المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الباب، سرق الساعة، سرق القلم وما أشبه ذلك، ولكن الدعاء - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٥

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌7 - باب الطلاق

- ‌تعريف الطلاق لغة وشرعًا:

- ‌ذكر المفاسد المترتبة على الطلاق:

- ‌حكم طلاق الحائض

- ‌المحرم من الطلاق:

- ‌اختلاف حكم الطلاق ثلاثة مجموعة في عهد عمر رضي الله عنه:

- ‌مسألة: هل يقع الطلاق بحديث النفس أو الوسوسة

- ‌حكم الطلاق الخطأ وطلاق المكره:

- ‌ثبوت الطلاق يترتب على ثبوت النكاح:

- ‌حكم طلاق الصغير والمجنون والسكران:

- ‌كتاب الرجعة

- ‌حكم الإشهاد في الطلاق والرجعة:

- ‌1 - باب الإيلاء والظهار والكفارة

- ‌حكم الإيلاء:

- ‌مدة الإيلاء:

- ‌حكم المجامع في رمضان:

- ‌كفارة الظهار:

- ‌2 - باب اللعان

- ‌تعريف اللعان:

- ‌3 - باب العدة والإحداد والاستبراء وغير ذلك

- ‌عدة الوفاة

- ‌عدة الطلاق وفسخ النكاح:

- ‌حكم السكنى والنفقة للمطلقة البائنة وعدتها:

- ‌حكم التطيب والحناء في الحداد:

- ‌حكم الكحل في الحداد:

- ‌حكم خروج المعتدة المطلقة:

- ‌حكم خروج المعتدة بعد وفاة زوجها من بيتها:

- ‌طلاق الأمة وعدتها:

- ‌الاستبراء وأحكامه:

- ‌أحكام امرأة المفقود في العدة وغيرها:

- ‌التحذير من الحلوة بالأجنبية:

- ‌أحكام السبايا في الاستبراء:

- ‌4 - باب الرضاع

- ‌تعريف الرضاع:

- ‌مسألة إرضاع الكبير وأحكامها:

- ‌يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب:

- ‌صفة الرضاع الذي يثبت به التحريم:

- ‌النهي عن استرضاع الحمقى:

- ‌5 - باب النفقات

- ‌أسئلة ومناقشة:

- ‌النفقة على الزوجة والأولاد وأحكامها:

- ‌النفقة على المملوك وأحكامها:

- ‌حكم النفقة على الحامل المتوفى عنها زوجها:

- ‌مسألة طلب المرأة الطلاق عند عجز زوجها عن النفقة:

- ‌النفقة على الوالدين وأحكامها:

- ‌6 - باب الحضانة

- ‌تعريف الحضانة:

-

- ‌كتاب الجنايات

- ‌تعريف الجنايات لغة وشرعًا:

- ‌حرمة دماء المسلمين وتعظيمها:

- ‌المعتدي جان يفعل به كما فعل:

- ‌حالات إباحة قتل المسلم:

- ‌حرمة الدماء:

- ‌القصاص من الحر للعبد:

- ‌حكم قود الوالد بولده:

- ‌حكم قتل المسلم بكافر:

- ‌حكم قتل المؤمن بمعاهد:

- ‌الجناية على النفس:

- ‌جناية الصغير والمجنون:

- ‌ترك القصاص في الجروح قبل البرء:

- ‌الجناية على الحمل:

- ‌العفو عن الجناية:

- ‌الجناية على النفس وأنواعها:

- ‌الاشتراك في الجناية:

- ‌قتل الجماعة بالواحد:

- ‌التخيير بين الدية والقصاص وشروطه:

- ‌1 - باب الديات

- ‌مقادير الدية في الجروح:

- ‌دية القتل الخطأ:

- ‌دية قتل العمد وشبه العمد:

- ‌إلحاق دية شبه العمد بالقتل الخطأ:

- ‌دية الأصابع والأسنان:

- ‌ضمان الطبيب:

- ‌دية الشجاج:

- ‌دية أهل الكتاب:

- ‌دية المرأة والرجل:

- ‌تغليظ الدية وضوابطه:

- ‌2 - باب دعوى الدم والقسامة

- ‌3 - باب قتال أهل البغي

- ‌تعريف البغي، وبيان أهل البغي بالتفصيل:

- ‌قتال من حمل السلاح على المسلمين:

- ‌عقوبة مفارقة الجماعة:

- ‌ضوابط معاملة البغاة:

- ‌الحث على الاجتماع ونبذ الفرقة:

- ‌4 - باب قتال الجانب وقتل المرتدِّ

- ‌جواز قتل الصائل:

- ‌سقوط الضمان في الدفاع عن النفس:

- ‌سقوط الضمان للمتطلع لبيوت المسلمين:

- ‌ضمان ما أتلفته المواشي:

- ‌قتل المرتد:

- ‌شروط قتل المرتد:

- ‌قُتل من سب النبي أو زوجاته أو أصحابه:

- ‌كتاب الحدود

- ‌مفهوم الحدود وحكمه:

- ‌1 - باب حد الزاني

- ‌حد الزاني غير المحصن:

- ‌حكم الجمع بين الجلد والرجم:

- ‌ثبوت الزنا بالإقرار:

- ‌وجوب التثبت في إثبات الزنا:

- ‌طرق ثبوت الزنا

- ‌حد الأمة الزانية:

- ‌السيد يقيم الحد على مملوكه:

- ‌تأجيل إقامة حل الزنا على الحامل:

- ‌تخفيف الحد على المريض الضعيف:

- ‌عقوبة اللواط:

- ‌الجمع بين الجلد والتغريب للزاني البكر:

- ‌لعنة المخنثين والمترجلات:

- ‌درء الحدود بالشبهات:

- ‌وجوب إقامة حد الزنا عند ثبوته:

- ‌2 - باب حدِّ القذف

- ‌اللعان:

- ‌حد المملوك القاذف:

- ‌3 - باب حدِّ السَّرقة

- ‌نصاب السرقة الموجب للقطع:

- ‌جحد العارية:

- ‌المختلس والمنتهب:

- ‌اشتراط الحرز لوجوب القطع:

- ‌ثبوت السرقة بالإقرار:

- ‌لا ضمان على السارق:

- ‌حكم الجمع بين الضمان والقطع:

- ‌الشفاعة في الحدةد، ضوابطها:

- ‌الشبهة أنواعها وشروط انتفائها:

- ‌4 - باب حدِّ الشَّارب وبيان المسكر

- ‌عقوبة شارب الخمر:

- ‌تجنب الضرب على الوجه:

- ‌الخمر بين الطهارة والنجاسة:

- ‌كل مسكر خمر:

- ‌حكم مزج الزبيب بالماء أو اللبن:

- ‌حكم التداوي بالمحرم:

- ‌حكم التداوي بالخمر:

- ‌5 - باب التعزيز وحكم الصَّائل

- ‌التعزيز بين الوجوب والاجتهاد:

- ‌إقالة العثرات وضوابطها:

- ‌حكم الصائل:

- ‌الدفاع عن النفس:

-

- ‌كتاب الجهاد

- ‌تعريف الجهاد لغة وشرعًا:

- ‌أقسام الجهاد:

- ‌وجوب جهاد الدفاع وشروطه:

- ‌شرط القدرة على الجهاد وضوابطه:

- ‌الترغيب في الجهاد في سبيل الله:

- ‌جهاد النساء:

- ‌تقديم بر الوالدين على الجهاد:

- ‌حكم الإقامة في دار الكفر:

- ‌الهجرة من دار الكفار وأحكامها:

- ‌وجوب الإخلاص في الجهاد:

- ‌جواز الهدنة:

- ‌حكم الإغارة بلا إنذار:

- ‌وصايا الرسول صلي الله عليه وسلم لأمراء الجيوش:

- ‌فائدة جواز الجزية من مشركي العرب:

- ‌التورية عند الغزو:

- ‌القتال أول النهار وأخره:

- ‌جواز قتل النساء والذرية عند التبييت:

- ‌لا يستعان بمشرك في الحرب:

- ‌النهي عن قتل النساء والصبيان في الحروب:

- ‌جواز قتل شيوخ المشركين:

- ‌المبارزة في الحروب:

- ‌الحمل على صفوف الكفار وضوبطه:

- ‌إتلاف أموال المحاربين:

- ‌النهي عن الغلول:

- ‌سلب القاتل:

- ‌الرمي بالمنجنيق:

- ‌جواز قتل المرتد في الحرم:

- ‌القتل صبرًا:

- ‌الأسير وأحواله:

- ‌إسلام الكافر ونتائجه:

- ‌معرفة الجميل لأهله:

- ‌النهي عن وطء المسبية حتى تستبرأ أو تضع:

- ‌تنفيل المجاهدين بعد قسمة الفيء:

- ‌سهم الفارس والفرس والراجل:

- ‌حكم التنفيل:

- ‌حكم الأخذ من طعام العدو قبل القسمة:

- ‌وجوب المحافظة على الفيء:

- ‌يجير على المسلمين أدناهم:

- ‌إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب:

- ‌إجلاء بني النضير من المدين

- ‌تقسيم غنائم خيبر:

- ‌لا يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم الرسل ولا ينقض العهد:

- ‌حكم الأرض المفتوحة:

- ‌1 - باب الجزية والهدنة

- ‌أخذ الجزية من المجوس:

- ‌أخذ الجزية من العرب:

- ‌مقدار الجزية عن كل حالم:

- ‌علو الإسلام بالوقوف عند العمل به:

- ‌السلام على الكفار وحكمه:

- ‌صلح الحديبية:

- ‌النهي عن قتل المعاهد:

- ‌2 - باب السبق والرمي

- ‌السباق على الخف والحافر والنصل:

- ‌محلل السبَّاق:

- ‌شرعية التدريب على القوة:

الفصل: الباب، سرق الساعة، سرق القلم وما أشبه ذلك، ولكن الدعاء

الباب، سرق الساعة، سرق القلم وما أشبه ذلك، ولكن الدعاء على شخص بعينه لا يجوز، حتى وإن كان ينطبق عليه الوصف، لأن ما ورد معلقًا بالأوصاف يجب أن يكون معلقًا بالأوصاف، وما ورد معلقًا بالأعيان يكون معلقًا بالأعيان، ولهذا نشهد لكل مؤمن أنه في الجنة ولا نشهد لفلان أنه في الجنة وإن كان مؤمنًا.

ومن فوائد هذا الحديث والذي قبله: قطع يد السارق، وأن ذلك لا ينافي الرحمة.

ومن فوائده هو والذي قبله: أن مراعاة العموم أولى من مراعاة الخصوص؛ لأنه لا شك أن الضرر على السارق ضرر عظيم ستفقد يده اليمنى ويشل شيء كثير من عمله ويكون عارًا عليه بين الناس، لكن هذه المفسدة فردية، والمصلحة العامة حماية أموال الناس أولى من مراعاته، فيؤخذ من هذا قاعدة مفيدة: وهي أننا لا ننظر إلى الشخص إذا كان في محاباته ضرر بالمصلحة العامة، الواجب أن ننظر للمصلحة العامة ولو ضر ذلك الشخص، بعض الناس مثلًا إذا حصل من شخص جناية قال: ارحمه هذا له أولاد وليس له وظيفة وأتى بالمبررات، فنقول: مراعاة المصلحة العامة أولى من مراعاة المصلحة الخاصة، ولسنا بأرحم من الله ولا بأحكم من الله، فالله عز وجل نجد في حدوده سبحانه ما يكون ضررا على شخص معين لكن للمصلحة العامة.

‌جحد العارية:

1183 -

وعن عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟ ثمَّ قام فاختطب، فقال: أيُّها النَّاس، إنَّما هلك الَّذين من قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشَّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضَّعيف أقاموا عليه الحدَّ". متَّفقٌ عليه، واللَّفظ لمسلمٍ.

- وله من وجه آخر عن عائشة: "كانت امرأةٌ تستعير المتاع وتجحده، فأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقطع يدها".

الهمزة للاستفهام، والمراد به هنا: التوبيخ والإنكار، وتشفع) من الشفاعة وهي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، فشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة ليدخلوا الجنة من أي النوعين؟ من جلب المنفعة، وفي أهل الموقف أن يريحهم الله منه هذه لدفع مضرة، وسميت الشفاعة - أعني: التوسط للغير -؛ لأن الشافع يشفع من شفع له، فبعد أن كان المشفوع له واحدًا صار الآن شفعا - اثنين -.

"أتشفع في حد من حدود الله؟ "، الحد يطلق على ثلاثة معانٍ: الأول: الأوامر، والثاني: النواهي، والثالث: العقوبات المقدرة شرعًا في المعاصي، والمراد هنا الثالث، وهو العقوبات

ص: 387

التي قدرها الشرع في فعل المعصية، والمعنى: أتشفع في عقوبة فرضها الله عز وجل وسبب هذا أن امرأة مخزومية من بني مخزوم - من كبار قبائل العرب - كانت تستعير المتاع؛ أي: تطلب من مالكه أن يعيرها إياه ثم إذا استعارته أنكرته، وقالت: لم آخذ منك شيئًا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن تقطع يدها، فلما أمر بذلك لحق قريشا الهم والكآبة والحزن أن تقطع يد امرأة من بني مخزوم، فأهمهم هذا الأمر وطلبوا من يشفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهابوا أبا بكر وعمر وغيرهما من سادات الصحابة وقالوا: لا أحد يشفع إلَّا أسامة بن زيد بن حارثة؛ لأنه ابن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويحب أباه؛ ولهذا يلقب بأنه حب رسول الله؛ أي: محبوبه فطلبوا من أسامة أن يشفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المرأة، فشفع فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"أتشفع في حد من حدود الله" يعني: هذا لا يمكن؛ لأننا لو قبلنا الشفاعة لتعطلت الحدود ولبقيت الحدود التي فرضها الله عز وجل لا قيمة لها، ثم قام فخطب الناس، يعني: ألقى خطبة، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب عند النوازل، وخطبه عليه الصلاة والسلام قسمان: قسم راتب كخطبة الجمعة، وقسم عارض كخطبة الكسوف، وكذلك خطبته في قصة بريرة وغير ذلك من المناسبات، خطب فقال:"يا أيها الناس، إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم" النداء هنا مناسب جدًّا لأن المقام مقام عظيم ينبغي أن يتنبه له المخاطب، والنداء - كما أسلفنا مرارًا - يفيد تنبيه المخاطب حتى ينتبه ويعتني قال: أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم، والمراد بالهلاك هنا يحتمل الهلاك الحسي يهلكهم الله بسبب المعاصي، أو أنه الهلاك المعنوي وهو هلاك المجتمع، وقوله:"أنهم كانوا" وأنه هنا بالفتح؛ لأنها على تقدير حرف الجر أي: بأنهم، فالجملة - إذن تعليلية على تقدير حرف الجر.

"أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه" يعني بالشريف: ذا الشرف والرفعة والجاه عند قومه إذا سرق تركوه لأنه شريف، "وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد"، لأنه لا ناصر له ولا جاه له فيقيمون عليه الحد.

ولم يذكر المؤلف رحمه الله بقية الحديث؛ لأن هذا لفظ مسلم، والمقصود منه في هذا الباب ما ذكر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلمة ينبغي أن يسير عليها ولاة الأمر قال:"وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، وفي لفظا:"لقطع محمد يدها"، فأقسم - وهو الصادق البار بدون قسم - أنه لو كانت فاطمة وهي أجل قدرًا من المخزومية وأعلى نسبًا لو أنها سرقت لقطع يدها، يعني: لا بد من قطع اليد، لا بد من تنفيذ حدود الله، وهذا كقوله في قصة الربيع أخت

ص: 388

أنس بن النضر انكسر ثنية الربيع قال: "يا أنس، كتاب الله القصاص، لو أن فاطمة

إلخ"، قال: وله من وجه آخر عن عائشة قالت: كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها"، وقد تقدم الكلام عليه.

هذا الحليبث فيه فوائد عظيمة منها: الإنكار على من شفع في حد من الحدود، ولكن هذا بعد أن يصل الأمر إلى السلطان، فأما قبل ذلك فلا بأس، لكن إذا وصل إلى السلطان فإنه لا تجوز الشفاعة فيه لما في ذلك من إسقاط حدود الله عز وجل.

ومن فوائده: الإنكار على من فعل ما ينكر عليه ولو كان أحب الناس إليك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة، والله تعالى لا يستحي من الحق، لا نقول: هذا صديق، هذا رفيق، لا أحب أن أنكر عليه، بل أنكر عليه لاسيما في الأمور العظيمة.

ومن فوائد الحليخثا: أن الشفاعة تجوز في غير الحدود كما لو كان من باب التعزيرات فإنه يجوز أن يشفع فيها، والفرق أن الحدود فرائض والتعزيرات تبع للمصالح، فقد يكون من المصلحة أن نشفع في هذا الذي يستحق التعزير لأجل أن يسقط عنه التعزير؛ ولهذا قال كثير من العلماء: إن التعزير ليس بواجب، وإنما هو راجع إلى رأي الإمام إن رأى من المصلحة أن يفعل التعزير فعل وإلَّا فلا.

ومن فوائد الحديث: حكمة الشرع في تحديد العقوبات، وأنها مناسبة تمامًا للجرائم، ولهذا أضيفت إلى الله تعالى قال:"حد من حدود الله"، ومعلوم أن ما كان من حدود الله عز وجل فإنه في غاية الحكمة وفي غاية الرحمة.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان القدوة أن يخطب في المناسبات التي تستدعي الخطبة ولو كان ذلك في غير جمعة لقوله: "ثم قام فخطب".

ومن فوائده: أن الخطبة تكون عن قيام، والحديث العادي يكون عن جلوس، ويتفرع على هذه الفائدة: ما يفعله بعض الإخوة من القيام خطيبًا عند دفن الميت يعظ الناس مستدلًّا بأن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ أصحابه حين جلسوا إليه، وجعل يتكلم عن حال الإنسان عند الموت وبعد الموت وترجم البخاري على ذلك بقوله:"باب الموعظة عند القبر"، فيقال: هناك فرق بين الموعظة وبين الخطبة، نحن لا نتكر أن يجلس رجل [عند] المقبرة ويجلس إليه الناس ينتظرون إلحاد القبر ثم يتكلم معهم بموعظة تلين القلوب وتذكر، لكن أن يقوم خطيبًا يخطب في الناس فليس هذا موضعها.

ص: 389

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي أستعمال الأسلوب الذي يكون أبلغ في الوصول إلى المقصود، وهذا ما يسمى بالبلاغة، أي: مطابقة الكلام لمقتضى الحال، لقوله:"أيها الناس"؛ حيث وجه الخطاب بالنداء من أجل أن ينتبه الناس لما يقول.

ومن فوائد الحديث: أن الحيلولة دون تنفيذ الحدود سبب للهلاك لقوله: "إنما أهلك من كان قبلكم".

ومن فوائده: أن عقوبة الله عز وجل لا تختلف بالنسبة للأمم؛ لأنه ليس بين الله وبين الخلق نسب حتى يراعيهم، فإذا هلك من قبلنا بذنب فيوشك أن نهلك به، لكن الفرق أن هذه أمة لا تهلك بعقوبة عامة بخلاف الأمم السابقة، وقد قيل: إنه بعد نزول التوراة لم تهلك أمة بعامة؛ لأن الله تعالى قال: {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} [القصص: 43]. وأما هلاك فرعون فإنه [كان] قبل نزول التوراة.

ومن فوائد الحديث: أن حد السرقة ثابتٌ في الأمم السابقة لقوله: "إذا سرق فيهم الشريف

إلخ)، كما أن حد الزنا ثابت أيضًا في الأمم السابقة، وعلى هذا فإذا شنّع النصارى واليهود على المسلمين بقطع يد السارق قلنا لهم: نحن أيضًا نشنع عليكم؛ لأن هذا موجود في شريعتكم لكن أنتم تجرأتم وأبطلتم شريعة الله، لكن نحن التزامنا بشريعة الله، وكذلك إذا شنعوا علينا في القصاص قلنا: وأنتم أشد منا شناعة، فاليهود يجب عليهم القصاص: {وكتبنا عليهم فيها - أي: فرضنا عليهم - أنَّ النَّفس بالنَّفس والعين بالعين

إلخ} [المائدة: 45]. إذن نقول: حد السرقة بقطع يد السارق ثابت في الأمم السابقة.

ومن فوائد الحديث: "جوب العدل بين الناس في إقامة الحدود، وأن الجور سبب للهلاك لقوله: "إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".

ومن فوائد الحديث: أن السرقة لا تختص بالحاجة، بل قد تكون عن هوى وشهوة لكون الشريف يسرق، فالشريف في العادة يكون غنيا إما بنفسه أو بقومه، ولكن الشيطان يغوي ابن آدم؛ ولهذا نجد أن الرجل المتزوج الذي عنده زوجة من أحسن النساء خلقًا وسمتًا وصورة نجده يستهويه الشيطان فيزني بمن ليست بشيء عند زوجته.

ومن فوائده: أنه لا يجوز أن يختلف الناس في إقامة الحدود بالمال، يعني: بالغنى أو الفقر قياسا على الشرف والضعف؛ لأن المراد بالضعيف هنا ما يقابل الشريف، فلا يقال: هذا غني لا نقطعه وهذا فقير اقطعوه، لكن لو كان بالعكس وقالوا: نقطع الغني ولا نقطع الفقير لأجل أن نبقي. له جوارحه يحصل بها الرزق فلا يجوز أيضًا لوجوب العدل ووجوب إقامة الحد.

ومن فوائد الحديث: - ونتكلم على ما حذف منه -: جواز إقسام الإنسان بدون أن يستقسم؛ لأن. النبي صلى الله عليه وسلم أقسم فقال: "وايم الله" مع أنه لم يستقسم.

ص: 390

ومن فوائده: أنه كلما عظم شأن المخبر عنه فإنه يستحسن أن يقسم عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم لعظم شأن هذا الأمر، وإلَّا لو قال: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها اكتفى بذلك.

ومن فوائده: فضيلة فاطمة رضي الله عنها، ولا شك أن فاطمة أفضل بنات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها سيدة نساء أهل الجنة، لكن لا يعني ذلك أن نبالغ ونغلو فيها، فإن الغلو فيها أو في غيرها مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد الحديث: أن جاحد العارية يقطع لحديث عائشة: "كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر"، وجه الدلالة: أن الفاء في قوله: "فأمر" للسببية؛ أي: فسبب ذلك أمرًا، فيكون هذا الحكم مفرعًا على تلك العلة، وهي: أنها كانت تستعير المتاع فتجحده، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافًا كثيرًا، والقول بأن جاحد العارية يقطع انفرد به الإمام أحمد رحمه الله، وأكثر العلماء على أنه لا يقطع، كما أن الخائن في الوديعة وغيرها لا يقطع، فكذلك الخائن في العارية، ولكن يقال: إذا ثبت النص فلا قول لأحد، فما دام الحديث ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقطع يدها؛ لأنها كانت تستعير المتاع فتجحده فإنا نقول: هذا سبب مستقل، فسموه سرقة أو لا تسموه، إن كانت السرقة تنطبق على هذه الحال فالأمر ظاهر، وإن كانت لا تنطبق فإنها قسم مستقل برأسه جاءت به السُّنة فوجب الأخذ به، وأما من قال: إن هذا الحديث على تقدير محذوف: "كانت تستعير المتاع فتجحده فسرقته فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها"، فهذا لا وجه، له لأنه إثبات علة لم توجد ونفي علة موجودة، وهذا تحريف، لأن رفع الوصف عن الحكم وإثبات وصف آخر لا شك أنه تحريف، وهذا كقول من قال: إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" قال هذا لمن كان جاحدًا وهذا تحريف؛ لأننا إذا حملناه على الجحد ألغينا الوصف الذي رتب عليه الحكم وأتينا بوصف آخر جديد فيكون في هذا جناية على النص.

ومن فوائد الحديث: جواز التوكيل في إقامة الحدود لقوله: "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها".

ومن فوائده: أن يد السارق إنما تقطع من الكف لا من المرفق، وجهه: أن اليد إذا أطلقت فالمراد بها الكف، وإذا أريد بها ما زاد عليه فيدت به، ولهذا جاءت الآية في الوضوء مقيدة:{إلى المرافق} [المائدة: 6]. فوجب أن تغسل في الوضوء إلى المرفق، وجاءت في التيمم مطلقة "فلم يجب إلَّا مسح الكفين فقط.

ص: 391

ثم قال: "وله - أي: لمسلم - كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم" كانت امرأة، ومعروف أنها من بني مخزوم، لكن أحيانًا يذكر الراوي الاسم مبهمًا سترًا عليه إذا كان لم ينسه أو نسيانًا إن كان قد نسيه ولكن الذي يظهر أنه كان من باب الستر؛ لأنه قد ورد مصرحًا به في وتجه آخر، "تستعير المتاع"، الاستعارة: طلب الإعارة، كالاستغفار طلب المغفرة، والغالب أن السين والتاء المزيدتين فيهما استدعاء وطلب، وقولنا:"الغالب"، احترازًا من غير الغالب في مثل "استقر" فإنه ليس معناها طلب القرار، ولكنه بمعنى قرَّ، لكن الغالب أن الاستفعال يفيد الطلب، فقوله:"تستعير" أي: تطلب الإعارة، وما هي الإعارة؟ هي بذل المال لمن ينتفع به ورده بعينه، فقولنا:"لمن ينتفع به" خرج به سائر البذل وخرج به الهبة؛ لأن باذلها يريد بذلك تمليك الموهوب له، وخرجت الوديعة؛ لأن معطيها لا يريد أن ينتفع بها المودع، وإنما يريد منه أن يحفظها، وخرج بقولنا:"لمن ينتفع به" الإجارة؛ لأن المؤجر يسلِّم العين المستأجرة لملك المستأجر منافعها، وبه يظهر الفرق الدقيق بين العارية وبين الإجارة، فالإجارة يملك المستأجر المنافع، والعارية يملك الانتفاع، وبينهما فرق يظهر في بيان حكم من الأحكام التي تترتب على هذا الفرق، المستأجر له أن يؤجر العين بشرط إلَّا يكون لشخص أكثر منه ضررًا، المستأجر له أن يعير العين بشرط ألَّا يكون ذلك أشد ضررًا من انتفاعه هو، أمَّا المستعير فلا يملك تأجيرها ولا يملك إعارتها، لأنه يملك الانتفاع، ومن الفروق. على المذهب: أن المستعير ضامن لكل حال، والمستأجر لا يضمن إلَّا إذا تعدى أو فرط، والصحيح أن المستعير كالمستأجر في مسألة الضمان لا يضمن إلَّا إذا تعدى أو فرط، اللهم إلَّا إذا اشترط عليه الضمان مطلقًا والتزم فعلى ما اشترط، الجحد: بمعنى الإنكار، فمعنى جحد أي: أنكر، تأخذ المال من الناس إعارة ثم تنكر وتقول: ما أخذته ولا استعرته، "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها"، أي: بقطع كفها؛ لأن اليد عند الإطلاق معناها الكف، ولم يبين في الحديث أيُّ اليدين، ولكن ثبت أن المراد بها: اليد اليمنى، لقراءة عبد الله بن مسعود في رضي الله عنه:{فاقطعوا أيمانهما} ، والقراءة لا شك أنها حجة.

ففي هذا الحديث فوائد: أولًا: تحريم الشفاعة في الحد، يعني: في سقوطه، ولكن هذا إذا وصل إلى السلطان ولم يبق إلَّا التنفيل، أما قبل أن يصل إلى السلطان فلا بأس من الشفاعة.

ص: 392

ومن فوائد الحديث: وجوب الإنكار على من شفع حتى وإن كان جاهلًا؛ وذلك لأن هذه المسألة عظيمة فيجب الإنكار.

ومن فوائد الحديث: إعلان إنكار الشفاعة في الحدود لأهميتها حتى لا يتلاعب الناس بفرائض الله عز وجل.

ومن فوائد الحديث: الإنكار على من هو أحب الناس إليك فلا تحابي أحدًا في دين الله قريبًا ولا صديقًا ولا غنيًّا ولا فقيرًا: {يا أيها الَّذين آمنوا كونوا قوَّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما} [النساء: 135]. يعني: إن يكن غنيًّا فحابيتموه لغناه أو فقيرًا فحابيتموه لفقره فالله أولى بهما، وولاية الله تعالى خير من ولايتكم التي تحابون بها هؤلاء ولا تقومون بالشهادة بالقسط.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للخطيب استعمال الألفاظ التي تستدعي الانتباه لقوله: "يا أيها الناس"، وكذلك ينبغي للخطيب استعمال الإلقاء الذي يستدعي انتباه الناس، مثل: لو فرضنا أنه يغير الصوت في بعض الأحيان من أجل انتباه الناس فإن هذا لا بأس به، وقد كثر السؤال عن استعمال بعض الخطباء عند تلاوة الآيات أن يتلوها على حسب التلاوة المجودة وهو في أثناء الخطبة، وأشكل هذا على بعض الناس فما الجواب؟ الجواب: أنه جائز؛ يعني: لا بأس أن تحول الأداء من الأداء المعتاد في الخطبة إلى الأداء المعتاد في القراءة عند تلاوة الآيات، وربما يكون في هذا تنبيه.

ومن فوائد الحديث: أن إضاعة إقامة الحدود من أسباب الهلاك: "إنما أهلك الذين من فبلكم أنهم

إلخ".

ومن فوائد الحديث: أنه تجب إقامة الحدود على الشريف والوضيع، وجه ذلك: الوعيد بالهلاك على من أقامه على الوضيع دون الشريف.

ومن فوائد الحديث: أن السرقة قد تقع من ذوي الشرف والسيادة لقوله: "إذا سرق فيهم الشريف".

فإذا قال قائل: كيف يسرق وهو شريف ذو جاه أو نسب أو غير ذلك؟

قلنا: السرقة مرض من الأمراض، والمرض قد يعتري الإنسان، ولو كان بعيدًا عنه، فهي مرض يكون الإنسان به مملوء القلب بالطمع والجشع فيسرق، أو لمجرد أن يسرق ولو ألقى ما سرقه في الأرض، المهم أنها مرض من الأمراض، ولا تستغرب أن يكون هذا المرض يسري في الشرفاء.

ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى أن سنَّة الله عز وجل في الخلق واحدة؛ يعني: لا نقول: نحن من أمة محمد لا يصيبنا البلاء ولا يصيبنا العذاب، بل نقول: سنة الله في الأولين والآخرين واحدة؛

ص: 393

لأن الله عز وجل لا يحابي أحد، ليس بيننا وبين ربنا عز وجل نسب، ولكن بيننا وبينه عبادة، إذا حققنا العبادة والتقوى فنحن أقرب الخلق لله، ولهذا قال:"إنما أهلك من كان قبلكم" تحذيرًا أن يقع الهلاك فينا كما وقع فيمن سبق.

ومن فوائد الحديث: ضرب الأمثال عند الوعظ ترغيبًا أو ترهيبًا، لقوله:"إنما أهلك الذين من قبلكم"، فهذا ضرب أمثال؛ ولهذا قال الله تعالى:{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الَّذين من قبلهم دمَّر الله عليهم وللكافرين أمثالها} [محمد: 10]. سيروا في الأرض انظروا ولا تظنوا أنكم سالمون من عذاب الله.

ومن فوائد الحديث: أن العقوبات المقدرة شرعًا حد، ومعنى كونها حدًّا أنها لا يقصر عينها ولا تتجاوز، فمثلًا: لو أن رجلًا زنى وهو شريف وثبت زناه وأردنا إقامة الحد عليه فقلنا: هذا الرجل شريف نريد أن نقيم عليه الحد خمسين جلدة فقط، فلا يجوز حتى لو كان ضعيف البنية، إن كان ضعيف البنية نستعمل طريقًا آخر وهو {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث} [ص: 44]. كذلك أيضًا لو كثر الزنا في الناس، واراد انسان آن يستعمل ما استعمله عمر حين كثر الشرب من الناس فضاعف عليهم العقوبة فهل نفعل هذا؟ لا؛ لأن هذا حد، ومعنى حد أنه لا يقصر عنه ولا يتجاوز مهما أكثر الناس من الزنا، فلا نتعدى حتى ولو تكرر من الشخص نفسه، السرقة إذا تكررت أربع مرات فإنه يغلظ عليه، إذا سرق تقطع اليد اليمنى، ثم الرِّجل اليسرى، ثم اليد اليسرى، ثم الرِّجل اليمنى، حتى يبقى من غير يدين ولا رجلين، وفي الحديث:"إن سرق بعد ذلك فاقتلوه"، لكن قال بعض العامة - لما سمع هذا الحديث -: بأي شيء يسرق؟ نقول: ممكن، لكن الزنا لو تكرر منه ليس له إلا الجلد ما دام غير محصن.

ومن فوائد الحديث - في الوجه الآخر الذي أخرجه مسلم -: بيان كيد النساء، كيف ذلك؟ أنها بدل أن تسطو على الناس في بيوتهم تستعير المتاع وتجحده، وهذا بمعنى السطو، لكته سطو مؤدب.

ومن فوائد ألحديث: جواز الاستعارة، يعني: لا غضاضة عليك إذا استعرت من إنسان شيئًا، ولا يعد هذا من المسألة المذمومة، لكن كلما استغنى الإنسان عن الخلق، ولاسيما في عهدنا وعصرنا فإنه أولى؛ لأن الناس اليوم لا يهتمون إذا حصل أدنى شيء وهو أن يمنَّ عليك بما أعطاك من قبل حتى ولو كان يريد به الأجر، لهذا مهما استغنيت عن الناس فافعل، وكان مما بايع النبي صلى الله عليه وسلم ألَّا يسألوا الناس شيئًا، حتى إن الرجل تسقط عصاه وهو على راحلته فينزل فقد استعار النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية دروعًا، وما زال المسلمون يستعيرون.

ص: 394