الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال بعض أهل العلم: لا تنعقد من الهزل إذا ثبت أنه هزل فإنها لا تتعقد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات
…
" الحديث، وهذا لم ينو إنما قاله على سبيل المزح، وعلى سبيل الهزل، وعكس النظر أو التعليل السابق قال هذه العقود لعظمها وخطرها لا ينبغي أن يلزم الإنسان بحكمها إلا بوجه متيقن، وأنها لخطرها لا تثبت بالهزل، وهذا مذهب الظاهرية وذهب إليه أيضًا بعض الفقهاء وقال: إن الأحاديث الواردة فيها لا تثبت.
ولكن الجمهور على أنها تثبت وهذا هو الأحوط وهو الأسلم من التلاعب؛ لأن الناس إذا علموا أنهم إذا هزلوا فيها ألزموا بها توقفوا عن الهزل، وإذا علموا أن الهزل لا يثبتها صاروا يهزلون بها كثيرًا وكثر التلاعب وصار ربما طلق قال أنا هازل وإذا عقد قال أنا قال أنا هازل وإذا راجع قال أنا هازل وهذا يترتب عليه أمور كثيرة من ثبوت النسب والمصاهرة والتحريم بالمصاهرة وغير ذلك مما هو خطير فجعل فيها الهزل كالجد لئلا يتلاعب الناس بذلك.
وقوله: "وفي رواية لابن عدي: الطلاق والعتاق والنكاح"، أما الطلاق والنكاح فسبق وجهه، وأما العتاق فلتشوف الشارع إلى العتق؛ ولهذا يحصل العتق بأمور لا يحصل بها غيره قد يحصل العتق كرها على الإنسان مثل العتق للسرايه، لو أعتق الإنسان نصف عبده أعتق كله، ولو عتق شريكًا له في العبد يملك من العبد مثلًا واحدًا من عشرة فأعتق نصيبه عتق العبد كله وألزم بقيمة نصيب شركائه. إذن نزيد أمرا رابعًا على ما سبق وهو العتق.
1037 -
وللحارث بن أبي أسامة: من حديث عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه رفعه: "لا يجوز اللعب في ثلاثٍ: الطَّلاق، والنكاح، والعتاق، فمن قالهنَّ فقد وجبن". وسنده ضعيفٌ.
قوله: "رفعه" يعني: إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجوز
…
الخ" وهذا الحديث يوافق الرواية الأخرى لابن عدي وأسقط في هذين الحديثين ذكر الرجعة "فمن قالهن فقد وجبن" يعني: من قالهن على سيل الجدَّ أو على سبيل الهزل فقد لزمن وثبتن.
مسألة: هل يقع الطلاق بحديث النفس أو الوسوسة
؟
1038 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الله تجاوز عن أمَّتي ما حدَّثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تكلَّم". متَّفقٌ عليه.
قوله: "عن أمتي" المراد بأمته: أمة الإجابة ولها خصائص كثيرة هذه الأمة لها ولله الحمد
خصائص كثيرة منها هذه المسألة حديث النفس، فإن الله- سبحانه وتعالى تجاوز عن هذه الأمة ما حدثت به أنفسها، وحديث النفس: هو ما يعبر عنه أحيانًا بالتفكير وأحيانًا بالوساوس وسوسته النفس وهو معروف يحدث الإنسان نفسه بالشيء إما على سبيل الإثبات والإقرار أو على سبيل البحث والنظر، حتى إن بعض الناس تسمعه يحدث نفسه يقول: أقول كذا، أفعل كذا ويشير بيده إذا كنت تمشي وراءه تسمعه يتكلم ويشير بيده كأنما يخاطب شخصًا. نقول: هذا حديث نفس. يقول: "ما لم تعمل أو تتكلم" يعني: ما لم تثبت الأمر ليفيد أن الإنسان الذي يحدث نفسه بالطلاق إذا لم يطلق بلسانه أو يعمل بيده فإن زوجته لا تطلق يتكلم بلسانه فيقول: أنت طالق أو يعمل، فيكتب الطلاق بيده أو يشير إشارة يفهم منها الطلاق فإن ذلك معفو عنه، إذا لم يعمل أو يتكلم فإنه معفو عنه. وهل نقول في طلاق الموسوس: إنه من هذا النوع؟ الجواب: نعم، والجامع بينه وبين هذا: أن حديث النفس أمر لا يمكن الفكاك منه والموسوس كذلك الذي يبتلى بالوسواس يعذر من الفكاك منه إلا أن يتداركه الله برحمته ويوجد كثير من الناس يبتلى بالوسواس في طلاق زوجته ويعجز أن يملك نفسه، حتى إنه إذا فتح الكتاب وقرأ تخيل أنه قال: إن قرأت هذا الكتاب فزوجتي طالق، حتى إن الشيطان يوسوس له في كل شيء، إن أكل قال: إني قلت: إن أكلت فزوجتي طالق، إن خرج قال كذلك، إن نام قال كذلك، وأحيانًا يقول: ادفع الشك باليقين، قل: طالق واسترح، فيقول: طالق، فمثل هذا لا يقع طلاق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا طلاق في إغلاق"، وهذا من أكب الإغلاق أن يجد الإنسان في نفسه شيئًا يضيق عليه حتى يتكلم بالطلاق وهذا [هو] الموسوس- عافانا الله وإياكم- ولا تستهينوا بهذا الأمر، الإنسان الذي في عافية من الوسواس لا يكاد يصدق ما يقع من الموسوسين يقلق الشيطان حياته ويتعبه ولا ينامون بالليل في مثل هذه الوساوس، هذا الموسوس لو طلق سمعناه يقول: زوجتي طالق وهو [يمسكها] من ثيابها: لأنه مكره عليها نقول: هذا لا طلاق عليه لكن لو طلق بأناة وتؤدة وذهب إلى القاضي أو إلى غيره من الكتاب المعروفين وقال: إني طلقت زوجتي فأثبت الطلاق فهل يقع؟ يقع، لأن هذا ليس في إغلاق لكن كلامنا في الطلاق الذي يقع من الموسوس حال الإغلاق عليه فإنه لا يقع ونحن دائما يأتينا أناس بهذه الكيفية فتجده يذهب إلى عدد من العلماء سألهم ولا يقتنع؛ لأن الشيطان يقول له: إن زوجتك حرام عليك؛ لأنك طلقتها ثلاثًا فتجده يتعب تعبًا عظيمًا لكن هذا الحكم أن طلاقه لا يقع ولو لفظ به ما لم يكن ذلك عن تأن وروية فهذا يقع طلاقه.
من فوائد الحديث: هذه المنة الكبيرة التي من الله بها على هذه الأمة وهي أن الله تجاوز عنها ما حدثت بها أنفسها.