المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌13 - باب الركوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب السجود وفضله

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب التشهد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب الدعاء في التشهد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب الذكر بعد الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌19 - باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌20 - باب السهو

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌21 - باب سجود القرآن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌22 - باب أوقات النهي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌23 - باب الجماعة وفضلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌24 - باب تسوية الصف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌25 - باب الموقف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌26 - باب الإمامة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌27 - باب ما على الإمام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌28 - باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌29 - باب من صلى صلاة مرتين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌30 - باب السنن وفضائلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌31 - باب صلاة الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌32 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌33 - باب التحريض على قيام الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌34 - باب القصد في العمل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌35 - باب الوتر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌36 - باب القنوت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌37 - باب قيام شهر رمضان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌38 - باب صلاة الضحى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌39 - باب التطوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌40 - [باب] صلاة التسبيح

- ‌41 - باب صلاة السفر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌42 - باب الجمعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌43 - باب وجوبها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌44 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌45 - باب الخطبة والصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌46 - باب صلاة الخوف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌47 - باب صلاة العيدين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌48 - باب في الأضحية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌49 - باب في العتيرة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌50 - باب صلاة الخوف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌51 - باب في سجود الشكر

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌52 - باب الاستسقاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌53 - باب في الرياح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

1254 -

[1] عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ اللَّيْلِ. . . . .

ــ

وكلهم أجمعوا على أن الوتر لا يكون اثنتين ولا أربعًا، فثبت أنه ثلاث، وإن كان سنة، فلم نجد سنة إلا ولها مثل في الفرض منه أخذت، والفرض لم نجد منه وترًا إلا المغرب، وهو ثلاث.

قال العبد الضعيف -أصلح اللَّه شأنه-: هذا الدليل من الطحاوي في الحقيقة تأييد وتقوية وترجيح للأحاديث التي وردت في أن الوتر ثلاث ركعات على الأحاديث الواردة بخلافها؛ لكونها موافقة للقياس، وقد تقرر في أصول الفقه أن الأحاديث إذا تعارضت فما وافق منها للقياس كان أرجح وأقدم، والخصم يزعم أنه قياس في مقابلة النص، وليس كذلك، وكذا حال سائر الدلائل العقلية التي يوردها بعض الحنفية على إثبات مسائلهم أحيانًا كما هو طريق الهداية ومن يحذو حذوها، وأما الكتب التي في ديار العرب في مذهبنا فيلزمون إيراد الأحاديث الصحيحة والحسنة، وكفى في ذلك شهيدًا شرح الشيخ ابن الهمام (1) -رحمة اللَّه عليه-، ولقد فصلنا الكلام في تثليت الوتر أكثر من هذا في (شرح سفر السعادة)(2) فليطلب ثمة.

الفصل الأول

1254 -

[1](ابن عمر) قوله: (صلاة الليل) وفي رواية: (صلاة الليل والنهار)، وبه قال الشافعي رحمه الله، وقال أبو حنيفة رحمه الله: الأفضل فيهما رباع، وعندهما في الليل مثنى، وفي النهار رباع، وقد مر ذكره.

(1) انظر: "شرح فتح القدير"(1/ 426 - 428).

(2)

"شرح سفر السعادة"(ص: 135).

ص: 366

مَثْنَى مَثْنَى،

ــ

وقوله: (مثنى مثنى) ذكر مثنى هنا بمعنى اثنين، وهو كما ذكره أهل اللغة بمعنى اثنين اثنين مكررًا، فإن ثبت هذا يكون التكرير للتأكيد، ثم اعلم أنهم قالوا: بأن (مثنى) معدول عن اثنين اثنين غير منصرف، واختلفوا في سبب منع صرف مثل هذا المعدول مع صرف المعدول عنه، فقيل: منع صرفه لتكرر العدل فيه؛ لأنه كما عدل من صيغته إلى صيغة أخرى، كذلك عدل من الاسمية إلى الوصفية، فكان فيه عدلين: أحدهما لفظي، وثانيهما معنوي، وهذا القول ضعيف؛ لأن المعدول عنه أيضًا وصفٌ لأنه عدد مكرر، وهو لا يستعمل إلا وصفًا، كما سيظهر، إلا أن يقال: تكرر العدل من جهة الخروج من صيغة إلى صيغة أخرى، ومن مكرر إلى غير مكرر، وهذا أيضًا تكلف، وقيل: منع صرفه للعدل والتعريف بناء على عدم جواز دخول لام التعريف عليه. وصحةُ وقوعه حالًا في قولنا: جاءني القوم مثنى، ينافي هذا القول.

والجمهور على أن منع صرفه للعدل والوصفية، ويناقش فيه بأن شرط تأثير الوصف أن يكون ثابتًا في أصل الوضع، والوصف في (مثنى) وأخواته عارض لكونه من أسماء الأعداد، والوصفية فيها عارضة؛ لأن وضعها لنفس الوحدات لا ذات موصوفة بها، نعم قد تَعْرِضها الوصفية، وتستعمل بمعناها كما في قولهم: مررت بنسوة أربع، وذلك لا يؤثر، وأجيب بأن الوصفية لازمة لـ (مثنى) وأخواته فإنها لا تستعمل إلا وصفًا، ولما كانت لازمة كانت في حكم الأصلية، وفيه أن الوصفية لازمة للمكرر الذي هو المعدول عنه أيضًا؛ فإن نحو ثلاثة ثلاثة أيضًا لا تستعمل إلا بمعنى الوصفية، فلو صارت بهذا الاعتبار في حكم الأصلية لكان أربع أربع في حالة التكرار غير منصرف للوصفية ووزن الفعل، وليس كذلك. فالوجه أن يقال: إن الوصفية لما صارت لازمة بعد العدل صارت كأنها أصلية؛ لأن العدل كانه وضع ثان، فالمعنى الذي كان في

ص: 367

فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 990، م: 749].

ــ

المعدول عنه مجازيًّا صار بعد العدل كأنه حقيقي، والمكرر وإن كان لا يستعمل إلا بمعنى الوصفية لكن اللزوم لأجل التكرار دون اللزوم لأجل العدل، وادعاء الوضع الجديد في العدل أقرب من ادعائه في التكرار، كما لا يخفى على المنصف.

وفي (ضوء المصباح): أن الوصفية قد لزمت عند التكرار فلا يلزم في كل واحد منهما وحده، فبالحري أن يصرف، وأما المجموع فلا يمكن أن يمنع الصرف؛ لأن محل الصرف ومنعِه هو الاسم المفرد أو ما في حكمه، لا الاسمان، وأما ثلاثة فإنه اسم مفرد فقد لزمت له الوصفية فمنع الصرفَ لهذا، انتهى.

بقي الكلام في الفرق بين ظهور الإعراب في كل من الاسمين في نحو: جاءني القوم ثلاثةً ثلاثةً، مع أن مقتضى الإعراب إنما هو في المجموع، وبين عدم ظهور منع الصرف في كل منهما، وقد بيناه في شرح فارسي لنا على (الكافية)، عملناه في صغر السن لأجل بعض الأحباب، ولم يتم، وقد أفردنا منه رسالة وعرّبناها في تحقيق تعريف العدل فليطلب ثمة.

وقوله: (فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) يعني: يقطع صلاته بالليل بأداء الوتر، إذ لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا صلاته، وفي شرح الشيخ: أي ركعة واحدة مفردة عما قبلها، وهذا على مذهبهم في الإيتار بركعة واحدة مفردة بتحريمة مستقلة، وقد عرفت الكلام فيه آنفًا، والإسناد في (توتر) مجازي، الظاهر: يوتر، أي: المصلي بتلك الركعة، والمراد بـ (ما قد صلى): ما أدى من صلاة التهجد، بل كل ما صلى من فرض ونفل؛ لأن الوتر يجعل صلاة الليل كله

ص: 368

1255 -

[2] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 752].

1256 -

[3] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْء إِلَّا فِي آخِرِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1170، م: 737].

1257 -

[4] وَعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى عَائِشَةَ. . . . .

ــ

وترًا، كما أن صلاة المغرب تجعل صلاة النهار وترًا، وندب إلى ذلك لأن اللَّه تعالى وتر يحب الوتر، كما جاء في الحديث.

1255 -

[2](وعنه) قوله: (الوتر ركعة من آخر الليل) المراد أن الوتر ركعة واحدة، والتقييد بآخر الليل لكون الوتر فيه أفضل، وأيضًا فيه إشارة إلى كون الوتر آخر صلاة الليل، وفيه كلام سيجيء.

1256 -

[3](عائشة) قوله: (يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس) قد ثبت أن صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل كانت على أنواع متعددة، منها أن يصلي ثمان ركعات بأربع تسليمات، ثم يصلي خمس ركعات بنية الوتر بتسليمة لا يجلس إلا في آخرها، فيكون بتشهد واحد وسلام واحد، وهذا صريح في جواز وصل الخمس من غير جلوس فيها، وهو مختلف فيه بين الفقهاء، وأوَّلوا عدم الجلوس بعدم السلام، أي: لا يجلس بالسلام؛ لما جاء في بعض الروايات: لم يسلِّم إلا في آخرهن.

هذا وأما وصل أكثر من أربع ركعات بتسليمة واحدة فجائز بالاتفاق، ويجوز عندنا إلى ثمان ركعات.

1257 -

[4](سعد بن هشام) قوله: (فإن خلق نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم كان القرآن) وفي

ص: 369

فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ. قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّه، وَيَحْمَدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ، وَيَحْمَدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ،

ــ

رواية: (كان خلقه القرآن)، والظاهر أن المراد: إن كل ما بيَّن في القرآن من الأخلاق العظيمة والصفات الحميدة، كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم متخلقًا متصفًا بها، وقيل: المراد أن خلقه مذكور في القرآن في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وللقوم هنا كلمات مذكورة في كتبهم.

وقوله: (فيبعثه اللَّه ما شاء أن يبعثه) أي: يوقظه من نومه في ساعة شاء اللَّه إيقاظه فيها.

وقوله: (لا يجلس فيها إلا في الثامنة) معناه على ما عرف في الحديث السابق، والظاهر ههنا بقرينة قوله:(ثم ينهض ولا يسلم) هو حمل عدم الجلوس على حقيقته لا على عدم التسليم، فافهم.

وقوله: (فيذكر اللَّه ويحمده ويدعوه) أي: يقرأ التشهد، وهذا نوع آخر من أنواع صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل، وقد ذكرنا أنها كانت على أنواع مختلفة.

وقوله: (ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد) وهذا لبيان جواز الصلاة بعد

ص: 370

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الوتر، وقد جاء ذلك في الصحيحين (1) من حديث عائشة الصديقة رضي الله عنها: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات، ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين، وهو جالس، الحديث. وفي (مسند الإمام أحمد) (2) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس. وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه (3): كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، يقرأ فيهما بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة غير من ذكر، ولكن هذا مع ظاهر حديث:(اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا)، معارض، واستَشكل ذلك على كثير من العلماء، فأنكر الإمام مالك رحمه الله حديث الركعتين بعد الوتر، وقال: لم يصح.

وقال الإمام أحمد -رحمة اللَّه عليه-: لا أصلِّيهما ولا أمنع منهما أحدًا، وجماهير العلماء قائلون بذلك لوروده في الصحاح، وقالوا: إنما صلاهما بيانًا لجواز التنفل بعد الوتر، وعلى هذا يكون قوله:(اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا)، محمولًا على الاستحباب لا الوجوب، وذلك أحب وأفضل.

وهل كانت هاتان الركعتان بعد الوتر أول الليل وآخره؟ فحديث أبي أمامة مطلق، وحديث ثوبان على ما رواه صاحب (المشكاة) عن الدارمي يدل على تقدير الإيتار في أول الليل، وأحاديث البخاري ومسلم والموطأ تدل على أنهما بعد قيام الليل

(1)"صحيح البخاري"(1159)، و"صحيح مسلم"(738).

(2)

"مسند أحمد"(6/ 298).

(3)

"مسند أحمد"(5/ 260).

ص: 371

فَلَمَّا أَسَنَّ صلى الله عليه وسلم وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبعٍ، وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ فِي الأُولَى، فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ،

ــ

وهو الصحيح.

ثم نية التشفيع على تقدير الإيتار أول الليل -كما يفعله بعض الناس بجعل الركعتين قاعدًا في حكم ركعة واحدة- لا معنى له، وهو ناقض ومبطل للوتر من غير ضرورة بعد ما عرف كون الصلاة بعد الوتر جائزة، وعلى هذا إذا صلى الوتر أول الليل، ثم قام وتهجد لا حاجة إلى إعادة الوتر، وهو المختار صرح به الشيخ ابن الهمام، وقد ورد:(لا وتران في ليلة)، وقال بعض العلماء: هاتان الركعتان ملحقتان بالوتر جاريتان مجرى سنة، لا سيما على مذهب من يقول بوجوب الوتر، ولما كان وتر النهار الذي هو صلاة المغرب مشفوعًا بالركعتين جعل وتر الليل أيضًا مشفوعًا بركعتي السنة، واللَّه أعلم.

وقوله: (فلما أسن) أي: كان في آخر حياته، وفي شرح الشيخ: قبل موته بسنة.

وقوله: (وأخذ اللحم) قالوا: وذلك بإعطاء اللَّه إياه جميع مطالبه ومراداته، وفراغه واستراحته من عناء الدعوة، ودخول الناس في دين اللَّه أفواجًا، وتهيُّئه لدخول جناب رب العالمين {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55]، وهذا يدل على أن المراد بما ورد في حديث آخر من قوله:(فلما بدَّن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) هو أخذ اللحم، كما يكون في آخر العمر، والأكثرون على أن المراد به ضعف الشيبة وكبر السن، وقد يؤول ههنا أخذ اللحم بالضعف المذكور، وقد مر الكلام فيه.

وقوله: (وصنع في الركعتين) أي: بعد الوتر.

وقوله: (مثل صنيعه في الأولى) أي: في صورة الأولى وهي الإيتار بالتسع.

ص: 372

وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 746].

1258 -

[5] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 751].

ــ

وقوله: (صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) يدل على صلاته إياها مطلقًا، ولم تفصِّل في ذلك بأن تصلَّى ثلاثة عشر أو إحدى عشرة أو تسعًا أو سبعًا، كما كان يفعل في الليل.

وقوله: (ولا أعلم نبي اللَّه. . . إلخ)، نفت الصديقة رضي الله عنهما علمها بذلك احتياطًا، إذ يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في بيت غيرها من الأزواج المطهرة أو من الصحابة أو في المسجد أو في سفر، كما قالوا مثل ذلك في صلاة الضحى وغيرها مما وقع فيها نفي العلم لا نفي الفعل قطعًا، وأما جَعْلُ الطيبي رحمه الله هذه العبارة من باب نفي الشيء بنفي لازمه مثل قوله تعالى:{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: 18]، أي: بما لا يوجد؛ لأنه لو وجد لتعلق علم اللَّه به (1)، فبعيد، كيف ولا يُسلك هذا الأسلوب إلا في حق من أحاط علمه بالمعلوم، كما في حق الباري تعالى أو غيره أيضًا إن أمكن في بعض المعلومات، وإحاطة عائشة رضي الله عنها بجميع أفعاله صلى الله عليه وسلم غير واقع، كما ذكرنا.

1258 -

[5](ابن عمر) قوله: (رواه مسلم) وقيل البخاري أيضًا في (باب الوتر).

(1) انظر: "شرح الطيبي"(3/ 147).

ص: 373

1259 -

[6] وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ". رَوَاه مُسْلِمٌ. [م: 750].

1260 -

[7] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ،

ــ

1259 -

[6](وعنه) قوله: (بادروا الصبح بالوتر) بادره: عاجله وسابقه، وبدره، وإليه بالأمر: عجل إليه واستبق، وفي (المشارق) (1): بادرني عبدي بنفسه، وبَدَرْتني بالكلام، كلها من المسابقة، فالمراد أي: سارعوا به قبل أن يطلع الصبح، وقد ورد في حديث الترمذي (2):(أوتروا قبل أن تصبحوا)، وفي رواية:(إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل فأوتروا قبل طلوع الفجر)، ودل الحديث على أنه لا يوتر بعد الصبح، وقال الترمذي: وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق رحمهم الله: لا يرون الوتر بعد صلاة الصبح، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا وتر بعد صلاة الصبح، انتهى. وهذا في الأداء، وأما قضاؤه فيجوز في كل وقت لقوله صلى الله عليه وسلم:(من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا ذكره وإذا استيقظ)، أي: ولو في وقت الصبح؛ لحديث رواه أيضًا الترمذي: (من نام عن وتره فليصل إذا أصبح)، بل يجب رعاية الترتيب بين الفوائت، فافهم.

1260 -

[7](جابر) قوله: (فليوتر أوله) وزاد في رواية: (ثم ليرقد).

وقوله: (ومن طمع أن يقوم آخره) أي: يثق بالانتباه عن النوم.

(1)"مشارق الأنوار"(1/ 125).

(2)

"سنن الترمذي"(468، 469).

ص: 374

فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 755].

1261 -

[8] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ، وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 996، م: 745].

ــ

وقوله: (فإن صلاة آخر الليل مشهودة) وزاد في رواية: (محضورة) أي: يشهدها ويحضرها ملائكة الليل والنهار، هذه نازلة، وهذه صاعدة، فهي أقرب إلى الرحمة والقبول، أي: يحضرها أهل الطاعة من سكان السماوات والأرض، و (محضورة) تأكيد لـ (مشهودة)، وورد مثل هذا في صلاة الصبح أيضًا، وهو فيه أظهر، فافهم.

وقوله: (وذلك أفضل) أي: إيتار آخر الليل، وقد أشار إلى سببه بقوله:(مشهودة)، فهي من هذه الجهة أفضل بالذات، وقد يَعْرِض للإيتار أول الليل ما يجعله أولى بالنسبة إلى شخص وأليق بحاله وأحوط، وقد جاء في حديث أبي داود (1) عن أبي قتادة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه:(متى توتر؟ ) قال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر رضي الله عنه:(متى توتر؟ ) قال: آخر الليل، فقال لأبي بكر:(أخذ هذا بالحذر)، وقال لعمر:(أخذ هذا بالقوة)، وأخرج الموطأ (2) عن ابن المسيب: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا أراد أن يأتي فراشه أوتر، وكان عمر يوتر آخر الليل.

1261 -

[8](عائشة) قوله: (وانتهى وتره) أي: تقرر وثبت في آخر عمره إلى أن ارتحل.

(1)"سنن أبي داود"(1434).

(2)

"موطأ مالك"(270).

ص: 375