الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1354 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ. . . . .
ــ
الفصل الأول
1354، 1355 - [1، 2](أبو هريرة، وحذيفة) قوله: (نحن الآخرون) أي زمانًا (السابقون) وفي رواية: (الأولون) أي: شرفًا ومنزلة بكوننا أول من يحشر، وأول من يحاسب، وأول من يقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة، وقيل: المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم الذي هو سابق بالفضل وهو يوم الجمعة، وقيل: المراد السبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا: سمعنا وعصينا، والأول أقوى، كذا قال في (فتح الباري)(1). ويمكن أن يعدّ منها رفع التكاليف الشاقة عنهم، فإن قلت: ذلك في الدنيا وقد قيد السابقية بيوم القيامة، قلت: لما كان ظهور نتائجها وثمراتها في الآخرة يمكن جعلها داخلًا في السابقية يوم القيامة.
وقوله: (بيد أنهم أوتوا الكتاب) في (القاموس)(2): بيد بمعنى غير وعلى، وفي (المشارق) (3): بفتح الباء والدال وسكون الياء، معناه ههنا غير، وقيل: إلا، وقيل: على، ويأتي بمعنى من أجل، ومنه قوله في الحديث الآخر:(بيد أني من قريش)، وقد قيل ذلك في الحديث الأول وهو بعيد، وفيها لغة أخرى ميد بالميم، انتهى.
= يختص يوم الجمعة بها.
(1)
"فتح الباري"(2/ 354).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 258).
(3)
"مشارق الأنوار"(1/ 166).
مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ ثمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ يَعْنِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ. . . . .
ــ
وقال الشيخ: بيد مثل غير وزنًا ومعنى وإعرابًا، وبه جزم الخليل والكسائي ورجحه ابن سيده، وروى ابن أبي حاتم عن الربيع عن الشافعي رحمه الله أن معنى بيد من أجل، وكذا ذكره ابن حبان والبغوي عن المزني عن الشافعي رحمه الله، وقد استبعده عياض ولا يعتدّ به، ومعناه: إنا سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم، ويشهد له ما وقع في رواية من أبي هريرة:(نحن الآخرون في الدنيا، ونحن أول من يدخل الجنة إلا أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا)، وقال الداودي: هو بمعنى غير أو مع، وقال الطيبي (1): هو بمعنى الاستثناء، وبه قال ابن مالك، وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم لما أدمج فيه معنى النسخ لكتابهم، فالناسخ هو السابق في الفضل وإن كان مسبوقًا في الوجود، انتهى.
وبهذا يظهر موقع قوله: (نحن الآخرون) مع كونه أمرًا واضحًا لا يحتاج إلى ذكره، ولا يظهر فائدته إلا ببيان الواقع وكونه توطئة لذكر قرينته، واللام في (الكتاب) للجنس.
وقوله: (ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم يعني يوم الجمعة فاختلفوا فيه) اختلف الشارحون في المراد من فرض اللَّه تعالى على اليهود والنصارى يوم الجمعة واختلافهم فيها وضلالهم عنها، كما جاء في رواية أخرى عن أبي هريرة:(أضل اللَّه عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد)، فقال بعضهم: إن اللَّه فرض عليهم العبادة في يوم الجمعة بعينه، وأمرهم بالاجتماع فيه للعبادة شكرًا للنعمة، كما هو ظاهر لفظ الحديث، فخالفوا وتمردوا وأبوا كما هو عادتهم، واختار اليهود بدله
(1)"شرح الطيبي"(3/ 199).
فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ،
ــ
السبت، وتعللوا بأن ذلك يوم انتهاء الخلق، والنصارى يوم الأحد؛ لأنه يوم ابتدائه، واستبعد هذا المعنى ابن بطال بأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض اللَّه عليه وهو مؤمن، ورجح الاستبعاد القاضي عياض بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل: فخالفوا لا اختلفوا، وأنت خبير بأنه لا يستبعد ذلك منهم كما وقع منهم كثير من العناد والتمرد، وهم الذين قالوا: سمعنا وعصينا، وأنه يمكن أن يكون الاختلاف بمعنى أنهم اختلفوا في أنه هل يلزم بعينه أم يسوغ إبدالُه بيوم آخر، فاجتهدوا في ذلك فأخطؤوا.
قال الشيخ (1): ويشهد له ما رواه الطبري بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: 124]، ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى، وذهب الأكثرون إلى أن المراد من ذلك أمرهم باستخراجه بأفكارهم، وتعيينه باجتهادهم، فقيل لهم: إن اللَّه فرض عليكم يومًا تتفرغون فيه للفكر والذكر والعبادة فاجتهدوا في تعيينه، وذلك ابتلاؤهم من اللَّه هل يصادفون الحق أم لا؟ فعيق اليهود يوم السبت واختاروه، وقالوا: هذا يوم فراغ وقطع عمل، فإن اللَّه سبحانه فرغ فيه عن شغل الخلق، فعلى الخلق أيضًا أن يفرغوا عن الشواغل والصنائع ويتركوا أعمال الدنيا، ويشتغلوا بعبادة الرب تعالى، وعيّن النصارى يوم الأحد واختاروه؛ لأن الرب تعالى ابتدأ فيه الخلق، فهذا اليوم مبدأ جميع الكمالات والنعم، فهو أحق بالتعظيم وشكرًا للنعمة وإيجاب العبادة فيه، ولكن كل واحد من الفريقين أخطأ ولم يصب ما عند اللَّه الحكم.
وقوله: (فهدانا اللَّه له) حملوه أيضًا على الوجهين، فالأول أن اللَّه أمر هذه الأمة
(1)"فتح الباري"(2/ 355).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالعبادة في يوم الجمعة بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] الآية، فهداهم بالامتثال لأمره، ولم يضلّهم بالإباء والتمرد والتعلل، والثاني أن اللَّه تعالى هداهم ووفقهم للإصابة حتى عينوا الجمعة، وقالوا: إن اللَّه خلق آدم لعبادتهم، وكان خلقه يوم الجمعة، فكانت العبادة فيه أولى وأنسب، ولأنه تعالى خلق في سائر الأيام ما ينتفع به الإنسان، وفي يوم الجمعة أوجد نفسه، والشكر على نعمة الوجود أهم وأحرى من الشكر على النعم الخارجة من الذات، وأيضًا لما اجتمع الخلق في يوم الجمعة والإنسان الذي يشفع به أيضًا خلق فيه تعين هذا اليوم للعبادة، وكان أنسب وأوفق بذلك، ولا شك أن هداية اللَّه الجمعة بالنص عليها دون الاجتهاد وهو الأظهر الأشهر.
وذكر الشيخ ابن حجر ما يؤيد المعنى الثاني وقال: ويشهد له ما رواه عبد الرزاق (1) بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال: جمَّع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل الجمعة، فقالت الأنصار: إن لليهود يومًا يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فلنجعل يومًا نجتمع فيه، فنذكر اللَّه تعالى ونشكره، فجعلوه يوم العروبة واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ، وأنزل اللَّه تعالى بعد ذلك {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الآية، وهذا وإن كان مرسلًا فله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث كعب بن مالك قال: كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة أسعد بن زرارة، الحديث، وعلى هذا فقد حصلت لنا الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق، واللَّه أعلم.
(1)"مصنف عبد الرزاق"(5144).
وَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 876، م: 855].
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: "نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ". وَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَى آخِرِهِ.
ــ
هذا وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث مصعب بن عمير إلى المدينة قال: إذا مالت الشمس فصلِّ بالناس الجمعة، ذكره الشيخ ابن الهمام في شرح (الهداية)(1)، وهذا يدل على أن الجمعة كانت واجبة بمكة، وكان الصحابة الذين بالمدينة مأمورين بإقامته، وكأنه أشار الشيخ ابن حجر إلى الجواب عن هذا حيث قال في آخر الكلام: ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها ثمة، وقد ورد فيه حديث ابن إسحاق عند الدارقطني، ولذلك جمَّع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق وغيره، هذا ولكن حديث مصعب بن عمير ظاهر في أن إقامة الجمعة قبل النبي صلى الله عليه وسلم كان بالأمر إلا أن يقال: إقامة أسعد بن زرارة كان مقدمًا على بعث مصعب، وهو خلاف ما يحكى، واللَّه أعلم.
وقوله: (والناس لنا فيه تبع) التبعية باعتبار الفضل والقبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب، وقيل: الجمعة وإن كان مسبوقًا بسبت أو أحد قبله، لكن لا يتصور اجتماع الأيام الثلاثة متوالية إلا ويكون يوم الجمعة سابقًا، وقد يقال: هذا الحديث يدل على أن الجمعة أول الأسبوع شرعًا، وتدل عليه تسمية الأسبوع بالجمعة كما يسمى اليهود الأسبوع بالسبت.
وقوله: (اليهود غدًا والنصارى بعد غدٍ) لا بد فيه من تقدير مثل تعبد اليهود أو
(1)"فتح القدير"(2/ 56).
1355 -
[2] وَفِي أُخْرَى لَهُ عَنْهُ وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: "نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِي لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ". [م: 856].
1356 -
[3] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيه أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 854].
ــ
تعظيم اليهود ونحو ذلك؛ لأن ظرف الزمان لا يقع خبرًا عن الجنة.
1356 -
[3](أبو هريرة) قوله: (خير يوم طلعت عليه الشمس) المراد ظهر بظهور الشمس أو طلعت على ما سكن فيه، والمقصود من ذكر هذا الوصف التعميم كقوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} [هود: 6].
وقوله: (فيه خلق آدم) أي: جمع خلقه وتم.
وقوله: (وفيه أخرج منها) وفضيلة الإخراج من الجنة لكونه سببًا لوجود الأنبياء والأولياء وتضمنه حكمًا وبركات لا تعد ولا تحصى، وكذا موت آدم الآتي في الحديث الآخر لكونه سببًا لوصوله إلى جوار رب العالمين، ولذلك ذكره الخليل عليه السلام في النعم لقوله:{وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} ، وكذا قيام الساعة سبب لدخول الجنة وظهور مواعيد الحق للمتقين، أو المقصود بيان الأمور العظام الواقعة في هذا اليوم.
ثم الظاهر أن المراد وقوع هذه الأمور الثلاثة في يوم واحد كما يروى أنه خلق صبيحة الجمعة، وأدخل الجنة وقت الظهر، وأخرج وقت العصر.
وقوله: (ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) قيام الساعة يحتمل النفخة الأولى التي للصعق والهلاك، والثانية التي للبعث والنشور، وكلاهما في يوم الجمعة كما سيجيء
1357 -
[4] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاه". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 925، م: 852].
وَزَاد مُسْلِمٌ: "وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ". وَفِي رِوَايَةِ لَهُمَا قَالَ: "إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّه خَيْرًا إِلَّا أعْطَاهُ إِيَّاهُ".
1358 -
[5] وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ: "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 853].
ــ
في (الفصل الثاني) من حديث أوس بن أوس، وفيه النفخة وفيه الصعقة أي التي للموت، والمراد بالنفخة التي للبعث كما سنذكر.
ثم هذا الحديث يدل على أن الجمعة أفضل الأيام، وقد اختلف فيه فقيل: أفضل الأيام عرفة، وكذلك حديث أبي لبابة الآتي في (الفصل الثالث):(إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند اللَّه)، ولكن يأتي في (الفصل الثاني) من حديث أوس بن أوس:(إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة)، وهدا يدل على أنه من جملة الأيام الفاضلة، ويحتمل أن يكون يوم عرفة أفضل منه أو مساويًا له أو أدنى منه، واللَّه أعلم.
1357 -
[4](أبو هريرة) قوله: (يسأل اللَّه فيها خيرًا) الظاهر أن المراد به ما يشتمل المباح، كذا في شرح الشيخ.
وقوله: (قائم يصلي) قيل: المراد بالصلاة الدعاء، وبالقيام الملازمة والمواظبة، فقوله:(يسأل اللَّه) بدل عنه، ويفهم من حديث عبد اللَّه بن سلام أن المراد بالصلاة هي الأفعال المخصوصة فيحتمل أن يكون المراد بالقيام ما ذكر أو حقيقة.
1358 -
[5](أبو بردة بن أبي موسى) قوله: (ما بين أن يجلس الإمام) حمله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الطيبي (1) على الجلوس بين الخطبتين، واللفظ يحتمل أن يكون المراد الجلوس بعد الصعود إلى المنبر، فإن الإمام يجلس ويسمع الأذان ثم يقوم.
اعلم أن الأقوال في تعيين هذه الساعة كثيرة، تبلغ كما ذكروه إلى ثلاثة وثلاثين قولًا، أرجحها وأقواها قولان، أحدهما: ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الصلاة، وثانيهما: آخر ساعة من اليوم، وقال في (فتح الباري) (2): وما عداهما إما موافق [لهما أو] لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاده من غير سماع وتوقيف (3)، ثم الأكثرون على أرجحية القول الأخير، قال الإمام أحمد: أكثر الأحاديث في هذا الجانب.
وقال ابن عبد البر: أثبت شيء في هذا الباب حديث عبد اللَّه بن سلام، ورجحه أكثر الأئمة ونص الشافعي رحمه الله عليه، وحديث أبي موسى وإن كان مذكورًا في (صحيح مسلم) لكن في إسناده مقال، وهذا من جملة الساعات التي وقعت في بعض أحاديث مسلم، ورجح جماعة من العلماء القول الأول، وقال البيهقي: قال مسلم: حديث أبي موسى أصح وأجود شيء في هذا الباب.
وقال القرطبي: هذا الحديث نص في موضع الخلاف، فلا يلتفت إلى غيره، وقال النووي: هو الصحيح بل الصواب الذي لا يجوز غيره، قال العبد الضعيف عفا اللَّه
(1)"شرح الطيبي"(3/ 202).
(2)
"فتح الباري"(2/ 421).
(3)
وَقَدْ سُئِلَ الْبُلْقِيِنِيُّ: كَيْفَ يَدْعُو حَالَ الْخُطْبَةِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ؟ فَأَجَابَ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الدُّعَاءِ التَّلَفُّظُ، بَلِ اسْتِحْضَارُهُ لِقَلْبِهِ كَافٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. "مرقاة المفاتيح"(3/ 1013).