الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
955 -
[17] عَن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ وَالْعَزِيْمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا،
ــ
في الحديث الصحيح: (وكان سرعان القوم يخرجون).
الفصل الثالث
955 -
[17](شداد بن أوس) قوله: (في صلاته) أي: آخرها بعد التشهد، وفي رواية لأحمد:(فيها أو في دبرها)، كذا في شرح الشيخ.
وقوله: (الثبات في الأمر) أي: في أمر الدين والاستقامة فيه.
وقوله: (والعزيمة على الرشد) العزم والعزيمة: عقد القلب على إمضاء الأمر، ورشد كنصر وفرح، رُشْدًا ورشادًا: إذا اهتدى، كاسترشد، والرشيد في أسماء اللَّه تعالى: الهادي إلى سواء الصراط، كذا في (القاموس (1))، ويحتمل أن يكون الرشد ههنا أيضًا بمعنى الهداية، أي: هداية الناس وإرشادهم.
وقوله: (قلبًا سليمًا) أي: خاليًا عن العقائد الفاسدة والميل إلى الشهوات العاجلة والآجلة والالتفات إلى ما سوى اللَّه.
وقوله: (لسانًا صادقًا) إسناد مجازي، أو المراد باللسان الكلام والقول، أو الناطق بالصدق، من الصدق بمعنى صفة المتكلم.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 270).
وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَرَوَى أَحْمَدُ نَحْوَهُ. [ن: 1304، حم: 4/ 125].
956 -
[18] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ (1): "أَحْسَنُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَأَحْسَنُ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ (2) ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. [ن: 1311].
ــ
وقوله: (وأسألك من خير) من زائدة أو بيانية، أي: شيءٌ هو خير، أو تبعيضية، فإن كل الخير لا يحصل لأحد، وإنما الحاصل ما قُسِم له.
وقوله: (ما تعلم) أي: تعلم أنت أنه خير، وإلا فالعبد قد يحب شرًّا ويظن الشر خيرًا، وكذا الكلام في قوله:(وأعوذ بك من شر ما تعلم).
وأكثر ما وقع في الأدعية المأثورة بل كلُّه تعليم منه صلى الله عليه وسلم لأمته، وإلا فكل الخير حاصل له، ولا مدخل للشر فيه، أو قال ذلك تواضعًا وعبودية.
956 -
[18](جابر) قوله: (وأحسن الهدي) وهي السيرة والطريقة.
(1) أي: أحيانًا.
(2)
قال القاري: مَدْحُ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَدْحٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى التَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ، فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ: هُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَنْ يَرَى بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِالنُّطْقِ بِغَيْرِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْعِبْرَةُ بِالْمَعْنَى لَا بِاللَّفْظِ، وَلِذَا قَالَ عُلَمَاؤُنا: لَوْ قِيلَ لِأَحَدٍ فِي الصَّلَاةِ: مَاتَ فُلَانٌ، فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى جَوَابٌ لِكَلَامِ الْقَائِلِ مَعَ كَوْنِهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ، وَقَالُوا: لَا يَدْعُو بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِمَا يُطْلَبُ مِنَ الْمَخْلُوقِ، فَلَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي مَالًا أَوْ جَارِيَةَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغْنِنِي وَزَوِّجْنِي الْحُورَ الْعِينَ. "مرقاة المفاتيح"(2/ 759).
957 -
[19] وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ثُمَّ يَمِيلُ إِلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ شَيْئًا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 296].
ــ
957 -
[19](عائشة رضي الله عنها) قوله: (تلقاء وجهه) ذهب مالك إلى أنه يسلم بتسليمة واحدة قِبَلَ وجهه أخذًا بهذا الحديث، والثلاثة على أنه يسلم تسليمتين أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره؛ لمَا سبق من حديث ابن مسعود رواه الخمسة ومسلم بمعناه، وصححه الترمذي، وحديث سعد بن أبي وقاص رواه أحمد ومسلم والنسائي، وقال الشيخ ابن الهمام (1): وحديث ابن مسعود أرجح مما أخذ به مالك من حديث عائشة رضي الله عنها، وروي عن الإمام أحمد في تأويل حديث عائشة رضي الله عنها أن معناه أنه كان يجهر بتسليمة واحدة، قال ابن قدامة (2): والمعنى في هذا أن الجهر في غير القراءة إنما هو للإعلام وقد حصل بالأولى، وقال: معنى قول عائشة رضي الله عنها: (تلقاء وجهه) أنه صلى الله عليه وسلم كان يبتدئ بقوله: السلام عليكم إلى القبلة، ثم يلتفت عن يمينه وشماره، والتفاتُه في أثناء سلامه.
وقال صاحب (سفر السعادة)(3): وجاء في حديث عدي بن عميرة: كان يسلِّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، وإسناده غير قائم عند أهل الحديث، وحديث عائشة: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسلم تسليمة واحدة يرفع بها صوته حتى يوقظنا، أيضًا معلَّل، وبعد تسليم صحته فهو لا يدل صريحًا على نفي التسليمة الثانية، يعني ظاهره على أن التسليمة الواحدة كان يرفع بها صوته للإيقاظ، ولا يرفع صوته بالثانية لعدم الحاجة كما ذكرنا من تأويل أحمد.
(1)"شرح فتح القدير"(1/ 319).
(2)
"المغني"(1/ 399).
(3)
"سفر السعادة"(ص: 48، 49).
958 -
[20] وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَرُدَّ عَلَى الإِمَامِ وَنَتَحَابَّ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 1001].
* * *
ــ
واعلم أن الترمذي (1) عقد بابًا للتسليمتين، وقال بعد إيراد حديث ابن مسعود: وفي الباب عن سعد وابن عمر وجابر بن سمرة والبراء وعمار ووائل بن حجر وعدي ابن عميرة وجابر، وحديث ابن مسعود رضي الله عنهم، قال: هذا حديث حسن صحيح، وعليه عمل أهل العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. وعقد بابًا آخر للتسليمة الواحدة وأورد حديث عائشة رضي الله عنها، وقال: وفي الباب عن سهل بن سعد، وقال: حديث عائشة رضي الله عنها لم يعرف رفعه إلا بهذا الوجه، وقال محمد بن إسماعيل: زهير بن محمد من أهل الشام يروى عنه مناكير، وقال بعض أهل العلم بتسليمة واحدة، وأصح الروايات من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تسليمتان، وعليه عمل أكثر أهل العلم من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، وقد قال قوم بتسليمة واحدة، وقال الشافعي رحمه الله: إن شاء سلم واحدة وإن شاء سلم تسليمتين، هذا كلام الترمذي، وقد ظهر منه أن عدي ابن عميرة في جماعة هم قائلون بالتسليمتين، كما قال صاحب (سفر السعادة)(2)، ولم نجد في الكتب الستة وغيرها حديثًا في تسليمة واحدة، واللَّه أعلم.
958 -
[20](سمرة) قوله: (أن نرد على الإمام) أي: ننوي بالسلام رد الجواب على الإمام.
وقوله: (ونتحاب وأن يسلم بعضنا على بعض) أي: ننوي السلام على القوم
(1)"سنن الترمذي"(باب: 221، 222، رقم: 295).
(2)
"سفر السعادة"(ص: 48).