المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌13 - باب الركوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب السجود وفضله

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب التشهد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب الدعاء في التشهد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب الذكر بعد الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌19 - باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌20 - باب السهو

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌21 - باب سجود القرآن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌22 - باب أوقات النهي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌23 - باب الجماعة وفضلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌24 - باب تسوية الصف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌25 - باب الموقف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌26 - باب الإمامة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌27 - باب ما على الإمام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌28 - باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌29 - باب من صلى صلاة مرتين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌30 - باب السنن وفضائلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌31 - باب صلاة الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌32 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌33 - باب التحريض على قيام الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌34 - باب القصد في العمل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌35 - باب الوتر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌36 - باب القنوت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌37 - باب قيام شهر رمضان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌38 - باب صلاة الضحى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌39 - باب التطوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌40 - [باب] صلاة التسبيح

- ‌41 - باب صلاة السفر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌42 - باب الجمعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌43 - باب وجوبها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌44 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌45 - باب الخطبة والصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌46 - باب صلاة الخوف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌47 - باب صلاة العيدين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌48 - باب في الأضحية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌49 - باب في العتيرة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌50 - باب صلاة الخوف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌51 - باب في سجود الشكر

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌52 - باب الاستسقاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌53 - باب في الرياح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

868 -

[1] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِيْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 742، م: 425].

ــ

الفصل الأول

868 -

[1](أنس) قوله: (أقيموا الركوع) من أقمت العود: إذا قوَّمْته.

وقوله: (بعدي) أي: من خلفي (1)، وقد سبق الكلام فيه في آخر (الفصل الثالث)

(1) قال القاري (2/ 708): وَهِيَ مِنَ الْخَوَارِقِ الَّتِي أُعْطِيهَا عليه السلام، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْكُشُوفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقُلُوبِ الْمُنْجَلِيَةِ لِعُلُومِ الْغُيُوبِ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَفِي الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى الإِقَامَةِ وَمَنْعٌ عَنِ التَّقْصِيرِ، فَإِنَّ تَقْصِيرَهُمْ إِذَا لَمْ يَخْفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا عَلِمَهُ بِاطِّلاعِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ وَكَشْفِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ هَذَا الإِبْصَارَ إِدْرَاكٌ حَقِيقِيٌّ بِحَاسَّةِ الْعَيْنِ، خَاصٌّ بِهِ عليه السلام عَلَى طَرِيقِ خَرْقِ الْعَادَةِ، فَكَانَ يَرَى بِهِمَا مِنْ غَيْرِ مُقَابِلَةٍ وَقُرْبٍ، وَقِيلَ: كَانَتْ لَهُ عَيْنٌ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَقِيلَ: بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَيْنَانِ مِثْلُ سَمِّ الْخِيَاطِ لَا يَحْجُبُهُمَا شَيْءٌ.

وقال الحافظ (2/ 226): وقد سئل عن الحكمة في تحذيرهم من النقص في الصلاة برؤيته إياهم دون تحذيرهم برؤية اللَّه تعالى لهم، وهو مقام الإحسان المبين في سؤال جبريل كما تقدم في (كتاب الإيمان)"اعبد اللَّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، فأجيب بأن في التعليل برؤيته صلى الله عليه وسلم لهم تنبيهًا على رؤية اللَّه تعالى لهم، فإنهم إذا أحسنوا الصلاة لكون النبي صلى الله عليه وسلم يراهم؛ أيقظهم ذلك إلى مراقبة اللَّه تعالى مع ما تضمنه الحديث من المعجزة له صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكونه يبعث شهيدًا عليهم يوم القيامة، فإذا علموا أنه يراهم؛ تحفظوا في عبادتهم؛ ليشهد لهم بحسن عبادتهم.

وقال صاحب "فتح الملهم"(3/ 247): ومعلوم أن الخطاب في الحديث للذين كانوا لا يحسنون الصلاة، وهم لعدم بلوغهم إلى درجة الإحسان ما كان يسهل عليهم استحضار رؤية اللَّه سبحانه وتعالى، فنبهوا على رؤية الرسول التي كان استحضارها أسهل في حقهم؛ ليعرجوا منها إلى مقام الإحسان الذي هو منتهى منازل السائرين إلى اللَّه، واللَّه أعلم.

ص: 6

869 -

[2] وَعَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسُجُودُهُ، وَبَيْنَ السَّجْدَتينِ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقعُودَ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 792، م: 471].

ــ

من (باب صفة الصلاة) في حديث أبي هريرة.

869 -

[2](البراء) قوله: (كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين) أي: وجلوسه بينهما.

وقوله: (وإذا رفع) أي: وقيامه إذا رفع.

وقوله: (ما خلا القيام) أي: القيام الذي هو محل القراءة، (والقعود) أي: قعود التشهد، فإنهما كانا أطول، وقد روي حديث البراء من (الصحيحين) (1) بدون هذا الاستثناء بقوله:(رمقت الصلاة خلف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان قيامه فركوعه فاعتداله فسجدته فجلسته ما بين السجدتين قريبًا من السواء)، ومن المعلوم بالضرورة أن القيام في الصلاة أطول من الركوع والسجود والقومة والجلسة، ووجه ذلك بأن المراد أنه إذا طوّل القيام طول تلك الأركان، وإذا خفَّفه خففها، لا أنها كانت على مقداره.

نعم قد كان الركوع والسجود في بعض الأحيان مقدار القيام، كما في صلاة الخسوف والكسوف، وفي صلاة التهجد أيضًا، وقد أوَّل الشارحون ههنا أيضًا بمثل ما أوِّل به حديث البراء، ولكن ظاهر حديث النسائي الآتي في (الفصل الثالث) عن عوف بن مالك:(فلما ركع مكث قدر (2) سورة البقرة) ربما ينافي هذا التأويل، فالصواب أنه قد كان

(1)"صحيح البخاري"(792)، و"صحيح مسلم"(471).

(2)

ويمكن أنه كان قرأ في هذه الصورة في القيام أكثر من سورة البقرة، بأن زاد عليها سورة الأنعام والنساء، كما جاء في بعض الروايات، واللَّه أعلم، (منه).

ص: 7

870 -

[3] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" قَامَ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ، ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 473].

ــ

يفعل في بعض الأحيان الركوع والسجود قريبًا من مقدار القيام، فتدبر، واللَّه أعلم.

870 -

[3](أنس) قوله: (حتى نقول) في أكثر الروايات بالنصب.

قوله: (قام) بمعنى كان يقوم، و (حتى) للغاية، والمعنى جيد، وقد يرفع فيكون حتى حرف ابتداء استحضارًا لتلك الحالة، وفي التنزيل {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} قرئ بالنصب وبالرفع، فافهم.

وقوله: (قد أوهم) في (القاموس)(1) الوَهْم: من خطرات القلب، أو مرجوح طرفي المتردد فيه، وَوَهِمَ في الحساب كوَجِلَ: غَلِطَ، وفي الشيء كوَعَدَ: ذهب وهمُه إليه، وأوهم كذا من الحساب: أسقط، أو وَهَمَ كوعد ووَرِثَ وأوْهَمَ: بمعنًى.

وقال التُّورِبِشْتِي (2): أوهم، أي: أسقط من صلاته شيئًا، وقد فسره بعضهم بمعنى النسيان، ولم يرد أوهم بمعنى نسي، إلا أن يؤوِّله هذا القائل على النسيان، من حيث إن إسقاط ركعة من الصلاة إنما يكون بعد النسيان، ولو قيل: وهم لصحّ أن يفسر بالنسيان، والرواية تأبى ذلك، يقال: أوهمْتُ (3) في الحساب أوهَم وهَمًا بتحريك الهاء: إذا غلطت فيه وسهوت، ووهمت في الشيء أهِمُ وهْمًا بسكون الهاء: إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره، وأوهمت الشيء: إذا تركته كلّه، ويقال: أوهم في الحساب مئة، أي:

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1076).

(2)

"كتاب الميسر"(2/ 246).

(3)

كذا في النسخ المخطوطة "أوهمت" وفي "الميسر": "وهمت"، وهو الظاهر.

ص: 8

871 -

[4] وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي"، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 817، م: 484].

ــ

أسقط، وأوهم من صلاته ركعة.

وفي شرح الشيخ: قد أوهم، أي: ترك الصلاة، أو أوهم بمعنى وقع في وهم الناس، أي: ذهنهم أنه تركها، انتهى.

وعلى هذا المعنى لا يخلو قوله: (حتى نقول) عن استدراك، فافهم.

والمعنى أنه كان يلبث في حال الاستواء من الركوع زمانًا يظن أنه أسقط الركعة التي ركعها وعاد إلى ما كان عليه من القيام، انتهى.

وفيه مبالغة في رعاية الاعتدال والطمأنينة.

871 -

[4](عائشة رضي الله عنها) قوله: (يتأول القرآن) حال من فاعل (يقول)، أي: يكثر قول ذلك حال كونه مبينًا ما هو المراد من قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} ، وأصل الأول الرجوع والانصراف، والمآل ما يرجع إليه الأمر، و (سبحانك) مصدر لفعله المقدر، أي: سبّحتك ونزّهتك كما يليق بنزاهتك، ومعنى قوله:(وبحمدك) بتوفيقك وفضلك الموجب لحمدك سبحتك لا بحولي وقوتي، وفي (القاموس) (1): سَبَحَ بالنهر وفيه، كمنع سَبْحًا وسِبَاحةً بالكسر، والسوابح: الخيل؛ لسَبْحِهَا بيديها في سيرها (2)، وسبحان اللَّه: تنزيهًا للَّه عن الصاحبة والولد، معرفةٌ، ونُصِبَ على المصدر، أي أبرِّئ اللَّه من السوء براءة، أو معناه: السرعة إليه، والخفة في طاعته، وسبَّحَ تسبيحًا:

(1)"القاموس المحيط"(ص: 216).

(2)

عبارة "القاموس": "سبح بالنهر وفيه. . . في سيرها" ما ثبتت إلا في (د) فقط.

ص: 9

872 -

[5] وَعَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ. . . . . .

ــ

قال سبحان اللَّه.

872 -

[5](عائشة رضي الله عنها) قوله: (سبوح قدوس) في (القاموس)(1): هما من صفات اللَّه، ويفتحان، لأنه يسبح ويقدس، والقدس بالضم وبضمتين: الطهر (2)، اسم ومصدر، السُّبُحَاتُ بالضم: مواضع السجود، وسُبُحَاتُ وجهِ اللَّه: أنواره، والسبحة: خَرَزاتٌ للتسبيح تُعَدُّ، والدعاء، وصلاة التطوع (3)، والقدوس من أسماء اللَّه تعالى، ويفتح: الطاهر أو المبارك، وكل (فعول) مفتوح غيرَ قُدُّوسٍ وسُبُّوحٍ وذُرُّوحٍ وفُرُّوجٍ بالضم، ويفتحن (4).

وفي (مجمع البحار)(5): سبوح قدوس (6) من صيغ المبالغة، ويفتح ويضم، والضم أكثر استعمالًا، والقدوس بمعنى السُّبُّوح، وقيل: بمعنى المبارك.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 216).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 522).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 216).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 523).

(5)

"مجمع البحار"(3/ 16).

(6)

قال في "النهاية"(2/ 332): وَالْمُرَادُ بِهِمَا التنزيهُ.

وقال القاري (2/ 709): وَلَعَلَّ التَّكْرِيرَ لِلتَّأْكِيدِ، أَوْ أَحَدَهُمَا لِتَنْزِيهِ الذَّاتِ وَالآخَرَ لِتَنْزِيهِ الصِّفَاتِ، قَالَ الْمُظْهِرُ: هُمَا خَبَرَانِ لِمُبْتَدَأ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: رُكُوعِي وَسُجُودِي لِمَنْ هُوَ سُبُّوحٌ وَقُدُّوسٌ، أَيْ: مُنَزَّهٌ عَنْ أَوْصَافِ الْمَخْلُوقَاتِ، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالأَظْهَرُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ: أَنْتَ سُبُّوحٌ أَوْ هُوَ سُبُّوحٌ، أَيْ: مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ، مِنْ سَبَّحْتُ اللَّهَ، أَيْ: نزَّهْتُهُ، وَقُدُّوسٌ، أَيْ: طَاهِرٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَمُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ مَا يُسْتَقْبَحُ، انتهى.

ص: 10

رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 487].

873 -

[6] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا،

ــ

وقوله: (رب الملائكة والروح) قال البيضاوي (1): الروح ملك موكل على الأرواح، أو جنسها، أو جبرئيل، أو خلق أعظم من الملائكة، يعني لا من جنس الملائكة ولا من جنس البشر، وقال التُّورِبِشْتِي (2): وقيل: الروح صنف من الملائكة (3).

873 -

[6](ابن عباس) قوله: (ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا)(4) اعلم أن اللَّه سبحانه عيَّن كل هيئة من هيئات الصلاة بنوع من أنواع الذكر، وعيّن القيام الذي هو أول الهيئات وأعظمها وأدخلها في الخدمة بقراءة القرآن العظيم الذي هو أعلى وأقدم وأعظم الأذكار وأفضلها، ومن لوازمه أن لا يجوز في كل موضع غير ما عيّن الشارع تعالى من الذكر فيه حرمة أو كراهة، وذلك أمر تعبدي لا يهتدي العقل إلى إدراكه، وقد ذكر بعضهم مما اهتدى إليه إدراكه من أن الركوع والسجود لما كان من هيئات الخضوع وأمارات التذلل من العباد؛ نُهي أن يقرأ الكتاب الكريم الذي عَظُمَ شأنه وارتفع محله في هيئة موضوعة للخضوع والتذلل، كذا قال التُّورِبِشْتِي (5).

(1)"البيضاوي"(2/ 563).

(2)

"كتاب الميسر"(2/ 246).

(3)

ما بِهِ قِوَامُ كُلِّ حي، وقيل: حَاجِبُ اللَّهِ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. انظر: "مرقاة المفاتيح"(2/ 710)، و"شرح الطيبي"(3/ 1015).

(4)

نهي تَنْزِيهٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لَا تَحْرِيمٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. انظر:"مرقاة المفاتيح"(2/ 711).

(5)

"كتاب الميسر"(1/ 247).

ص: 11

فَأَمَّا الرُّكوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 479].

ــ

وقال الطيبي (1) عن الخطابي: كأنه كره أن يجمع بين كلام اللَّه سبحانه وكلام الخلق في موضع واحد، فيكونان على السواء، واللَّه أعلم.

ثم اختلفوا في بطلان الصلاة، والمختار أنه لا يبطل.

ثم اعلم أنه قد قيل في معنى قوله: (فأما الركوع فعظموا فيه الرب): أي شاهدوا عظمته وكبرياءه، فإن في كل موطن من مواطن الصلاة وهيئة من هيئاتها تجليًا للحق سبحانه، وللعبد العارف شهودًا مناسبًا له، وفي السجود غاية الفناء والقرب، كما قال صلى الله عليه وسلم:(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، وهو يقتضي بموجب قوله تعالى:{فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] أن يدعوه سبحانه كما قال.

وقوله: (وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) والقمن بفتح القاف والميم وكسرها، والقمين: الخليق والجدير، كذا في (القاموس)(2)، وقد ورد في الدعاء في السجود قولًا وفعلًا أحاديث كثيرة، لكن ينبغي أن يعلم أن الدعاء على نوعين:

أحدهما: دعاء ثناء وتمجيد وتكبير وتقديس، بأن يدعو العبد ربَّه بحمد وثناء، فإن الحمد والثناء للكريم يتضمن السؤال والطلب على وجه التعريض، ومحصل للمطلوب على وجه أتم وأكمل بموجب (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين).

(1)"شرح الطيبي"(2/ 329).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 1130).

ص: 12

874 -

[7] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 796، م: 409].

875 -

[8] وَعَنْ عَبدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ ظَهْرَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ:"سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 476].

ــ

وثانيهما: دعاء سؤال وطلب؛ بأن يدعوه بطلب حوائجه ومقاصده، وهو المتعارف بين الناس في معنى الدعاء، والدعاء الذي أمر بتكثيره في السجود متناول للنوعين؛ لأن الأذكار والأدعية المأثورة في هذا الباب شاملة للنوعين، ومن ههنا ظهر أن الحنفية إنما يقتصرون في الصلاة على الذكر ويمنعون من الدعاء، حتى لا يجوزون الافتتاح بـ (اللهم اغفر لي) غير فارغين عن الدعاء حقيقة، لكنهم قالوا: ينبغي أن يكون العبد في هذه الحالة مخلصًا في التعظيم، وحقيقة الجامعية أن يأتي بصريح الدعاء في النوافل؛ لكونها مأثورة واردة في الأحاديث الصحيحة، وفي الفرائض يقتصر على التسبيح والتمجيد، واللَّه أعلم.

874 -

[7](أبو هريرة) قوله: (وعن أبي هريرة) قد مر الكلام فيه.

875 -

[8](عبد اللَّه بن أبي أوفى) قوله: (ملء ما شئت من شيء بعد) قيل: أي: بعد السماوات والأرض، وهو العرش والكرسي، والظاهر أنه يعمهما ويعم كل مخلوق سواهما مما بين السماوات والأرض، والمراد بيان عظمة الحمد وكثرته، حتى لو قدر أن تكون تلك الكلمات أجسامًا لملأت الأماكن كلّها.

ص: 13

876 -

[9] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 477].

877 -

[10] وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ:"سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". فَقَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَاركًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"مَنِ الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا؟ " قَالَ: أَنَا،

ــ

876 -

[9](أبو سعيد الخدري) قوله: (أهل الثناء) بالنصب على المدح أو الاختصاص، والرفع على الخبر، أي: أنت، والنصب هو المشهور.

وقوله: (أحق ما قال العبد) مبتدأ، و (اللهم) خبره، و (كلنا لك عبد) معترضة بينهما، وفي بعض الروايات:(حق ما قال العبد)، وعلى هذا قوله:(اللهم. . . إلخ)، بدل عنه، و (كلنا لك عبد) تذييل، ويجوز أن تكون معترضة، فإنهما قد يكونان بين كلامين متصلين أيضًا.

والمراد بـ (الجد): الحظ والبخت والرزق والعظمة، وقيل: المراد أبو الأب، أي: النسب لا ينفع عندك، وقد يروى بكسر الجيم أيضًا بمعنى الاجتهاد في الحرص على الدنيا أو في الهرب منك، والكسر ضعيف.

877 -

[10](رفاعة بن رافع) قوله: (رفاعة) بكسر الراء.

قوله: (قال: من المتكلم آنفًا؟ ) الأنف من كل شيء: أوله، والمراد ههنا قريبًا

ص: 14