الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقتاله كفر" فمن الكفر أن يحمل الإنسان السلاح على إخوانه وأن يقاتلهم والقتل أعظم من المقاتلة لأن القتل إثمه أعظم من المقاتلة لأن القتل إثمه أعزم (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذابًا عظيمًا) [النساء: 93).
عقوبة مفارقة الجماعة:
1148 -
وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "من خرج عن الطَّاعة، وفارق الجماعة، ومات؛ فميتته ميتةٌ جاهليَّةٌ"، أخرجه مسلمٌ.
قوله: "من خرج عن الطاعة"، أى: طاعة ولي الأمر، "وفارق الجماعة"، أي: جماعة المسلمين؛ لأن جماعة المسلمين ملتفة حول ولاة أمورها تطيع ولاة الأمور في غير المعصية، فإذا شد إنسان منهم ومات؛ فإن ميتته جاهلية -والعياذ بالله- يعني: كأنه مات قبل البعثة، أو المعنى أنه مات على الجهل العظيم والسفه البالغ حيث خرج عن الجماعة وفارق الجماعة وقوله:"من خرج عن الطاعة" هذا ليس على عمومه، بل هو مقيد بما إذا لم يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية وجب عليه المخالفة؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإن أُجبر على المعصية وقيل له: افعل وإلا قتلناك أو حبسناك أو أخذنا مالك أو حبسنا أهلك، فإنه له أن يخرج من هذا الإكراه بالفعل غير مطمئن به لقوله تعالى:(من كفر الله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالأيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ من الله)[النحل: 106].
إلا أنه يشترط ألا يكون ذلك قائمًا مقام الجهاد، فإن كان ذلك قائمًا مقام الجهاد فإنه لا يحل له أن يستسلم للإكراه؛ لأنه في هذا الحال يكون مجاهدًا، والجهاد فرض على الإنسان مثل مقام الإمام أحمد رحمه الله حين أبى أن يقول: إن القرآن مخلوق ولو بالتأويل مع أن كثيرًا من العلماء أيام المحنة قالوا: إنه مخلوق، لكن بتأويل فإذا كان هذا الرجل إذا استسلم لما أمره عليه لزم من استسلامه إضلال الأمة، فغنه في هذه الحال لا يجوز أن يستسلم، لأنه ليس يريد إنجاء نفسه فقط هو إذا أنجى نفسه من الهلاك أهلك الأمة بالضلال فإذا كان انقياده واستسلامه لهذا الإكراه يستلزم إضلال الخلق وجب عليه الصبر وسيجعل الله له بذلك مخرجًا كما جعل للإمام أحمد وغيره.
فمن فوائد الحديث: تحريم الخروج عن الطاعة وهذا مقيد بما ذكرنا لكم، تحريم مفارقة الجماعة أي جماعة المسلمين حتى وإن كنت ترى أنك على حق فأتهم رأيك مادمت تخالف جماعة المسلمين لأنه لا شك أن الرأي المجمع عليه أقرب للصواب من الرأي الذي انفرد به واحد أو اثنان أو ثلاثة فيجب الاتحاد مع الجماعة وعدم مفارقتهم.
ومن فوائد الحديث: أن من مات على حال الاستكبار عن طاعة ولي الأمر وعلى حال مفارقة الجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية لأن أهل الجاهلية ليس لهم إمام وليس لهم دين ينطون تحته فهو يموت ميتة جاهلية، والخوارج هل هم كفار مرتدون يعاملون معاملة الكافر فإذا مثلاً اسطلي عليهم سُبيت نساؤهم وقتل المقاتل منهم أو هم بغاة فسقة؟ هذه المسألة فيها خلاف طويل عريض بين العلماء أولاً لابد أن نعرف من همن الخوارج؟
الخوارج هم الذين خرجوا على الإمام يعتقدون كفره ليس بتأويل سائغ، يقولون: إنه كافر يخرجون عليه يقاتلونه مقاتلة الكفار والإمام لابد أن يقاتلهم فهل هم كفار يعاملون معاملة الكافرين وذلك لأنهم استحلوا دماء المسلمين المحرمة بالنص والإجماع وإنهم بغاة فسقة يعاملون معاملة البغاة فإذا قال قائل: ما الفرق بين عاملة البغاة والخوارج؟ قلنا: الفرق ظاهر البغاة يُقاتلون حتى يفيئوا إلى أمر الله لقوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغى حتَّى تفئ إلى أمر الله) فإذا فاءوا إلى أمر الله تُركوا والخوارج يقاتلون مقاتلة الحربيين، يعني: يُقتل من يُقاتل منهم ويلحق من يفر ويجهز على الجريح وتسبى ذريتهم وتغم أموالهم كالحربيين تمامًا، والمسألة فيها خلاف فالمشهور من مذهب أحمد رحمه الله أن الخوارج بغاة فسقة وليسوا كفارًا فيعاملون معاملة البغاة إذا انكفوا كففنا عنهم ولا نجهز على الجريح ولا نغم الأموال ولا نسبي الذرية لأنهم فساق والفاسق يُقاتل على وجه الضرورة حتى يندفع شره وضرره.
القول الثاني يقول: إن الخوارج كفار مارقون عن الإسلام، يقاتلون مقاتلة الحربيين من أهل الكفر، وبناء على هذا القول يكون كأن الذي أمامنا مشركون أو يهود أو نصارى إذا قدرنا عليهم قتلناهم، وإذا أدبروا اتبعناهم وإذا جُرحوا أثخنا عليهم ونغم أموالهم ونُسبي نساءهم وذريتهم هذا إذا قلنا: إنهم كفار وقد اختار صاحب الإنصاف، والتنقيح أنهم كفار وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، أنهم كفار مرتدون لاستحلالهم دماء المسلمين وعلى هذا فيعاملون معاملة الكفار المرتدين قال صاحب الإنصاف هذا هو الصواب الذي ندين الله به واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية". وحثه صلى الله عليه وسلم على قتالهم وهذا يدل على كفرهم لكن الذين قالوا بأنهم فسقة يعاملون معاملة البغاة قالوا إنهم يمرقون من الإسلام لكن عندهم شبهة فلا نخرجهم من الدين إلا بيقين وعلى هذا القول
يعاملون معاملة البغاة ولا يعاملون معاملة المرتدين، في الحديث:"من حمل علينا السلاح فليس منا" هل يدل على تحريم الخروج على الإمام؟ نعم ووجه الدلالة أن رسول الله تبرأ منه فقال ليس منا.
1149 -
وعن أمِّ سلمة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقتل عمارًا الفئة الباغية" رواه مسلمٌ.
المراد به: عمار بن ياسر رضى الله عنه "الفئة"، الطائفة "الباغية" الخارجة على الإمام، فهذا الحديث فيه إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر غيبي مستقبل وهو علم من أعلام نبوته؛ لأن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عما يستقبل يدل على أنه أوحي إليه به؛ لأننا لو نظرنا إلى ذات الرسول صلى الله عليه وسلم لعلمنا علم اليقين أنه لا يعلم الغيب؛ لقول الله تعالى:(قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب)، ولقوله: (قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا إلَّا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب
…
)، فهو لا يعلم الغيب فإذا أخبر عن شيء مستقبل كان هذا علمًا من أعلام نبوته لأن من أين جاءه هذا إلا عن طريق الوحي، عمار بن ياسر رضى الله عنه كان مع جيش علي بن أبي طالب حين قاتل معاوية رضى الله عنه فقتل على أيدي جيش معاوية، وبهذا الحديث النبوي نعرف أن جيش معاوية هو الفئة الباغية وأن جيش علي بن أبي طالب هو فئة أهل العدل، لأن العلماء يقولون الباغية ضدها العادلة، فالإمام ومن معه هم أهم أهل العدل ومن يقاتلهم هم أهل البغي، فعمار بن ياسر رضى الله عنه قتله جيش معاوية فيستحقون هذا الوصف وأن ما ذكر أن بعضهم تأول الحديث وقال: إن الذي قتله علي بن أبي طالب لأنه هو الذي أخرجه فكان سببًا في إخراجه فإن هذا قد رد عليه برد مفحم فقيل إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قتل حمزة؛ لأن حمزة بن عبد المطلب مع جيش الرسول صلى الله عليه وسلم وقتله المشركون وهذا إلزام واضح، لكن يبقى النظر كيف كان جيش معاوية الفئة الباغية؟ كان كذلك، لأنه لا شك أن علي بن أبي طالب أحق بالخلافة من معاوية، لكن معاوية رضى الله عنه تأول، وقد قال كثير من العلماء: إن سبب القتال الذي جرى بين جيشه وجيش علي بن أبي طالب سببه من الجيش نفسه فقد كان بين الجيشين نعرة وحمية جاهلية فاشتبك الناس بدون أن يكون هناك رضا وتأن فحصل ما حصل من الشر.
وعلى كل خال: فأصل خروج معاوية نحن نعتقد أن هـ بتأويل لكنه بتأويل خاطئ غير صحيح وعلي رضى الله عنه أقرب إلى الصواب من معاوية؛ لأنه هو الخليفة، بعد عثمان بلا شك، فمن ثم صارت فئته هي العادلة وفئة معاوية هي الباغية، فما موقفنا نحن من هذا الصراع الذي حصل بين علي ومعاوية؟ موقفنا أن نقول كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: هذه دماء طهر