الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1515 -
[5] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا وَلَا تُنْبِتُ الأَرْضُ شَيْئًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2904].
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
1516 -
[6] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الرِّيحُ مِنْ رَوح اللَّهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَبِالْعَذَابِ،
ــ
وهو جمع مفتاح، أي: العلوم التي يتوصّل بها إلى الغيب لا يعلمها إلا اللَّه، وقيل: مفاتيح ومفاتح كلاهما جمع مفتاح ومفتح، كذا نقل الطيبي (1).
1515 -
[5](أبو هريرة) قوله: (ليست السنة) السنة العام، وغلبت على السنة التي فيها القحط والشدة، يعني لا تظنوا أن الرزق والبركة من المطر، بل هو من اللَّه تعالى، فرب مطر لا ينبت منه شيء.
الفصل الثاني
1516 -
[6](أبو هريرة) قوله: (الريح من روح اللَّه) أي: رحمته غالبًا، أو رحمة بالنسبة إلى قوم، وقد يكون عذابًا بالنسبة إلى آخرين، وقيل: في الكلام حذف، أي: الريح من روح اللَّه وعذابه، كذا في بعض الشروح (2).
(1)"شرح الطيبي"(3/ 282).
(2)
قَالَ الْمُظْهِرُ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَكُونُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ -أَيْ: رَحْمَتِهِ- مَعَ أَنَّهَا تَجِيءُ بِالْعَذَابِ؟ ! فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الأَوَّلُ: أَنَّهُ عَذَابٌ لِقَوْمٍ ظَالِمِينَ، رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. قَالَ الطِّيبَيُّ رحمه الله: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45](الْكَشَّافُ): فِيهِ إِيذَانٌ بِوُجُوبِ الْحَمْدِ عِنْدَ إِهْلَاكَ الظَّلَمَةِ، وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وأَجْزَلِ القِسَمِ. الثَّانِي: بِأَنَّ الرُّوحَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، أَي: الرَّائِحُ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الرِّيحَ مِنْ رَوَائِحِ اللَّهِ تَعَالَى، =
فَلَا تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا اللَّه مِنْ خَيْرِهَا، وَعُوذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا". رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ". [مسند الشافعي: 1/ 81، د: 5097، جه: 3727، الدعوات الكبير: 367].
1517 -
[7] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: "لَا تَلْعَنُوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. [ت: 1978].
1518 -
[8] وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2252].
ــ
1517 -
[7](ابن عباس) قوله: (لا تلعنوا الريح (1) فإنها مأمورة) وهذا قريب من معنى قوله: (لا تسبوا الدهر فأنا الدهر).
1518 -
[8](أبي بن كعب) قوله: (فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا) الحديث،
= أَيْ: مِنَ الأَشْيَاءِ الَّتِي تَجِيءُ مَنْ حَضَرَتْهُ بِأَمْرِهُ، فَتَارَةً تَجِيءُ بِالرَّحْمَةِ وَأُخْرَى بِالْعَذَابِ، فَلَا يَجُوزُ سَبُّهَا، بَلْ تَجِبُ التَّوْبَةُ عِنْدَ التَّضَرُّرِ بِهَا، وَهُوَ تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتأْدِيبُهُ رَحْمَةٌ لِلْعِبَادِ. قِيلَ: الرِّيَاحُ ثَمَانٍ: أَرْبَعٌ لِلرَّحْمَةِ: النَّاشِرَاتُ، وَالذَّارِيَاتُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَالْمُبَشِّرَاتُ، وَأَرْبَعٌ لِلْعَذَابِ: الْعَاصِفُ، وَالْقَاصِفُ، وَهُمَا فِي الْبَحْرِ. وَالصَّرْصَرُ، وَالْعَقِيمُ، وَهُمَا فِي الْبَرِّ. "مرقاة المفاتيح"(3/ 1116).
(1)
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: الصِّفَاتُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلَّعْنِ ثَلَاثٌ: الْكُفْرُ، وَالْبِدْعَةُ، وَالْفِسْقُ، وَلَيسَتِ الرِّيحُ مُتَّصِفَةً بِوَاحِدَةٍ. "مرقاة المفاتيح"(3/ 1117).
1519 -
[9] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا هَبَّتْ رِيحٌ قَطُّ إِلَّا جَثَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} [القمر: 19]، و {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41]، {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]،
ــ
وهذا كما قال: (لا تطيروا، فإذا وقع في القلب شيء، فقولوا: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك)، الحديث.
1519 -
[9](ابن عباس) قوله: (إلا جثا) جثى جثوًّا وجثيًّا: جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف أصابعه، كذا في (القاموس)(1)، فقوله:(على ركبتيه) على الأول تأكيدٌ، نحو كتب بيده، وعلى الثاني هو قرينة على إرادة أحد معنيي المشترك، وجثوه صلى الله عليه وسلم إما لخوفه وهيبته أو لجلوسه على هيئة الدعاء، والأول يناسب المعنى الثاني، والثاني الأول.
وقوله: (اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا) قد شاع استعمال الرياح في الرحمة، والريح في العذاب، ويأتي بيانه.
وقوله: (لواقح) جمع لاقحة بمعنى حاملة، شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل، كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم، واللواقح بمعنى الملقحات للشجر والسحاب، ونظيره الطوائح بمعنى المطيحات في قوله: ومختبط مما تطيح الطوائح، كذا قال البيضاوي (2)، وإطلاق اللواقح على الملقحات إما على الإسناد
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1167).
(2)
"تفسير البيضاوي"(1/ 528).
و {أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46]. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّعْوَاتِ الْكَبِيرِ". [مسند الشافعي: 1/ 81، الدعوات الكبير: 369].
ــ
المجازي بأن توصف الرياح بصفة ما هي أسباب له، أو المجازي اللغوي باعتبار السببية؛ لأن لقح الرياح سبب لإلقاحها، أو باعتبار ما كان، فإن الملقح كان أولًا لاقحًا، أو من باب النسبة؛ كلابن وتامر، أو على حذف الزوائد، نحو أثقل فهو ثاقل، كذا قيل.
وقوله: ({أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}) أولى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ} ، وإذا عرفت هذا فاعلم أنه قد اشتهر أن الريح بلفظ الواحد يستعمل في العذاب، والرياح بلفظ الجمع في الرحمة كما وقع في كتاب اللَّه تعالى من الآيات المذكورة، وحمل الدعاء الذي ورد في هذا الحديث الذي جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما من قوله صلى الله عليه وسلم:(اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا) على ذلك، ووجَّهه الخطابي بأن الرياح إذا كثرت جلبت السحاب وكثرت الأمطار، فتركت الزروع والأشجار، وإذا لم تكثر وكانت ريحًا واحدة فإنها تكون عقيمة، والعرب تقول: لا تَلْقَحُ السحابُ إلا من رياح، وأنكر ذلك أبو جعفر الطحاوي مستشهدًا بقوله تعالى:{وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} ، وبما جاء في بعض الأحاديث من استعمال المفرد في الخير والشر معا، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه:(الريح من روح اللَّه تأتي بالرحمة وبالعذاب) الحديث، وحديث أبي بن كعب:(اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها)، وكحديث عائشة رضي الله عنها: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به)، وكحديث ابن عباس:(نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور)، ثم حكم بضعف هذا الحديث الذي جاء من ابن عباس، وقال: لا أصل له في السنن الثابتة، ثم قال أبو جعفر: ففي هذه الآية والأحاديث بيان واضح أن الريح قد تأتي بالرحمة، ومثل هذه الأحاديث مع صحتها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا تعطل بهذا الحديث مع ضعفه ومخالفته للأحاديث الصحاح.
قال التُّورِبِشْتِي (1): والذي قاله أبو جعفر وإن كان قولًا مبنيًّا على قاعدة العلم مبذولًا في نصرة الحق، ولكنا نرى أن لا نتسارع إلى رد هذا الحديث وقد تيسر علينا تأويله وتخريج المعنى على وجه لا يخالف النصوص التي أوردها، وهو أن نقول: التضادُّ الذي جدَّ أبو جعفر في الهرب منه إنما نشأ من التأويل الذي نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، فأما الحديث نفسه فإنه محتمل لتأويل يمكن معه التوفيق بينه وبين النصوص التي عارضه بها أبو جعفر، وذلك أن نذهب في قوله صلى الله عليه وسلم:(اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا) إلى أنه سأل النجاة من التدمير بتلك الريح، فإنها إن تكن مهلكة لم تعقبها أخرى، وإن كانت غير ذلك فإنها توجد كرة بعد كرة، وتستنشق مرة بعد مرة، فكأنه قال: أفسح لنا في المهلة وانسأ لنا في الأجل حتى تهب علينا رباح كثيرة بعد هذه الريح، انتهى.
ولا يذهب عليك أن كلام الطحاوي إنما هو على القول بأن الريح تنحصر في الشر والعذاب على ما يدل عليه تأويل ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه يعارض على هذا التقدير الآية والأحاديث المذكورة، ويلزم منه الرد على ابن عباس رضي الله عنهما، ولهذا حكم بضعف إسناد هذا الحديث مع ما اشتمل عليه من تأويل ابن عباس، وقال: لم يصح هذا الحديث من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا هذا التوجيه من ابن عباس رضي الله عنهما، ففي الحقيقة كلامه في التأويل ورده بضعف الحديث، وإن كان له تأويل آخر؛ فلا كلام، فافهم.
وقال الطيبي (2): إن الريح والرياح إذا كانا مطلقتين كان إطلاق الريح غالبًا في
(1)"كتاب الميسر"(1/ 362).
(2)
"شرح الطيبي"(4/ 285).
1520 -
[10] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَبْصَرَ ناشِئًا مِنَ السَّمَاءِ -تَعْنِي السَّحَابَ- تَرَكَ عَمَلَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ" فَإِنْ كَشَفَهُ حَمِدَ اللَّه، وَإِن مَطَرَتْ قَالَ:"اللَّهُمَّ سَقْيًا نافِعًا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّفْظ لَهُ. [د: 5099، ن في الكبرى: 1842، جه: 3889، مسند الشافعي: 1/ 81].
1521 -
[11] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ. . . . .
ــ
العذاب، والرياح في الرحمة، فعلى هذا لا ترد تلك الآية على قوله ابن عباس؛ لأنها مقيدة بالوصف، انتهى. وهذا التوجيه أقرب وأسلم من لزوم الرد على ابن عباس رضي الله عنهما من غير احتياج إلى الحكم بضعف الحديث، واللَّه أعلم.
1520 -
[10](عائشة) قوله: (تعني السحاب) تفسير السحاب بالناشئ لأنه ينشأ من الجو ويخرج منه كما يسمى عارضًا.
وقوله: (حمد اللَّه) أي: على النجاة مما كان يخاف من العذاب، (وإن مطرت) شكر ودعا بقوله:(اللهم سقيًا نافعًا) خوفًا من لزوم الضرر الذي فيه أيضًا نوع العذاب، و (السقيا) بالضم اسم، وبالفتح مصدر.
1521 -
[11](ابن عمر) قوله: (صوت الرعد) في (القاموس)(1): الرعد: صوت السحاب، أواسم ملك يسوقه كما يسوق الحادي الإبل، انتهى. فإن كان اسمًا للصوت؛ فالإضافة بيانية من إضافة العام إلى الخاص (2).
(1)"القاموس المحيط"(ص: 270).
(2)
قال القاري: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ، وَقَدْ نَقَلَ الشَّافِعِيُّ عَنِ الثِّقَةِ، عَنْ =