الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. [د: 1036، جه: 1208].
*
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
1021 -
[8] عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْعَصْرَ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ ركَعَاتٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ، فَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ:"أَصَدَقَ هَذَا؟ ". قَالُوا: نَعَمْ، فَصَلَّى رَكْعَةً،
ــ
لا يسجد، ثم هو يدل على أن المعتبر هو تمام القيام وعدمه، وظاهر المذهب عندنا إن كان أقرب إلى القعود عاد وقعد وتشهد، وإن كان أقرب إلى القيام لم يعد، واختلفوا في تفسير القرب، فقيل: لو استوى النصف الأسفل فهو إلى القيام أقرب وإلا فإلي القعود أقرب، وقيل: لو رفع أليتيه وركبتيه فهو إلى القيام أقرب وإلا فإلى القعود أقرب، وقيل: المعتبر رفع ركبتيه وعدمه، وقال الشيخ ابن الهمام (1): واعتبار الأقربية رواية عن أبي يوسف رحمه الله اختارها مشايخ بخارى، أما ظاهر المذهب فيما لم يستو قائمًا يعود، وهو الأصح، والتوفيق بين ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قام فسبحوا فرجع وما روي أنه لم يرجع بالحمل على حالتي القرب من القيام وعدمه ليس بأولى منه بالحمل على الاستواء وعدمه، انتهى.
الفصل الثالث
1021 -
[8](عمران بن حصين) قوله: (يقال له: الخرباق) قد سبق الكلام
(1)"فتح القدير"(1/ 508).
ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 574].
1022 -
[9] وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً يَشُكُّ فِي النُّقْصَانِ فَلْيُصَلِّ حَتَّى يَشُكَّ فِي الزِّيَادَةِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. [حم: 1/ 195].
* * *
ــ
في أنه ذو اليدين السابق أو هو ذو الشمالين غير ذي اليدين، وفيه المخالفة لحديث أبي هريرة من وجهين: كون السلام ثمة من ركعتين، وههنا من ثلاث، وكونه صلى الله عليه وسلم ثمة اعتمد على خشبة في المسجد، وههنا دخل منزله، فتعين كما قاله جماعة من الأئمة: إن هذه واقعة أخرى، ولو كان ذو اليدين هو الخرباق فلا مانع كونه المتكلم في كل منهما، واللَّه أعلم.
وقوله: (ثم سلم ثم سجد) ثابت في الأصول، وليس في نسخة.
1022 -
[9](عبد الرحمن بن عوف) قوله: (حتى يشك في الزيادة) بأن يبني على الأقل، ثم يصلي أخرى فهو بعدها يشك في زيادتها، مثلًا: شك في أنه صلى ثلاثًا أو أربعًا فبنى على الثلاث، فصلى ركعة أخرى، فهو يشك الآن أنها رابعة أو خامسة.
تنبيه: قد عرفت من الأحاديث الواردة في الباب أنه صلى الله عليه وسلم سجد في بعض المواضع قبل السلام، وفي بعضها بعد السلام، والظاهر أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة قبل السلام وأخرى بعده وكلاهما سنة، فالشافعي: يسجد في جميع المواضع قبل السلام ترجيحًا للأحاديث الواردة فيه على غيرها، وقيل: هو رحمه الله يدعي أن الأحاديث الواردة في السجود بعد السلام منسوخة، ويقول: آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم كان أنه يسجد قبله، ولم يثبت ذلك، واللَّه أعلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإمامنا الأعظم يسجد في الكل بعد السلام، ورجح هذه الأحاديث على غيرها بكثرتها وقوتها، فقد جاء في الكتب الستة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد السلام، وإن جاء فيها أيضًا عن عبد اللَّه ابن بحينة رضي الله عنه أنه سجد قبلها، كذا ذكره الشيخ ابن الهمام (1)، أو بحديث رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وعبد الرزاق عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم، وتقريره أن فعله صلى الله عليه وسلم جاء متعارضًا فتمسكنا بقوله، وهو أقوى عندنا من الفعل كما ثبت في أصول الفقه خصوصًا عند التعارض، لكن ضعف البيهقي إسماعيل بن عباس الذي تفرد بحديث ثوبان رضي الله عنه، والحق أنه ثقة؛ لأن يحيى بن معين -الذي هو أشد المحدثين في تحقيق الرجال، ويقال له: محك الرجال- وَثّقَهُ، وقد حققه الشيخ ابن الهمام.
وقد يرجح أيضًا بالقياس على ما هو المذهب من الرجوع إلى القياس عند تعارض الحديثين وتقديم الحديث الذي يوافق القياس، وهو أن سجدة السهو لا تتكرر، فينبغي أن تكون بعد السلام، حتى لو سها عن السلام جبر عنه أيضًا كذا قال الشُّمُنِّي، وقال أيضًا: وهو قول سعد بن أبي وقاص وعبد اللَّه بن مسعود وعمار بن ياسر وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم أجمعين.
وقال الإمام مالك: كل سهو للنقصان سجد له قبل السلام، ولسهو الزيادة بعد السلام، قال: وإن اجتمع السهوان سجد لهما قبل السلام، وعليه المزني وأبو ثور من أئمة الشافعية، ورجح ابن عبد البر قوله على أقوال الأئمة بأن فيه جمعًا بين الخبرين.
وقال ابن دقيق العيد: لا شك أن الجمع أولى من الترجيح وادعاء النسخ،
(1)"شرح فتح القدير"(1/ 500).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يخفى أن الجمع بين الخبرين في هذا المذهب إنما هو باعتبار أن السجدة واقعة في الصورتين أعني قبل السلام وبعده، لكن يلزم فيه مخالفة بعض الأحاديث كحديث ذي اليدين فإن فيه سهوًا بالنقصان، ومع ذلك السجدة فيه بعد السلام، وأيضًا هذا التوزيع في الفعلين إنما يصح على تقدير إن لم يثبت الحديث القولي من ثوبان، ولما ورد ذلك مطلقًا سواء كان في الزيادة والنقصان، سقط هذا التوزيع الذي اعتبره مالك رحمه الله، ولزم حمل اختلاف الفعلين على جواز الأمرين.
وقال ابن عبد البر أيضًا في ترجيح مذهب مالك رحمه الله: إن هذا الفرق موافق لنظر العقل؛ لأن في النقص جبرًا، فينبغي أن يكون داخل أصل الصلاة، وفي الزيادة ترغيم الشيطان، فينبغي أن يكون خارجًا، وتعقب بأن كون السجود في الزيادة لأجل ترغيم الشيطان فقط ممنوع، ففيه أيضًا معنى الجبر من جهة دفع الخلل، والزيادة في الصلاة نقص، وإن كان في صورة الزيادة وصورة النقص أيضًا تتضمن ترغيم الشيطان، وأيضًا لماذا وجب أن يكون الترغيم خارج الصلاة؟ لم لا يكون الترغيم فيها؟ والترغيم ليس فعلا زائدًا على السجدة، وهو من جنس الصلاة.
وقال الثوري: أقوى المذاهب قول مالك، ثم قول أحمد، وقال آخرون: بل مذهب أحمد أقوى إذ ليس فيه مخالفة الحديث قط، وهو يعمل كل حديث فيما ورد فيه، ومذهب أحمد رحمه الله في كل موضع سجد فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل السلام يسجد قبله، وكل موضع سجد فيه بعده يسجد بعده، وفي غير تلك المواضع يسجد قبله؛ لأن هذا أوفق بالنظر إلى الظاهر؛ لأن السجدة لجبر نقصان الصلاة، وإنها من جنس الصلاة، فلأن يفعل داخلًا فيها قبل الخروج منها أولى وأحسن، ونقل عن أحمد رحمه الله أنه قال: لو لم يكن في هذا الباب شيء مرويًا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لكنت حكمت أن السجدة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مطلقًا قبل السلام، وينبغي أن يعلم أن هذا الاختلاف المذكور في السجود بأن يكون قبل السلام أو بعده إنما هو في الأفضلية والأولوية، وإلا فلا اختلاف في أصل الجواز لتعارض الأدلة، صرح به في كتب الأئمة الأربعة.
وأما كون السلام واحدًا فاختيار فخر الإسلام وقول محمد، وفي (المحيط): أنه الأصوب؛ لأن السلام الأول للتحليل، والثاني للتحية، وهذا السلام للتحليل، فكان ضم الثاني إليه عبثًا، وقال فخر الإسلام: يسلم تلقاء وجهه، وقيل: عن اليمين، وفي (الهداية) (1): الأصح أن يسلم تسليمتين وهو اختيار شمس الأئمة وقول أبي يوسف ومحمد رحمهما اللَّه حملًا للسلام المذكور في الحديث على المعهود في الصلاة، وهو تسليمتان كذا ذكر الشُّمُنِّي، وقد ذكر أن صدر الإسلام أخا فخر الإسلام كان ينسبه إلى البدعة في قوله بالسلام الواحد، فقال فخر الإسلام: قد أشار محمد رحمه الله في "كتاب الأصل" إليه، فلا يكون بدعة، كذا في شرح ابن الهمام (2).
ثم اختلف الأئمة في التشهد بعد سجود السهو. وهو مذكور في بعض الأحاديث، ولم يذكر في بعضها، وهو ثابت في مذهب أبي حنيفة وأحمد رحمهما اللَّه وبعض المالكية والشافعية لحديث عمران بن حصين على ما رواه أبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب، وإن لم يكن مذكورًا في حديث مسلم عنه، وقالوا: قد تفرد أحد رواة الترمذي بزيادة التشهد مع مخالفته لبقية الرواة وكثرتهم وحفظهم وإتقانهم، فيكون هذا الحديث شاذًا.
(1)"الهداية"(1/ 74).
(2)
"شرح فتح القدير"(1/ 501).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتمسك بعض الشافعية ممن هو قائل بالتشهد بحديث الترمذي، وقالوا: له طرق كثيرة أبلغته حد الحسن، وقال الحاكم: هو صحيح على شرط الشيخين.
وقد تمسك الحنفية بحديث ابن مسعود رضي الله عنه عند أبي داود والنسائي (1) قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو أربع، وأكثر ظنك على أربع تشهدت، ثم سجدت سجدتين وأنت جالس قبل أن تسلم، ثم تشهدت أيضًا، ثم تسلم"، ذكره الشُّمُنِّي.
وقال في (فتح الباري)(2): ورواه البيهقي عن المغيرة رضي الله عنه أيضًا، وإسنادهما ضعيف، ومع ذلك له طرق يبلغ بها درجة الحسن، وقال: إنه عند ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه بلغ درجة الصحة، وعقد البخاري في صحيحه بابًا وترجم له:(باب من لم يتشهد في سجود السهو) قال: سلم أنس والحسن ولم يتشهدا، وقال قتادة: لا يتشهد، ثم ساق حديث ذي اليدين ليس فيه التشهد، وقال في آخر الباب عن سلمة ابن علقمة: قلت لمحمد -يعني ابن سيرين-: في سجدتي السهو تشهد؟ قال: ليس في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، انتهى. ويفهم من هذا القول أن في غير حديث أبي هريرة تشهد كما في حديث عمران بن حصين، وقال الترمذي: اختلف أهل العلم في التشهد بعد سجدتي السهو، فقال بعضهم: فيه تشهد وتسليم، وقال آخرون: ليس فيه التشهد، بل فيه التسليم، وذهب أحمد وإسحاق إلى أنه إن سجد قبل السلام لم يتشهد، انتهى.
والأصح من قول الشافعي رحمه الله أن التشهد بعد سجود السهو غير مسنون.
(1)"سنن أبي داود"(1028)، و"سنن النسائي"(1246).
(2)
"فتح الباري"(3/ 99).