الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1039 -
[1] عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا".
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ، فَإِذا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ،
ــ
ذكره، وهو حديث مرسل مع قوة رجاله، كذا في (فتح الباري)(1).
الفصل الأول
1039 -
[1](ابن عمر رضي الله عنهما) قوله: (لا يتحرى أحدكم) تحرى يجيء بمعنى قصد، وبمعنى قصد الأحرى والأولى، والمعنى الأول هنا أظهر، وتوجيه الثاني أنه لما قصد الصلاة فيه فكأنه ظن أنه الأحرى لها، وقد فهم مما ذكرنا في بيان مذهب الشافعي له معنى، فافهم.
وقوله: (فيصلي) جوابًا للنفي لكونه بمعنى النهي، وقال الكرماني (2): ويجوز فيه الرفع، أي: فهو يصلي.
وقوله: (حاجب الشمس) في (القاموس)(3): الحاجب من الشمس: ناحية منها.
وقوله: (فدعوا الصلاة) عام يشمل الصلوات، وقيد الشافعية بالتي لا سبب لها.
وقوله: (حتى تبرز) أي: كلها.
(1)"فتح الباري"(2/ 63).
(2)
"شرح الكرماني"(4/ 223).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 81).
وَلَا تَحَيَّنُوا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَي الشَّيْطَانِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 585، م: 828].
1040 -
[2] وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَو نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً. . . . .
ــ
وقوله: (ولا تحينوا) أصله ولا تتحينوا، أي: لا تجعلوا وقت الصلاة طلوعها، من تحين الشيء وحَيَّنَه: جعل له حينًا، والباء على هذا زائدة، أو لا تتقربوا بصلاتكم وقت طلوع الشمس، من حان: إذا قرب، أو لا تنتظروا بصلاتكم طلوعها، من تحيَّن: إذا انتظر، وفي حديث رمي الجمار: كنا نتحين زوال الشمس، أي: إذا زالت رمينا، ويقال: حيّن الناقة وتحينها: إذا حلبها وجعل لها في كل يوم وليلة وقتًا يحلبها، وفي الحديث؛ كانوا يتحينون للصلاة، ويتحينون ليلة القدر، كله من التحري لطلب حينها وارتقاب وقتها.
وقوله: (بين قرني الشيطان) أي: ناحيتي رأسه، وقد مرّ شرحه في (باب المواقيت).
1040 -
[12](عقبة بن عامر) قوله: (أو تفسير) من باب نصر وضرب، يقال: قبرته، أي: دفنته، وأقبرته: إذا جعلت له قبرًا، كذا قال البخاري في ترجمة باب، والمراد به صلاة الجنازة؛ لأن الدفن غير مكروه بالإجماع، كذا قالوا.
وقوله: (حين تطلع الشمس بازغة) بزغت الشمس بزغا وبزوغًا: شرقت، أو البزوغ ابتداء الطلوع، كذا في (القاموس)(1)، وهذا المعنى أنسب ههنا، فإن النهي
(1)"القاموس المحيط"(ص: 719).
حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغرُبَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 831].
ــ
إنما هو في ابتداء الطلوع وبدء حاجبها.
وقوله: (حتى ترتفع) وهو مقدار رمح وهذا للاستحباب وإلا فالجواز يتعلق بتمام طلوعها.
وقوله: (وحين يقوم قائم الظهيرة) الظهيرة: نصف النهار، والمراد بقائم الظهيرة الظل والشمس، والتذكير باعتبار الكوكب أو بتأويل الشخص أو جعله صيغة النسبة، ومعنى القيام الوقوف، من قولهم: قامت دابة، أي: وقفت، ومنه قوله تعالى:{وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة: 20]، والشمس إذا بلغت كبد السماء تتخيل في بادي الحس حركة بطيئة كأنها وقفت ولا وقوف لها في الحقيقة، قال الشاعر (1):
والشمس حيرى لها بالجو تدويم
وقد فسر البيضاوي بذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38]، فالمراد وقت الاستواء، وهو وإن كان وقتًا ضيقًا لا يسع الصلاة إلا أنه يسع التحريمة، فيحرم تعمدها فيه، كذا في شرح الشيخ، قلت: ولعل هذا مبني ما نقل مالك رحمة اللَّه عليه كما مر أنهم كانوا يصلون نصف النهار، واللَّه أعلم.
وقوله: (وحين تضيف الشمس) أصله تتضيف كما في {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} [القدر: 4]، أي: تميل الشمس، وأصل الضيف: الميل، يقال: ضلت إلى كذا، أي: ملت، ومنه يسمى الضيف.
(1) هو ذُوْ الرُّمَّةِ غَيْلَانُ بنُ عُقْبَةَ بنِ بُهَيْسٍ، مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ، مَاتَ بِأَصْبَهَانَ، كَهْلًا، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِئَةٍ. "سير أعلام النبلاء"(5/ 267).
1041 -
[3] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ". مُتَّفَقٌ عَليْهِ. [خ: 856، م: 827].
1042 -
[4] وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حِيْنَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلَع بَيْنَ قَرْنَي الشَّيْطَانِ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ. . . . .
ــ
1041 -
[3](أبو سعيد الخدري) قوله: (لا صلاة) أي: كاملة لأن الصلاة في هذين الوقتين مكروهة لا حرام.
1042 -
[4](عمرو بن عبسة) قوله: (عن الصلاة) أي: عن وقتها بدليل الجواب.
وقوله: (ثم أقصر) بفتح الهمزة من الإقصار، وهو الكف عن الشيء مع القدرة عليه، فإن عجزت عنه تقول: قصرت عنه بلا ألف، كذا في (مجمع البحار)(1).
وقوله: (بين قرني الشيطان) بالتنكير في بعض النسخ، وفي بعضها: بالتعريف.
وقوله: (ثم صل) أي: ما شئت من النوافل والقضاء والمنذور مثلًا.
وقوله: (مشهودة محضورة) أي: تشهدها الملائكة من شهده إذا حضره، فيكون (محضورة) كالتأكيد له، أو تشهد بها لمن صلاها، وفي رواية:(مشهودة مكتوبة)،
(1)"مجمع البحار"(4/ 285).
حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَي الشَّيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكفَّارُ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! . . . . .
ــ
وهي في معنى الأول؛ فإن حضور الملائكة إنما هو لكتابتها.
وقوله: (حتى يستقل الظل بالرمح) هكذا وجد في نسخ (المصابيح) وأكثر الأصول، وجاء في لفظ:(حتى يستقل الرمح بالظل)، وهو من القلة، أي: يبلغ ظل الرمح المغروز في الأرض غاية القلة والنقصان كما يكون في وقت الاستواء، والأول إما محمول على القلب أو على أن الاستقلال بمعنى الارتفاع كما في قولهم: استقلت السماء: ارتفعت، وفي (القاموس) (1): استقله: حمله ورفعه، والطائر في طيرانه: ارتفع، أي: يرفع معه ولا يقع منه شيء على الأرض، أو تكون الباء بمعنى (في)، وعلى الثاني تكون للتعدية، فتدبر.
وقوله: (فإن حينئذ تُسجر جهنم) أي: توقد، في (القاموس) (2): سجر النور: أحماه، والنهر: ملأه، ويروى بالتشديد فكأنه للمبالغة، قال الطيبي (3): وفي اسم (إن) وجهان: أحدهما: (تسجر) على إضمار (أن)، والثاني: حذف ضمير الشأن من (إن) المكسورة، انتهى. وجاء في (النهاية) (4) بلفظ:(فإن جهنم تُسْجَرُ وتُفْتَح أبوابها)،
(1)"القاموس المحيط"(ص: 968).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 377).
(3)
"شرح الطيبي"(3/ 17).
(4)
"النهاية"(2/ 343).
فَالْوُضُوءُ حَدِّثْنِي عَنْهُ، قَالَ: "مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيُمَضْمِضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيِهِ مِنْ أَنامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ،
ــ
وأراد أن الشمس إذا استوت قارنها الشيطان فكأن سَجْر جهنم حينئذ لمقارنته وتهيئه لسجود عُبَّاده، وقال الخطابي:(تُسْجر جهنم)، (بين قرني الشيطان) من الألفاظ الشرعية، يتفرد الشارع بمعانيها ويجب علينا التصديق بها.
وقوله: (فالوضوء) بالنصب والرفع.
وقوله: (يقرب) بالتشديد، (وضوءه) بالفتح، أي: يحضر ماء يتوضأ به، ففيه من المشقة ما ليس لمن لم يزاول مشقة في إحضار الماء.
وقوله: (فينتثر) أي: يجذب الماء بخياشيمه، ثم يدفعه.
وقوله: (إلا خرت) أي: سقطت، وأصل الخرور: السقوط من علو، ويروى جرت بالجيم، أي: جرت مع ماء الوضوء، كذا في (النهاية) (1). (خطايا وجهه) أي: باطن وجهه.
وقوله: (وفيه) أي: فيه بالمضمضة.
وقوله: (وخياشيمه) في الاستنشاق عطف تفسير وبيان لذلك، ويسقط بغسل
(1)"النهاية"(2/ 21).
فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 832].
1043 -
[5] وَعَنْ كُرَيْبٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالُوا: اقْرَأْ عليها السلام وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا،
ــ
الوجه خطايا ظاهر الوجه.
وقوله: (فإن هو قام) من قبيل {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6]، وجواب الشرط محذوف، وهو: لم ينصرف، وهو المستثنى منه لقوله: إلا انصرف.
وقوله: (كهيئته. . . إلخ) بغفران الذنوب الظاهرة والباطنة، الظاهرة بالوضوء، والباطنة بالصلاة.
1043 -
[5] قوله: (غريب) على لفظ التصغير، (والمسور) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو، و (مخرمة) بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء.
وقوله: (اقرأ) بكسر الهمزة وفتح الراء، ولو قال مثلًا: أقرئها منا السلام لكان بفتح الهمزة وكسر الراء، وقد بيناه في موضع آخر.
وقوله: (وسلها عن الركعتين بعد العصر) وزاد في رواية: وقيل لها: إنا أخبرنا أنك تصليهما، وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، وقال ابن عباس: وقد كنت أضرب النَّاس مع عمر رضي الله عنهما.
ثُمَّ دَخَلَ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُولِي لَهُ: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا؟ قَالَ:"يَا ابْنَةَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1233، 4370، م: 834].
ــ
وقوله: (ثم دخل) من تتمة كلام أم سلمة، أي: دخل النبي صلى الله عليه وسلم الدار من المسجد، وقد رأيته مصلّيًا لهما في المسجد، أو دخل من صُفَّة الدار البيت، وهذا هو الأظهر.
وقوله: (فشغلوني) فيه أن التعليم والإبلاغ مقدم على النوافل حتى من سنن الرواتب خصوصًا من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إنما بعث لذلك وأن السنن الرواتب تقضى في وقت آخر.
فإن قلت: هذا إنّما يدل على صلاته صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر مرة أو مرتين لشغل عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر، وما نفعل بأحاديث جاءت عن عائشة رضي الله عنها في (صحيح البخاري) تدل على مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك من قولها: والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي اللَّه، تعني: الركعتين بعد العصر، وقولها في الرواية الأخرى: ما ترك السجدتين بعد العصر عندي قط، وفي رواية أخرى: لم يكن يدعهما سرًّا ولا علانية، وفي الأخرى: ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين، وقد تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل بعد العصر مطلقًا ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس.
فالجواب عنه كما ذكر في (فتح الباري)(1): أن المواظبة على ذلك من
(1)"فتح الباري"(2/ 64 - 65).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خصائصه صلى الله عليه وسلم، والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل وينهى عن الوصال، رواه أبو داود، ورواية أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها في نحو هذه القصة، وفي آخره: وكان إذا صلى صلاة أثبتها، رواه مسلم، قال البيهقي: الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء، ثم إنه قد روى الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلى صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر؛ لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعدهما، وقال: حديث حسن.
وقال الشيخ: هو من رواية جرير عن عطاء بن السائب، وقد سمع منه بعد اختلاطه، وإن صح فهو شاهد لحديث أم سلمة، لكن ظاهر قوله:(ثم لم يعدهما) معارض لحديث عائشة بالروايات المتعددة، فيحمل على عدم علم الراوي، فإنه لم يطلع على ذلك، والمثبت مقدم على النافي، وكذا ما رواه النسائي من طريق أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلّى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة. . . الحديث. وفي رواية له عنها: لم أره يصليهما قبل ولا بعد، فيجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ليصليهما إلا في بيته، فلذلك لم يره ابن عباس رضي الله عنهما ولا أم سلمة، ويشير إلى ذلك قول عائشة رضي الله عنها على ما رواه البخاري: كان لا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته، وكان يحب ما يخفف عنهم، وبهذا يحصل الجواب عما زاد البيهقي عن أبي نعيم شيخ البخاري: فقيل لها: إن عمر رضي الله عنه كان ينهى عنهما ويضرب عليهما، فقالت: صدقت، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما ولا يصليهما في المسجد.
وروى عبد الرزاق من حديث زيد بن خالد سبب ضرب عمر الناس على ذلك، فقال عن زيد بن خالد: إن عمر رضي الله عنه رآه، وهو خليفة يركع بعد العصر فضربه، فذكر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحديث، وفيه: يا زيد! لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سُلّما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما، فلعل عمر رضي الله عنه كان يرى أن النهي عن الصلاة بعد العصر إنما هو لخشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس، وإليه ذهب ابن المنذر وغيره.
وقد جاء في رواية أخرى: ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب، حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيها، وهذا أيضًا يدل على ما قلنا، كذا في (فتح الباري)(1).
ثم اعلم أنه قد اختلف أهل العلم فقال بعضهم: لا تكره الصلاة بعد الصبح ولا بعد العصر، إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبه، وإليه جنح بعض أهل الظاهر، وإليه يشير ظاهر حديث ابن عمر رضي الله عنهما في (صحيح البخاري) (2):(لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها)، وإليه ذهب ابن المنذر وغيره، ومنهم من جعله نهيا مستقلًا، وكره الصلاة في تلك الأوقات سواء قصد لهما أم لا، وهو قول الجمهور، وفرق بعضهم فقال: يكره بعد الصبح والعصر، ويحرم عند الطلوع والغروب، وممن قال بذلك محمد بن سيرين ومحمد بن جرير، وهو ظاهر مذهبنا، واحتج بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعد العصر، فدل على أنه لا يحرم، ويحمل فعله على بيان الجواز، وروي عن ابن عمر تحريم الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وإباحتها بعد العصر حتى تصفر، وبه قال ابن حزم، واحتج بحديث رواه أبو داود بإسناد صحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة. والمشهور إطلاق الكراهة في الجميع
(1)"فتح الباري"(2/ 65).
(2)
"صحيح البخاري"(583).