الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحجرين كما فعل بالجارية وهو نصٌّ صريح في الموضوع ودليل آخر أن الله سبحانه سمى قتل القاتل قصاصًا والقصاص لابد أن يكون مماثلًا لما اقتص به فيه؛ لأنه قصاص، وأصله من قصَّ الأثر إذا تتبعه وإذا كان كذلك فإن تمام القصاص أن يفعل بالجاني كما فعل وأما قول من قال إنه يقتل بالسيف لحديث ورد في ذلك- لا قود إلا بسيف- فإنه لو صح الحديث لقلنا به ولكنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فيفعل بالجاني كما فعل إلا إذا كان الأداة التي قتل بها محرمة لعينها فإنها لا تستعمل كما لو قتله بإسقائه الخمر فإننا لا نقتله بإسقاء الخمر، ولكن هل نقتله بالسيف أو نقتله بشراب يتأذى به حتى يموت وليس بخمر؟ الثاني أقرب إلى القصاص والأول له وجهة نظر لأنه لما تعذر القصاص شرعًا عدلنا إلى الأسهل وهو القتل بالسيف وكذلك لو قتله بفعل الفاحشة تلوط بغلام صغير حتى أهلكه عمدًا وهو يعرف أن هذا العمل يهلكه فهنا لا نقتله بمثل ما قتل لأن هذا محرم لعينه.
ومن فوائد الحديث: أن الرجل يقتل بالمرأة وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل اليهودي وهو رجل بالجارية وهي امرأة.
جناية الصغير والمجنون:
1120 -
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: "أنَّ غلامًا لأناس فقراء قطع أذن غلاٍم لأناٍس أغنياء، فأتوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لهم شيئًا". رواه أحمد والثَّلاثة بإسناٍد صحيٍح.
الغلام يطلق على الصغير الذي لم يبلغ "لأناس فقراء" أي: معوذين والفقراء جمع فقير والفقير هو خالي اليد من المال، وسمِّي بذلك لموافقته للاشتقاق الأكبر للقفر وهي الأرض الخالية من النبات فالفقير أو الفقر هو الخلو وقوله:"قطع أذن غلام لأناس أغنياء" نقول في الغلام كما قلنا في الغلام الأول وقوله: "قطع" ظاهره أن القطع كان عمدًا لأنه لم يقيد والأصل في الأفعال إذا لم تقيد أن تكون صادرة عن قصد وإرادة، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لهم شيئًا لم يجعل للأغنياء شيئًا على الفقراء ولم يبن في الحديث سبب هذا الحكم أنه لم يجعل للأغنياء شيئًا فقيل لأن هذا الصبي كان يدافع عن نفسه، والمدافع عن نفسه لا يلزمه شيء، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل لهؤلاء الأغنياء شيئًا لأن الدية في هذه الصورة تجب على العاقلة فإن العاقلة تحمل ما زاد عن ثلث الدية والدية هنا على العاقلة لتعذر القصاص من الغلام لكونه غير بالغ فإذا تعذر القصاص وجبت الدية إذا وجبت الدية فإنه يكون مجراها مجرى الخطأ تجب على العاقلة والعاقلة الآن فقراء لذلك أسقط النبي صلى الله عليه وسلم عنهم الدية وهل تسقط
الدية عن العاقلة إذا كانوا فقراء مطلقًا أو تجب في بيت المال؟ الحديث هذا لم يبين ومن ثمَّ اختلف العلماء في تخريجه وهو لا يخلو إما من باب الدفاع عن النفس وإما أن يكون من باب تحميل العاقلة لهذه الجناية وإذا كانت العاقلة فقراء فإنه يسقط ما يجب عليهم لأنه يشترط في تحمل العاقلة أن يكون العقل غنيًّا.
من فوائد الحديث: أنه لا قصاص على الغلمان وذلك لعدم التكليف وقد مر علينا أن من شرط القصاص أن يكون الجاني بالغًا عاقلًا.
ومن فوائده: على أحد الاحتمالين أن العاقلة تحمل عمد الصبي.
ومن فوائده: إذا كانت العاقلة فقراء فإنه لا شيء عليهم أما على الاحتمال الثاني أنه قطع أذنه دفعًا لصوله أنه يفيد أن من قطع أذن شخص أو قتله دفاعًا عن نفسه فإنه لا شيء عليه وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن جاء يطلب مال الشخص قال: "لا تعطه" قال: أرأيت إن قاتلني، قال:"قاتله"، قال: أرأيت إن قتلني، قال:"فأنت شهيد". قال: أرأيت إن قتلته. قال: "هو في النار".
وهذا يدل على أن دمه هدر؛ أي: دم المقتول، ولكن يجب أن نعلم أنه لا يجوز أن يرتقي إلى شيء وهو يتمكن من الدفاع بما هو أسهل فإذا كان يمكن الدفاع بالضرب على الأشياء التي تجعله يغمى عليه فإنه لا يجوز قتله وإذا أمكن دفع شره بوثاقه فإنه لا يجوز قتله وإذا أمكن دفع شره بحبسه في حجرة أو غيرها فلا يجوز قتله المهم أن يستعمل في حقه الأسهل فالأسهل فإذا لم يندفع إلا بالقتل فإنه يقتل ولكن إذا خاف أن يبدره بالقتل أي أن المصول عليه خاف أن الصائلة يبادره بالقتل فحينئٍذ له أن يبدأ بالقتل لأنه في هذه الحال لا يمكن دفع شره إلا بمبادرة القتل.
فإن قال قائل: كيف تجيبون عما إذا رأى الرجل شخصًا يزني بأهله فإنه يجوز أن يقتله بدون إنذار؟
قلنا: إن هذا ليس من باب دفع الصائل ولكنه من باب عقوبة المعتدي ونظيره أن من اطلع عليك من شقوق الباب فإنه يجوز أن تفقأ عينه بدون إنذار لأن هذا من باب عقوبة المعتدي وليس من باب دفع الصائل فإن قيل: إذا نفي أولياء المقتول أن قتيلهم قد صال على القاتل وقالوا إنه لم يصل عليه فهل تقبل قول القاتل إنه قتله دفاعًا عن نفسه؟ الجواب: لا، لأن القتل ثبت ودعوى أنه كان دفاعًا عن النفس يعتبر دعوى جديدة والبينة على المدعي واليمين على من أنكر ولو أننا قبلنا مثل هذه الدعوى لكان كل من أراد أن يقتل شخصًا 1 ذهب فقتله ثم قال: إنني قتلته دفاعًا عن النفس وهذا هو المشهور من المذهب وعلى هذا فإذا قتل القاتل المدافع عن نفسه الذي ليس عنده بينة فإنه يكون في هذه الحال مأجورًا على ما حصل من قتله ومئابًا