الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ بَيْنِ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي، ثَارَ عَنْ فِرَاشهِ وَوِطَائِهِ مِنْ بَيْنِ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقًا مِمَّا عِنْدِي، وَرَجُلٌ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَانْهَزَمَ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ فِي الِانْهِزَامِ، وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَرَجَعَ حَتَّى هُرِيقَ دَمُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقًا مِمَّا عِنْدِي حَتَّى هُرِيقَ دَمُهُ". رَوَاهُ فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ". [شرح السنة: 1/ 223].
*
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
1252 -
[12] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ" قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأسِهِ،
ــ
(القاموس)(1): الوطاء ككتاب وسحاب من الكساء خلاف الغطاء، واللحاف بكسر اللام: ما يتغطى به، والتحف به: تغطى، والحب بكسر الحاء: المحبوب، والشفق محركة: الخوف.
وقوله: (هريق) أي: صب، والياء بدل من الهمزة، وقد سبق تحقيقه.
الفصل الثالث
1252 -
[12](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (فوضعت يدي على رأسه) قيل: هذا على عادة العرب فيما يعتنون به، وقيل: في الاستغراب والتعجب، كفعل المستغرب للشيء المتعجب من وقوعه مع من استغرب منه، ونظيره أن بعض الأعراب كان ربما
(1)"القاموس المحيط"(ص: 65).
فَقَالَ: "مَالَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو؟ " قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَّكَ قُلْتَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ" وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا؟ قَالَ: "أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 735].
1253 -
[13] وَعَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ: لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَقِمِ الصَّلَاةَ يَا بِلَالُ أَرِحْنَا بِهَا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4985].
* * *
ــ
مس لحيته الشريفة عند مفاوضته معه، ومع ذلك هو خلاف الأدب، وقيل: لعله صدر ذلك منه من غير قصد منه استغرابًا وتعجبًا، والظاهر أنه فعل ذلك بعد فراغه صلى الله عليه وسلم من الصلاة إذ لا يظن ذلك قبله.
وقوله: (على نصف الصلاة) أي: واقع ثوابه على مقدار ثواب نصف الصلاة، وقال الطيبي (1): التقدير: تقاس صلاة الرجل قاعدًا على نصف صلاته قائمًا.
وقوله: (لكني لست كأحد منكم) يعني: ذلك الذي ذكرتُ أن صلاة الرجل قاعدًا على نصف صلاته حكمُ غيري من الأمة، وأما أنا فخارج عن هذا الحكم، ويقبل مني ربي صلاتي قاعدًا مقدار صلاتي قائمًا، أو ذلك من خصائصي لما أختص به من غاية التوجه والحضور والمعرفة والقرب، فلا تقيسوني على أحد ولا تقيسوا أحدًا علي.
1253 -
[13](سالم بن أبي الجعد) قوله: (فكأنهم عابوا ذلك عليه) لِمَا
(1)"شرح الطيبي"(3/ 141).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تبادر إلى أفهامهم من طريان الكسل والثقل، كأنه قال: ليتني صليت فاسترحت ونمت فإني لم أطق انتظارها، فقال الرجل: لست أريد ما فهمتم حاشا ذلك، بل أردت ما أراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقوله:(يا بلال أرحنا بها) فسكتوا.
واعلم أنه قد ذكر في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أرحنا يا بلال) وجهان، أحدهما: أن أَذِّنْ بالصلاة حتى نستريح بأدائها عن شغل القلب بها، وثانيهما: أنه كان اشتغاله صلى الله عليه وسلم بها راحة له، فإنه كان يَعُدُّ غيرها من الأعمال الدنيوية تعبًا، وكان يستريح بها لما فيها من مناجاة الحق، ولذا قال:(وجعلت قرة عيني في الصلاة)، وهذان المعنيان المذكوران في (النهاية)(1) للجزري، وبينهما فرق، فإن الراحة في الأول بإبراء الذمة، ووجود الطاعة، وامتثال الأمر، والخلاص من تعب الشغل، وتعلق القلب بها، وفي الثاني الراحة بوجود الصلاة، وذوق المناجاة، والشهود الذي يحصل فيها، ولا شك أن المعنى الثاني أتم وأكمل وأنسب وأليق بحاله صلى الله عليه وسلم، وقول الرجل الخزاعي:(ليتني صليت فاسترحت) ظاهرًا ينظر إلى المعنى الأول، ويمكن أن يكون مراده: استرحت بها عن الاشتغال بما سوى اللَّه، كما في المعنى الثاني، وأما قول الطيبي في شرح قوله:(فكأنهم عابوا ذلك): أي: تمنيه الاستراحة في الصلاة وهي شاقة على النفس، وثقيلة عليها، وجوابه بقوله: لعلهم نسوا قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45](2)، فلا يخلوا عن بعدٍ عن فهم المرام، فتأمل.
(1)"النهاية"(2/ 274).
(2)
"شرح الطيبي"(3/ 142).