الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
26 - باب الإمامة
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1117 -
[1] عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ،
ــ
والمفعول محذوف، أي: الذين اتبعوا الأمراء، انتهى. ويحتمل أن يكون الفاعل العلماء الذين داهنوا وصاروا بذلك سببًا لضلال الأمراء، واللَّه أعلم. ثم الظاهر أن حزن أبي على من يجيء بعد ذلك الزمان، وقال الطيبي (1): ولعله قال ذلك تعريضًا بأمراء عهده، ومات أبي بن كعب في خلافة عثمان رضي الله عنهم، واللَّه أعلم.
26 -
باب الإمامة
أمّهم وبهم: تقدمهم، والإمام: من ائتُمّ به، والإمامة، والائتمام بالإمام، كذا في (القاموس)(2)، والمراد ههنا الائتمام في الصلاة، وقد تطلق الإمامة على الإمام الأنثى، ويجمع الإمام على أئمة، والأصل أءممة على أفعلة مثل إناء وآنية فأدغمت الميم، ونقل حركتها إلى ما قبلها، فلما حركوا الهمزة جعلوها ياء استقالًا للهمزتين، ومنهم من جمع همزتين، وتصغيرها أويمة فقلبت واوًا لضمة ما قبلها، وقيل: أييمة بلا قلب.
الفصل الأول
1117 -
[1](أبو مسعود) قوله: (يؤم القوم أقرأهم) الحديث، اعلم أن الأولوية للإمامة إذا اجتمع قوم يصلحون لها، قد يكون لاقتضاء صفة في ذات أحدهم، وقد
(1)"شرح الطيبي"(3/ 56).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 995).
فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ،
ــ
يكون لا لصفة، وأشار إلى الثاني بقوله:(ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه) أي: في محل ولايته ومظهر سلطانه، وفيما يملكه وما يكون في حكمه، كما في الرواية الأخرى:(ولا يؤمن الرجل الرجل في أهله)، فلا يتقدم على الوالي مع ترتيب في الولاة والحكام كالإمام الأعظم وخلفائه، ولا على إمام الحي ورب البيت إلا أن يأذنوا؛ لأن ذلك يفضي إلى توهين أمر سلطنتهم وعزتهم، روي أن ابن عمر رضي الله عنها كان يصلي خلف الحجاج، وإلى الأول بقوله:(يؤم القوم أقرؤهم) أي: أحسنهم تجويدًا للقرآن بعد كونه عالمًا بأركان الصلاة وأحكامها، وإن لم يكن عالمًا بتفاصيل أحكام الحوادث والنوائب الحادثة فيها.
(وإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم) أي بأحكام الصلاة ومسائلها بعد كونه يحسن القراءة المسنونة، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله عند أكثر أصحابه وأبي يوسف أخذًا بهذا الحديث، وبحديث أبي سعيد وحديث ابن عباس الآتيين وحديث عمرو بن سلمة الآتي في (الفصل الثالث)، وفيه:(إذا حضرت فليؤذن أحدكم وليؤمكم اكثركم قراءة)، وذهب الإمام أبو حنيفة ومحمد ومالك والشافعي وأحمد في رواية رحمهم الله إلى أن يقدم الأفقه الأعلم، ولو كان القارئ جاهلًا بما يحتاج إليه في الصلاة بأن لم يميز بين مفروضها ومسنونها ونحو ذلك، ففيه وجهان عند أصحاب أحمد رحمه الله، وتمسك الجماعة أن القراءة مفتقر إليها لركن واحد والعلم لسائر الأركان.
وقالوا: إن الأحاديث الدالة على تقديم الأقرأ لأن أقرأهم كان أعلمهم؛ لأنهم كانوا يتلقون القرآن بأحكامه فقدّم في الحديث، ولا كذلك في زماننا فقدمنا الأعلم،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كذا في (الهداية)(1).
فإن قلت: فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)، والمساواة في القراءة توجب المساواة في العلم على هذا التأويل، قلنا: ذلك بحسب الظاهر وغالب الأمر لا قطعًا وكليًّا، فقد كان أبي بن كعب أقرأ وابن مسعود أعلم وأفقه، فجاز تصور المساواة في القراءة مع التفاوت في العلم، فالشارع بيّن حكم هذا الممكن المتصور لو اتفق وقوعه، أو نقول: قال ذلك بحسب زماننا، كذا في بعض شروح (الهداية).
وقال الشيخ ابن الهمام (2): إنما كان أقرؤهم أعلمهم بأحكام الكتاب فإنهما متلازمان على ما ادعوا، فقال: وإن كانوا في القراءة والعلم بأحكام الكتاب سواء فأعلمهم بالسنة، وللشيخ في هذا المقام كلام طويل فراجعه، وقال: وأحسن ما يستدل به لتقديم الأعلم على الأقرأ حديث: (مروا أبا بكر فليصل بالناس)، وكان ثمة من هو أقرأ منه لا أعلم، دليلُ الأول قوله صلى الله عليه وسلم:(أقرأكم أبي)، ودليل الثاني قول أبي سعيد: كان أبو بكر رضي الله عنه أعلمنا، وهذا آخر الأمر من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فيكون المعوَّل عليه، انتهى.
ثم إن تساووا في العلم والقراءة فالأولى عندنا الأورع الأتقى، وذلك أنه قد ورد في الحديث بعد التساوي في العلم والقراءة التقديم بأقدمية الهجرة، وقد انتسخ وجوب الهجرة، فقدموا مكانها الهجرة عن الخطايا، وفي الحديث: (المهاجر من هجر الخطايا
(1)"الهداية"(1/ 57).
(2)
انظر: "فتح القدير"(1/ 347 - 348).
وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ". . . . .
ــ
والذنوب)، ثم الأسن فإن تساووا في السن فأحسنهم خلقًا، فإن كانوا سواء فأصبحهم وجهًا، وقد يراد بحسن الوجه كثرة الصلاة بالليل لما جاء في الحديث (1):(من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار)، وهو تكلف، وللمحدثين كلام في ثبوت هذا الحديث، والثابت عندهم أنه قول شريك بن عبد اللَّه القاضي كما عرف في موضعه، ثم إن استووا في ذلك فأشرفهم نسبًا، فإن كانوا سواء في هذه كلها أقرع بينهم أو الخيار إلى القوم، كذا ذكر الشيخ ابن الهمام، وذكر أيضًا أنه اختلف في المسافر والمقيم، قيل: هما سواء، وقيل: المقيم أولى يعني للمقيمين، وذلك ظاهر، وفي (الحاوي)(2) في مذهب الشافعي رحمه الله بعد الأسن النسيب، ثم نظيف الثوب، ثم حسن الصوت، ثم الصورة.
وقوله: (ولا يقعد) بالرفع والجزم، وأرادوا بالتكرمة ما يعد للرجل إكرامًا له في منزله من نحو فراش أو سجادة، وفي (المشارق) (3): ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه، أي: فراشه يريد الذي يكرم بالإجلاس عليه من يقصده، وكذا الوساد وشبهه، قال في (القاموس) (4): التكرمة التكريم والوسادة، وقد يراد به المائدة، والأول هو الصواب.
وقوله: (إلا بإذنه) متعلق بكلا الفعلين.
(1) قال السيوطي في "اللآلئ المصنوعة"(2/ 28): قال العقيلي: باطل لا أصل له، ولا يتابع ثابتًا عليه [ثقة].
(2)
"الحاوي في فقه الشافعي"(2/ 351).
(3)
"مشارق الأنوار"(1/ 548).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 1064).