الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والهدى هدى الله عز وجل، أما مسطح فقال أبو بكر - وكان ينفق عليه -: "الله لا أنفق عليه غيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولابنته، فأنزل الله تعالى:{ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسَّعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبُّون أن يغفر لكم والله غفورٌ رَّحيم} [النور: 22]. قال أبو بكر: بلى، والله نحب أن يغفر الله لنا، ثم رد عليه النفقة.
اللعان:
1177 -
وعن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "أوَّل لعانٍ كان في الإسلام: أنَّ شريك بن سحماء قذفه هلال بن أميَّة بامرأته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيَّنة وإلَّا فحدٌّ في ظهرك". الحديث أخرجه أبو يعلى، ورجاله ثقاتٌ.
قوله: "أول لعان كان في الإسلام"، اللعان: مصدر لأعن يلاعن، كقتال مصدر قاتل يقاتل، وهو مأخوذ من اللعن، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، واللعان أيمان مكررة بل شهادات مؤكدة بأيمان مقرونة بلعنة أو غضب، وغلب جانب اللعن، لأنه هو الذي يبدى به أولًا، ولأنه من جانب الزوج، وسبب اللعان قذف الرجل زوجته بالزنا، وإذا قذف الرجل زوجته بالزنا فإما أن يقيم البينة فيثبت عليها حد الزنا، وإما أن تقر فيثبت عليها حد الزنا، وإما أن تنكر وحينئذٍ نقول للزوج: عليك الحد في ظهرك وهو حد القذف ثمانون جلدة كما سيأتي في الحديث نفسه.
وقوله: "أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته" الضمير في قوله: "بامرأته" يعود إلى هلال بن أمية، يعني: أن هلال بن أمية قذف شريك بن سحماء بأنه زنى بامرأته، ورفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنكرت المرأة وأجرى اللعان بينهما، لكن قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"البينة" يعني: أقم البينة، فهي مفعول لفعل محذوف تقديره: أقم البيئة، وإلَّا فحدٌّ" هذه جملة شرطية، والتقدير: وإلًا تقم البينة فعليك حد في ظهرك، وعلى هذا فيكون فعل الشرط فيها محذوفًا، ويكون أيضًا خبر المبتدأ فيها محذوفًا تقديره وإلَّا تقم البينة فعليك حدٌّ في ظهرك، الذي معنا الآن "إن" الشرطية مدغمة بـ "لا" النافية المحذوف فعل الشرط، عندنا أيضًا فـ "حد" هذا مبتدأ، والمحذوف خبره التقدير: فعليك حد في ظهرك، و"حد" كلمة منكَّرة، لكن المراد حد القذف في ظهرك؛ أي: تضرب به على ظهرك، فما هي البينة التي طلبها النبي صلى الله عليه وسلم؟ البينة هي إما إقرار الزوجة المقذوفة بالزنا، وإما أن يقيم أربعة رجال يشهدون بزناها على وجه صريح، فإذا لم يجد يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فحد في ظهرك"، وهنا ليس في الحديث ذكر اللعان، وإنما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الحد
عليه؛ لأنها لم تنزل آية اللعان، والأصل في قاذف العفيف أن يحد حد القذف لعموم قول الله تعالى:{والَّذين يرمون المحصنات ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً} [النور: 4]. فيكون هذا الحكم الذي حكم به النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تنزل آية اللعان، من أين أخذه النبي صلى الله عليه وسلم؟ أخذه من العموم:{والَّذين يرمون المحصنات ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً} هذا الرجل الذي قذف زوجته بالزنا رمي المحصنات ولم يأت بأربعة شهداء، فيجلد ثمانين جلدة، ولكن الله سبحانه خفف عن الزوج إذا قذف زوجته بالزنا خفف عنه بمشروعية اللعان، وكيفيته: أن يحضر القاضي الزوج والزوجة ويقول للزوج: ادَّع ما ادعيت، فإذا ادعى وقال: هذه زوجتي قد زنت ماذا يقول؟ يسأل الزوجة فإن أقرت انتهى الأمر ولا حاجة لطلب البينة؛ لأن إقرارها بينة شهادة على نفسها، فإذا أقرت أقيم عليها الحد، وما هو حدها؟ إن كانت بكرًا فحدها الجلد، وإن كانت ثيِّبا فحدها الرجم، ولكن كيف تكون بكرًا؟ يقذفها قبل أن يطأها حتى لو دخل عليها ولكن لم يطأ، فإنه لم يدخل بها، إذن نقول: إذا أقرت أقيم عليها حد الزنا؛ إن كانت بكرًا فالجلد والتغريب، وإن كانت ثيبًا فالرجم، إن أنكرت قلنا للزوج: هات البينة أربعة رجال يشهدون بأنهم رأوها تزني بصراحة فإن لم يقم البيئة تجري اللعان، لا نقيم حد الرجم؛ لأن الزوج مع الزوجة مستثنى فنجري اللعان، نقول للزوج: اشهد أربعة شهادات بالله أنها زانية وأنك صادق فيما رميتها به وفي الخامسة قال: إن لعنة الله عليك، ويجعل ضميرًا لنفسه إن كان من الكاذبين، ثم يقال للزوجة: ماذا تقولين؟ إن نكلت فسيأتي ذكر حكمها إذا قالت: لا أقول شيئًا، إن لاعنت قلنا: لابل أن تقولي أربع مرات: أشهد بالله أنه كاذب فيما رماني به من الزنا وتقولي في الخامسة، وأن غضب الله عليها أي: بضمير المتكلم إن كان من الصادقين، فإذا فعلت ذلك وجب أن يفرق بينهما تفريقا مؤبدًا لا تحل له أبدا، ويدرأ عنها العذاب - عذاب الزنا - بملاعنتها ويدرأ عن زوجها عذاب القذف بملاعنته، فإن لاعن وأبت أن تلاعن فقيل: إنها تحبس حتى تقر أو تلاعن، وجعل هذا تفسير قوله تعالى:{ويدرءوا عنها العذاب} [النور: 8]. الذي هو الجلد {أن تشهد أربع شهاداتٍ باللَّه} [النور: 8]. قالوا: إن العذاب هنا الحبس، وقيل: إن نكلت أقيم عليها حد الزنا،
وهذا هو القول المتعين، وهو الصواب، وفسر العذاب بهذا المعنى، فيكون قوله:{ويدرءوا عنها العذاب} [النور: 8]. أي: حد الزنا رجما كان أو جلدًا، ويدل لذلك قوله تعالى في الزاني والزانية:{وليشهد عذابهما طائفةٌ من المؤمنين} [النور: 2].
فجعل حد الزنا عذابًا وهو كذلك إن تكل هو عن اللعان يعني لما لم تقر ولم يأت ببيئة وقلنا له: لاعن. قال: لا ألاعن، ماذا نصنع؟ نقيم عليه حد القذف، فصار الزوج إن نكل أقيم عليه حد القذف، والزوجة إن نكلت بعد ملاعنة الزوج أقيم - عليها على القول الراجح - حد الزنا، صار هذا الحديث يعتبر منسوخًا بالقرآن هكذا قال بعض العلماء، وقيل: ليس منسوخًا بالقرآن ولكنه مخصوص بالقرآن، وهذا القول هو الصحيح أي: أنه مخصوص بالقرآن، لكن إن ورد عن السلف أنه منسوخ فإن السلف يجعلون التخصيص نسخًا، ووجه ذلك: أن التخصيص نسخٌ للعموم؛ لأنه أخرج بعض أفراد العموم عن الحكم العام وهذا نوعٌ من النسخ، فالسلف - يعني: الصحابة والتابعين - قد يعبرون بالنسخ ويريدون به التخصيص، والصحيح أنه تخصيص.
وخلاصة هذا الحديث نقول: إذا قذف الرجل زوجته بالزنا فلا تخلو الحال من أربعة أحوال.
الأولى: أن تقر بالزنا فيقام عليها الحد.
الحال الثانية: أن يقيم عليها بينة بعد أن تنكر، فيقيم عليها بينة، فيقام عليها الحد.
الحال الثالثة: إلَّا يكون عنده بينة وينكل عن اللعان إذا طلبناه منه، فيقام عليه هو الحد.
الحال الرابعة: أن يلاعن؛ يعني: ألَّا يكون عنده بينة ويلاعن، ولا تلاعن الزوجة فيقام عليها الحد على القول الصحيح؛ أي: حد الزنا وليس الحبس.
الحال الخامسة: أن يلاعن وتلاعن هي أيضًا، وفي هذه الحال لا يقام عليه الحد حد القذف ولا يقام عليها حد الزنا، ولكن يفرق بينهما تفريقًا مؤبدًا لا تحل له أبدًا، هذا حكم قذف الرجل زوجته، وعرفتم كيف نخرج قوله صلى الله عليه وسلم:"البينة وإلا حد في ظهرك" بأن هذا كان قبل نزول آية اللعان.
قال: وفي البخاريِّ نحوه من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
وهو كذلك الذي في البخاري من حديك ابن عبَّاسٍ قريب من هنا، بل إن قوله:"البينة أو حد في ظهرك" جاءت في البخاري بهذا اللفظ.
* * *