الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه تفصيل؟ الجواب: فيه تفصيل وهو أنه إذا كان يرجى زوال ضعفه فإنه ينتظر حتى يزول ثم يقام عليه الحد على الوجه المعتاد وأما إذا كان ميئوسًا منه فهو الذي يفعل به ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الذي وجب عليه مريضًا بزكام أو ما يسمى باللوزات أو ما أشبه ذلك، فإننا ننظر حتى يبرأ من المرض، وأما إذا كان مريضًا بمرض لا يرجى برؤه أو كان ضعيفًا لكبره فإننا نقيم عليه الحد على الوجه الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: أن الحدود لا يقصد بها الإيلام قصدًا أوليًّا، وإنما المقصود بها: التأديب والردع، وأن تكون كفارة للذنب؛ لأنه لو كان المقصود الإيلام لوجب أن يقام الجلد على الوجه المعتاد على الضعيف؛ لأن ذلك أقوى في إيلامه.
عقوبة اللواط:
1169 -
وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"من وجدتموه يعمل عمل قوم لوطٍ؛ فاقتلوا الفاعل والمفعول به، ومن وجدتموه وقع على بهيمةٍ؛ فاقتلوه واقتلوا البهيمة". رواه أحمد والأربعة، ورجاله موثَّقون، إلَّا أنَّ فيه اختلافًا.
قوله: "من وجدتموه .. إلخ" الخطاب هنا يعود للأمة جميعًا، ولكن الذي يتولى إقامة الحدود هو الإمام أو نائب الإمام وليس كل أحد يتولى إقامة الحد إلَّا واحدًا وهو السيد على رقيقه كما سبق، وقوله:"يعمل عمل قوم لوط" يعني: يأتي الرجال، وهذه الفعلة القبيحة سماها الله تعالى الخبائث فقال:{ونجيناه من القرية الَّتي كانت تعمل الخبائث} [الأنبياء: 74]. وسماها نبيهم الفاحشة فقال: {أتأتون الفاحشة} [النمل: 54]. وفى الزنا قال الله تعالى فيه: {إنه كان فاحشةً} [الإسراء: 32]. وما عرف فهو أقبح، يعني: كأنه جمع أنواع الفواحش، ولا شك أنه أقبح؛ لأن هذا الفرج لا يباح بحال من الأحوال وأما فرج المرأة فيباح بعقد النكاح الصحيح، أما هذا فلا يباح بأي حال من الأحوال فلذلك كان أقبح من الزنا، وقوله:"اقتلوا الفاعل والمفعول به"
ولم يقل: اقتلوه مع أن مقتضى السياق أن يؤتى بالضمير، ولكنه أظهر في موضع الإضمار ليحسن العطف في قوله:"والمفعول به" لأنه لو قال: فاقتلوه والمفعول به، ما حسن العطف، لكن إذا أظهر صار فيه أنه يحسن العطف عليه وهذه فائدة لفظية، وفيه أيضًا فائدة معنوية: وهي أن الإظهار في مكان الإضمار هنا يشير إلى علة الحكم وهي: "اقتلوا الفاعل" وهي الفعلة القبيحة التي صدرت منه.
"ومن وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه" وذلك للعلة السابقة؛ لأن فرج البهيمة لا يباح لبني آدم بأي حال من الأحوال، "اقتلوا البهيمة"، لأن في ذلك زجرًا له ومنعًا للعودة مرة ثانية إلى هذه البهيمة، ولئلَّا تحمل بحيوان يكون بعضه آدميًّا وبعضه بهيمة، ولئلَّا يعير بها.
فالفوائد إذن في قتل البهيمة ثلاث، وهذا الحديث يدل على قبح هاتين الفعلتين: إتيان الذكور وإتيان البهائم، واختلف العلماء رحمهم الله في صحة هذا الحديث من ضعفه والعمل به؛ فمنهم من قال: إن هذا الحديث ضعيف لا يحتج به، وعلى هذا فيبقى النظر في حد اللوطي وحد آتي البهيمة، ومنهم من قال: الحديث صحيح في الطرف الأول منه؛ يعني: إلى قوله: "والمفعول به"، ومنهم من قال: هو صحيح في الطرفين، لكن الطرف الثاني في قتل الفاعل بالبهيمة لوجود الشبهة فيه وهي اختلاف العلماء لا ينفذ.
في هذا الحديث فوائد: أولًا: وجوب قتل اللوطية فاعلًا كان أو مفعولًا به لقوله: "اقتلوا"، والقتل إعدام، ولا يمكن إعدام المعصوم إلَّا بشيء واجب؛ لأن عصمة المعصوم ثابتة ولا تنتهك إلَّا بشيء واجب وهذا هو القول الصحيح.
ومن فوائد الحديث: أنه يقتل الفاعل والمفعول به سواء كانا محصنين أو غير محصنين؛ أي: سواء سبق لهما الزواج أو لم يسبق لعموم الحديث، ولكن هل يشمل ما إذا كانا مكلفين أو غير مكلفين؟ الجواب: لا؛ لأن من شروط إقامة الحد أن يكون الفاعل لما يقتضي الحد بالغًا عاقلًا، وعلى هذا فلو وقع اللواط بين شخصين لم يبلغا فإنه لا يقام عليهما الحد، ولكنهما يعزران بما يردعهما وأمثالهما، وكذلك لو وقع بين مجنون ومجنون، أو مجنون وصغير، وقد اختلف العلماء في حكم هذه المسالة على ثلاثة أقوال، بل أربعة لكن الرابع ساقط.
القول الأول: "جوب قتل الفاعل والمفعول به، وهذا القول هو الصحيح المؤيد بالسُّنة وبعمل الصحابة رضي الله عنهم، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع الصحابة على قتل الفاعل والمفعول به في اللواط قال: إلَّا أنهم اختلفوا كيف يقتل.
القول الثاني: أن حده حد الزاني، وعلى هذا إن كانا محصنين رجما، وإن كانا غير - محصنين جللًا وغرِّبا.
القول الثالث: أنه لا حد عليهما، بل هو التعزير؛ وذلك لأن الحد إنما وجب في الزنا، واللواط ليس بزنًا.
القول الرابع: "هو قول ساقط، لكن نذكره لإتمام سياق الأقوال أنه لا شيء عليهما اكتفاء بالرادع الطبيعي، وهذا من أضعف الأقوال، وقاسوا ذلك على البول قالوا: لو أن الإنسان شرب بولًا لم يحد ولو شرب خمرًا لحد؛ لأن النفوس لا تطلب البول وتطلب الخمر، فيقال: هذا منتقض في أصل القياس، وفي فرعه، أما أصل القياس فإننا لا نسلم أن من شرب البول لا يعزر، بل يجب أن يعزر؛ لأن شرب البول معصية حرام، والتعزير واجب في كل معصية.
ثانيًا: أنه منتقض، فإن قولهم:"الطبيعة تنفر منه" يراد بذلك: الطبيعة السليمة، وأما المنجرفة فإنها لا تنفر، فهذه قرية كاملة أرسل إليها رسول كانت تعمل هذا العمل، ونقول الزنا أيضًا النفوس السليمة تنفر منه، ومع ذلك أوجب الله فيه الحد، فهذا القياس باطل في أصله وفي فرعه.
يبقى النظر في التعزير نقول: الاقتصار على التعزير فيه نظر، وذلك لأن اللواط استمتاع محرم في فرج فأقرب ما يكون له الزنا وهذا هو القول لولا أن السُّنة وإجماع الصحابة على خلافه، وإلَّا لقلنا: إن حده حد الزاني؛ لكن ما دامت السُّنة دلت على وجوب قتله وكذلك الصحابة، فليس لنا بدٌّ عن القول بذلك، إذن فهو مؤيد بالنص وبإجماع الصحابة، ثم إنه مؤيد أيضًا بالنظر الصحيح؛ لأن التحرز عن اللواط غير ممكن، فإنه اقتران ذكر بذكر، فهل يمكن أن نقول: كلما وجدنا ذكرا مع ذكر وجب علينا أن نفرق بينهما خوفًا من الوقوع في اللواط، لكن إذا كان ذكرًا مع أنثى يفرق بينهما فالتحرز منه لا يمكن، وإذا كان التحرز منه لا يمكن فإنه لا بد من إعدامهما حتى لا يكونا جرثومة فاسدة في المجتمع، وهذا هو الحق الذي يتعين المصير إليه، أما من أتى البهيمة فنقول: إن الحديث لا يقوى على استباحة دم الفاعل لما فيه من الشبهة، وعليه فلا يقتل الفاعل في البهيمة ولكن يعزر بما يردعه، أما البهيمة فتقتل لكنها تقتل قتلًا ولا تذكي تذكية، تقتل بالرصاصي أو ما أشبهه ولا تذكى.
فإن قال قائل: هل يحل أكلها؟
فالجواب: لا؛ لأنها قتلت حدًّا وتعزيرًا على صاحبها، بل وتعزيرًا على الفاعل فلا تؤكل
فإن قيل: إذا كانت البهيمة للفاعل فالغرم عليه ولا إشكال، لكن إذا كانت لغيره فكيف نقتل مال غيره أليس هذا عدوانًا على الغير؟