الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدو أن يبارزه في القتال، يبرز له فيقاتله وفائدة هذا التبارز: أنه إذا قتل حد المتبارزين صار في ذلك قوة للقوم الذين منهم القاتل، وصار في ذلك ضعف وذل للذين منهم المقتول ويكون هذا من أسباب النصر ونوعًا من الجهاد، يعني: بدل ما يكون بالرصاص، يكون بمثل هذا، لأن ضعف قلب العدو من أكبر أسباب النصر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، "نصرت بالرعب مسيرة شره"، لكن شرط المبارزة أن يكون لدي الإنسان علم بكيفية المبارزة.
وأن يكون عنده قوة يستطيع بها أن يقضي على خصمه، أما أن يخرج رجل ليس عنده علم بذلك أو ليس عنده قوة فإنه لا يجوز، ويجب أن يمنع.
ففي هذا الحديث: دليل على جواز المبارزة، ولكن شرطها شيئان: الأول: العلم بكيفية المبارزة، الثاني: القوة: لأنه إن لم يكن عالمًا فإنه يخدع ويغلب، وإن كان عالمًا لكن ليس عنده قوة فإن الثاني في الغالب يغلبه، ويذكر أيضًا أن علياً رضي الله عنه بارز عمر بن ود في إحدى المغازي وأنه لم خرج عمرو من صف القتال صاح به على وقال: والله ما خرجت لأبارز رجلين! فظن عمرو أن معه رجلاً آخر فالتفت فضربه علي، وهذا خدعه لكنها خدعة جائزة، لأنني ما خدعت رجلاً آمن بل هو خرج مغامرًا بنفسه وخرج ليقتلني، فإذا وجدت حيلة أن أقتله أنا فلا بأس، ولهذا جاء في الحديث "الحرب خدعة" إذن في هذا الحديث: جواز المبارزة ولكنها بشرطين كما سمعتم.
الحمل على صفوف الكفار وضوبطه:
1226 -
وعن أبى أيوب رضي الله عنه قال: إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، يعني قوله تعالى:{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195]، قاله ردًا على من أنرك على من حمل على صف الروم حتى دخل فيهم، رواه الثلاثة، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم.
قوله: "إنما أنزلت هذه الآية" أيهم المنزل للعلم به، فإن الذي أنزلها هو الله عز وجل، وهذا نظيره في القدر قوله تعالى:{وخلق الإنسان ضعيفًا} فإنه أبهم الخالق للعلم به وهو الله.
وقوله: "أنزلت هذه الآية فينا معشر" المعشر هم الطائفة وسموا بذلك، لأن بعضهم يعاشر بعضًا ويناصره ويؤويه.
وقوله: "الأنصار" هم قبيلتان كبيرتان في المدينة إحداهما: الأوس، والثانية الخزرج وسموا أنصار لنصرهم النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} تلقوا بها: أي: تضعوها أمام
ما يهلكها كما يقال: ألقى بالحبل، أي: وضعه أمام وجهه، فالمعني: لا تلقوا بها أمام الهلاك وقوله: {بأيديكم} المراد بها: النفس، لكن يعبر بالأيدي عن النفس كثيرًا في اللغة العربية، ومنه قوله تعالى:{فيما كسبت أيديكم} [الشورى: 30] أي: بما كسبتم، والتهلكة تفعله من الهلاك، أي: بما يكون به الهلاك.
"قال رضي الله عنه ردًا على من أنكر على من حمل على صف الروم حتى دخل فيهم، لأنهم كانوا في غزوة فحمل رجل من المسلمين على صف الروم وهم أمة حتى دخل فيهم وقاتلهم فقال الناس ألقى بيده إلى التهلكة صاحوا: ألقى بيده إلى التهلكة، فبين أبو أيوب أن هذا ليس من التهلكة وأنها نزلت فيهم حين كفوا أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله وقالوا: ننفق الأموال في غير هذا فأنزل الله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة: 195] فبين رضي الله عنه أنه ليس الحمل على صف العدو من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة وقوله: "حتى دخل فيهم" يعني: دخل فيهم وقاتلهم.
في هذا الحديث فوائد: منها: أن القرآن منزل لقوله: "أنزلت فينا هذه الآية"، قال العلماء: ويتفرع على هذه الفائدة فرعان عظيمان الفرع الأول علو الله عز وجل، لأن النزول لا يكون إلا من أعلى، والثاني: أن القرآن كلام الله، لأنه إذا نزل من عنده وهو صفة من الصفات الكلام صفة المتكلم ليس عينًا قائمة بنفسها فهو إذا أضيف إلى الله لزم أن يكون كلام الله وهو كذلك قال الله تبارك وتعالى:{وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6].
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للإنسان أن يذكر نفسه بما قد يلام عليه بيانًا للحق وعليه، لأن أبا أيوب الأنصاري بني ما نزلت فيه هذه الآية وهو أنهم كفوا أيديهم عن الإنفاق وقالوا لا نضيع أموالنا في القتال فلماذا لا نصرفها إلى أشياء أخرى ولا شك أن مثل هذا يلام عليه العبد لكنه رضي الله عنه ذكره بيانًا للحق، والله تعالى يقول:{يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} [النساء: 135].
ومن فوائد الحديث: جواز الحمل على صف الكفار ولو واحدًا، وجهه: أن أبا أيوب أقر هذا وأنكر على من أنكره.
فإن قال قائل: هل يجوز الحمل ولو غلب على ظنه أنه يقتل؟
الجواب: نعم، أما إذا تيقن أنه يتقل فإنه لا يجوز، لأنه يكون أعان على قتل نفسه لكن مع احتمال النجاة ولو واحدًا في المائة يجوز.
ومن فوائد الحديث: بيان شجاعة جيوش المسلمين المقاتلة لأعدائهم لأن هذا الرجل - وهو فرد حمل- على صف الروم وهم أمة عظيمة.