الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد الحديث: حكمة في التفريق بين دية المرأة ودية الرجل، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم لدلالة الحديث عليه.
تغليظ الدية وضوابطه:
1142 -
وعنه رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عقل شبه العمد مغلَّظٌ مثل عقل العمد، ولا يُقتل صاحبه، وذلك أن ينزو الشَّيطان، فتكون دماءٌ بين النَّاس في غير ضغينةٍ، ولا حمل سلاحً" أخردة الدَّارقطني وضعَّفه.
وعنه؛ أي: عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، و"عقل" بمعنى: دية، وشبه العمد هو الجناية بما لا يقتل غالبا مثل العصا والسوط والحبل وما أشبهه، لكن يفرق بينه وبين الخطأ: أن شبه العمد يتعمده الفاعل والخطأ لا يتعمده، ويفرق بينه وبين العمد، أن العمد يتعمده الفاعل بما يقتل غالبًا، وهذا يتعمده بما لا يقتل غالبًا، شبه العمد وسط بين الخطأ وين العمد؛ لأننا إذا نظرنا إلى أصل الجناية ألحقناها بالعمد لأن الرجل قد تعمد، وإذا نظرنا إلى أنه لم يقصد القتل ولذلك لم يضربه إلا بما لا يقتل ألحقناها بالخطأ فكان في منزلة بين منزلتين ولهذا لا يوجب القصاص، وليس كالخطأ في الدية، بل هو مغلظ، وسبق أن التغليظ هو أن تُجعل مائة الإبل أرباعًا وأما عدم التغليظ فأن تجعل أخماسًا، أرباعًا تكون خمس وعشرين بنت مخاض، وخمس عشرين بنت لبون، وخمس وعشرين حقة، وخمس وعشرين جذعة، الخطأ تكون أخماسًا ثمانون من هذه الأربعة وعشرين من بني مخاض أو بني لبون، على اختلاف الروايات في هذا، إذن شبه العمد مغلظ.
من فوائد هذا الحديث: أن شبه العمد لا يجب فيه القصاص لقوله: "ولا يقتل صاحبه" ووجهة: أن الفاعل لم يقصد القتل بدليل انه جنى بآلة لا تقتل غالبًا والذي يريد القتل لابد أن يجني بآلة تقتل غالبًا.
ومن فوائد الحدي: ضرب المثل لشبه العمد "أن ينزو الشيطان
…
إلخ" يعني: يكون قتال فيه معاندة ومخاصمة فيقوم أحدهم ويضرب الآخر، لن بغير سلاح بقصد -هذا هو شبه العمد.
***
ملخص في الجنابة على الحمل باعتبار ضمانه وكفارة قتله:
القسم الأول: ما لا ضمان فيه ولا كفارة وله ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يموت مع أمه ولم يخرج منها، يعني: جنى حامل فماتت هي وجنينها فليس فيه شيء لا كفارة ولا ضمان -هذا بالنسبة للجنين.
الثانية: أن يخرج مضغة غير مُخلقة أو قبل ذلك فليس فيه شيء أيضًا.
الثالثة: أن يموت في بطن أمه ولم يخرج منها مع بقاء الحياة والفرق بينه وبين الصورة الأولى: أن الأولى ماتت لأمه وهنا لم تمت مع بقاء حياتها ذكره في "المغني" وعلَّله بأن حكم الولد لا يثبت إلا بعد خروجه، قال: وحكي عن الزهري أن عليه غرة لأن الظاهر أنه قتل الجنين وهذا أصح لأنه تأكدنا أنه حي، ولكن يقول الفقهاء لأننا لا ندري ربما لا يخرج حيًّا أو لم يكن جنينًا ويبقى في بطن أمه أما إذا خرج وتبين فالأمر واضح.
القسم الثاني: ما يضمن بالغرة ولا كفارة فيه وله صورة واحدة وهي أن يخرج مضغة مُخلقة قبل نفخ الروح فيه.
القسم الثالث: ما يضمن بغرة مع الكفارة وله ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يخرج ميتًا بعد نفخ الروح فيه.
الثانية: أن يخر حيًّا لوقت لا يعيش لمثله ثم يموت من الجنابة.
الثالثة: أن يخرج حيَّا لوقت يعيش لمثله ويتحرك حركة اختلاج ونحوها كحركة ونحوها كحركة المذبوح ثم يموت هذا يضمن بغرة مع الكفارة.
القسم الرابع: ما يضمن بدية مع الكفارة وله صورة واحدة وهو أن يخرج حيًّا لوقت بعيش لمثله حياة مستقرة ثم يموت بسبب الجناية -هذا التقسيم جيد.
1143 -
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: "قتل رجلٌ رحلاً على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا". رواه الأربعة، ورجَّح النَّسائيُّ وأبو حاتمٍ إرساله.
أي: اثني عشر ألف درهم، وهذا الحديث -كما رأيتم- فيه ان الدية تكون اثني عشر ألف درهم، وقد سبق أن الدية مائة بعير فهل هذا الحديث يقتضي أن يكون هناك أصل آخر غير الإبل كما أن هناك أصلاً آخر غير الإبل وهو ألف دينار أو أن هذا من باب التقويم، يعني: أن
مائة من الإبل في ذلك الوقت تساوي اثني عشر ألفاً؟ في هذا قولان للعلماء؛ منهم من قال: إن ما ذكر أصل فيكون من عنده إبل يؤخذ منه مائة من الإبل ومن عنده دراهم ودنانير يؤخذ منه الدنانير والدراهم، وصاحب البقر من بقره، وصاحب الغنم من غنمه ولكن الصحيح أن الأصل هي الإبل لكن لو رأى الحاكم أن يُراعى احوال العاقلة فإن كانوا أصحاب إبل أخذ منهم إبلاً، وإن كانوا أصحاب بقر أخذ منهم بقرًا، وإن كانوا أصحاب ذهب أخذ منهم ذهبًا، لو رأى مراعاة ذلك لكان جيدًا ولكن إذا قلنا بهذا القول هل نأخذ بما جاء مقدرًا في هذه الأحاديث أو نأخذ بما تساوي في وقتها؟ الثاني إذا قلنا: إن الإبل هي الإصل فالثاني هو الذي يؤخذ به، اما المذهب فالأصول خمسة: الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة وعرفتهم أن الإبل مائة، والبقر مائتان والغنم ألف والذهب ألف مثقال والدراهم اثنا عشر ألفا درهم، والاثنى عشر ألف درهم كم تساوي من الدراهم الآن؟ ثلاثة آلاف وثلاثمائة وستين، الآن انظروا الفرق بين دية الفضة ودية الإبل، يعني: على المذهب من قال من عليه الدية أنا لا أسلمكم إلا الدراهم وقلنا إن الدراهم محددة شرعًا صارت الدية ثلاثة آلاف وثلاثمائة وستين، الآن انظروا الفرق بين دية الفضة ودية الإبل، يعني: على المذهب من قال من عليه الدية أنا لا أسلمكم إلا الدراهم وقلنا إن الدراهم محددة شرعًا صارت الدية ثلاثة آلاف وثلاثمائة وستين لكن العمل كما قلنا على خلاف ذلك العمل على أن الأصل في الديات هي الإبل وإن ما ذكر في الأحاديث فهو من باب تقدير الإبل بالقيمة، وكانت في ذلك الوقت تساوي هذه القيمة.
1144 -
وعن أبي رمثة رضي الله عنه قال: "أتيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ومعي ابني، فقال: من هذا؟ فقلت: ابني وأشهد به. فقال: أما إنَّه لا يجني عليك، ولا تجني عليه". روان النَّسائيُّ، وأبو داود، وصحَّحه ابن خزيمة، وابن الجارود.
هذا الحديث يقول: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابني فقال: من هذا؟ " وكان هناك سبباً أوجب ان يسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا أكده فقال:"ابني وأشهد به" والظاهر -والله أعلم- أن هناك فرقاً في الشبه أو في اللون أو أن أبا رمثة كان صغيراً لا يحتمل أن يكون هذا الابن ولدًا له فقال: من هذا؟ وأمت مجرد سؤال ويقول: "هذا ابني وأشهد به" فهذا بعيد فلابد أن يكون هناك سبب لسؤاله: "فقلت: ابني وأشهد به" أي: هذا ابني، فهو خير لمبتدأ محذوف، فقال:"إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه"، "لا يجني عليك" يعني: لا تتحمل جنايته، "ولا تجني عليه" يعني لا
يتحمل جنايتك هذا المعنى، وليس المعنى: أن الأب لا يمكن أن يجني على ابنه فربما يجني عليه كأن يضربه أو يجرحه وربما يقتله، وكذلك العكس، لكن المعنى: أنه لا يتحمل جنايتك ولا تتحمل جنايته، وعلى هذا فالأب لا يحمل من الدية إذا كانت على العاقلة شيئًا، لو أن شخصًا قتل إنسانًا خطأ، فالدية على عاقلته والعاقلة هم الأصالة، لكن هذا الحديث يدل على أن الأصول والفروع لا يتحملون من الدية شيئًا لأنه قال: لا يجني عليك ولا تجني عليه وإلى هذا ذهب أهل العلم وقالوا إن العاقلة هم ذكور العصبة ما عدا الأصول والفروع وأن الأصول والفروع لا يتحملون من الدية شيئًا، ولكن القول الراجح أنهم يتحملون وأنهم أولى بالتحميل ممن وراءهم لأن القرابة الذين سواهم من أين كانوا قرابة لك؟ منهم فإذا كانوا هم الأصل فكيف يحمل الفرع ولا يحمل الأصل؟ ! فالصواب أن الأصول والفروع من العاقلة كم سواهم ولكن لو قال قائل: كيف نجيب عن هذا الحديث؟ نقول المراد الجناية التي يكون بها قصاص، يعني: لو جنى الابن جناية فيها قصاص فإنه لا يقتص من أبيه بدلاً عنه ولو جنى الأب جناية فيها قصاص فإنه لا يقتص من الابن نيابة عنه أما مسألة الدية فإنه لا تعرض للحديث فيها.
في هذا الحديث فوائد: أولاً: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على معرفة أحوال أصحابه لقوله: "من هذا"، ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" فلما سأل علم أنه صلى الله عليه وسلم يعتني بأصحابه وأن أحوال أصحابه مما يعنيه؛ إذ لا يمكن إن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم غير حسن الإسلام -وهو أكمل الناس إيمانًا وأشدهم تقوى لله عز وجل؛ فإذن يستدل بهذا الحديث على حرض النبي صلى الله عليه وسلم على معرفة أحوال أصحابه، ويتفرع على هذه القاعدة: أنه ينبغي لكبير القوم من قاضٍ أو عالم أو أمير أن يتفقد أحوال من هم تحت يده اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: أن الرجل إذا استحلق ابنًا له فإن يلحقه ولا يحلف البينة به وهو كذلك فإذا استلحق الإنسان شخصًا قال هذا ولدي فإنه ولده لكن بشرطين الأول ألا ينازع فيه، والثاني أن يمكن كونه منه فإن نوزع فيه نظرنا إن كان المنازع غير ذي فراش فإنه يعرض على القافة الذين يعرفون النسب بالشبه فمن ألحقته به لحقه.
ومن فوائد الحديث: صحة إطلاق الشهادة على الإقرار لقوله وأشهد به أي أقر به وقد سمى الله الإقرار شهادة فقال (يا أسها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) [النساء: