المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النفقة على المملوك وأحكامها: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٥

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب الطلاق

- ‌تعريف الطلاق لغة وشرعًا:

- ‌ذكر المفاسد المترتبة على الطلاق:

- ‌حكم طلاق الحائض

- ‌المحرم من الطلاق:

- ‌اختلاف حكم الطلاق ثلاثة مجموعة في عهد عمر رضي الله عنه:

- ‌مسألة: هل يقع الطلاق بحديث النفس أو الوسوسة

- ‌حكم الطلاق الخطأ وطلاق المكره:

- ‌ثبوت الطلاق يترتب على ثبوت النكاح:

- ‌حكم طلاق الصغير والمجنون والسكران:

- ‌كتاب الرجعة

- ‌حكم الإشهاد في الطلاق والرجعة:

- ‌1 - باب الإيلاء والظهار والكفارة

- ‌حكم الإيلاء:

- ‌مدة الإيلاء:

- ‌حكم المجامع في رمضان:

- ‌كفارة الظهار:

- ‌2 - باب اللعان

- ‌تعريف اللعان:

- ‌3 - باب العدة والإحداد والاستبراء وغير ذلك

- ‌عدة الوفاة

- ‌عدة الطلاق وفسخ النكاح:

- ‌حكم السكنى والنفقة للمطلقة البائنة وعدتها:

- ‌حكم التطيب والحناء في الحداد:

- ‌حكم الكحل في الحداد:

- ‌حكم خروج المعتدة المطلقة:

- ‌حكم خروج المعتدة بعد وفاة زوجها من بيتها:

- ‌طلاق الأمة وعدتها:

- ‌الاستبراء وأحكامه:

- ‌أحكام امرأة المفقود في العدة وغيرها:

- ‌التحذير من الحلوة بالأجنبية:

- ‌أحكام السبايا في الاستبراء:

- ‌4 - باب الرضاع

- ‌تعريف الرضاع:

- ‌مسألة إرضاع الكبير وأحكامها:

- ‌يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب:

- ‌صفة الرضاع الذي يثبت به التحريم:

- ‌النهي عن استرضاع الحمقى:

- ‌5 - باب النفقات

- ‌أسئلة ومناقشة:

- ‌النفقة على الزوجة والأولاد وأحكامها:

- ‌النفقة على المملوك وأحكامها:

- ‌حكم النفقة على الحامل المتوفى عنها زوجها:

- ‌مسألة طلب المرأة الطلاق عند عجز زوجها عن النفقة:

- ‌النفقة على الوالدين وأحكامها:

- ‌6 - باب الحضانة

- ‌تعريف الحضانة:

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌تعريف الجنايات لغة وشرعًا:

- ‌حرمة دماء المسلمين وتعظيمها:

- ‌المعتدي جان يفعل به كما فعل:

- ‌حالات إباحة قتل المسلم:

- ‌حرمة الدماء:

- ‌القصاص من الحر للعبد:

- ‌حكم قود الوالد بولده:

- ‌حكم قتل المسلم بكافر:

- ‌حكم قتل المؤمن بمعاهد:

- ‌الجناية على النفس:

- ‌جناية الصغير والمجنون:

- ‌ترك القصاص في الجروح قبل البرء:

- ‌الجناية على الحمل:

- ‌العفو عن الجناية:

- ‌الجناية على النفس وأنواعها:

- ‌الاشتراك في الجناية:

- ‌قتل الجماعة بالواحد:

- ‌التخيير بين الدية والقصاص وشروطه:

- ‌1 - باب الديات

- ‌مقادير الدية في الجروح:

- ‌دية القتل الخطأ:

- ‌دية قتل العمد وشبه العمد:

- ‌إلحاق دية شبه العمد بالقتل الخطأ:

- ‌دية الأصابع والأسنان:

- ‌ضمان الطبيب:

- ‌دية الشجاج:

- ‌دية أهل الكتاب:

- ‌دية المرأة والرجل:

- ‌تغليظ الدية وضوابطه:

- ‌2 - باب دعوى الدم والقسامة

- ‌3 - باب قتال أهل البغي

- ‌تعريف البغي، وبيان أهل البغي بالتفصيل:

- ‌قتال من حمل السلاح على المسلمين:

- ‌عقوبة مفارقة الجماعة:

- ‌ضوابط معاملة البغاة:

- ‌الحث على الاجتماع ونبذ الفرقة:

- ‌4 - باب قتال الجانب وقتل المرتدِّ

- ‌جواز قتل الصائل:

- ‌سقوط الضمان في الدفاع عن النفس:

- ‌سقوط الضمان للمتطلع لبيوت المسلمين:

- ‌ضمان ما أتلفته المواشي:

- ‌قتل المرتد:

- ‌شروط قتل المرتد:

- ‌قُتل من سب النبي أو زوجاته أو أصحابه:

- ‌كتاب الحدود

- ‌مفهوم الحدود وحكمه:

- ‌1 - باب حد الزاني

- ‌حد الزاني غير المحصن:

- ‌حكم الجمع بين الجلد والرجم:

- ‌ثبوت الزنا بالإقرار:

- ‌وجوب التثبت في إثبات الزنا:

- ‌طرق ثبوت الزنا

- ‌حد الأمة الزانية:

- ‌السيد يقيم الحد على مملوكه:

- ‌تأجيل إقامة حل الزنا على الحامل:

- ‌تخفيف الحد على المريض الضعيف:

- ‌عقوبة اللواط:

- ‌الجمع بين الجلد والتغريب للزاني البكر:

- ‌لعنة المخنثين والمترجلات:

- ‌درء الحدود بالشبهات:

- ‌وجوب إقامة حد الزنا عند ثبوته:

- ‌2 - باب حدِّ القذف

- ‌اللعان:

- ‌حد المملوك القاذف:

- ‌3 - باب حدِّ السَّرقة

- ‌نصاب السرقة الموجب للقطع:

- ‌جحد العارية:

- ‌المختلس والمنتهب:

- ‌اشتراط الحرز لوجوب القطع:

- ‌ثبوت السرقة بالإقرار:

- ‌لا ضمان على السارق:

- ‌حكم الجمع بين الضمان والقطع:

- ‌الشفاعة في الحدةد، ضوابطها:

- ‌الشبهة أنواعها وشروط انتفائها:

- ‌4 - باب حدِّ الشَّارب وبيان المسكر

- ‌عقوبة شارب الخمر:

- ‌تجنب الضرب على الوجه:

- ‌الخمر بين الطهارة والنجاسة:

- ‌كل مسكر خمر:

- ‌حكم مزج الزبيب بالماء أو اللبن:

- ‌حكم التداوي بالمحرم:

- ‌حكم التداوي بالخمر:

- ‌5 - باب التعزيز وحكم الصَّائل

- ‌التعزيز بين الوجوب والاجتهاد:

- ‌إقالة العثرات وضوابطها:

- ‌حكم الصائل:

- ‌الدفاع عن النفس:

-

- ‌كتاب الجهاد

- ‌تعريف الجهاد لغة وشرعًا:

- ‌أقسام الجهاد:

- ‌وجوب جهاد الدفاع وشروطه:

- ‌شرط القدرة على الجهاد وضوابطه:

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله:

- ‌جهاد النساء:

- ‌تقديم بر الوالدين على الجهاد:

- ‌حكم الإقامة في دار الكفر:

- ‌الهجرة من دار الكفار وأحكامها:

- ‌وجوب الإخلاص في الجهاد:

- ‌جواز الهدنة:

- ‌حكم الإغارة بلا إنذار:

- ‌وصايا الرسول صلي الله عليه وسلم لأمراء الجيوش:

- ‌فائدة جواز الجزية من مشركي العرب:

- ‌التورية عند الغزو:

- ‌القتال أول النهار وأخره:

- ‌جواز قتل النساء والذرية عند التبييت:

- ‌لا يستعان بمشرك في الحرب:

- ‌النهي عن قتل النساء والصبيان في الحروب:

- ‌جواز قتل شيوخ المشركين:

- ‌المبارزة في الحروب:

- ‌الحمل على صفوف الكفار وضوبطه:

- ‌إتلاف أموال المحاربين:

- ‌النهي عن الغلول:

- ‌سلب القاتل:

- ‌الرمي بالمنجنيق:

- ‌جواز قتل المرتد في الحرم:

- ‌القتل صبرًا:

- ‌الأسير وأحواله:

- ‌إسلام الكافر ونتائجه:

- ‌معرفة الجميل لأهله:

- ‌النهي عن وطء المسبية حتى تستبرأ أو تضع:

- ‌تنفيل المجاهدين بعد قسمة الفيء:

- ‌سهم الفارس والفرس والراجل:

- ‌حكم التنفيل:

- ‌حكم الأخذ من طعام العدو قبل القسمة:

- ‌وجوب المحافظة على الفيء:

- ‌يجير على المسلمين أدناهم:

- ‌إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب:

- ‌إجلاء بني النضير من المدين

- ‌تقسيم غنائم خيبر:

- ‌لا يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم الرسل ولا ينقض العهد:

- ‌حكم الأرض المفتوحة:

- ‌1 - باب الجزية والهدنة

- ‌أخذ الجزية من المجوس:

- ‌أخذ الجزية من العرب:

- ‌مقدار الجزية عن كل حالم:

- ‌علو الإسلام بالوقوف عند العمل به:

- ‌السلام على الكفار وحكمه:

- ‌صلح الحديبية:

- ‌النهي عن قتل المعاهد:

- ‌2 - باب السبق والرمي

- ‌السباق على الخف والحافر والنصل:

- ‌محلل السبَّاق:

- ‌شرعية التدريب على القوة:

الفصل: ‌النفقة على المملوك وأحكامها:

الباطل وهذا منهي عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حمل ابن النابغة قال: يا رسول الله، كيف أغرم -يعني: الجنين الذي قتل- من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثال ذلك يطل هذا سجع فقال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما هو من إخوان الكهان"؛ لأن الكهان هم الذين يسجعون في كلامهم من أجل إبطال الحق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاء السجع في كلامه كثيرًا كما هنا، ومثله:"قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق".

‌النفقة على المملوك وأحكامها:

1096 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله رضي الله عنه: "للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق". رواه مسلم.

"للمملوك" يعني: بذلك: الرقيق من ذكر أو أنثى "طعامه وكسوته"؛ "طعامه" يشمل الشراب؛ لأن الشراب يسمى طعامًا قال الله تعالى: (فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى)[البقرة: 249]. وتسمية الشراب طعامًا واضحة؛ لأنه يطعم ويذاق، لكن إذا قيل: طعام وشراب اختلف المعنى، فيصير الشراب للمائع والطعام لغير المائع. إذن "طعامه" يشمل الأكل والشرب، وقوله:"للمملوك طعامه" لا يخفى أنها جملة خبرية وأن الخبر فيها مقدم، وهنا لا يراد به الحصر؛ لأن التحدث عن المملوك وليس هناك شيء آخر يحترز به منه، وكسوته يعني: لباسه لأن الإنسان محتاج إلى اللباس؛ لستر العورة ودفع الحر ودفع البرد قال الله تعالى: (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم)[النحل: 81]. وهذا شيء مشاهد؛ لأن الجسم لو بقي عاريًا في أيام الحر أكله السموم وتأثر به، لكن اللباس بقي الحر ففيه فائدتان: الأولى: ستر العورة، والثانية: الوقاية من الحر والبرد كما أن فيه إشارة معنوية عظيمة إلى أن الإنسان لابد أن يستر عورته المعنوية فهو مضطر إلى ستر عورته الحسية ومضطر إلى ستر عورته المعنوية وهي الذنوب والمعاصي كما قال الله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير)[الأعراف: 26]. فأنت مفتقر إلى أن تكسو عورتك المعنوية كما أنك مفتقر إلى أن تكسو عورتك الحسية وهذا من حكمة الله، فالبهائم حيث إنها لم تكلف ليس لها من اللباس إلا ما قد ألبسها الله -تعالى- مما يليق بحالها، لكن بنو آدم أراهم الله عز وجل أنهم مضطرون للباس الحسي وهم كذلك مضطرون للباس المعنوي؛ قال: ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق، لا يكلف أي لا يلزم لأن التكليف في اللغة: إلزام ما فيه مشقة وقيل إنه مجرد الإلزام والمعنى أنه لا يلزم من العمل إلا ما يطيق أي: ما يدخل تحت طاقته وقدرته فإذا كان صغيرًا وقلنا له: أحمل هذه الصخرة الكبيرة فهذا

ص: 182

حرام لا يجوز؛ لأنه لا يطيق، أو قيل له: اعمل ليلًا ونهارًا ولا تنم إلا ساعتين، هذا أيضًا لا يجوز وإن كان العمل خفيفًا لكن هنا إرهاق للبدن، إذن لا يكلف من العمل ما لا يطيق قدرًا وزمنًا.

يستفاد من هذا الحديث: أولًا: إثبات الملكية في البشر من قوله: "للمملوك" وترتيبه على هذا الملك هذه الأحكام الطعام والشراب والكسوة وألا يكلف من العمل إلا ما يطيق وقد دل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على ثبوت ملكية الإنسان للإنسان، وهذا لا ينافي العدل ولا ينافي الرحمة؛ لأن سبب الملكية أن الإنسان لما أرق نفسه للشيطان صار من الحكمة أن يرق نفسه للإنسان الذي قد ينفعه ويعينه على الطاعة ما هو رق الشيطان؟ الكفر؛ لأن سبب الرق هو الكفر، لا يوجد رق في الإسلام إلا بسبب الكفر أو التوالد فيما بعد، أما أن يؤخذ من أهله ويباع ويشتري فهذا لا يمكن أن يوجد في الإسلام، ومعلوم أننا إذا رققناه يملك الإنسان فهو خير من رق الشيطان قال ابن القيم -بالمناسبة-:

هربوا من الرق الذي خلقوا له وبلوا برق النفس والشيطان

إذن إثبات الملكية ثابت بالنص والإجماع، ولا يمكن لأحد أن يلغي هذا الحكم إلا إذا كان يستطيع أن يلغي فرضية الصلوات الخمس، صحيح أنه يجب التحري ما سبب رق هؤلاء البشر؟ يعني: لو جاء إنسان وقال هذا عبدي لابد أن نتحرى؛ لأن المسلمين اليوم إلا من شاء الله لا يسترقون البشر، هم مغلبون على أنفسهم فكيف يغلبون غيرهم؟ ! لكن إذا فرض أن وجد فلابد من التحري، فإذا لم نعلم سبب الرق فحينئذ لنا أن نقول: الأصل في بني آدم الحرية حتى يثبت أن هذا رقيق بطريق شرعي.

ومن فوائد الحديث: وجوب إطعام المملوك وكسوته لقوله: "للمملوك"، واللام هنا للاستحقاق، يعني: أنه يستحق على سيده أن يطعمه ويكسوه.

ومن فوائد الحديث: جواز استعمال العبد واستخدامه فيما يطيق؛ لقوله: "ولا يكلف من العمل

إلخ".

ومن فوائده: تحريم تكليف العبد بما لا يطيق؛ لأن قوله: "لا يكلف" نفي بمعنى النهي، والنفي يأتي بمعنى النهي كثيرًا كما أن الخبر يأتي بمعنى الأمر كثيرًا وكما أن الأمر يأتي بمعنى: الخبر ويتضح بالمثال يتربصن هذا خبر ومعناه: الأمر، "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم" خبر، لكن معناه: النهي، قد يأتي الأمر بمعنى الخبر مثل قوله تعالى:(وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم)[العنكبوت: 12]. اللام: لام الأمر ولهذا جزمت الفعل لكن هل هذا أمر أم خبر يفيد إلزام أنفسهم بذلك؟ الثاني.

ص: 183

ومن فوائد الحديث: عناية الشرع بالمملوك والمالك ووجهه تعيين ما للمملوك وللمالك وهذا يدل على عناية الشرع بهما وأن الشرع بهما وأن الشرع منظم للحياة كلها.

1097 -

وعن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه رضي الله عنها قال: "قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت

". الحديث. وتقدم في عشرة النساء.

الشاهد من هذا الحديث قوله: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت".

فيه فوائد: وقد سبق الكلام على الحديث ونريد تحقيق كلمة "زوجة" في الحديث؛ لأن اللغة الفصحى عدم تأنيث اللفظ فيقال: للمرأة زوج، ولا يقال: زوجة إلا في لغة ضعيفة، أما الفرضيين فقد التزموا أن يجعلوا الزوجة الأنثى بالتاء والزوج بدو تاء للتمييز؛ حتى لا تختلط المسائل.

في هذا الحديث: حرص الصحابة رضي الله عنهم على فهم ما يلزمهم لأهلهم لقوله: "ما حق زوجة أحدنا عليه؟ " وهنا نسأل: هل الصحابة إذا سألوا عن الأحكام هم يريدون الوصول إلى معرفة الحكم فقط أو إلى هذا والتطبيق؟ الثاني بلا شك، لكننا نحن في عصرنا كثير منا يسأل عن الحكم ثم لا يطبق أحيانًا يسأل عن الحكم يسأل شخصًا يثق بدينه وعلمه، فإذا أفتاه بما لا ترضاه نفسه الجاهلة تردد في الأمر، ثم ذهب إلى عالم آخر فإذا أفتاه بفتوى الأول ذهب إلى ثالث ورابع! ! حتى إننا نسمع أن بعض الناس إذا قلت له هذا الحكم كذا وكذا قال: والله أنا ما أظن هذا! فيقال له: يا هذا من قال: إن الأحكام الشرعية مبنية على ظنك! فهذه مسألة خطيرة، أقول: إن الأنبياء ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن ورث محمدًا صلى الله عليه وسلم؟ العلماء، فأنت إذا استفتيت عالمًا ترضاه لدينك وترى أن ما قاله أقرب إلى الصواب من غيره فالواجب عليك الأخذ بقوله؛ ولهذا قال العلماء: إنه يحرم على المستفتي إذا استفتى من التزم بقوله: أن يسأل غيره بالإجماع؛ لأن هذا يؤدي إلى التلاعب وتتبع الرخص، نعم لو فرضنا أنك استفتيت عالمًا تثق بقوله وأفتاك بما يرى ثم جلست مجلسًا مع عالم آخر وتحدث عن حكم المسألة التي سألت عنها الأول وأتى بحكم يخالف الأول مستندًا إلى القرآن والسنة فهنا لك أن تتحول، بل يجب عليك إلى ما قال الآخر؛ لأنه أتى بدليل ينقض حكم الأول أما أن تذهب تسأل بعدما سألت من تعتمد على قوله فهذا تلاعب في دين الله.

ومن فوائد الحديث: أنه يجب على المرء لزوجته أن يطعمها إذا أطعم ويكسوها إذا اكتسى وهل المراد أنك إذا أفطرت على خبز يلزمك أن تفطرها على خبز، أو إذا كنت تفطر

ص: 184

وهي لا تشتهي الفطور يلزمك أن تعطيها الفطور، المراد جنس الطعام لا أن تقول كلما أكلت ولو تمرًا على المطبخ وأخذت واحدة فتقول لها: تعالى فخذي تمرة لا ولكن المعنى: الجنس يعني: أن تطعمها إذا طعمت فإن لم تطعم لكونك فقيرًا فإنه لا يلزمك أن تطعمها (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها) ولكن اختلف العلماء إذا حدث للزوج فقر بعد غنى فهل للزوجة أن تطالب بالفسخ؟ قال بعض أهل العلم: إن لها أن تطالب بالفسخ وقال آخرون: لا ولكن الأقرب أن لها أن تطالب؛ لأن من استدل على عدم المطالبة بأن الصحابة رضي الله عنهم افتقروا ولم تفسخ أنكحتهم يجاب عنه بأنه لا نعلم أن هؤلاء الزوجات طالبن بالفسخ، وأما أن يستمتع الرجل بها ولا ينفق عليها فهذا لا شك أنه إضرار بها فلها أن تفسخ، لكن لو تزوجته عالمة بعسرته فهل لها أن تفسخ؟ الصحيح: لا، وقال بعض العلماء: لها أن تفسخ لأن النفقة تجدد، فكل يوم له نفقة، وهي إذا رضيت اليوم قد لا ترضى غدًا لكن الصواب أنها إذا تزوجته عالمة بعسرته فإنها ليست لها حق الفسخ؛ لأنه يقال: لماذا لم ترفضي من الأصل؟ أما أن تتزوجيه عالمة بعسرته ثم بعد ذلك تطالبين بالفسخ، فليس لك الحق في هذا، وقوله:"تكسوها إذا اكتسيت" نقول فيه مثل ما قلنا في "تطعمها إذا طعمت" يعني: المعنى الجنس.

1098 -

وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحج بطوله قال في ذكر النساء:"ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف". أخرجه مسلم.

حديث الحج رواه مسلم عن جابر، وهو أجمع ما روي في الحج، يعتبر منسكًا، ولهذا جعله الألباني رحمه الله الأصل كتاب في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جدير بأن يكون أصلًا؛ لأن جابرًا رضي الله عنه ذكر الحديث من قبل أن يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى يوم العيد سياقًا تامًا، قال:"لهن عليكم رزقهن" الرزق: العطاء، والمراد به هنا: الأكل والشرب و"كسوتهن" معروفة، فهي: الثياب ونحوها لكنه قيدها بقوله: "بالمعروف" أي: بما عرفه الناس، فلو طلبت منه ما يخالف العرف فله أن يمنع ذلك، مثلًا لو كانت حال الزوج متوسطة فطلبت منه نفقة غني فإنه لا يلزمه؛ لقول الله تعالى:(لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما ءاتاه الله لا يكلف الله نفسًا إلا ما ءاتاها)[الطلاق: 7]. في هذا الحديث دليل على عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء؛ لأنه ذكر هذا في خطبته يوم عرفة أكبر مجمع للمسلمين.

وفيه أيضًا: دليل على وجوب نفقة المرأة على زوجها طعامًا وشرابًا وكسوة وسكنًا وفيه

ص: 185

دليل على أن هذا مقيد بالعرف وفيه أيضا الرجوع إلى العرف والرجوع إلى العرف إنما يكون حين لا يكون له حد شرعي أما إذا كان له حد شرعي، فالواجب إتباع الشرع، ولهذا قيل:

وكل ما أتى ولم يحدد

بالشرع كالحرز فبالعرف احدد

"الحرز" هو: حرز الأموال الذي تحفظ فيه، وفائدة معرفة ذلك: أن السارق من غير حرز لا تقطع يده، وأن المودع إذا وضع الوديعة في غير حرز كان ضامنا.

كيفية النفقة: قال الشيخ ثلاثة أقوال:

القول الأول: المعتبر حال الزوج. والثاني: المعتبر حال الزوجة. والثالث: المعتبر حالهما؛ فإذا غنيين فلا إشكال تجب نفقة غنى ، وإن كانا فقيرين فلا إشكال تجب نفقة فقير، وإذا الزوج غنيا وهي فقيرة فمن قال: يعتبر حال الزوجة، قال: ليس لها إلا نفقة فقيرة، ومن قال: المعتبر حال الزوج، قال: يجب عليه نفقة غني وبالعكس إذا كانت الزوجة غنية والزوج فقيرا، من قال: المعتبر حال الزوجة، قال: يجب على الزوج الفقير أن ينفق عليها نفقة غني، ويجب على الزوج إذا كان الزوجة فقيرة وهو غني أن ينفق عليها نفقة فقير، والثالث يعتبر حال الزوجين معا، وهذا لا يخالف القولين إلا فيما إذا اختلف حال الزوجين غني والزوجة فقيرة الذي يجب لها نفقة حسب الخلاف الذي يقول يجب عليه نفقة متوسط لاغني ولا فقير وهذا الأخير هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، والقول باعتبار حال الزوج مذهب الشافعي وهو الصحيح؛ لأن الله قال:(لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله) الطلاق

1099 -

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إنما أن يضيع من يقوت". رواه النسائي.

"كفى" بمعنى: وسعه و "إثما" هذه تمييز محول عن الفاعل؛ لأن التمييز اسم بمعنى "من" مبين لما كان مبهما مجهولا من الذوات والحال تبين ما كان مبهما مجهولا من الصفات وهنا

ص: 186

"إثما" مبين لما كان مبهما مما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يكفي فما هو الذي يكفي؟ بينه بقوله: "إثما" فهو إذن تمييز محول عن الفاعل وله نظائر في القرآن (وكفى بالله شهيدا) وقوله: "أن يضيع من يقوت" هذا فاعل كفى يعني: كفى به إثما تضيعه من يقوت أي من ينفق عليه بالقوت فإنه إذا ضيعه فهذا إثم عظيم يسعه ويحيط به.

وهو عند مسلم بلفظ: "أن يحبس عمن يملك قوته".

فبينه وبين اللفظين اختلاف يتبين بالشرح، هذا الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه:"إن الإنسان يأثم إثما يحيط به إذا ضيع من يقوت" يعني: أهمله ولم يقم بما يجب له، وهذا يشمل ما كان إنسانا وما كان حيوانا والإنسان يقوت الإنسان ويقوت الحيوان فالمملوك له القوت على سيده والزوجة لها القوت على زوجها، والقريب له القوت على قريبه بالشروط المعروفة فإذا ضيعه وأهمله فإنه آثم، وأما لفظ مسلم:"أن يحبس عمن يملك قوته" وهو أعظم وأبلغ من التضييع، لأن التضييع عدم المبالاة، أما هذا فإنه منع القوت ففرق بين الذي يضيع إهمالا وتفريطا وبين الذي يعتمد الإساءة، فحديث مسلم فيمن يتعمد الإساءة فيحبس القوت عمن يملكه، ورواية النسائي تدل على أن مجرد التضييع والإهمال إثم فأيهما التي يدخل فيها اللفظ الثاني؟ الأولى، لأنه إذا كان عليه هذا الإثم في الإضاعة فإنه يكون عليه من باب أولى في الإساءة؛ لأن الذي يمنع القوت عمن يملكه أشد إثما.

ففي هذا الحديث: وعيد على من ضيع من يقوت وأنه آثم والقاعدة عند أهل العلم: أن كل ذنب توعد عليه فإنه يكون من كبائر الذنوب فيؤخذ من هذا أن إضاعة من يقوت من كبائر الذنوب.

ومن فوائده: أنه إذا أضاعه فقد اكتسب هذا الإثم طالبه أم لم يطالبه لأنه إذا كان يجب عليه أن يقيته ولم يفعل لحقه هذا الإثم حتى وإن لم يطالبه ما لم يسقط حقه فالمقامات ثلاثة أن يطالبه وله الحق في المطالبة، أن يسقط عنه الحق فله الحق أن يسقط الثالث أن يسكت فمتى يكون آثما؟ يكون آثما فيما إذا طالبه ومنعه حقه أو فيما إذا سكت لأن الأصل أن الحق واجب فيجب إيصاله إليه سواء طالبه أو لم يطالبه إذا أسقطه فالحق له ويسقط عما يجب عليه، هل له أن يطالب أباه بالنفقة؟ يعني: لو أن أباه منعه النفقة الواجبة عليه فهل له أن يطالبه؟ قال العلماء نعم له أن يطالب أباه ولكن ليس له أن يطالب أباه بدين ثابت على أبيه والفرق بينهما أن مطالبة أباه بالنفقة مطالبة لحفظ نفسه؛ لأنه لا يمكن أن يبقى لا يأكل ولا يشرب ولا يكتسي ومطالبته بالدين ليست لحفظ نفسه ولكن لحفظ ماله فلا يحق له أن يطالب أباه في

ص: 187