الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما حكم الصائل: وهو اسم فاعل من صال يصول وهو المعتدي المندفع الذي يريد نفسك أو مالك أو اهلك أو ما أشبه ذلك.
التعزيز بين الوجوب والاجتهاد:
وهنا بحث: هل التعزيز واجب يجب على الإمام أن ينفذه إذا وجد سببه، أو راجع إلى إجتهاد الإمام؟ قال بعض العلماء: إنه واجب وهذا هو المذهب، وقال آخرون: إنه ليس بواجب بل يرجع فيه إلى رأي الإمام، والصواب أنه واجب، اللهم إلا إذا رأى الإمام مصلحة تربو على المفسدة فهذه ربما يقال له أن يسقطه من أجل هذا، ثم فيم يجب؟ قال العلماء: يجب في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة، وعلى هذا فالزنا لا تعزير فيه؛ لأن فيه حدًّا، وكذلك السرقة لا تعزير فيها؛ لأن فيها حدًّا، فيكتفى بالحد عن التعزيز ولاكفارة الوطء في نهار رمضان لا تعزيز لأن فيها كفارة.
اختلاف قدر التعزيز وضوابطه:
ثم البحث الثاني: هل يتحدد التعزير بعدد معين من الجلدات بحيث لا يزيد عليها؟ في هذا خلاف تذكره على هذا الحديث.
1203 -
عن أبي بردة الأنصاري رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لايجلد فوق عشرة أسواٍط إلا في حدود الله". متفق عليه.
"ويجلد بالرفع على أنها جملة خبرية؛ لأنها بالرفع تكون "لا" نافية، والفعل المضارع مرفوع، ولكن هي خبرية لفظًا طلبيه معنى، فهو نفي بمعنى: النهي، وقوله: "عشرة أسواط"، والسوط معروف، هو عبارة عن جلد أو نحوه يفتل ثم يضرب به، وقد يطلق على مجرد العصا ونحوها، "إلا في حد من حدود الله" اختلف العلماء ما المراد بالحد، هل المراد بالحد: العقوبة المقدرة شرعًا كمائة جلدة في الزنا وثمانين جلدة في القذف، أو المراد بالحد: الحكم سواء كان واجباً أو محرماً، فيعزر لترك الواجب ويعزر بفعل المحرم؟ فى هذا قولان للعلماء؛ والصحيح: الثاني أن المراد بالحد هنا: حكم الله عز وجل وقد سمى الله تعالى أحكامه حدوداً فقال تعالى: {يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولايخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله} [الطلاق: 1]. وقال تعالى في ختام آيات المواريث قال: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم} [النساء: 13].
والآيات في هذا متعددة فعليه يكون المراد بالحد هنا: الحكم إن كان واجباً فليجلد حتى يقوم بالواجب، وإن كان محرمًا فليجلد حتى يكف عن المحرم.
فإذا قال قائل: على القول بان المراد بالحد الحكم الشرعي فما المراد بقوله: " لايجلد إلا فى حد؟ ".
قلنا: لا يجلد هذا منصبِّ على ما إذا جلد الإنسان ولده من أجل إجلاله بالمروءة مثل أن يقول لوالده: يابني، إني قد دعوت فلانًا وفلانًا انتظرهم بعد صلاة العشاء، فأهمل الابن ذلك، فللأب أن يجلده إلى عشر جلدات ولايزيد، هذا على القول بان المراد بالحدود: الحكم الشرعي وهو الصحيح.
يستفاد من هذا الحديث: أولًا: تحريم الزيادة على عشر جلدات فيما يؤدب به الإنسان ولده، واما إذا كان فى حكم شرعي فيجلد أكثر من ذلك، وهل يمكن أن نقول: إننا لو وجدنا رجلًا قد خلا بامرأة وباشرها وقبلها وراجعها عدة ليال. نقول: نعزره بعشر جلدات فأقل هذا لا يمكن أن صلح الناس، وعلى القول بأن المراد بالحد هنا العقوبة المقدرة يقولون: إنه إذا وقع مثل هذه القضية فإننا نجلد المرأة والرجل عشر جلدات فأقل، ومعلوم أن هذا لا يصلح الخلق، أما على القول الصحيح فإن لنا أن نجلده أكثر: عشرين، ثلاثين إلى تسع وتسعين، ولا نصل إلى المائة؛ لأن الزنا أعظم من هذا الفعل ومع ذلك عقوبته مائة جلدة؛ ولهذا لا يبلغ بالتعزير الحد إذا كانت المعصية من جنس الذي فيه الحد: تقبيل المرأة، الخلوة، مباشرتها، السفر بها، لكن بدون زنا لا يبلغ به مائة جلدة، رجل مثلًا اعتدى على الناس صار يضرب هذا وينهب مال هذا ويشتم هذا هل يمكن أن نعزره بمائة جلدة أو أكثر؟ لا؛ لأن هذا ليس من جنس الزنا الذي فيه الحد.
ومن فوائد الحديث: الرفق بالأهل والأولاد بحيث لا نجلدهم أكثر من عشر جلدات فيما يتعلق بالتأديب والمروءة.
فإن قال قائل: هذا حد في العدد فهل هناك حد فى الكيفية أو فى السوط؟ نقول نعم لابد أن يكون الضرب غير مبرح لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يخطب: "ولكم عليهن- أى: الزوجات- ألَاّ يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح"، ويشترط أيضًا ألا يكون في الوجه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب الوجه، أما بالسوط فيجب أن يكون سوطًا ليس جديدًا فيؤثر ولاخلقًا فلا ينفع لابد أن يكون وسطًا.