المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٣

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌13 - باب الركوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب السجود وفضله

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب التشهد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب الدعاء في التشهد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب الذكر بعد الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌19 - باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌20 - باب السهو

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌21 - باب سجود القرآن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌22 - باب أوقات النهي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌23 - باب الجماعة وفضلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌24 - باب تسوية الصف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌25 - باب الموقف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌26 - باب الإمامة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌27 - باب ما على الإمام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌28 - باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌29 - باب من صلى صلاة مرتين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌30 - باب السنن وفضائلها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌31 - باب صلاة الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌32 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌33 - باب التحريض على قيام الليل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌34 - باب القصد في العمل

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌35 - باب الوتر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌36 - باب القنوت

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌37 - باب قيام شهر رمضان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌38 - باب صلاة الضحى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌39 - باب التطوع

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌40 - [باب] صلاة التسبيح

- ‌41 - باب صلاة السفر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌42 - باب الجمعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌43 - باب وجوبها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌44 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌45 - باب الخطبة والصلاة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌46 - باب صلاة الخوف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌47 - باب صلاة العيدين

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌48 - باب في الأضحية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌49 - باب في العتيرة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌50 - باب صلاة الخوف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌51 - باب في سجود الشكر

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌52 - باب الاستسقاء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌53 - باب في الرياح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

1381 -

[1] عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ،

ــ

إلى الجمعة المبادرة إليه والمسارعة حتى يحضرها في أول الوقت، وله مراتب متفاوتة، ولو كان في أول النهار كان أكمل وأفضل، كما نقل الإمام الغزالي في (الإحياء) عن بعض السلف أنهم كانوا يأتونه بكرة، والعادة في المسجد الشريف النبوي الآن أنهم يأتون بكرة، ويحرزون الأمكنة الشريفة، ويفرشون السجادة فيها، ولا يجلسون، وقد تكلم العلماء على ذلك بأنه تضييق على الناس.

نعم لو جلسوا وذكروا فذاك، وإلا مجرد إحراز المكان المستلزم للتضييق غير مستحسن، ذكره السيد السمهودي في (تاريخ المدينة).

الفصل الأول

1381 -

[1](سلمان) قوله: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة) قد مر الكلام في غسل الجمعة أهو واجب أو سنة في (باب الغسل المسنون).

وقوله: (ويتطهر ما استطاع من طهر) إشارة إلى المبالغة في التطهير وإكماله بما ذكر من غير أن يبلغ درجة الوسواس والإسراف ولو في الوقت.

وقوله: (من دهنه) الإضافة للإشعار إلى أنه يدهن مما تيسر في بيته ولا يتكلف ولا يسأل الناس، يدل عليه الحديث الآتي في أول (الفصل الثاني)، وقيل: للإشارة إلى أن الأولى للإنسان أن لا يخلو بيته من طيب، وأن يعتاد استعمال ذلك للجمعة وغيرها من كل اجتماع، كذا في شرح الشيخ، وكذا الكلام في قوله:(من طيب بيته)، ولا حاجة إلى تقييد الدهن بطيب الرائحة كما في شرح الشيخ، وإن كان أفضل، ولكن ذكر مس الطيب يغني عن التقييد إن لم يكن (أو) للشك من الراوي، وعند الإمام أبي

ص: 499

أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ

ــ

حنيفة رحمة اللَّه عليه دهن السمسم طيب، ولا يجوز مسه للمحرم، و"أو" في قوله:(أو يمس) بمعنى الواو، وفي شرح الشيخ: أي إن لم يجد دهنًا، وكان وجهه أن الادّهان بالدهن عمل كثير يستدعي دهنًا كثيرًا، فإن لم يجد يمس شيئًا من الطيب وإن كان قليلًا، لا سيما أن الشيخ قيّده بدهن طيب الرائحة، فافهم.

وقوله: (فلا يفرق بين اثنين) بأن يجلس بين اثنين متلاصقين من غير أن يكون بينهما مكان فيتأذيان، أو يفرق بالتخطي والذهاب إلى مكان فوق، وقال الطيبي (1): هو كناية عن التبكير، أي: لا يبطئ حتى لا يفرق، فينطبق الحديث على الباب.

ولا حاجة إليه، والأحاديث المذكورة في أول الباب أحاديث التنظيف، وأحاديث التبكير تأتي من الحديث الرابع، وهكذا عادة المؤلف إذا جمع في الترجمة شيئين، والأمر في ذلك سهل.

وقوله: (ثم يصلي ما كتب) أي: قدر، وهو سنة الجمعة، وقد وقع الكلام من العلماء في السنة قبل الجمعة، فأنكره قوم أنه ليس لها راتبة، وإنما يثبتون بالقياس على الظهر، والسنة لا تثبت بالقياس، وقد أطلنا فيه الكلام في شرح (سفر السعادة)(2)، وفي هذا الباب نوع إيماء إلى ذلك، فإن هذه العبارة أكثر ما تستعمل في التطوع غير الرواتب، كما مرّ في حديث بلال في أول (باب التطوع).

وقوله: (ثم ينصت) بضم الياء من أنصت: إذا سكت سكوت مستمع، لازم ومتعد، ومنه الإنصات للعلماء، أي: السكوت والاستماع لما يقولون، وجاء (ينصت)

(1)"شرح الطيبي"(3/ 214).

(2)

"شرح سفر السعادة"(ص: 211).

ص: 500

إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 883].

1382 -

[2] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 857].

1383 -

[3] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ. . . . .

ــ

بالفتح أيضًا، من نصت بمعنى سكت.

وقوله: (إذا تكلم الإمام) أي: الخطيب، وفيه أن الأفضل أن يكون الإمام هو الخطيب.

وقوله: (وبين الجمعة الأخرى) أي: الماضية التي قبلها كما يجيء في حديث سلمان، وتدل عليه الأحاديث الأخر، فـ (أخرى) ههنا بمعنى (غير) من غير اعتبار معنى التأخر.

1382 -

[2](أبو هريرة) قوله: (وفضل ثلاثة أيام) لتكون الحسنة بعشر أمثالها، و (فضل) منصوب على أنه مفعول معه، وفي (شرح صحيح مسلم): نصب (فضل) و (زيادة) على الظرفية، وقد يرفع عطفا على (ما) في (ما بينه)، أو يقدر: وزيد له فضل ثلاثة أيام، ويجوز أن يكون مجرورًا على أنه عطف على (الجمعة)، كذا قيل.

1383 -

[3](وعنه) قوله: (من توضأ فأحسن الوضوء) إيراد هذا الحديث للإشارة إلى أن التنظيف أعمّ من الغسل، وليس الغسل بواجب.

ص: 501

فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 857].

1384 -

[4] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، يَكْتبونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ. . . . .

ــ

وقوله: (فاستمع وأنصت) عطف تفسيري.

وقوله: (ومن مسّ الحصى) أي: لعب به عبثًا، وقيل: المراد تسويته ليسجد عليه، وقيل: المراد تقليب الحصى والعد بها للتسبيح، وهذا أنسب بالنهي عن التكلم عند الخطبة.

وقوله: (فقد لغا) اللغو: التكلم بما لا يعني، والباطل، والكلام الساقط، وفي (القاموس) (1): كلمة لاغية، أي: فاحشة، جعل المس كاللغو؛ لأنه يشغله عن سماع الخطبة كما يشغله الكلام.

1384 -

[4](وعنه) قوله: (الأول فالأول) الفاء في أمثاله تجيء للترتيب، كقولهم: الأمثل فالأمثل، والأبعد فالأبعد، ويحتمل الرتبة من الأعلى إلى الأدنى والعكس، وأما ههنا فمتعين أن يكون من القسم الأول.

وقوله: (ومثل المهجِّر) بلفظ اسم الفاعل من التهجير، وهو في الأصل السير في الهاجرة، بمعنى نصف النهار عند زوال الشمس، لأن الناس يستكنّون في بيوتهم، فكأنهم تهاجروا شدة الحر، والمراد به ههنا وفي الحديث: لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، بمعنى التبكير، أي: المجيء في أول أوقاتها والمبادرة إليها، وهي لغة حجازية، وقيل: التهجير ههنا بمعنى الهجير بكسر الهاء وتشديد الجيم، بمعنى ملازمة

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1222).

ص: 502

كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 929، م: 850].

ــ

ذكر شيء، وهو يفيد معنى المبادرة والمسارعة، أو مشتق من الهجر بمعنى هجر المنزل وتركه، يعني يهجر المنزل إلى وقت الجمعة ويتركه، كناية عن إتيان الجمعة من أول النهار، وفيه بعد؛ لأن الظاهر حيتئذ ذكر الهجر لا التهجير، وقيل: التهجير: السير في وقت الحر، سواء كان في أول الزوال وآخره، وقد ادعى بعضهم التهجير في أول النهار، وقال التُّورِبِشْتِي (1): جعل الوقت الذي يرتفع فيه النهار ويأخذ الحر في الازدياد من الهاجر [ة] تغليبًا، بخلاف ما بعد زوال الشمس، فإن الحر يأخذ فيه في الانحطاط.

وقوله: (الذي يهدي بدنة) بفتحات: اسم لما يهدى إلى مكة، وجمعه بدن على وزن كتب، وهو اسم للإبل خاصة عند جماعة منهم الشافعي رحمه الله بدلالة هذا الحديث؛ لجعلها مقابلة للبقر، وعامة للإبل والبقر والغنم عند جمهور أهل اللغة وبعض الفقهاء، ومنهم أبو حنيفة رحمه الله، والمراد في الحديث الإبل بقرينة المقابلة، قال الجوهري (2): البدنة: ناقة أو بقرة تنحر بمكة، سميت بذلك لأنهم يسمّنونها، وقال الأزهري: البدنة لا تكون إلا من الإبل، وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم.

وقوله: (دجاجة) بفتح الدال، وهو الأفصح، ويثلث، وعطفه على ما قبله من قبيل الاتباع والمشاكلة، كقولهم: علفتها ماءً وتبنًا، والتقدير: تصدق دجاجة.

وقوله: (فإذا خرج الإمام) وفي رواية لمسلم: (فإذا جلس الإمام)، والجمع بينهما بأن ابتداء طي الصحف عند ابتداء خروج الإمام وانتهائه بجلوسه على المنبر.

(1)"كتاب الميسر"(1/ 336).

(2)

"الصحاح"(5/ 2077).

ص: 503

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم اعلم أنه قد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن يكون إقامة الجمعة قبل الزوال، ومن ثم استدل به من ذهب إلى أن الجمعة تصح قبل الزوال كما هو في رواية عن أحمد رحمه الله أيضًا، وبيانه: أن النهار كله اثنتا عشرة ساعة، وقد علم منه خروج الإمام للخطبة في آخر الساعة الخامسة، ولا شك أنها تكون قبل الزوال.

وأجيب بأنه ليس في الحديث ذكر الإتيان من أول النهار، فلعل الساعة الأولى منه جعلت للتأهب بالاغتسال وغيره، ويكون مبدأ الجميع من أول الثانية، فيكون آخر الخامسة أول الزوال، وإلى هذا أشار بعضهم حيث قال: أول التبكير يكون من ارتفاع النهار، وقد يقال: يحتمل أن يكون الراوي لم يذكر الساعة السادسة.

وقد وقع في بعض الروايات زيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة، وهي العصفور، وله متابعات وشواهد، وفي بعضها زيادة البط بين الكبش والدجاجة، وهذا إن أريد بالساعات ما يتعارف بها عند أهل التنجيم، وإلا فلا إشكال، ولو أريد تفاوت درجات الجائين للجمعة ومراتبهم في تقدم الأوقات وتأخرها فلا إشكال، سواء قدر لها خمس درجات أو ست، أو أزيد أو أنقص.

وقدَّر الإمام الغزالي الساعة الأولى من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والثانية إلى ارتفاعها، والثالثة إلى انبساطها، والرابعة إلى أن ترمض الأقدام، والخامسة إلى الزوال.

وقال الشيخ ابن حجر (1): تجاسر الغزالي فقسمها برأيه، واعترض ابن دقيق العيد أيضًا بأن الرد إلى الساعة المعروفة أولى، وإلا لم يكن لتخصيص العدد بالذكر معنى؛ لأن المراتب متفاوتة جدًا.

ثم اعلم أنه وقع في بعض الروايات: (ثم راح إلى الجمعة)، وحقيقة الرواح الذهاب

(1)"فتح الباري"(2/ 369).

ص: 504

1385 -

[5] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 934، م: 851].

ــ

من الزوال إلى آخر النهار، كما أن الغدو من أوله إلى الزوال، وحينئذٍ يشكل اعتبار الساعات الخمسة أو الستة، ولهذا قال بعض الشافعية والمالكية رحمهما اللَّه: إن المراد بالساعات لحظات لطيفة بعد زوال الشمس، وآخرها قعود الخطيب على المنبر، وإطلاق الساعة على جزء من الزمان غير محدود متعارف، هذا وقد أنكر الأزهري على من زعم أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال، قال: العرب تقول: راح بمعنى ذهب في جميع الأوقات، قال: وهي لغة أهل الحجاز، ونقل أبو عبيد في (الغريبين) مثله، فقد ثبت أن المراد بالرواح الذهاب مطلقًا، وقيل: يمكن أن تكون النكتة في التعبير بالرواح الإشارة إلى أن الفعل المقصود لا يكون إلا بعد الزوال، فسمي الذاهب إلى الجمعة رائحًا بهذا الاعتبار وإن لم يجئ وقت الرواح، كما يسمى القاصد إلى الحج حاجًّا.

وقد نقل عن مالك رحمه الله حمل الرواح على حقيقته، والتجوز في الساعة بحملها على جزء لطيف من الزمان، وقد اشتد إنكار أحمد وابن حبيب من المالكية على هذا المنقول (1)، وقالا: هذا خلاف حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقد احتج بعض المالكية بحديث التهجير، وقد عرفت أن المراد به التبكير، فليتدبر.

1385 -

[5](وعنه) قوله: (فقد لغوت) أي: عملت اللغو، وهو الكلام عند الخطبة مع ما فيه من التكلم مع الأمر بالإنصات لغيره، ففيه وجوب الإنصات ولو كان التكلم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يكفيه الإشارة.

(1) أي: ما نقل عن مالك من كراهية التبكير إلى الجمعة "فتح الباري"(2/ 369).

ص: 505

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتفصيل الكلام في الإنصات: أن الإنصات واجب عند أكثر العلماء، والإمام أبي حنيفة رحمه الله منهم، وعند بعضهم مستحب، ومنهم الشافعي رحمه الله، وقال في (المواهب اللدنية) (1): إن للشافعي رحمه الله قولين، وكذا عن أحمد، وقال: إن ابن عبد البر نقل الإجماع على وجوب الإنصات إلا عن قليل من التابعين، وهذا القول غريب، انتهى.

وقال الترمذي (2): كره أهل العلم التكلم وقت الخطبة، واختلفوا في رد السلام وتشميت العاطس، فبعضهم كرهوه، وبعضهم ترددوا فيه، انتهى. ومذهبُ أبي حنيفة رحمه الله أن من وقت خروج الإمام للخطبة إلى أن يشرع في الصلاة الصلاةُ والكلامُ كليهما حرام، وإن كان في الصلاة والإمامُ شرع في الخطبة قطع الصلاة على رأس ركعتين، وعند صاحبيه لا بأس بالكلام بعد خروج الإمام قبل الشروع في الخطبة، وبعد النزول عن المنبر قبل أن يكبر؛ لأن الكراهة إنما هي من جهة الإخلال بالاستماع، ولا استماع في هذين الوقتين، وقد أورد الترمذي في التكلم بعد نزول الإمام حديثًا في "جامعه"، بخلاف الصلاة فإن لها امتدادًا، ولعله لا يتيسر قطعها إلى الشروع في الخطبة، والدليل لأبي حنيفة على حرمتها حديث ورد فيها، والكلام أيضًا لا يتيسر قطعه بحكم الطبيعة، وروى مالك في (الموطأ) (3): إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام.

وقال الشيخ ابن الهمام (4): في رفع هذا الحديث كلام، والمعروف أنه من كلام الزهري، وقال: إن ابن أبي شيبة روى في (مصنفه) عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم:

(1)"المواهب اللدنية"(4/ 170).

(2)

"سنن الترمذي"(512).

(3)

"موطأ مالك"(233).

(4)

"فتح القدير"(2/ 68).

ص: 506

1386 -

[6] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يُخَالِفُ إِلَى مَقْعَدِهِ فَيَقْعُدَ فِيهِ، وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2178].

ــ

أنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام، وقول الصحابي حجة عندنا ويجب تقليده، انتهى. وقالوا: المراد بالصلاة هي النافلة، ولم يكره قضاء الفائتة.

واختلفوا فيمن جلس بعيدًا بحيث لا يسمع الخطبة، والمختار السكوت، وقيل: الأحسن أن يشتغل بالذكر والتسبيح خصوصًا عند ذكر صفات الظلمة، وقال الشيخ ابن الهمام: كره الكلام عند الخطبة وإن كان الأمر بالمعروف أو التسبيح أو التهليل، وحرم الأكل والشرب والكتابة، وكره تشميت العاطس ورد السلام، وفي رواية عن أبي يوسف: لا يكره لأنهما فرض، والجواب أنهما فرضان في كل وقت إلا عند سماع الخطبة؛ لعدم الإذن فيهما، ويصلي في نفسه؛ لئلا يشغل عن سماع الخطبة، وهو الصواب، وكذا الحمد عند العطسة، وفي ردِّ المُنكَر بالإشارة بالعين واليد لا يكره، وهو الصحيح، وفي النظر إلى كتاب وإصلاحه بالقلم رواية عن أبي يوسف، انتهى. وسيجيء الكلام في تحية المسجد في آخر (باب الخطبة) إن شاء اللَّه تعالى.

1386 -

[6](جابر) قوله: (ثم يخالف إلى مقعده) أي: يقصد إلى مقعده ويلازمه.

وقوله: (افسحوا) أي: وسعوا، وفي حديث الجماعة:(ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم) أي: آتيهم على تأويل، ويقال: خالفني إلى كذا، أي: قصده وهو مولٍّ عنه، وفي (القاموس) (1): هو يخالف فلانة: أي يأتيها إذا غاب زوجها، وخالفها إلى موضع آخر: لازمها، انتهى. وفي الحديث: (ما من رجل يخالف إلى امرأة رجل

(1)"القاموس المحيط"(ص: 746).

ص: 507