق الأمة تطليقتان"، يعنى: أنها ليست ثلاثًا كالحرة فالحرة تطلق ثلاثًا وتبين بعد الثالثة والأمة تطلق مرتين وتبين بعد الثانية هذا معنى قوله: "طلاق الأمة تطليقتان" وعلى هذا فإذا طلقها زوجها مرتين تحرم عليه حتى تنكح زوجًا غيره، وعدتها حيضتان على النصف من الحرة، والحرة ثلاث حيض ولم يقل العلماء بحيضة ونصف؛ لأن الحيضة لا تتبعض فلذلك جبروا الكسر وقالوا: عدتها حيضتان.
في هذا الأثر عن ابن عمر ما يدل على أن المعتبر في الطلاق الزوجة دون الزوج، وهذا موضع خلاف بين العلماء هل المعتبر في الطلاق الزوجة أو المعتبر الزوج؟ ويظهر أثر الخلاف فيما إذا كان الزوج حرًّا والزوجة أمة فهل يملك الزوج هنا ثلاث تطليقات أو طلقتين؟ إذا قلنا المعتبر الزوجة لم يملك إلا تطليقتين وإذا قلنا المعتبر الزوج ملك ثلاثًا وبالعكس لو كان الزوج رقيقًا والزوجة حرة فهل يملك ثلاث تطليقات أو يملك تطليقتين؟ إن قلنا: المعتبر الزوجة ملك ثلاث تطليقات وإن قلنا المعتبر الزوج لم يملك إلا تطليقتين بناء على المشهور عند جمهور العلماء من تنصف ما يملك الزوج باعتبار الحرية والرِّق، أما الظاهرية فلا يعتبرون هذا إطلاقًا، ويقولون: الزوج يملك ثلاث تطليقات حرًّا كان أو عبدًا والمشهور عند أكثر أهل العلم أن الطلاق معتبر بمن بيده الطلاق ومن الذي بينه الطلاق؟ الزوج وعلى هذا فإذا كان الزوج حرًّا وزوجته مملوكة فإنه يملك ثلاث تطليقات، وإن كان رقيقًا وزوجته حرة لم يملك إلا طلقتين وهذا هو الصحيح؛ لأن حكم الطلاق يتعلق بمن له الطلاق، أما من ليس بيده الطلاق وهي الزوجة فلا عبرة به. فإن قال قائل: وهل يجوز للحرِّ أن يتزوج أمة؟ قلنا: نعم بشروط بيِّنها الله في قوله: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن مَّا ملكك أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} [النساء: 25]. إذن ذكر الله شرطين: الشرط الأول: من لم يستطع منا طولا؛ أي: مهرًا يتزوج به الحرائر فلينكح الإماء {فمن ما ملكت أيمانكم} هذا شرط.
الشرط الثاني: {من فتياتكم المؤمنات} فالكتابية الأمة لا تحل.
الشرط الثالث: {ذلك لمن حشى العنت منكم} "العنت": المشقة بترك النكاح، فإذا تمت الشروط الثلاثة جاز للحرِّ أن يتزوج الأمة، وإنما منع الحرُّ من تزوج الأمة، لأنه كما قال الإمام أحمد: إذا تزوج الحر أمة رق نصفه، يعني: صار نصفه رقيقًا كيف ذلك؟ لأن الأولاد بضعة منه وأولاده يكونون أرقاء، ولهذا ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أنه إذا اشترط الحر على مالك الأمة أن يكون أولاده أحرارا فلا بأس أن يتزوجها بدون شرط؛ لأن شيخ الإسلام في وقته ابتلي الناس بالإماء اللائي هن أحسن وأجمل من الحرائر؛ لأنهن مسببات من الكفار وجميلات والناس ينصبون عليهن، فرأى رحمه الله أنه إذا اشترط الزوج على مالك الأمة أن أولاده أحرار فإن العلة قد زالت فله أن يتزوج لكن الذي ينبغي أن يمشى على ظاهر الآية لأن العلة التي ذكرها الإمام أحمد علة مستنبطة، والعلة المستنبطة لا ينبغي أن يخصص بها عموم النص؛ لأنها قد تكون العلة غيرها وقد تكون العلة مركبة من هذا ومن غيرها، أما إذا جاء النص على العلة فهنا لا بأس أن يخصص مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه"، فهنا إذا كان الثالث لا يحزن إذا تناجى اثنان عنده فلا نهي الآن فهمنا أن القول الراجح