الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1129 -
[1] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،
ــ
بأقسامها على ما عين منها في الصلاة، ويكتفي على ثلاث مرات من التسبيح بأدائها كما ينبغي مع رعاية القومة والجلسة.
وأكثر ما يراد بتخفيف الصلاة الوارد في الأحاديث تخفيف القراءة، وقد وقع في بعض الأحاديث أنه كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام، قيل في معناه: إنه كان يخفف القراءة ويتم الركوع والسجود والتعديل، وقيل: المراد أن تطويله صلى الله عليه وسلم يرى بالنسبة إلى صلاة الآخرين في غاية القلة، يعني لو كان غيره صلى الله عليه وسلم يقرأ مثل هذه القراءة يرى طويلًا ويورث الملالة بخلافها عنه صلى الله عليه وسلم فإنه كان يورث ذوقًا ونشاطًا ولذة وحضورًا بالاستماع عنه صلى الله عليه وسلم، وأيضًا كان في قراءته سرعة وطي لسان يتم في أدنى ساعة كثيرًا منها، ولذا كان يقرأ في صلاة المغرب سورة الأعراف، وبهذا الوجه يكون التمام في نفس القراءة مع الخفة فيها، وأيضًا التخفيف أمر نسبي، فرب طويل يكون قصيرًا بالنسبة إلى أطول منه، ورب قصير يكون طويلًا بالنسبة إلى أقصر منه، فيجتمع الخفة والطول معًا، فافهم.
الفصل الأول
1129 -
[1](أنس) قوله: (ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة (1). . . إلخ)
(1) قَالَ الْقَاضِي: خِفَّةُ الصَّلَاةِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ تَطْوِيلِ قِرَاءَتِهَا وَالِاقْتِصَارِ عَلَى قِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَكَذَا قَصْرِ الْمُنْفَصِلِ، وَعَنْ تَرْكِ الدَّعَوَاتِ الطَّوِيلَةِ فِي الِانْتِقَالَاتِ، وَتَمَامُهَا عِبَارَةٌ عَنِ الإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ وَاللُبْثِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا بِقَدْرِ مَا يُسَبِّحُ ثَلَاثًا، انتهَى. "مرقاة المفاتيح"(3/ 871).
وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 708، م: 469].
ــ
قد عرفت معناه بوجوه.
وقوله: (وإن كان) مخففة من المثقلة.
وقوله: (فيخفف) يدل بظاهره على أن تخفيفه صلى الله عليه وسلم الصلاة كان في بعض الأوقات بعارض، ويفهم مما ذكره من قول أنس أن التخفيف كان عادته إلا أن يكون المراد الزيادة على عادته من التخفيف بأن يقطع ما هو فيه من القراءة، ويبالغ في الإسراع على خلاف عادته، كما ذكر في شرح الشيخ، وهو الظاهر كما يدل عليه الحديث الآتي.
وقوله: (أن تفتن أمه) على صيغة المجهول، أي: بقطع الصلاة أو زوال خشوعها (1).
(1) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ إِذَا أَحَسَّ بِرَجُلٍ يُرِيدُ مَعَهُ الصَّلَاةَ وَهُوَ رَاكِعٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ رَاكِعًا لِيُدْرِكَ الرَّكْعَةَ؛ لأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ لِحَاجَةِ إِنْسَانٍ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ كَانَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي أَمْرٍ أُخْرَوِيٍّ، وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ شِرْكًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَجَعَلَ اقْتِصَارَهُ عليه السلام لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ غَيْرِ مَرَضِيٍّ، وَفِي اسْتِدْلَالِهِ نَظَرٌ؛ إِذْ فَرَّقَ بَيْنَ تَخْفِيفِ الطَّاعَةِ وَتَرْكِ الإِطَالَةِ لِغَرَضٍ، وَبَيْنَ إِطَالَةِ الْعِبَادَةِ بِسَبَبِ شَخْصٍ، فَإِنَّهُ مِنَ الرِّيَاءِ الْمُتَعَارَفِ، وَقَالَ الْفُضَيْلُ مُبَالِغًا: الْعِبَادَةُ لِغَيْرِ اللَّهِ شِرْكٌ، وَتَرْكُهَا لِغَيْرِهِ تَعَالَى رِيَاءٌ، وَالإِخْلَاصُ أَنْ يُخَلصَكَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَأَيْضًا الإِمَامُ مَأْمُورٌ بِالتَّخْفِيفِ وَمَنْهِيٌّ عَنِ الإِطَالَةِ، وَأَيْضًا تَرْكُ التَّخْفِيفِ مُضِرٌّ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِخِلَافِ تَرْكِ الإِطَالَةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَةُ لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ أَصْلِيٌّ أَصْلًا. نَعَمْ لَوْ صُوِّرَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْقَعْدَةِ الأَخِيرَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ، لَكِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الإِمَامَ لَوْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لإِدْرَاكِ الْجَائِي لَا تَقَرُّبًا بِالرّكُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَيُخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَلَكِنْ لَا يَكْفرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ الْجَائِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يُطِيلَ وَإِلَّا صَحَّ أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى، وَأَمَّا لَوْ أَطَالَ الرُّكُوعَ تَقَرُّبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَالَجَ قَلْبُهُ بِشَيْءٍ سِوَى التَّقَرُّبِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا بَأْسَ، =
1130 -
[2] وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالتهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 709].
1131 -
[3] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ. وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 703، م: 467].
ــ
1130 -
[2](أبو قتادة) قوله: (فأتجوز) أي: أترخص وأتساهل وأخفف وأقتصر ولا أطول القراءة والأذكار، فقيل: هو من الجواز بمعنى القطع والتجاوز، وبهذا المعنى فسر الشيخ في شرحه، وقال: أي أقصر متجاوزًا عما كنت أردت فعله لولا بكاؤه، وقيل: بمعنى أقتصر على الجائز المجزي من غير زيادة، والوجد: الحزن ويكسر ماضيه، كذا في (القاموس)(1).
وقوله: (مما أعلم) بمعنى: أعرف أو منزل منزلة اللازم.
1131 -
[3](أبو هريرة) قوله: (فإن فيهم) كذا للأكثر، وللكشميهني:(فإن منهم)، والمراد بالضعيف ههنا: ضعيف الخلقة.
= وَلَا شَكَّ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُلَقَبُ بِمَسْأَلَةِ الرِّيَاءِ، فَالِاحْتِرَازُ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهَا أَوْلَى، كَذَا فِي "شَرْحِ الْمُنْيَةِ" مُلَخَّصًا.
وَأَمَّا مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَنْتَظِرُ فِي صَلَاتِهِ مَا دَامَ يَسْمَعُ وَقْعَ نَعْلٍ فَضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّفُ فِي إِقَامَةِ صَلَاتِهِ، أَوْ تُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى مَا إِذَا عَرَفَ الْجَائِي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُطِيلُ الأُولَى مِنَ الظُّهْرِ كَيْ يُدْرِكَهَا النَّاسُ، لَكِنَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ ظَنِّ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ بِهِ صلى الله عليه وسلم. "مرقاة المفاتيح"(3/ 871).
(1)
"القاموس المحيط"(ص: 306).
1132 -
[4] وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لأَتأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 702، م: 466].
1133 -
[5] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُصَلُّونَ لَكُمْ. . . . .
ــ
1132 -
[4](قيس بن أبي حازم) قوله: (أن رجلًا) قال الشيخ (1): لم أقف على اسمه، ووهم من زعم أنه حزم بن أبي بن كعب؛ لأن قضيته كانت مع معاذ، وهذا مع أبي بن كعب، كذا في بعض الشروح، وأيضًا كان ذلك في صلاة العشاء، وهذا في صلاة الغداة.
وقوله: (إني لأتأخر عن صلاة الغداة) أي: الفجر في الجماعة.
وقوله: (من أجل فلان) المراد أبي بن كعب، ووهم من فسره بمعاذ.
وقوله: (أشد غضبًا منه) مبالغة أو اسم التفضيل بمعنى أصل الفعل.
وقوله: (فأيكم ما صلى)(ما) زائدة لتأكيد الإبهام، ويحتمل أن يكون بمعنى شيء، تقديره: أيكم صلى بالناس أيّ صلاة كانت.
1133 -
[5](أبو هريرة) قوله: (يصلون لكم) أي: أئمتكم من الأمراء، أو أعم من ذلك، أي: يصلون لكم وأنتم تتابعونهم.
(1)"فتح الباري"(2/ 198).