الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1288 -
[1] عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرّكُوعِ، فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ،
ــ
وثبت استمرار شرعيته عند النوازل، ولا يختص القنوت عند النوازل بالفجر، بل يشرع في الصلوات كلها، وبه قال جماعة من أهل الحديث وهو مجتهد فيه، وقد يروى نفيه عنه صلى الله عليه وسلم وتركه إياه بنزول قوله تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] كما مر، فتأمل. وانظر في متانة مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة وقوة دلائله وتحقيقه وتقريره رحمه اللَّه تعالى.
الفصل الأول
1288 -
[1](أبو هريرة) قوله: (اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة) هذا مثال للدعاء لأحد، كما أن قوله:(اللهم اشدد وطأتك. . . إلى آخره) مثال للدعاء على أحد، وكان هؤلاء الصحابة الذين دعا لهم بالإنجاء أسراء في أيدي الكفار بمكة، أما الوليد بن الوليد رضي الله عنه فهو أخو خالد بن الوليد أسر يوم بدر كافرًا فقدم في فدائه أخواه خالد وهشام بن الوليد، فلما أفدي وذهبا به بمكة أسلم، قيل له: هلا أسلمت قبل أن تفتدي وأنت مع المسلمين؟ فقال: كرهت أن يظنوا أني أسلمت جزعًا من الإسار، فحبسوه بمكة، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت بالنجاة مع من يدعو له من المستضعفين بمكة، ثم أفلت من إسارهم ولحق برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وشهد عمرة القضية.
اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، يَجْهَرُ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ: . . . . .
ــ
وأما سلمة بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي رضي الله عنه من مهاجرة الحبشة، وكان من خيار الصحابة وفضلائهم، وهو أخو أبي جهل بن هشام لعنة اللَّه عليه، وكان قديم الإسلام، وعذب في اللَّه عز وجل، وحبس بمكة، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدعو له في قنوته مع الجماعة الذين كان يدعو لهم في القنوت من المستضعفين بمكة، ولم يشهد بدرًا لذلك، فأفلت فلحق برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، واستشهد سنة أربع عشرة في خلافة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وقيل: في يوم أجنادين سنة ثلاث عشرة قبل موت خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه بأربع وعشرين ليلة.
و(عياش) بتشديد الياء التحتانية وبالشين المعجمة هو أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو عبد الرحمن عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة المخزومي هو أخو أبي جهل من أمه، أسلم قديمًا قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة هو وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فرده أخوه أبو جهل واستوثقه، ويروى أنه قدم عليه أبو جهل والحارث وقالا: إن أمه حلفت أن لا تستظل حتى تراه، فرجع معهما فأوثقاه وحبساه بمكة، ثم تخلص وعاد إلى المدينة، وقتل يوم اليرموك بالشام، وقيل: مات بمكة رضي الله عنه، وكان من المستضعفين، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت.
وقوله: (اللهم اشدد وطأتك على مضر) الوطأة بفتح فسكون مصدر وطئ كسمع داسه بالقدم كناية عن الأخذ الشديد، ومضر بن نزار كزفر أبو قبيلة.
وقوله: (واجعلها) أي: الوطاة، أو الأيام التي هم مستمرون فيها على كفرهم وعنادهم، وسنين جمع سنة بمعنى القحط، والمراد بسني يوسف السبع الشداد المذكورة في القرآن بقوله تعالى:{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ} [يوسف: 48] قحط فيها أهل مصر،
اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا لِأَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآيَة. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 459، م: 675].
1289 -
[2] وَعَنْ عَاصِمٍ الأَحْولِ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ، كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ (1)، إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، إِنَّهُ كَانَ بَعَثَ أُنَاسًا يُقَالُ لَهُمْ: الْقُرَّاءُ سَبْعُونَ رَجُلًا فَأُصِيبُوا،
ــ
وقد قحط أهل مكة بدعائه صلى الله عليه وسلم سبع سنين، كانوا يأكلون فيها الجيف والعظام، ونعوذ باللَّه من غضب اللَّه وغضب رسوله جزاء بما كانوا يعملون، وقد يحمل عليه قوله تعالى:{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10 - 11].
وقوله: (حتى أنزل اللَّه {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}) روي أنه جاء جبريل عليه السلام فأومأ أن اسكت، وقال: يا محمد! إن اللَّه لم يبعثك سبّابًا ولا لعّانًا كما مر في شرح الترجمة، وأكثر أن هذه الآية نزل يوم أحد حين شَجَّه عتبة ابن أبي وقاص، وكسر رباعيته صلى الله عليه وسلم، فجعل يمسح الدم عن وجهه وقال: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم، فنزلت.
1289 -
[2](عاصم الأحول) قوله: (إنه كان بعث أناسًا يقال لهم: القراء سبعون رجلًا فأصيبوا) وكان ذلك في سرية المنذر بن عمرو بفتح العين إلى بئر معونة بفتح الميم وضم المهملة وسكون الواو وبعدها نون، موضع ببلاد هذيل بين مكة وعسفان في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرًا من الهجرة على رأس أربعة عشر من
(1) هو دليل الحنفية في أن القنوت الرائج الشائع هو قنوت الوتر قبل الركوع، وأما الذي بعده فكان ثم ترك وهو قنوت الصبح للنازلة، كذا في "التقرير".