المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النفقة على الزوجة والأولاد وأحكامها: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٥

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب الطلاق

- ‌تعريف الطلاق لغة وشرعًا:

- ‌ذكر المفاسد المترتبة على الطلاق:

- ‌حكم طلاق الحائض

- ‌المحرم من الطلاق:

- ‌اختلاف حكم الطلاق ثلاثة مجموعة في عهد عمر رضي الله عنه:

- ‌مسألة: هل يقع الطلاق بحديث النفس أو الوسوسة

- ‌حكم الطلاق الخطأ وطلاق المكره:

- ‌ثبوت الطلاق يترتب على ثبوت النكاح:

- ‌حكم طلاق الصغير والمجنون والسكران:

- ‌كتاب الرجعة

- ‌حكم الإشهاد في الطلاق والرجعة:

- ‌1 - باب الإيلاء والظهار والكفارة

- ‌حكم الإيلاء:

- ‌مدة الإيلاء:

- ‌حكم المجامع في رمضان:

- ‌كفارة الظهار:

- ‌2 - باب اللعان

- ‌تعريف اللعان:

- ‌3 - باب العدة والإحداد والاستبراء وغير ذلك

- ‌عدة الوفاة

- ‌عدة الطلاق وفسخ النكاح:

- ‌حكم السكنى والنفقة للمطلقة البائنة وعدتها:

- ‌حكم التطيب والحناء في الحداد:

- ‌حكم الكحل في الحداد:

- ‌حكم خروج المعتدة المطلقة:

- ‌حكم خروج المعتدة بعد وفاة زوجها من بيتها:

- ‌طلاق الأمة وعدتها:

- ‌الاستبراء وأحكامه:

- ‌أحكام امرأة المفقود في العدة وغيرها:

- ‌التحذير من الحلوة بالأجنبية:

- ‌أحكام السبايا في الاستبراء:

- ‌4 - باب الرضاع

- ‌تعريف الرضاع:

- ‌مسألة إرضاع الكبير وأحكامها:

- ‌يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب:

- ‌صفة الرضاع الذي يثبت به التحريم:

- ‌النهي عن استرضاع الحمقى:

- ‌5 - باب النفقات

- ‌أسئلة ومناقشة:

- ‌النفقة على الزوجة والأولاد وأحكامها:

- ‌النفقة على المملوك وأحكامها:

- ‌حكم النفقة على الحامل المتوفى عنها زوجها:

- ‌مسألة طلب المرأة الطلاق عند عجز زوجها عن النفقة:

- ‌النفقة على الوالدين وأحكامها:

- ‌6 - باب الحضانة

- ‌تعريف الحضانة:

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌تعريف الجنايات لغة وشرعًا:

- ‌حرمة دماء المسلمين وتعظيمها:

- ‌المعتدي جان يفعل به كما فعل:

- ‌حالات إباحة قتل المسلم:

- ‌حرمة الدماء:

- ‌القصاص من الحر للعبد:

- ‌حكم قود الوالد بولده:

- ‌حكم قتل المسلم بكافر:

- ‌حكم قتل المؤمن بمعاهد:

- ‌الجناية على النفس:

- ‌جناية الصغير والمجنون:

- ‌ترك القصاص في الجروح قبل البرء:

- ‌الجناية على الحمل:

- ‌العفو عن الجناية:

- ‌الجناية على النفس وأنواعها:

- ‌الاشتراك في الجناية:

- ‌قتل الجماعة بالواحد:

- ‌التخيير بين الدية والقصاص وشروطه:

- ‌1 - باب الديات

- ‌مقادير الدية في الجروح:

- ‌دية القتل الخطأ:

- ‌دية قتل العمد وشبه العمد:

- ‌إلحاق دية شبه العمد بالقتل الخطأ:

- ‌دية الأصابع والأسنان:

- ‌ضمان الطبيب:

- ‌دية الشجاج:

- ‌دية أهل الكتاب:

- ‌دية المرأة والرجل:

- ‌تغليظ الدية وضوابطه:

- ‌2 - باب دعوى الدم والقسامة

- ‌3 - باب قتال أهل البغي

- ‌تعريف البغي، وبيان أهل البغي بالتفصيل:

- ‌قتال من حمل السلاح على المسلمين:

- ‌عقوبة مفارقة الجماعة:

- ‌ضوابط معاملة البغاة:

- ‌الحث على الاجتماع ونبذ الفرقة:

- ‌4 - باب قتال الجانب وقتل المرتدِّ

- ‌جواز قتل الصائل:

- ‌سقوط الضمان في الدفاع عن النفس:

- ‌سقوط الضمان للمتطلع لبيوت المسلمين:

- ‌ضمان ما أتلفته المواشي:

- ‌قتل المرتد:

- ‌شروط قتل المرتد:

- ‌قُتل من سب النبي أو زوجاته أو أصحابه:

- ‌كتاب الحدود

- ‌مفهوم الحدود وحكمه:

- ‌1 - باب حد الزاني

- ‌حد الزاني غير المحصن:

- ‌حكم الجمع بين الجلد والرجم:

- ‌ثبوت الزنا بالإقرار:

- ‌وجوب التثبت في إثبات الزنا:

- ‌طرق ثبوت الزنا

- ‌حد الأمة الزانية:

- ‌السيد يقيم الحد على مملوكه:

- ‌تأجيل إقامة حل الزنا على الحامل:

- ‌تخفيف الحد على المريض الضعيف:

- ‌عقوبة اللواط:

- ‌الجمع بين الجلد والتغريب للزاني البكر:

- ‌لعنة المخنثين والمترجلات:

- ‌درء الحدود بالشبهات:

- ‌وجوب إقامة حد الزنا عند ثبوته:

- ‌2 - باب حدِّ القذف

- ‌اللعان:

- ‌حد المملوك القاذف:

- ‌3 - باب حدِّ السَّرقة

- ‌نصاب السرقة الموجب للقطع:

- ‌جحد العارية:

- ‌المختلس والمنتهب:

- ‌اشتراط الحرز لوجوب القطع:

- ‌ثبوت السرقة بالإقرار:

- ‌لا ضمان على السارق:

- ‌حكم الجمع بين الضمان والقطع:

- ‌الشفاعة في الحدةد، ضوابطها:

- ‌الشبهة أنواعها وشروط انتفائها:

- ‌4 - باب حدِّ الشَّارب وبيان المسكر

- ‌عقوبة شارب الخمر:

- ‌تجنب الضرب على الوجه:

- ‌الخمر بين الطهارة والنجاسة:

- ‌كل مسكر خمر:

- ‌حكم مزج الزبيب بالماء أو اللبن:

- ‌حكم التداوي بالمحرم:

- ‌حكم التداوي بالخمر:

- ‌5 - باب التعزيز وحكم الصَّائل

- ‌التعزيز بين الوجوب والاجتهاد:

- ‌إقالة العثرات وضوابطها:

- ‌حكم الصائل:

- ‌الدفاع عن النفس:

-

- ‌كتاب الجهاد

- ‌تعريف الجهاد لغة وشرعًا:

- ‌أقسام الجهاد:

- ‌وجوب جهاد الدفاع وشروطه:

- ‌شرط القدرة على الجهاد وضوابطه:

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله:

- ‌جهاد النساء:

- ‌تقديم بر الوالدين على الجهاد:

- ‌حكم الإقامة في دار الكفر:

- ‌الهجرة من دار الكفار وأحكامها:

- ‌وجوب الإخلاص في الجهاد:

- ‌جواز الهدنة:

- ‌حكم الإغارة بلا إنذار:

- ‌وصايا الرسول صلي الله عليه وسلم لأمراء الجيوش:

- ‌فائدة جواز الجزية من مشركي العرب:

- ‌التورية عند الغزو:

- ‌القتال أول النهار وأخره:

- ‌جواز قتل النساء والذرية عند التبييت:

- ‌لا يستعان بمشرك في الحرب:

- ‌النهي عن قتل النساء والصبيان في الحروب:

- ‌جواز قتل شيوخ المشركين:

- ‌المبارزة في الحروب:

- ‌الحمل على صفوف الكفار وضوبطه:

- ‌إتلاف أموال المحاربين:

- ‌النهي عن الغلول:

- ‌سلب القاتل:

- ‌الرمي بالمنجنيق:

- ‌جواز قتل المرتد في الحرم:

- ‌القتل صبرًا:

- ‌الأسير وأحواله:

- ‌إسلام الكافر ونتائجه:

- ‌معرفة الجميل لأهله:

- ‌النهي عن وطء المسبية حتى تستبرأ أو تضع:

- ‌تنفيل المجاهدين بعد قسمة الفيء:

- ‌سهم الفارس والفرس والراجل:

- ‌حكم التنفيل:

- ‌حكم الأخذ من طعام العدو قبل القسمة:

- ‌وجوب المحافظة على الفيء:

- ‌يجير على المسلمين أدناهم:

- ‌إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب:

- ‌إجلاء بني النضير من المدين

- ‌تقسيم غنائم خيبر:

- ‌لا يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم الرسل ولا ينقض العهد:

- ‌حكم الأرض المفتوحة:

- ‌1 - باب الجزية والهدنة

- ‌أخذ الجزية من المجوس:

- ‌أخذ الجزية من العرب:

- ‌مقدار الجزية عن كل حالم:

- ‌علو الإسلام بالوقوف عند العمل به:

- ‌السلام على الكفار وحكمه:

- ‌صلح الحديبية:

- ‌النهي عن قتل المعاهد:

- ‌2 - باب السبق والرمي

- ‌السباق على الخف والحافر والنصل:

- ‌محلل السبَّاق:

- ‌شرعية التدريب على القوة:

الفصل: ‌النفقة على الزوجة والأولاد وأحكامها:

النبي صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت"، وقوله:"للملوك طعامه وكسوته لا يكلَّف من العمل إلا ما يطيق"، وقوله:"دخلت النار امرأة في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"، فيجب على المالك أن ينفق على مملوكه من آدمي أو بهيمة، فإن عجز عن الإنفاق عليه أجبر على إزالة ملكه على أن يبيع العبد أو يبيع البهيمة أو يذبحها إن كانت تؤكل، وإذا كانت لا تؤكل ولا تشترى وهو عاجز عن الإنفاق ففي هذه الحال نخرجها إلى البر لحديث جابر أنه كان على جمل يسير فأعيا فأراد أن يسيبه أي يتركه، وإن كانت مما لا يمكن تسييبه ولا يمكن بيعه وصاحبه قادر على الإنفاق كحمار انكسر الحمار إذا انكسر لا يمن جبر كسره أبدا فماذا يصنع؟ إن باعه لم يقبل وإن سيبه لا يمكن أن يتسيب وإن أبقاه عنده أكله بالنفقة فما العمل؟ يقتله لأن قتله أهون من بقائه معذَّبا والإنفاق عليه إضاعة للمال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وإذا كان يجوز لنا أن نتلف نفوس الحيوان للتفكه جاز أن نتلف نفوس الحيوان للتخلص منها أليس الإنسان يجوز ان يذبح الشاة أو الأرنب أو الدجاجة أو الحمامة من أجل التفكه فإذا كان ذلك فجواز قتل هذا الحيوان من أجل التخلص منه وحماية ماله منه من باب أولى اسلك أسهل الطرق في قتله وأسرعها لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا قتلتم فأحسنوا القتلة"، إذن أسباب النفقة ثلاثة منها الملك وهو الأخير، فيما إذا أبي من وجبت عليه النفقة إذا أبي أن ينفق ماذا نعامله ذكر المؤلف فقال:

‌النفقة على الزوجة والأولاد وأحكامها:

1094 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخلت هند بنت عتبة - امرأة أبي سفيان - على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ لا يعطيني من النَّفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك من جناحٍ؟ فقال: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك". متَّفقٌ عليه.

"هند" المؤنث الثلاثي الوسط يجوز فيه وجهان، لكن ابن مالك يقول:

وعجمةً كهند والمنع أحق

يعني: الأحسن أن يكون ممنوعًا من الصرف، فعلى هذا نقول:"دخلت هند بنت عتبة" وقولها: "رجل شحيح" أي: بخيل حريص على المال لا يعطي ما يجب عليه فيه، ولهذا قالت

ص: 172

مبيَّنة شيئًا من شحه فقالت: "لا يعطيني من النفقة

إلخ" قولها: "إلا ما أخذت" "إلا" هذه استثناء منقطع؛ لأنه لا يدخل في المستثنى منه وقاعدته أن يكون ما بعد "إلا" داخلا فيما قبلها فيكون الاستثناء منقطعًا، وقالوا: إن "إلا" الاستثنائية تكون بمعنى لكن لأنها كالاستدراك لما سبق أي لكن ما أخذت من ماله بغير علمه فإنني أنتفع به فهل علىَّ في ذبك من جناح، من هنا زائدة إعرابًا، وليست زائدة في المعنى؛ لأن المقصود منها التوكيد وجناح محله من الإعراب الرفع؛ لأنه مبتدأ أو خبره: "علي" مقدمًا "فهل عليَّ في ذلك من جناح"، أي: من إثم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذي من ماله" الجملة أمر خذي، ولكنه ليس المراد به الإلزام، ولا الاستحباب، بل المراد به: الإباحة؛ لأن جواب الأمر يكون للإباحة؛ لأن جواب السؤال يكون للإباحة، فإن السؤال استفهام والأمر إذن ما لو قرعت الباب على شخص فقال ادخل فهذا ليس بأمر، ولهذا لو انصرف لم يعد عاصيًا، ولكنه إذن فالمراد بقوله: "خذي" الإباحة، وقوله: "بالمعروف" الباء هنا للمصاحبة، أي أخذا مصحوبا بالمعروف أي: بالعرف بما جرت به العادة ما يكفيك وما يكفي بنيك، فإذا كان الذي يكفيها عشرة مثلًا فلا تأخذ إحدى عشرة وإذا كان الذي يكفيها عشرة فأخذت تسعة فهذا يجوز وتصبر، لكن ما زاد لا تأخذ.

من فوائد الحديث: جواز الدخول على المفتي في بيته، لقول عائشة "دخلت امرأة أبي سفيان" لكن يشترط لذلك ألا يخلو بها وأن يأمن الفتنة فإن خلا بها حرم عليها الدخول، وغن لم تؤمن الفتنة حرم الدخول وهذان الشرطان متوفران في هذه القصية؛ لأن هندًا دخلت في حضور عائشة والفتنة قطعًا مأمونة.

ومن فوائد الحديث: أنه يجوز تعيين الشخص باسمه منسوبًا إلى أبيه وإلى من له علاقة به لقوله بنت عتبة نسبة إلى الأب امرأة أبي سفيان نسبة إلى من لها علاقة كما لو قلت: أبو بكر ابن أبي قحافة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعين الشخص بأمرين، وفائدة التعيين هنا متعين.

ومن فوائد الحديث: جواز ذكر الغير بما يكره للحاجة؛ لقولها: "إن أبا سفيان رجل شحيح" وهذه حاجة أن تبين حاله؛ لأن حاله تنبني عليها الفتوى، ولو لم تذكر هذه الحال لم تمكن الفتوى فإذا دعت الحاجة إلى ذكر الغير بما يكره ان ذلك جائزًا ويؤخذ من هذه المسألة الفردية أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد وكانت المصالح أبر جاز ارتكاب المفاسد، هنا لا يمكن أن تتحقق المصلحة إلا بارتكاب هذه المفسدة وهي ذكر أبي سفيان بما يره لأنا نعلم علم اليقين أن أبا سفيان يكره أن يذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف، ولكن الحاجة داعية إلى ذلك ومر علينا إذا تعارضت المصالح والمفاسد، فإن ترجحت المصالح انغمرت المفاسد

ص: 173

فيها، وإن ترجحت المفاسد انغمرت المصالح فيها، وإن تساوى الأمران يقدم دفع المفسدة، وعلى هذا يتنزل قول الأصوليين درء المفاسد أولى من جلب المصالح.

ومن فوائد الحديث: انه يجوز للمرأة أن تصف زوجها بالعيب عند الحاجة مثل ان تصفه بأنه شحيح بأنه سريع الغضب بأنه يهجرها وما أشبه ذلك لان هذا امر لابد منه ولكن لا شك أن الصبر خير إلا أن هندًا رضي الله عنها لها من يتعلق بها وهم الأبناء.

ومن فوائد الحيث: ذكر التفصيل بعد الإجمال، وان الإجمال لا يفيد إذا لم يبين؛ لقولها:"لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ"؛ لأنه مطلق؛ حيث ذكرت انه رجل شحيح، ما يكفي لابد أن تعرف؛ لأن الشح قد يكون شحًا في نظر رجل وليس شحًا في نظر آخر، ربما تقول المرأة: إن هذا الرجل شحيح، لأنه لم يأت لها بحلي كثير وغرفة نوم تساوي عشرة آلاف، لكن عندما نرجع الى الواقع نجد ان هذا الرجل الذي أعطاها ما يناسب حالها نجد أنه غير شحيح فلابد أن يذكر ان يبين المجمل حتى ينبني الحكم عليه.

ومن فوائد الحديث: أن للمرأة ولاية على أبنائها يؤخذ من قولها: "ما يكفيني ويكفي بنيَّ"، ووجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقلب لها: أنت غير مكلفة ببنيك بل الأمر إلى أبيهم بل شرع لها ما تحصل به الكفاية لها ولبنيها.

ومن فوائد الحديث: صدق الصحابة رضي الله عنهم وصراحتهم وبيانهم للواقع وإن كان على رءوسهم لقولها: "إلا ما أخذت من ماله"، فهي لم تكتم هذا الفعل حتى تسأل عنه، بل أخبرت به وستعمل ما يوجهها إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: بإمكانها أن تقول: هل يجوز أن آخذ ما يكفيني وبنيَّ دون أن تقول إلا ما أخذت بغير علم، لكن الصحابة رجالًا ونساء هم أطهر الناس قلوبًا وأصرحهم وأبينهم للواقع.

ومن فوائد الحديث: حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة الحق للعمل به وليس لمجرد العلم به، والشواهد في هذا كثيرة جدّا حتى إنهم يستسلمون أحيانًا لأمر الله ورسوله وإن لم يعرفوا وجهه، لان ذلك هو تمام العبودية يؤخذ من سؤالها عن هذا الحكم الذي قامت به وفعلته.

ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها بغير عمله ما تحتاج إليه من النفقة، وجه الدلالة من قوله:"خذي من ماله بالمعروف" ولكن هل تأخذ من جيبه أو تأخذ من حقيبة دراهمه او تأخذ من صندوقه أو من الرف الذي يضع فيه النفقة أو من أين؟ الأسهل والأخفى أيضًا؛ لأنه مثلًا إذا وضع على الرف عشرة دراهم ثم أخذت منها شيئًا انتبه، لكن إذا كان عنده في الصندوق مليون وأخذت عشرة ريالات فلا يتبين إذن الأسهل والأخفى.

ص: 174

ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز للمرأة إذا أذن لها في الأخذ من مال زوجها للنفقة أن تأخذ ما خرج عن العادة والعرف لقوله بالمعروف.

ومن فوائد الحديث: جواز القضاء على الغائب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على أبي سفيان وهو غائب هكذا قال بعض العلماء واستدل بهذا الحديث ولكنه عند التأمل لا يدل على ما ذهب إليه، لأنه الحديث ليس من باب المحاكمة ولكنه من باب الاستفتاء، ولو كان من باب المحاكمة لقال الرسول صلى الله عليه وسلم هل عندك بينة لأن القاعدة الشرعية أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وعلى هذا فلا يكون في الحديث دليل على القضاء على الغائب وهل هذه المسألة القضاء على الغائب جائزة أو لا؟ نقول: هي جائزة إذا دعت الحاجة إليها ويكون الغائب على حجته إذا حضر، وفي حال ما إذا جاء القضاء على الغائب لا يمكن المقضي له من السيطرة على المال إلا برهن يحرز أو ضامن مليء خوفًا من أن تكون دعواه باطلة فيضيع حق الغائب.

ومن فوائد الحديث: جواز مخاطبة الرجل الأجنبي عند الحاجة وجهه ان هندًا خاطبت النبي صلى الله عليه وسلم وكلمته فلو قال قائل هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأن المحذور من المخاطبة في حقة بعيد أم ممتنع فالجواب على هذا أن نقول الأصل عدم الخصوصية وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بهذه الأمور له خصائص لم تكن لغيره فيجوز له أن يخلو بالمرأة الأجنبية وان تكشف له وجهها ويجوز أن يتزوج بلا ولي ويجوز أن يتزوج أكثر من أربع لكن هذه الأشياء التي ذكرت الآن قام الدليل على الاختصاص بها، أما المخاطبة فلم يقم دليل على اختصاصه بها، بل إن الدليل قام على أنها ليست خاصة به بدليل أن النساء كن يتكلمن بحضرة الرجال بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينههن عن ذلك، بل إن القرآن يدل على جواز مخاطبة المرأة للرجل الأجنبي لقوله تعالى:{فلا تخضعن بالقول فيطمع الَّذي في قلبه مرضٌ} (الأحزاب: 32). فقوله: {فلا تخضعن بالقول} نهي عن الأخص، والنهي عن الأخص يدل على جواز الأعم وهو مطلق القول ولكن يجب ألا نغفل قاعدة معروفة وهي أنه إذا ترتب على المأذون محذور منع فلو كانت في مخاطبة المرأة للرجل الأجنبي محذور فإنه يمنع وإن كان في الأصل جائزًا، لأن المباح من خصائصه أنه تتعلق به الأحكام الخمسة ومعنى ذلك أنه يمكن أن يكون هذا المباح حرامًا ويمكن أن يكون واجبًا ويمكن أن يكون مستحبًا ويمكن أن يكون مكروهًا. ونضرب مثلًا بالبيع وهو حلال بنص القرآن:{وأحل الله البيع} قد يكون حرامًا {يأيها الَّذين امنوا إذا نودي

ص: 175

للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) [الجمعة: 9]. وقد يكون واجبًا: (يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم)[المائدة: 6]. فإذا كان لا يمكن غسل الوجه إلا بشراء الماء كان الشراء واجبًا، وإذا اشترى الإنسان بصلًا ليأكله عند قرب الصلاة فيكون مكروهًا، فإن قصد ألا يصلي مع الجماعة صار حرامًا.

ومن فوائد الحديث: ما يسمى عند العلماء بمسألة الظفر يعني: من له حق على شخص فكتمه ذلك الشخص، إما عدوانًا وإما نسيانًا، فهل لصاحب الحق أن يأخذ من ماله بقدر حقه؟

من العلماء من قال: له ذلك؛ لأنه في هذه الحال مقتص لنفسه وليس بمعتد، وقد قال الله تعالى:(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)[البقرة: 194]. وقال بعض أهل العلم: لا يأخذ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك".

فالذين قالوا: إنه يأخذ استدلوا بما سمعتم من العلة واستدلوا أيضًا بحديث هند حيث أذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من مال أبي سفيان بغير علمه ما يكفيها ويكفي بنيها، والذين منعوا ذلك استدلوا بحديث:"أد الأمانة .. الحديث"، وحقك لن يضيع، إن ضاع في الدنيا فإنه لن يضيع في الآخرة، وربما يكون انتفاعك به في الآخرة خير لك من انتفاعك به في الدنيا، والصحيح في هذه المسألة أن يقال: إذا كان سبب الحق ظاهرًا فلصاحب الحق أن يأخذ حقه بغير علم المحقوق مثل النفقة فإن سبب النفقة كل يعرف أن هذه زوجة فلان، وأن على الزوج أن ينفق على زوجته نفقة القريب سببها ظاهر وهو القرابة كل يعرف أن هذا قريب فلان وأن فلانا فقير وفلانًا غني، فللفقير الذي تجب نفقته على الغني أن يأخذ من مال الغني بغير علمه ما يكفيه، الضيف إذا نزل بقوم ولم يضيفوه فله أن يأخذ من مالهم بغير علمهم ما يكفي لضيافته؛ لأن سبب الضيافة معلوم وهو نزول هذا الضيف وهذا القول هو الذي يدل عليه حديث عائشة في قصة هند وبه تجتمع الأدلة، كما أننا لو أجزنا لمن له حق على شخص وكتمه المحقوق، لو أجزنا أن يأخذ من ماله بغير علم، حصل بذلك فوضى وافتراء؛ لأنه يقتضي أن يعطى المدعي بدعواه بغير بينة؛ إذ لو كان لهذا المدعي بينة لكانت البينة تثبت حقه ثم يأخذه منه في

ص: 176

المستقبل، ولو فتح الباب للناس لحصل في هذا فوضى ومفاسد كبيرة، وهذا القول هو القول الراجح أي: أنه إذا كان سبب الحق ظاهرًا فلصاحبه أن يأخذ من مال المحقوق بغير علمه بقدر ما يكفيه.

ومن فوائد الحديث: الرجوع إلى العرف واعتباره لقوله بالمعروف وما هو المعروف؟

المعروف هو: العرف المضطرد الذي اعتاده الناس فإن اختلف الناس في العرف فالمرجع إلى الأكثر والأغلب؛ لأن الرجوع إلى الأكثر والأغلب في مسائل كثيرة في الدين، فكذلك في العرف وهل يقدم العرف على اللغة وعلى الشرع؟ الجواب الشرع مقدم على العرف، والعرف مقدم على اللغة، ويظهر ذلك في باب الأيمان، فمن حلف ألا يتوضأ فاستنجى فإننا إذا رجعنا إلى العرف قلنا: إن هذا الرجل حدث؛ لأن العرف الشائع بين العامة أن الوضوء هو الاستنجاء غسل الفرج، ولو رجعنا إلى اللغة قلنا أيضًا: يمكن أن يكون هذا من باب الوضوء وأنه حنث؛ لأن الوضوء في اللغة النظافة، وإن رجعنا إلى الشرع، قلنا: لا يحنث؛ لأن الاستنجاء لا يسمى وضوءًا في الشرع، إذن نغلب جانب الشرع، كذلك لو حلف رجلًا ألا يشتري شاة فاشترى ماعزًا فإن رجعنا إلى العرف قلنا: لا حنث عليه؛ لأن العرف أن الشاة هي الأنثى من الضأن، وأما الأنثى من الماعز فتسمى عنزة وإن رجعنا إلى اللغة قلنا: إنه يحنث؛ لأن اللغة أعم وأشمل من العرف.

إذن ما كان له حقيقة شرعية وعرفية ولغوية يرجع في ذلك إلى الشرع، ثم يقدم العرف على اللغة؛ لأن اللغة عرف قوم بادوا وذهبوا وجاءت لغة جديدة حلت محل اللغة الأولى وتعارف الناس عليها فيعمل بها، فالولد مثلًا في اللغة يشمل الذكر والأنثى، وفي العرف خاص بالذكر، إذا حلف شخص قال: والله لأعطين ولد فلان كذا فأعطى بنت فلان فإنه إذا اعتبرنا اللغة يحنث؛ لأن البنت تسمى ولدًا، وإن اعتبرنا العرف لم يحنث؛ لأن العرف أن الولد خاص بالابن، فنقدم الحقيقة العرفية ونقول هذا الرجل لا يحنث، على كل حال: العرف معتبر شرعًا في مواطن كثيرة، ولكن إذا تعارضت الحقائق العرفية والحقائق الشرعية قدمت الحقائق الشرعية ثم العرفية ثم اللغوية.

ومن فوائد الحديث: أن المعتبر في النفقات الكفاية، وأن ما زاد عليها فليس بواجب؛ لقوله:"ما يكفيك وما يكفي بنيك"، وما زاد على الكفاية فليس بواجب، والحكمة من ذلك: أننا لو اعتبرنا ما زاد على الكفاية واتبعنا الهوى في ذلك لم يكن لهذا حد ولاسيما فيما يتعلق بالنساء وحاجتهن فإننا لو أطلقنا العنان للنساء لكانت المرأة كلما صنع ثوب جديد قالت: اشتره لي، حتى لو تتغير الموضة بين عشية وضحاها طالبت بما حدث في العشاء وألغت ما حدث في الصباح، فيقال: الواجب هو الكفاية.

ص: 177

1095 -

وعن طارق المحاربي رضي الله عنه قال: "قدمنا المدينة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس ويقول: يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك". رواه النسائي، وصححه ابن حبان، والدارقطني.

"أل" في "المدينة" للعهد الذهني؛ إذ لا ينصرف الذهن إلا إلى مدينة معهودة، وهي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم واسمها طيبة، وكان اسمها في الجاهلية يثرب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى عدم رغبته بتسميتها بهذا الاسم فقال:"يقولون يثرب وهي طيبة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد"، فلا ينبغي أن تسمى يثرب وأما قوله تعالى:(وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم)[الأحزاب: 13]. فهو حكاية قول المنافقين وحكاية قول الغير قد يكون إقرارًا وقد لا يكون إقرارًا وتسمى المدينة بدون أن يلحق إليها وصف آخر، وكفى بها فخرًا ألا يفهم من المدينة عند الإطلاق إلا مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما زيادة المنورة فهي حادثة ما علمتها في عبارات السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ولهذا نرى حذفها أولى، وإذا كان لابد من وصفها بشيء فلتوصف بالنبوية نسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله:"قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم""إذا" تسمى عند النحويين فجائية لدلالتها على المفاجأة يعني: ففاجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "قائم على المنبر بخطب الناس"، والذي يظهر أن هذا كان في يوم الجمعة؛ لأن الغالب أن خطبته على المنبر تكون في يوم الجمعة، و"المنبر" مفعل من النبر وهو الارتفاع، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يخطب إلى جدع نخلة ثم صنع له منبر من خشب من الأئل، فلما قام عليه أول جمعة بدأ الجدع يصيح ويسمع له خوار كخوار البعير لفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم! ! حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر، فجعل يسكته حتى سكت كما تسكت الأم صبيها وهذا من آيات الله فإذا كان جدع جماد يبكي لفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا يجدر بالمسلمين أن يبكوا لفقد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من البلاد الإسلامية اليوم، والله إنه لجدير بنا ولكن القلوب قاسية ويقول:"يد المعطي العليا"، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"اليد العليا خير من اليد السفلى" واليد العليا هي يد المعطي والسفلى يد الآخذ؛ لأن منزلة المعطي فوق منزلة الآخذ ومنزلة الآخذ دون منزلة المعطي ولهذا لا ينبغي

ص: 178

للإنسان أن يدل لأحد بسؤال أو استشراف نفس إلا عند الضرورة فلها أحكام، وأما ما دمت في غنى عن سؤال الناس فلا تسأل الناس فإن الناس وإن جادوا وإن كانوا كرماء فإن طبيعة النفوس تشعر بالمنة من المعطي على الآخذ وإن كان الرجل المؤمن لا يمن على الناس ولا يظهر أن له منه عليهم، لكن النفوس تأبى إلا أن تشعر بذلك، ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم يد المعطي هي اليد العليا ولكن بمن نبدأ هل نعطي الأجانب أم من نعول؟ قال:"وابدأ بمن تعول" وأول من يجب عليك عونه نفسك، ولهذا جاء في حديث آخر:"ابدأ بنفسك ثم بمن تعول"، فالإنسان يبدأ بنفسه، ولكن لا حرج من الإيثار كما هو معروف. قال:"أمك وأباك" وكان مقتضى السياق أن يقول: أمك وأبيك بدلًا من "من" بدل بعض من كل؛ لأن "من" اسم موصول للعموم، وما بعده تفصيل له، لكنه عدل عن ذلك وقال أمك وأباك لأن العدول بالأسلوب عما يتوقع بوجب الانتباه:(لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة والمؤمنون)[النساء: 162]. هنا (والمقيمين) جاءت منصوبة بين مرفوعين إذا قرأها الإنسان سيقول ما الذي أوجب خروج هذه الكلمة من طريق جاراتها وكذلك الالتفات: (ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسراءيل .. )[المائدة: 12]. ولم يقل وبعث، فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إذا كان هذا لفظه عدل عما يتوقع من البدلية إلى النصب حتى ينتبه السامع ويقول ما الذي أوجب نصب هذا، نقول: هذا منصوب بفعل محذوف، التقدير: أعط أمك وأباك وأختك وأخاك، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بجانب الأنوثة؛ لأن الإناث في الغالب أحوج من الرجال، أما بين الأم والأب فهناك أمر ثان غير حاجة النساء وهي أن الأم أحق بالبر من الأب، لأن المشقة التي حصلت للأم أعظم بكثير مما يحصل للأب؛ لأن مشقة الأم اضطرارية ومشقة الأب اختيارية.

أما بالنسبة لخروج الولد من هذا ومن هذا فالفرق كبير جدًا، الولد خرج من أبيه شهوة، لكن خرج من أمه كرهًا ووهنًا على وهن، أما بالنسبة للمشقات الأخرى كالإنفاق وغيره، فالإنفاق إنما يسعى لولد باختياره، لكن مشقة الأم عند الحمل، والوضع والحضانة أمر اضطراري فلهذا كانت الأم أحق بالبر، أما الأخت فقدمها لأنها في الغالب أحوج من الأخ.

"وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك"، أدنى هنا بمعنى أقرب فهي من دون القرب وليست من دون المنزلة؛ لأن كلمة "دون" تكون في المنازل وتكون في القرب فهنا أدنى يعني: الأقرب فالأقرب،

ص: 179

فإن تساووا في القرب فإن اتسع المال للنفقة فعم الجميع، وإن لم يتسع فأعط البعض لهذا والبعض لهذا بحسب الحاجة.

يستفاد من هذا الحديث: مشروعية القيام على المنبر عند الخطبة لقوله: "وهو قائم على المنبر".

ومن فوائده: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على ما يناسب المقام فقد تكون خطبه مواعظ وقد تكون أحكامًا يعني ليست خطبه مواعظ دائمًا، قد تكون أحكامًا كما هنا.

ومنها: فضل المعطي على الآخذ لقوله صلى الله عليه وسلم: "يد المعطي العليا".

ومنها: الإشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يتجنب السؤال والأخذ بقدر الإمكان، وجهه أنه إذا كانت يد المعطي هي العليا فيد الآخذ هي السفلى، ولا أحد يرضى أن تكون يده هي السفلى.

فإن قال قائل: هل هذا يدل على أن الأولى عدم قبول الهدية؟

قلنا: لا، الهدية شيء والسؤال شيء آخر بل قبول الهدية سنة بشرط أن تعلم أنه لم يهد إليك خجلًا، فإن علمت أن أهدى إليك خجلًا حرم الآخذ، فإن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل الهدية ويثيب عليها، ولكن هل يجب قبول الهدية أو لا يجب؟ يرى بعض العلماء أنه لو أهدى إليك شخص هدية بدون أن تستشرف نفسك لها فإنه يجب عليك القبول مستدلًا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر:"ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه". والأمر للوجوب، ولكن الصحيح أنه لا يجب قبول الهدية مطلقًا إلا إذا خاف الإنسان من ردها مفسدة فهنا يجب درءًا للمفسدة، لو كان هذا الذي أهدى إليك لو رددت هديته لحصل بذلك قطيعة رحم لأنه قريبك ويجب أن تقبل هديته ولو رددتها صار قطيعة رحم فهنا يجب القبول، لا لذات الهدية ولكن لما يترتب على الرد من المفاسد، كما أن لو علمت أن هذا الرجل إذا قبلت هديته فسوف يجعلها دبوسًا معلقًا عليك، كلما حصل مناسبة يذكرك ويقول هذا جزاء الذي يحسن إليك ففي هذا الحال لا تقبلها؛ لأن هذا ضرر عليك، والله -سبحانه- نهى عن الإضرار بالنفس، وهذا يوجد كثيرًا من بعض العلماء، حيث يحصي الإنسان بقلبه أو بقلمه ما أعطى غيره فإذا حصل أدنى مناسبة قال: أنا فعلت وأنا تركت، فمثل هؤلاء لا تقبل هديتهم ردها؛ لأن هذا في الحقيقة يوجب عليك الذل والمهانة كما أن منه بالهدية حرام؛ لقوله تعالى:(يأيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى)[البقرة: 264].

الحالة الثالثة: أنه إذا علمت أنه إنما أهدى إليك خجلًا فهنا لا يجوز القبول، وكيف أعلم

ص: 180

ذلك؟ بقرائن وإلا ما يعلم في القلب إلا الله، ولكن بقرائن مثل أن يكون معه قلم جيد أو ساعة جيدة فآخذها وأقلبها وأقول ما أحسن هذه فيهديها إلي، فهنا يظهر أنه أهداها خجلًا فهنا لا أقبل أو أعرف أنه قد دس شيئًا. يوجد بعض الناس يقتضي حوائج معينة ويدسها ولا يحب أن يطلع عليه أحد فإذا اطلعت عليها خجل، وقال تفضل هذا أيضًا لا يجوز أن أقبل وبالمناسبة لو وجدت الشخص عند بابه فقال تفضل فهل تدخل؟ ينظر لقرائن الأحوال إن علمت أن الوقت غير مناسب للدخول معه وليس بينك وبينه صلة بيِّنة فلا تدخل، وإن علمت أن الرجل صادق في عرضه بدخولك فالقبول خير ما لم يصدك عما هو أهم، ونرجع للفوائد فنقول قال بعض العلماء: من له أخذ شيء فله سؤاله وعلى هذا فالغريم وإن كان غنيًا في أكله وشربه وكسوته وسكنه له أن يقول للناس: أعطوني لأقضي ديني؛ لأن من له أخذ شيء فله سؤاله، ولكن هذا فيه نظر، والصواب أنه لا يسأل إلا عند الضرورة نعم أن للإنسان أن يبين حاله للناس أما أن يسأل فالسؤال ذل، وذكرنا فيما سب أنه إذا تزاحمت الحقوق فإنه يبدأ بمن يعوله؛ أي: بعياله وذكرنا أن الأم مقدمة على الأب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بها.

قال العلماء: ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم؛ ولهذا استدلوا على أن الفقراء أشد حاجة من المساكين لأن اله بدأ بهم؛ ولأن الأم أشد عناء من الأب بالنسبة لولدها ولأن الأم أقل تحصيلًا للكسب من الأب فكانت أولى بالتقديم. وكذلك يقال في الأخ والأخت أن الأخت مقدمة على الأخ ولكننا إذا قلنا بالتقديم في هذه الأمور فهذا مع التساوي في الحاجة أما لو قدر أن الأب أشد ضرورة من الأم فهنا نقدم الأب لدفع الضرورة لكن إذا كانوا متساويين فالأم أولى، وكذلك في الأخ والأخت.

ومن فوائد الحديث: تقديم الأقرب فالأقرب في الصلة لقوله: "أدناك فأدناك".

ومن فوائده: جواز استعمال السجع إذا كان بحسب الطبيعة والفطرة، يعني: بدون عناء وبدون مشقة، ومن الناس من شاهدناهم قد يسر لهم السجع حتى إنه إذا كان يكلمك كلامًا عاديًا تمكن أن يكلمك سجعًا من أول الكلام إلى آخره، وإذا كاتبونا كتابًا وجدناه سجعًا من أوله إلى آخره فهذا يأتي طبيعيًا لا بأس به، أما إذا كان متكلفًا فينظر إن كان يؤدي إلى إخلال بالمعنى فلا شك أنه خطأ؛ لأن هذا كالذي يعتني بالقشور ويدع اللب، يعني: مثلًا لو كان هذا السجع يؤدي إلى إخلال بالمعنى بحيث لا يفهم المعنى بهذه الكلمة التي جاء بها من أجل سجعه إلا من بعيد، فهنا نقول: السجع لا ينبغي؛ لأن هذا خلاف المقصود؛ لأن المقصود من الألفاظ المعاني فإذا أتيت بألفاظ تبعد بها المعاني فهذا خطأ، القسم الثالث من السجع: أن يقصد به إبطال الحق أو إحقاق

ص: 181