الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفاضلت الأعمال لزم من ذلك تفاضل العامل فالناس طبقات حسب أعمالهم ودرجاتهم في الجنة درجات حسب أعمالهم.
ومن فوائد الحديث: منع تنزيل الحصن المحاصر على حكم الله لقوله: "فلا تفعل" ولكن هل هذا خاض زمن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الإنسان لا يدري هل بقي الحكم أم نسخ أو أنه عام؟ لا شك أن القول بأنه خاص بحياة الرسول واضح، لأنه قد نسخ الأحكام قد يفارق أمير الجيش النبي صلى الله عليه وسلم على حكم ثم يتغير الحكم فلا يدري أيصيب أم لا وإذا قلنا: إنه عام نقول أيضًا حتى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تنزلهم على حكم اجتهادي، لأن الحكم الاجتهادي فيه الإصابة وفيه الخطأ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا حكم الحاكم فاجتهد فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران"، أما ما كان معلومًا بدون اجتهاد فلا بأس أن تنزله على حكمك وعلى حكم الله أيضًا لأنه معلوم مثلاً إذا أنزلناهم على أن نأسرهم فإما منا بعد وإما فداء هل وافقنا حكم الله؟ نعم (حق إذا أتخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء} [محمد: 4]، وعلى هذا فتكون العلة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم:"فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا" العلة إذا انتفت انتفى الحكم فإذا كان الإنسان قد علم أنه أصاب فيهم حكم الله فإنه لا بأس أن ينزلهم على حكم الله.
ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للعالم أن يقول في حكم من الأحكام: حكم الإسلام في كذا وكذا لا تقل هكذا، لأنك قد تخطئ فينسب الخطأ إلى الإسلام، ولكن قيد فقل حكم الإسلام فيما أرى كذا وكذا، وبه نعرف تهاون بعض المتأخرين الذين تجد في كتبهم الإسلام يقول: كذا الإسلام يمنع كذا مع أن هذا المنع قول ضعيف في الإسلام ومع ذلك ينسبونه إلى الإسلام فيجب الحذر من مثل هذه الكلمات.
التورية عند الغزو:
1219 -
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها". متفق عليه.
سبق لنا أن كلمة "كان" تفيد الاستمرار لكن لا دائمًا بل غالبًا، والدليل على أنها ليست دائمًا تفيد الاستمرار ما ود في الأحاديث في الصلاة:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسبح والغاشية""وكان يقرأ بالجمعة والمنافقون""وكان يقرأ في العيدين بـ "ق" واقترتب" وكان يقرأ فيها بسبح والغاشية، كل هذا يدل على أن "كان" لا تفيد الاستمرار لكن إن وجد قرينة أفادت الاستمرار بهذه القرينة.
وقوله: "كان إذا أراد غزوة وري بغيرها" أي: أرى الناس أنه يريد غيرها فإذا كان يريد الذهاب ناحية الشمال سأل عن طريق الجنوب ولا يقول: أنا أريد الجنوب لكن يسأل كيف يذهب الإنسان إلى الجنوب وهكذا وليس المعنى أنه يقول: أنا أريد أن أذهب إلى الجنوب، لأنه لو قال: أنا أريد أن أذهب إلى الجنوب صار كذبًا صريحًا لكن إذا جعل يسأل أين الطريق إلى قبيلة فلان التي في الجنوب، يظن الناس أنه الجنوب ولكنه يريد الشمال والحكمة من ذلك: هي تعمية الأخبار عن الأعداء: ، لأن الأعداء إذا علموا بالخير فإنهم سوف يتأهبون على مقتضى ما علموا فيحصل بذلك مضرة على المسلمين، ولهذا لم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم الجهة التي يريدها إلا في غزة واحدة فقط وهي غزوة تبوك فإن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأنه يريد ذلك، لأنها جاءت في وقت حر وفي وقت طيب الثمار فلا بد أن يصرح للناس بهذا ولأن العدو بعيد عنهم فلهذا صرح بذلك صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في تدبير الجيوش، لأن التورية لا شك أنها من الحكمة.
ومن فوائده: جواز التورية، ونحن إذا قلنا "جواز" فلا ينفي أن تكون مستحبة في بعض الأحيان، وذلك لأن كل حكم وصف بالجواز فإنه قد ينقلب إلى مسنون وقد ينقلب إلى واجب، وقد ينقلب إلى محرم، وقد ينقلب إلى مكروه، يعني: أن الحكم بالإباحة لا ينفي أن يكون الشيء محرمًا أو واجبًا أو مسنونًا أو مكروهًا بحسب ما تقتضيه الأدلة، فالبيع مثلاً من الأشياء المباحة وإذا باع الإنسان سلاحًا في فتنة صار حرامًا وإذا باع عنبًا لمن يتخذه خمرًا صار حرامًا وإذا اضطر الإنسان إلى مأكل أو مشرب صار البيع عليه واجبًا وهلم جرًا، ومثله أيضًا كل المباحات يمكن أن تجد فيها الأحكام الخمسة فإذا كانت التورية جائزة فلا يعني، أنها لا تستحب في بعض الأحيان.
وليعلم أن التورية نوعان: تورية بالفعل وتورية بالقول؛ فالتورية بالقول أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره والتورية بالفعل أن يفعل ما يخالف ما يريد ظاهرًا فكلاهما على خلاف المراد فيما يظهر للناس وهل التورية بالقول جائزة؟ اتفق العلماء، على أن التورية إذا كانت في شيء محرم فهي حرام، يعني: لو أن صاحب حق أدعي على المحقوق أن عنده وديعه فقال: إني أودعت هذا الرجل ألف درهم فأنكر الرجل فهل يجوز لهذا المنكر أن يوري بالإنكار فيقول ما له عندي شيء يريد بـ "ما" الأسم الموصول، أي: الذي عندي له شيء نقول: حرام