الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، و {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [ق: 40] الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 3275].
*
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
1177 -
[19] عَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ تُحْسَبُ بِمِثْلِهِنَّ فِي صلَاةِ السَّحَرِ. وَمَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَهُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ تِلْكَ السَّاعَةَ"،
ــ
أي: المراد بالتسبيح في وقت إدبار النجوم بكسر الهمزة في آخر (سورة الطور)، أي: غيبوبتها (الركعتان قبل الفجر)، وبـ {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} بفتح الهمزة في (سورة ق) سنة المغرب، والسجود فريضة المغرب، وقال البيضاوي رحمه الله (1): المراد بأدبار السجود النوافل بعد المكتوبات، وقيل: الوتر بعد العشاء، ثم الأدبار بفتح الهمزة في (سورة ق) جمع دبر، وقرأ نافع وابن كثير وخلف وحمزة بالكسر من أدبرت الصلاة إذا انقضت، وكذا قرئ (أدبار) في آخر (سورة الطور) بفتح الهمزة أيضًا.
الْفَصْل الثَّالِث
1177 -
[19](عمر) قوله: (أربع قبل الظهر بعد الزوال) يحتمل سنة الظهر وسنة فيء الزوال.
وقوله: (تحسب) بلفظ المجهول، أي: تعدل وتوازي، يعني ثوابه مثل ثواب أربع ركعات في صلاة السحر، وحمل الطيبي (2) صلاة السحر على صلاة الفجر سنَّتِها
(1)"تفسير البيضاوي"(2/ 425).
(2)
انظر: "شرح الطيبي"(3/ 89).
ثُمَّ قَرَأَ: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} [النحل: 48]. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ". [ت: 3128، شعب: 2808].
ــ
وفرضها، والحمل على صلاة التهجد كان أنسب وأظهر بلفظ السحر.
وروى صاحب (سفر السعادة)(1) أن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه كان يصلي بعد الزوال ثماني ركعات ويقول: إنهن يعدلن مثلهن من قيام الليل، وهذا في حكم المرفوع، ويستأنس بهذا أن المراد بصلاة السحر صلاة الليل، والظاهر أن هذه الركعات الثمانية مجموع سنة الظهر وسنة الزوال، قال بعض المشايخ: لعل السر في هذا أن هذين الوقتين زمان نزول الرحمة، فإنه تفتح أبواب الرحمة والقبول بعد انتصاف النهار، كما عرفت، وتنزل الرحمة الإلهية في الليل بعد انتصاف الليل إلى وقت السحر، فلما تناسب الوقتان تناسب الصلاة الواقعة فيهما، ويكون كل منهما عديل الآخر، ولما كان نزول الرحمة في آخر الليل أظهرَ وأشهر جعل الصلاة وقت الزوال عديله وشبّه به.
وقوله: (ثم قرأ {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}) ترغيبًا في الصلاة في هذا الوقت، وإظهارًا لفضله بموافقة المصلي لسائر الكائنات في الخضوع والاستسلام والاستصغار لبارئها، وأول الآية {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [النحل: 48] أي: أو لم ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلال متفيئة، أي: مائلة راجعة عن أيمانها وشمائلها، أي: عن جانبي كل واحد منها ساجدين للَّه صاغرين متذللين له، والمراد بالسجود الاستسلام سواء كان بالطبع أو الاختيار، فالكل منقاد للرب تعالى فيما خلق ودبر.
(1)"سفر السعادة"(ص: 65).
1178 -
[20] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: قَالَتْ: وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِي اللَّهَ. [خ: 593، م: 835].
1179 -
[21] وَعَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَصْرِ،
ــ
1178 -
[20](عائشة) قوله: (ما ترك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي) أي: في بيتي، قيل: هاتان الركعتان ركعتا سنة الظهر فاتتا منه صلى الله عليه وسلم بسبب الوفود فقضاهما بعد العصر، كما جاء من حديث أم سلمة رضي الله عنها، وروي أنه شغله قسمة مال أتاه، ثم داوم عليهما لما كان من عادته الشريفة أنه إذا صلى صلاة أثبتها وأدامها، وعدَّها بعضهم من خصائصه، وقيل: هما الركعتان قبل صلاة المغرب الآتي ذكرهما، وهذا بعيد؛ لأنهما كانتا بعد أذان المغرب، وظاهر الحديث قبله، وأيضًا لم يثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان بعض أصحابه يصلون فلم يأمرهم ولم ينههم، كما يأتي في الحديث الآتي.
هذا وقد جاءت أحاديث بطرق متعددة مصرحة أنهما كانتا راتبةَ العصر، ولم يكن بسببٍ عارض، وبالجملة الأخبار والآثار في النهي عن الصلاة بعد العصر كثيرة، وعليه الجمهور، فالأحسن أن يقال: إنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم، كما قال بعض المتأخرين، وقد سبق الكلام فيه في الفصل الأول من (باب أوقات النهي).
1179 -
[21](المختار بن فلفل) قوله: (بن فلفل) بضم الفائين الكوفي القرشي المخزومي وثقه الأئمة، قال عبد اللَّه بن إدريس: كان من أرق محدث يحدث وعيناه تدمعان.
فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الأَيْدِيَ عَلَى صَلَاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَكُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا؟ قَالَ: كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 836].
1180 -
[22] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ فَرَكعُوا رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 837].
1181 -
[23] وَعَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَتَيْتُ عُقْبةَ الْجُهَنِيَّ فَقُلْتُ: أَلَا أُعَجِّبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمِ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ؟ . . . . .
ــ
وقوله: (كان عمر يضرب الأيدي) أي: أيدي من عقد الصلاة، وأحرم بالتكبير، أي: كان يمنع منهما، ولعل عمر رضي الله عنه ما وقف على قول عائشة رضي الله عنها: ما ترك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقول أنس رضي الله عنه: وكنا نصلي، وسببه خشيته أن يتخذها الناس عادة، ويقعوا في الصلاة عند الغروب، كما سبق.
1180 -
[22](أنس) قوله: (ابتدروا السوارى) جمع سارية وهي الأسطوانة، يعني: يقف كل واحد خلف أسطوانة يصليهما.
1181 -
[23](مرثد بن عبد اللَّه) قوله: (مرثد) بفتح الميم والمثلثة.
وقوله: (ألا أعجبك) بضم أوله وتشديد الجيم.
وقوله: (من أبي تميم) هو عبد اللَّه بن مالك الجيشاني (1) بفتح الجيم وسكون
(1) تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ، أَسْلَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، ثُمَّ قَدِمَ =
فَقَالَ عُقْبةُ: إِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ الآنَ؟ قَالَ: الشُّغْلُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 1184].
1182 -
[24] وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى مَسْجِدَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَصَلَّى فِيهِ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ بَعْدَهَا، فَقَالَ:"هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوتِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ: قَامَ ناسٌ يتَنَفَّلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ". [د: 1300، ت: 604، ن: 1600].
ــ
التحتانية بعدها معجمة وبنون، منسوب إلى جيشان بن عبدان.
1182 -
[24](كعب بن عجرة) قوله: (فقال: هذه صلاة البيوت) يحتمل أن يكون إشارة إلى خصوص سنة المغرب، وهو الأظهر، وأن يكون إشارة إلى مطلق صلاة النفل، وفي لفظ ابن ماجه (1):(اركعوا هاتين في بيوتكم)، وهذا أيضًا ظاهر في خصوص سنة المغرب، وبالجملة الأفضل أن تكون الصلاة نافلة في البيوت، وهكذا كان عمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا بسبب أو عذر، وكان يقول:(أيها الناس صلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) خصوصًا سنة المغرب لم يصلها في المسجد في وقت مّا، ومنهم من قال: لو صلى هاتين الركعتين في المسجد لم يجزئ من السنة.
وقال الإمام المروزي: من صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصيًا، وكذا نقل عن أبي ثور من أصحاب الشافعي رحمه الله، ولعل وجهه أنه قد ورد الأمر
= فِي زَمَنِ عُمَرَ فَشَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ وَسَكَنَهَا، قَالَهُ ابْنُ يُونُسُ. وَقَدْ عَدَّهُ جَمَاعَةٌ فِي الصَّحَابَةِ لِهَذَا الإِدْرَاكِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ. "مرقاة المفاتيح"(3/ 898).
(1)
"سنن ابن ماجه"(1165).
1183 -
[25] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 1301].
1184 -
[26] وَعَنْ مَكْحُولٍ يَبْلُغُ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ. . . . .
ــ
بذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها في بيوتكم)، والأصل أن يكون الأمر للوجوب، وتارك الواجب عاص، والجمهور على أن الأمر للاستحباب، فالأولى أن يكون في البيت.
وفي حاشية الهداية من (الجامع الصغير): أنه إن صلى المغرب في المسجد صلى السنة فيه إن خاف الشغل بعد الرجوع إلى البيت، وإن لم يخف ذلك فالأفضل أن يكون في البيت، وإن لم يتيسر الذهاب إلى البيت فالأولى أن يصلي على باب المسجد، وإن لم يتيسر هذا أيضًا صلى في المسجد الخارجي إن صلى الإمام في الداخلي، وإن صلى الإمام في الخارجي صلى في الداخلي، وإن كان المسجد واحدًا، ولم يكن له خارج، صلى عقب أسطوانة ونحوها.
1183 -
[25](ابن عباس) قوله: (يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد) لا يخلو هذا الحديث من نوعِ إشعارٍ بأنه كان يصليهما في المسجد، ولهذا قال الشيخ في (شرحه): يحتمل أنه كان يصليهما في المسجد، فيحمل على أنه كان لعذر منعه من دخول البيت، ويحتمل أنه كان يصليهما في البيت، وأن ابن عباس علم بذلك، انتهى. لأن بيته صلى الله عليه وسلم كان متصلًا بالمسجد، ولم يكن بينهما إلا جدار، وكان في الجدار باب إلى المسجد.
1184 -
[26](مكحول) قوله: (يبلغ به) الباء للتعدية أو للسببية، أي: يبلغ
-وَفِي رِوَايَةٍ: أَرْبَعَ ركَعَاتٍ- رُفِعَتْ صَلَاتُهُ فِي عِلِّيِّينَ". مُرْسَلًا.
1185 -
[27] وَعَن حُذَيْفَة نَحْوَهُ وَزَادَ: فَكَانَ يَقُولُ: "عَجِّلُوا الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُمَا تُرْفَعَانِ مَعَ الْمَكْتُوبَةِ" رَوَاهُمَا رَزِينٌ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الزِّيَادَةَ عَنْهُ نَحْوَهَا فِي "شُعَبِ الإِيمَان". [شعب: 2804].
1186 -
[28] وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: إِنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: نَعَمْ. . . . .
ــ
بالحديث إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويرفعه إليه، ويقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من صلى بعد المغرب) الحديث، والمقصود بيان الإرسال بإسقاط الصحابي، وكان مكحول تابعيًّا كثير الإرسال ثقة، فقوله:(مرسلًا) متعلق بـ (يبلغ به)، كذا في الحواشي، وهو صحيح، ولكن الظاهر أن يكون التقدير رواه مرسلًا.
و(علّيون) اسم لمقام فوق السماء السابعة. وقيل: اسم للسماء السابعة، وقيل: لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين، وقيل: أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من اللَّه في الآخرة، ويعرف بالحروف والحركات على أنه جمع أو واحد.
1185 -
[27](حذيفة) قوله: (عجلوا الركعتين بعد المغرب) والظاهر أنه لا ينافي التعجيلَ قراءةُ دعاء أو ذكر صح وروده بعدها، أو يقال: قراءته بعد السنَّة لا تنافي البعدية المرادة ههنا، وقد أسلفنا مثل هذا في باب الذكر بعد الصلاة، لكن يختلج أنه قد ثبتت أفضلية أدائهما في البيت، والبيت إن كان بعيدًا يخلُّ بالاستعجال ماذا يفعل، وفيه وجهان، والظاهر أن يختار البيت لتأكد الأمر في ذلك، واللَّه أعلم.
1186 -
[28](عمر بن عطاء) قوله: (فقال نعم) إيجاب لما سأله نافع من قوله: هل رأى منك معاوية شيئًا فأنكره عليك؟
صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي، فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ، إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لَا نُوصِلَ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 882].
1187 -
[29] وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يتَقَدَّمُ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا، وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى الْجُمُعَةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعًا. [د: 1130، ت: 522].
* * *
ــ
وقوله: (في المقصورة) المراد مقصورة المسجد، مكانٌ يبنى فيه للمتكبرين والأمراء، وهو في الأصل الدار الواسعة المحصنة، أو هي أصغر من الدار، وفي (الصراح) (1): قصر كوشك، ومنه مقصورة الجامع.
1187 -
[29](عطاء) قوله: (تقدم) أي: من مكان صلى فيه الجمعة إلى مكان آخر، فيكون فصلًا بين الصلاتين بمنزلة التكلم أو الخروج المذكور في قول معاوية.
وقوله: (وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة. . . إلخ) ولعل الفرق بين مكة والمدينة بتقديم الصلاة في مكة والرجوعِ إلى البيت في المدينة: أنه كان بيته في المدينة قريبًا من
(1)"الصراح"(ص: 208).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المسجد النبوي ومتصلًا به، وكان بمكة مسافرًا والمنزل بعيد، فجعل التقدم قائمًا مقام الرجوع إلى البيت، وقال الطيبي (1): لعله فعل ذلك تعظيمًا لصلاة الجمعة، وتمييزًا لها عن غيرها، وأما تخصيص مكة بما فعل دون المدينة فتعظيم لها، انتهى.
ولعله رضي الله عنه إنما زاد في الصلاة بمكة بأن صلى ثمة ستةً لكثرة الثواب أضعافًا مضاعفة، ولجواز الصلاة في الأوقات المكروهة فيها، وقال الترمذي: روي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يأمر بالركعتين بعد الجمعة، ثم بأربع، والسنة عند أبي حنيفة -رحمة اللَّه عليه- بعد الجمعة أربع، وعند صاحبيه ست: أربع، ثم اثنتان، هذا في الصلاة بعد الجمعة، وأما الصلاة قبل الجمعة فثابت، وقد أنكره بعض المحدثين وبالغوا في الإنكار، وقال صاحب (سفر السعادة) (2): الذين قالوا بسنة الجمعة قبلها، إنما قالوا بها قياسًا على الظهر، وإثبات السنن بالقياس غير جائز، وقال: ومن صنف من العلماء في سنن الصلوات واعتنوا بضبطها لم يرووا فيها شيئًا، انتهى.
وأقول: اعلم أن الترمذي عقد في جامعه بابًا في الصلاة قبل الجمعة وبعدها، وأورد في كل منها أحاديث، وقال: وروي عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا، وذهب سفيان الثوري وابن المبارك إلى قول ابن مسعود، وفي (جامع الأصول) (3) من حديث (الموطأ) عن الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه قال: كانوا في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلون يوم الجمعة، حتى يخرج عمر رضي الله عنه، وإذا خرج جلس على منبر فأذن المؤذن، الحديث.
(1)"شرح الطيبي"(3/ 93).
(2)
"سفر السعادة"(ص: 117).
(3)
"جامع الأصول"(5/ 685).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والظاهر أن ما في (صحيح البخاري)(1) من حديث سلمان رضي الله عنه: ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت، وفي (صحيح مسلم) (2) عن أبي هريرة: من اغتسل، ثم أتى الجمعة وصلى ما قدر له، ثم أنصت، وارد في السنة قبل الجمعة، وأورد السيوطي في (جمع الجوامع) (3): من كان مصليًا يوم الجمعة فليصل قبلها أربعا وبعدها أربعًا، رواه ابن النجار.
وذكر في (المواهب اللدنية)(4): أنه قيل: إن الركعتين اللتين أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا سليك الغطفاني بهما وقت الخطبة، والتجوز فيهما كانتا سنة الجمعة قبلها، وسيجيء ذكرها في (باب خطبة الجمعة) إن شاء اللَّه تعالى، وفي (المواهب) (5) أيضًا من حديث أبي داود وابن حبان من طريق أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يطيل في الصلاة قبل الجمعة وبعد الجمعة ركعتين في بيته، ويقول: هكذا كان يفعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وبهذا الحديث احتج النووي في (الخلاصة) على إثبات السنة قبل الجمعة، وتعقب بأن قول ابن عمر:(هكذا) إشارة إلى الأخير من أداء الركعتين بعد الجمعة في بيته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج بعد الزوال من بيته، ويشتغل بالخطبة بصلاة الجمعة، فمتى كانوا يصلون السنة قبل الجمعة، ومن ظن أنه إذا فرغ المؤذن من الأذان قاموا فركعوا فهو من أجهل الناس، انتهى. وفيه ما فيه؛ لأن حصول اليقين بخروجه صلى الله عليه وسلم متصل الزوال
(1)"صحيح البخاري"(883).
(2)
"صحيح مسلم"(857).
(3)
"جمع الجوامع"(6326).
(4)
"المواهب اللدنية"(4/ 236).
(5)
"المواهب اللدنية"(4/ 234).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بحيث كان لم يصل في بيته مشكل جدًا، وقد رواه ابن عمر رضي الله عنه، فافهم.
وقال الشيخ ابن الهمام (1): خروجه صلى الله عليه وسلم كان بعد الزوال بالضرورة، فيجوز كونه بعد ما كان يصلي أربع ركعات، ويجب الحكم بوقوع هذا المجوِّز لما مر في باب السنن من عموم أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي إذا زالت الشمس أربعًا، ويقول:(إن هذه ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح)، وكذا يجب في حقهم لأنهم أيضًا يعلمون الزوال، إذ لا فرق بينهم وبين المؤذن فيه في ذلك الزمان؛ لأن اعتماده في دخول الوقت كاعتمادهم، بل ربما يُعلمونه بدخول الوقت ليؤذن على ما عرف من حديث ابن أم مكتوم أنهم كانوا يعلمونه بالفجر فيؤذن.
فإن قلت: مقصود النافي نفيُ صلاة قبل الجمعة أن تكون راتبة لها كالظهر، قلنا: لما ثبتت الصلاة قبل الجمعة لمَ لا تكون راتبةً لها، والدليل على عدمها، على أنه قد ذهب بعض الناس إلى أن المراد بهذه الأربعة التي كان يصلي بعد الزوال سنة الظهر، فلم لا تكون سنة الجمعة، واللَّه أعلم.
وقال البخاري في ترجمة (باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها)، ثم أورد حديثًا في الركعتين بعد الجمعة، ولم يورد حديثًا في الصلاة قبلها، فقال في (فتح الباري) (2) عن ابن المنير أنه قال: لعل قصد البخاري من عدم التعرض بالصلاة قبل الجمعة أن الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه لأنها بدل الظهر، ولما كان اعتناؤه بذكر الصلاة بعد الجمعة أكثر لورود الحديث فيه صريحًا تعرض به، ولهذا
(1)"فتح القدير"(2/ 69).
(2)
"فتح الباري"(2/ 426).