الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
978 -
[1] عَن مُعَاوِيَة بْن الْحَكَمَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ. فَقلت: . . . . .
ــ
بعمله بيد واحدة لو عمله باليدين لم تفسد مثل حل السراويل ولبس القلنسوة ونزعها.
وقيل: لو كان بحال لو رآه إنسان من بعيد يتيقن أنه ليس في الصلاة فهو كثير، وإن كان يشك أنه فيها أو لم يشك فهو قليل، وهو اختيار العامة، كذا قال الشيخ ابن الهمام (1)، قيل: يفوض إلى رأى المصلي إن استكثره تفسد وإلا لا، والمختار عند البعض أن الثلاث المتواليات كثير وما دونه قليل، كذا قال الشُّمُنِّي، وقال أيضًا نقلًا عن (الخلاصة): لو أمّ رجل رجلًا فجاء ثالث ودخل في صلاتهما، فتقدم الإمام حتى جاوز موضع سجوده، إن تقدم بقدر ما يكون بين الصف الأول والإمام لا تفسد، ولو مشى في صلاته إن كان قدر صف واحد لا تفسد، وإن كان قدر صفين بدفعة واحدة تفسد، ولو مشى إلى صف ووقف، ثم إلى صف آخر ووقف، ثم وثم لا تفسد صلاته، وفي (الظهيرية): والمختار أنه إذا كثر فسدت، وفي (حاشية الشُّمُنِّي): لو دخلت الشمس وآذاه الحر إن تحول إلى جانب الظل بقدر خطوتين لا تفسد.
الفصل الأول
978 -
[1](معاوية بن الحكم) قوله: (فرماني القوم بأبصارهم) أي: نظروا إليّ حديدًا زَجْرًا وتشديدًا كما يرمى بالسهم.
وقوله: (فقلت) أي: في نفسي، وهو الظاهر، وإن كان ظاهر الخطاب في قوله:
(1)"شرح فتح القدير"(1/ 403).
وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُوننَي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ من كَلَام النَّاسِ،
ــ
(ما شأنكم تنظرون إلي) القول باللسان، واللَّه أعلم.
وقوله: (وا ثكل أمياه) في (القاموس)(1): الثكل بالضم: الموت والهلاك، وفقدان الحبيب أو الولد، ويحرك، وقال شراح الحديث: هو بضم وسكون وبفتحتين: فقدان المرأة ولَدَهَا، وهو مضاف إلى (أم) المضاف إلى ياء المتكلم، ويَلحق الألفُ والهاء في الندبة المضافَ إليه، نحو: وا أمير المؤمنيناه، كما عرف في النحو.
وقوله: (فجعلوا يضربون بايديهم على أفخاذهم) أي: زيادة في الإنكار عليَّ، وفيه دليل على أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة.
وقوله: (يصمتونني) أي: يأمرونني بالصمت ويشيرون إليه.
وقوله: (لكني سكت) تقدير الكلام: غضبت وتغيرت وأردت أن أعاملهم بمقتضى الغضب، لكني سكت ولم أعمل بمقتضى الغضب.
قوله: (فلما صلى) أي: فرغ من الصلاة، وجوابه (قال)، وما بينهما معترضة، و (ما رأيت) أي: ما علمت، والكهر: القهر واستقبالك إنسانًا بوجه عابس تهاونًا به.
وقوله: (من كلام الناس) المراد بكلام الناس: ما يقصد به خطابهم وإفهامهم ويطلب منهم، ولو قيل لأحد: ما مالك؟ فقال: الخيل والبغال والحمير، أو كان أمامه
(1)"القاموس المحيط"(ص: 895).
إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ" أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقد جَاءَنا اللَّهُ بِالإِسْلَامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ. قَالَ: "فَلَا تَأْتِهِمْ". . . . .
ــ
كتاب وخلفه رجل اسمه يحعى فقال: يا يحيى! خذ الكتاب، إن أراد إفادته المعنى فسدت، لا إن أراد القراءة، ومن حلف لا يتكلم فسبح أو كبر أو قرأ القران لا يحنث، وقد دل هذا الحديث على ذلك، وقد دل أيضًا على أن تَسميتَ العاطس محظور في الصلاة وأنه يبطلها، وهو صلى الله عليه وسلم إنما لم يأمره بالإعادة لكونه جاهلًا، لم تقم الحجة عليه بنسخ ذلك كما اعتذر بقوله:(وإني حديث عهد بالجاهلية) أي: فلا تأخذ عَليّ بكلامي في الصلاة، فإني لم أعلم تحريمه وإبطاله الصلاة إلا الآن، وعند الشافعي وأبي يوسف: لا يبطل وإن كان ذلك محظورًا؛ لأنه دعا بالمغفرة والرحمة، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة.
وذكر الشيخ ابن الهمام (1): إذا قال لنفسه: يرحمك اللَّه، لا تفسد، كقوله: يرحمني اللَّه، ولو حمد العاطس في نفسه لم تفسد في ظاهر الرواية، ورُوِي عن أبي حنيفة رحمه الله أن ذلك إذا عطس فحمد في نفسه من غير أن يحرك شفتيه، فإن حرك فسدت صلاته (2).
وقوله: (يأتون الكهان) جمع كاهن، وحرفته الكِهانة، كَهَنَ كمنع ونصر وكرم كهانة بالفتح، والكاهن من يتعاطى الخبر عن كوائن ما يُستقبل، ويَدعي معرفة الأسرار،
(1)"شرح فتح القدير"(1/ 399).
(2)
قال الحنفية: الكلام في الصلاة مبطلها مطلقًا، وقال الشافعي: لا يبطلها كلام الناسي أو الجاهل، وزاد الأوزاعي: إذا تحلم عامدًا لإصلاح الصلاة لم تبطل. كذا في "التقرير".
قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ: "ذَاكَ شَيْءٌ. . . . .
ــ
ومن الكهنة من يزعم أن له تابعًا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يدعي معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا القسم يسمى عرّافًا كمن يدّعي معرفة المسروق ومكان السرقة والضالة ونحوهما.
وحديث: (من أتى كاهنًا)، يشمل الكاهن والعرّاف والمنجّم، وإتيانهم حرام بإجماع المسلمين؛ لأنهم يتكلمون بمغيبات، قد يصادف بعضها الإصابة فيُخاف الفتنة؛ ولأنهم يلبّسون كثيرًا من الشراع، ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين القسمين، والحق وجودهما، ولكن منعه الشرع، كذا في (مجمع البحار)(1).
وقوله: (منا رجال يتطيرون) التطير: أخذ الفأل الشؤم، من الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء، وقد تسكن، قال في (القاموس) (2):[الطِّيَرَةُ و] الطِّيْرَةُ والطُّوْرَةُ: ما يتفاءل (3) به من الفأل الرديء، وأصله أنهم كانوا يأتون الطير أو الظبي فينفرونه، فإن أخذ ذات اليمين مضوا إلى ما قصدوا وعدُّوه حسنًا، وإن أخذ ذات الشمال انتهوا عن ذلك وتشاءموا به، وكذا إن عرض في طريقهم، فإن مرّ من اليمين إلى الشمال تشاءموا، وإن مر من الشمال إلى اليمين مضوا، والتفاؤل قد يجيء شاملًا للتطير وغيره، وأكثر ما يستعمل في الفأل الحسن، وهو غير ممنوع، وذلك باستنباط معنى الخير، وذلك مسنون، وقد يأتي ذكره في بابه إن شاء اللَّه تعالى، بخلاف التطير فإنه ممنوع.
وقوله: (ذاك) أي: التطير شيء يجدونه في نفوسهم من الوهم والشؤم للكف
(1)"مجمع بحار الأنوار"(4/ 460).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 403).
(3)
في "القاموس": "ما يُتَشاءَمُ".
يجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنهمْ". قَالَ: قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ. قَالَ: "كَانَ نبَيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ".
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، قَوْلُهُ: لَكِنِّي سَكَتُّ،
ــ
عما كانوا يريدون فعله.
وقوله: (فلا يصدنهم) عن ذلك، أي: ينبغي أن لا يتشاءموا به ولا يتَّبعوه ولا يعملوا بمقتضى ذلك؛ لأنه لا تأثير لذلك، وإنما الكل بقدرة اللَّه، ولا مؤثِّر إلا هو، وهذا منع عن الشرك الخفي وهداية إلى الدين الخالص، وقد يقال: معنى (فلا يصدنهم) أي: عن الصراط المستقيم، وهو دين الإسلام وتوحيد الوجه.
وقوله: (ومنا رجال يخطون) إشارة إلى علم الرمل وخطوطه وتعريف الأحكام والأحوال والمغيبات عنها.
وقوله: (كان نبي من الأنبياء) قيل: هو إدريس، وقيل: دانيال عليهما السلام.
وقوله: (فمن وافق خطه) روي بالنصب والرفع، والأول أكثر وأظهر.
وقوله: (فذاك) أي: هو المصيب، قيل: لم يصرح صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الاشتغال به كما نهى عن الإتيان إلى الكهان والتطير؛ لنسبته إلى بعض الأنبياء، لئلا يتطرق الوهم إلى نقصانهم، وإن كان الشرائع مختلفة ومنسوخة، بل ذكر على وجه يحتمل التحريم والإباحة، وقال المحرمون -وهم أكثر العلماء-: علق الإذن فيه على موافقة خط ذلك النبي، وهي غير معلومة، إذ لا يعلم بتواترٍ أو نصٍّ منه صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه أن الأشكال التي لأهل علم الرمل هي التي كانت لذلك النبي.
وقيل: المراد موافقة الخط في الصورة وقوة الفراسة التي هي نور في القلب يلقيه اللَّه فيه حتى ينكشف له بعض المغيبات ويصادف الصواب، ولا يعرف وجوده في
هَكَذَا وَجَدتُ فِي "صَحِيح مُسْلِمٍ" وَكِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ، وَصُحِّحَ فِي "جَامِعِ الأُصُولِ" بِلَفْظَةِ: كذَا فَوْقَ: لَكِنِّي. [م: 537].
979 -
[2] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَوُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا؟ . . . . .
ــ
غيره، وقال الخطابي (1): بل قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن وافق خطه فذاك) وارد على سبيل الزجر والتعجيز، ومعناه: لا يوافق خطُّ أحد خطَّ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، لأن خط ذلك النبي معجزة له، فافهم، واللَّه ملهم الصواب.
وقوله: (هكذا وجدت في صحيح مسلم) إنما قال هذا لأنه ليس في (المصابيح) لفظ (كني) بل قال: (فلما رأيتهم يصمتونني سكت)، وهو يغني عن تمحل تقدير في الكلام كما عرفت.
وقوله: (بلفظة: كذا فوق: لكني) وهو علامة التصحيح كالصاد، أو لفظ صح، يعنون: كذا في الأصول، أو: كذا روي في مقام يُتوهم [فيه] عدم الصحة كلفظ (لكني) فيما نحن فيه لعدم ذكر جواب (لما) ومستدرك (لكن)، فافهم.
979 -
[2](عبد اللَّه بن مسعود) قوله: (من عند النجاشي) هو اسم ملك الحبشة كقيصر لملك الروم وفرعون لمصر، والمراد ههنا أصحمة الذي آمن بنبينا صلى الله عليه وسلم وهاجر إليه أصحابه قبل الهجرة إلى المدينة، مات سنة تسع عند الأكثرين، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة غائبًا، وهو بفتح النون، وحكى ابن دحية كسرها، وتخفيف الجيم وهو أفصح،
(1)"معالم السنن"(4/ 232).
فَقَالَ: إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1199، م: 538].
980 -
[3] وَعَنْ مُعَيْقِيبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ. . . . .
ــ
والياء مشددة، وقيل: الصواب تخفيفها. وقال ابن التين: الياء ساكنة؛ لأنها أصلية، لا ياء النسبة، وحكى غيره تشديد الياء أيضًا، كذا في (الشروح)، وفي (القاموس) (1): النجاشي بتشديد الياء، وبتخفيفها أفصح، وتكسر نونها أو هو أفصح.
وقوله: (لشغلًا) أي: شغلًا عظيمًا، كيف! وهي مناجاة الرب العظيم واستغراق في عبوديته، وهو كناية عن حرمة التكلم ورد السلام ونسخهما، وقد كان الكلام في الصلاة مباحًا في أول الإسلام، ثم نسخ عمدًا كان أو ناسيًا عندنا، وعمدًا عند الشافعي رحمه الله بقوله صلى الله عليه وسلم:(إن اللَّه تعالى رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وعندنا ذلك محمول على رفع الإثم، وقد فرق بين الصلوات والصوم لوجود الحالة المذكورة فيها دونه، وتمامه في حديث ذي اليدين (2).
980 -
[3](معيقيب) قوله: (وعن معيقيب) بقاف وآخره موحدةٌ مصغرًا.
وقوله: (في الرجل) أي: في شأن الرجل.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 561).
(2)
وَفِي "شَرْحِ السُّنَّةِ": أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ بِلِسَانِهِ، وَلَوْ رَدَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُشِيرُ بِيَدِهِ أَوْ إِصْبَعِهِ، اهـ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَشَارَ بِيَدِهِ كَمَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَمَّا خَبَرُ:"مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إِشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ"، فَفِي سَنَدِهِ مَجْهُولٌ، فِي "شَرْحِ الْمُنْيَةِ": لَوْ رَدَّ السَّلَامَ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ طُلِبَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَأَوْمَا بِرَأْسِهِ أَوْ عَيْنِهِ أَيْ: قَالَ: نَعَمْ أَوْ لَا، لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، قَالَ الْخَطَّابِي: رَدُّ السَّلَامِ بَعْدَ الْخُرُوجِ سُنَّةٌ، وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ. "مرقاة المفاتيح"(2/ 779).
حَيْثُ يَسْجُدُ؟ قَالَ: "إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1207، م: 546].
981 -
[4] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَصْرِ فِي الصَّلَاةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1220، م: 545].
ــ
وقوله: (حيث يسجد) أي: في مكان يسجد عليه.
وقوله: (فواحدة) بالنصب، أي: فافعلها واحدة، أي: فعلة واحدة أو مرة واحدة، ويجوز الرفع، ولا يُدرى أن المنع عن الزيادة عن واحدة لكونها مفسدةً للصلاة أو مكروهة، ويبتني ذلك على تفسير الفعل الكثير.
981 -
[4](أبو هريرة) قوله: (عن الخصر) بفتح معجمة وسكون المهملة، وفسروه بالاختصار بمعنى وضع اليد على الخاصرة، والخصر في اللغة بمعنى وسط الإنسان، أريد به ههنا الاختصار؛ لأن ذات الخصر مما لا ينهى عنه؛ لأن النهي إنما يتوجه إلى الأفعال والأحوال كوصف ذات الميتة بالحرمة، وفي توجيه النهي والنفي إلى الذات مبالغة، وقد جاء في رواية:(نهى أن يصلي مختصرًا)(1)، وروي:(متخصرًا)، وفي رواية:(نهى عن الاختصار في الصلاة)(2).
وورد: أن الاختصار راحة أهل النار، واستشكل بأن أهل النار لا راحة لهم، وأجيب بأنهم يتعبون من طول قيامهم بالموقف فيستريحون بالاختصار.
وقيل: إنه من صنيع اليهود، وهم المرادون بأهل النار، وروي أن إبليس وضع يده على خاصرته حين نزل إلى الأرض بعد ما أصابته اللعنة.
(1) أخرجه مسلم (545)، والترمذي (383)، والنسائي (890)، والحاكم (1/ 396).
(2)
أخرجه أبو داود (947).
982 -
[5] وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ. . . . .
ــ
وقد يفسر بمعنى اتخاذ المخصرة، وهو العصا بيده يتوكأ عليها، ذكره ابن الأثير في (جامع الأصول)(1)، وقال التُّورِبِشْتِي (2): إن هذا المعنى وإن كانت اللغة العربية تقتضيه لكن التفسير الذي اشتهر فيه عن الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم يحكم بخلاف ذلك، انتهى. ومنه حديث:"المختصرون يوم القيامة على وجوههم النور"، أراد أنهم يأتون ومعهم أعمال لهم صالحة يتكئون عليها، كذا في (النهاية)(3)، وقال في (القاموس) (4): أي: المصلون بالليل، فإذا تعبوا وضعوا أيديهم على خواصرهم.
وبعضهم فسروه على اختصار، بمعنى: اختصار السورة وقراءة بعضها، وقيل: الاقتصار على آيات السجدة ليسجدها، وقيل: اختصار آية السجدة التي انتهى في قراءته إليها فلا يسجدها. وقيل: اختصار الصلاة فلا يمد قيامها وركوعها وسجودها، واستُبعد هذه المعاني بأن وضع الباب لبيان ما لا يجوز من العمل في الصلاة دون قراءتها وأفعالها، وفيه: أنه لا ينافي احتمال الحديث لتلك المعاني، غايته أنه يكون عند من وضعه في هذا الباب محمولًا على المعنيين السابقين لا عند غيره.
982 -
[5](عائشة رضي الله عنها) قوله: (عن الالتفات في الصلاة) الالتفات: النظر يمينًا وشمالًا، لفته يلفته: لواه وصرفه، وفي شرح ابن الهمام (5): حد الالتفات المكروه أن
(1)"جامع الأصول"(5/ 321).
(2)
"كتاب الميسر"(1/ 266).
(3)
"النهاية"(2/ 36).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 359، 360).
(5)
"شرح فتح القدير"(1/ 410).
فَقَالَ: "هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ العَبْدِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1). [خ: 751].
983 -
[6] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ إِلَى السَّمَاءِ،
ــ
يَلْوِي عنقه حتى يخرج من مواجهة القبلة، ولو انحرف بجميع بدنه فسدت، فبعضه يكره كالعمل الكثير يفسد، والقليل يكره، في (الهداية) (2): لو نظر بمؤخر عينيه يمنة ويسرة من غير أن يلوي عنقه لا يكره.
وقوله: (اختلاس يختلسه الشيطان) وفي رواية: (أو شيء اختلسه الشيطان)، في (القاموس) (3): الخلس والاختلاس: السلب، وفي (المشارق) (4): أَخْذُ الشيء بسرعة واختطاف، وعلى طريق المخاتلة والانتهار، والمراد به ههنا ما يختلس، فضمير (يختلسه) راجع إليه، ويحتمل أن يكون المراد بـ (يختلسه): يفعله تجريدًا.
983 -
[6](أبو هريرة) قوله: (لينتهين أقوام. . . إلخ) أي: لَيكوننَّ منهم الانتهاء
(1) فيه نظر، فإن الحديث لم يروه مسلم، وقد ذكر الحاكم في "المستدرك"(1/ 237) أيضًا أن الشيخين اتفقا على إخراجه، وكذا نسبه الجزري إليهما في "جامع الأصول"(6/ 325). وهو سهو منهم جميعًا، فإن مسلمًا لم يروه، فلم أجده فيه، وكذلك نص العيني والحافظ في "الفتح" على أنه من أفراد البخاري، ويدل عليه أيضًا أن المجد ابن تيمية في "المنتقى" والمنذري في "الترغيب" و"تلخيص السنن" نسباه إلى البخاري فقط، والحديث أخرجه أيضًا أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن خزيمة والبيهقي وغيرهم. "مرعاة المفاتيح"(3/ 348).
(2)
"الهداية"(1/ 64).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 501).
(4)
"مشارق الأنوار"(1/ 374).
أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُم". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 429].
984 -
[7] وَعَنْ أَبِي قَتَادَة قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 516، م: 543].
ــ
عن ذلك، أو ليكوننَّ من اللَّه خطف أبصارهم، فالانفصال حقيقي، والخطف: السلب، يقال: خطف الشيء: استلبه، والبرقُ البصرَ: ذهب به، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع بصره إلى السماء، فلما نزل:{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] طأطأ رأسه، هذا في الصلاة، وأما في غيرها فقد جوزه البعض، وقالوا: إن السماء قِبلة الدعاء، والصحيح أن قبلة الدعاء وقبلة الصلاة واحدة، واللَّه أعلم.
984 -
[7](أبو قتادة) قوله: (يؤم الناسى) هذا يدل على أنه كان في الفريضة؛ لأن الإمامة لم تعهد في النفل، ولأنه جاء في رواية أبي داود أنه كان في صلاة الظهر والعصر، وقيل: كانت في النافلة.
وقوله: (أمامة) بضم الهمزة بنتُ زينبَ بنتِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها) قال الخطابي (1): يشبه أن يكون حمله صلى الله عليه وسلم الصبية لا عن تعمد، بل لعل الصبية لطول ما ألفته في غير حالة الصلاة كانت تتعلق به في الصلاة، فلا يدافعها عن نفسه، فهذا لم يكن فعلًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قيل: إسناد الوضع والإعادة إليه صلى الله عليه وسلم[على] سبيل المجاز لتعلقهما بفعله الصادر عنه، فلا حاجة إلى أن يقال: إن الفعل لم يكن كثيرًا بناء على اختلاف في حده، وهو مبني على أن الكثير ما كان متواليًا، وهذا لم يكن كذلك، إذ الطمأنينة
(1) انظر: "معالم السنن"(1/ 217).
985 -
[8] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ. . . . .
ــ
في أركان صلاته صلى الله عليه وسلم كان كثيرًا، أو كان هذا قبل تحريمه، أو هو مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: كان ذلك لحفظ خشوعه؛ لأنه لو لم يرفعها لبكت، وتشغل سره أكثر مما يشغله الرفع، والكل خلاف الظاهر.
هذا، وقال الشيخ: قد صحت الروايات الدالة على أن وضع أمامة وحملها كانت بفعله صلى الله عليه وسلم، فيحتاج إلى التوجيه (1) بما ذكر من الاحتمالات، واللَّه أعلم.
985، 986 - [8، 9](أبو سعيد الخدري، وأبو هريرة) قوله: (إذا تثاءب) بالهمزة كذا في (القاموس)(2)، وقال في (مجمع البحار) (3): هو بالهمزة على الصحيح، وقيل: بالواو، وفي بعض الشروح: هو في حديث أبي سعيد عند مسلم بالواو في أكثر النسخ، وفي بعضها بالهمزة، ووقع عند البخاري وأبي داود بالهمزة، انتهى.
(1) قال ابن رسلان: اختلفوا في توجيه الحديث على أفوال، ثم بسطها، وكذا بسط الكلام عليه النووي في "شرح مسلم" وردّ على ما قاله الخطابي، وكذا تأويل المالكية، فليراجع (3/ 37)، وفي "المنهل" (6/ 16): اختلفت المالكية في ثاويله؟ لأنهم رأوه عملًا كثيرًا، فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان في النافلة، واستبعده عياض وغيره لحديث الباب، وروى أشهب وغيره عن مالك أنه كان لضرورة؛ لأنه لم يجد من يكفيها، وقال بعضهم: لو تركها لشغلته أكثر مما شغل بحملها، وقال القرطبي: منسوخ، وكذا في "الدر المختار"، ورجح الشامي (2/ 512) أن الفعل لبيان الجواز، فلم يبق مكروها في حقه عليه السلام، ويكره في حقنا، وذكر في "حاشية البخاري" الأجوبة عن هذا الحديث، وكذا في حاشية الزيلعي على "الكنز". كذا في هامش "البذل"(4/ 402 - 403).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 71).
(3)
"مجمع بحار الأنوار"(1/ 282).
فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2995].
986 -
[9] وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ: هَا، فَإِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ".
987 -
[10] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ عِفْرِيتًا. . . . .
ــ
وقال التُّورِبِشْتِي (1): ولا جائز أن نقول: تثاوب، والاسم: الثوباء، وهو تنفس ينفتح منه الفم من الامتلاء وكدورة الحواس وثقل البدن واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم الداعي إلى إعطاء النفس شهوتها، ولذلك نسب إلى الشيطان، وورد:(التثاؤب من الشيطان)، وحيث ورد النهي عنه فالمراد التحذير من سببه، وهو التوسع في المطعم والمشرب والشبع.
وقوله: (فليكظم) أي: فليرده ويمنعه، وذلك بضم الشفتين، أو تطبيق السن، أو وضع اليد على الفم، والأحسن أن يضع ظهر اليسرى، ويروي:(فليكظم فاه).
وقوله: (فإن الشيطان يدخل) أي: فمه للوسوسة، أو هو مجاز عن غلبته، والمراد بضحكه رضاه بهذه الحالة لكونها باعثة على الكسل عن العبادة وموجبةً لتشويه صورته وشكله، والمراد بقول:(ها) المبالغة في التثاؤب كما يفعله بعض من لا يَضبط حالَه في التثاؤب.
987 -
[10](أبو هريرة) قوله: (إن عفريتًا) العفريت هو الجَمُوع المَنُوع، وقيل: الظَّلوم، ويقال للقوي المتشيطن: عِفْرٌ وعِفْريتٌ، والعَفَارة: الخبث والشيطنة، ويقال:
(1)"كتاب الميسر"(1/ 267).
مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَخَذْتُهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ،
ــ
عفريت نفريت إتْباع، وفي الحديث (1):(إن اللَّه يبغض العفريت النفريت)، وهو الداعي الخبيث، وقد تكسر الفاء وتشدد الراء وهو الناقد في الأمر المبالِغ فيه مع دهاء، وفي الحديث أيضًا (2):(أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك أعفر)، أي: يساس بالنُّكر والدهاء، وقال الزمخشري: العِفْر والعفريت: القوي المتشيطن الذي يَعْفِر قرنه، انتهى، وعلى هذا من العفر والتعفير بمعنى التمريغ في التراب.
وقوله: (من الجن) بيان له؛ لأنه يقال للرجل أيضًا.
وقوله: (تفلت) التفلُّت والانفلات والإفلات: التخلص من الشيء فجاءة، وتقول: أفلت مني وتفلت: إذا نازعك في الغلبة والهرب، ثم فلت وهرب وتفلت، ذلك العفريت كان ممن أسرهم سليمان عليه السلام.
وقوله: (البارحة) اسم للَّيلة الماضية، وإذا أخبر قبل الزوال يقال: تفلَّت الليلة، وبعد الزوال: البارحةَ.
وقوله: (فأمكنني اللَّه منه) أي: أقدرني عليه، و (السارية) الأسطوانة.
وقوله: (حتى تنظروا إليه) فيه دليل على وجود الجن وجواز رؤيتهم، وقوله تعالى:{مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} محمول على غالب الأحوال وعلى أنهم أجسام كثيفة يمكن أخذهم وربطهم وسبيهم، إلا أن يقال: إن ذلك بالتصور والتمثل كما يقول من قال:
(1) انظر: "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث"(248).
(2)
أخرجه الدارمي (2101).
فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 461، م: 541].
ــ
إنهم أجسام لطيفة روحانية، واللَّه أعلم.
وقد ثبت وجودهم بالكتاب والسنة، وللسيوطي رسالة مسماة بـ (التقاط لقط المرجان في أحكام الجان) أثبت فيها وجودهم وابتداء خلقهم وأحوالهم من الأكل والشرب، ونكاحهم فيما بينهم ومع الإنس، ومساكنهم وغرائب أحوالهم في الحياة والممات، ما يدل على [أنَّ] إنكار وجودهم، أو تأويلَ وجودهم بأنها الأرواح الخبيثة المفارقة للأبدان كما يقول بعض الفلاسفة، جهلٌ وباطل.
وقوله: (فذكرت دعوة أخي سليمان. . . إلخ) المراد بدعوته قوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]، ومن جملته تسخير الريح والجن والشياطين والتصرف فيهم، يعني: لو أخذتُه وربطته بالسارية لظهر تصرفي في الجن، وهو مخصوص بسليمان عليه السلام، فيلزم عدم إجابة دعائه، فتركه ليبقى دعاؤه محفوظًا في حقه، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان له التصرف والقدرة على ذلك على وجه الأتم والأكمل، ولكن التصرف في الجن في الظاهر كان مخصوصًا بسليمان عليه السلام، فلم يظهره صلى الله عليه وسلم لأجل ذلك، فافهم.
وقيل: يمكن أن يكون عموم دعاء سليمان عليه السلام مخصوصًا بغير سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم، بدليل إقداره على أخذه ليفعل فيه ما يشاء، ومع ذلك تركه على ظاهره رعاية لجانب سليمان عليه السلام، واللَّه أعلم.
وقوله: (فرددته خاسئًا) أي: صاغرًا ذليلًا حيث لم يظفر بمراده، يقال: خَسَأْتُ الكلب بالهمزة: طردته، وخسأ لازم ومتعد، يقال: خسأ الكلبُ وانخسأ.