الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
919 -
[1] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي، فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَإِنَّ اللَّه قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ،
ــ
الفصل الأول
919 -
[1](عبد الرحمن بن أبي ليلى) قوله: (كعب بن عجرة) بضم المهملة وسكون الجيم.
قوله: (هدية) أي: كلمة.
وقوله: (أهل البيت) منصوب على الاختصاص، وقد يجر بدلًا عن الضمير في (عليكم)، وفيه نظر، والمطلوب السؤال عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وذكروا أهل البيت استطرادًا وتبعًا، وهو في الحقيقة كناية عن ذاته الشريفة، وقد يطلق (آل فلان) ويراد هو نفسه، كما قالوا في (آل داود) ونحوه بقرينة قوله:(فإن اللَّه قد علمنا كيف نسلم عليك) أي: علمنا في التشهد على لسانك، فإن التعليم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تعليم عن اللَّه، فإنه لا ينطق إلا عنه.
وقوله: (وعلى آل محمد): (آل) أصله: أهل، بدليل تصغيره على أهيل، وقيل:(أَأْلٌ) فقلبت الهمزة ألفًا، إذ سمع تصغيره أؤيل بهمزتين، وقيل: أصله: أول، ونقل عن الكسائي: أويل بالواو، وقد يوفق [بين] كل من هذه الأقوال مع التصغيرات الثلاث بقلب كل من الهاء والهمزة والواو، وبالأخريين ذكره بعض الأفاضل في (حاشية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الضيائية)، وآل الرجل: أهله وعياله، وآله أيضًا: أتباعه، كذا في (الصحاح)(1)، وفسروه بأهل البيت، وأهل البيت جاء بمعنى من حرم عليهم الصدقة، وهم: بنو هاشم، فيشمل آل العباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل رضي الله عنهم. وقيل: بنو المطلب أيضًا، وجاء بمعنى أولاده وأزواجه.
قال الإمام الرازي (2): الأولى أن يقال: هم أولاده، وأزواجه صلى الله عليه وسلم، والحسن والحسين رضي الله عنهما منهم، وعلي رضي الله عنه أيضًا منهم؛ لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بنت النبي صلى الله عليه وسلم وملازمته صلى الله عليه وسلم. وقد يخصص بهؤلاء، أعني فاطمة وعليًّا والحسن والحسين رضي الله عنهم، يدل عليه قصة المباهلة وحديث الكساء، وقد قالوا: إنهم هم المرادون بخطاب {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
والحق أن أزواجه صلى الله عليه وسلم أيضًا داخلات في هذا الخطاب؛ لأن سياق كتاب اللَّه عز وجل ينادي على دخولهن، وتذكير الخطاب للفظ الأهل أو على التغليب، ولا بد من القول بالتغليب عند التخصيص أيضًا كما لا يخفى، انتهى، واللَّه أعلم.
ووجه التوفيق بين هذه الأقوال: أن البيت بيت السكنى، وبيت النسب، وبيت الولادة، فبنو هاشم أهل بيت النسب، كما يقال لأولاد الجد القريب: بيت فلان، والأزواج أهل بيت السكنى، وأولاده صلى الله عليه وسلم أهل بيت الولادة، وقد أشبعنا الكلام على ذلك مع ذكر الأحاديث الواردة في الباب في خاتمة رسالة لنا في ذكر المبشرين بالجنة من الأصحاب مسماة بـ (تحقيق الإشارة في تعميم البشارة)، وهذا المقدار الذي ذكرنا بعضًا منه مذكور في (حاشية الضيائية).
(1)"الصحاح"(4/ 1627).
(2)
"مفاتيح الغيب/ التفسير الكبير"(25/ 168).
كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ،
ــ
والآل أيضًا يجيء بمعنى الأتباع، وبهذا المعنى ورد إلى كل مؤمن، ومال إليه مالك، واختاره الأزهري وآخرون، وهو قول سفيان الثوري وغيره، ورجَّحه النووي في (شرح مسلم)(1)، وقيده القاضي حسين بالأتقياء (2)، والظاهر أن المراد في الحديث المعنى الأعم، واللَّه أعلم.
وقوله: (كما صليت) فيه إشكال مشهور من جهة أن التشبيه يقتضي كمال المشبه به وقوته في وجه التشبيه، وليست الصلاة على إبراهيم عليه السلام أكمل من الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم، وأجيب بأجوبة، أظهرها: أن التشبيه في أصل الصلاة لا للقدر بالقدر، كما في قوله تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} [النساء: 163]، وأقواها: أنه يكفي ظهور المشبه به وشهرته في ذلك، والصلاة على إبراهيم أظهر وأشهر، ويقال: وجه التشبيه كون الصلاة [عليه] أكملَ الصلاة ممن قبله، وقد علمنا (3) في هذا الباب رسالةً مسماة بـ (الأجوبة الاثني عشر عن الإشكال الوارد في حديث الصلاة على سيد البشر)(4)، فلينظر ثمة.
(1)"شرح صحيح مسلم" للنووي (2/ 361).
(2)
وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى تَمَّامٌ فِي "فوائده"، وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ؟ فَقَالَ: "كُلُّ تَقِيٍّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ"، زَادَ الدَّيْلَمِيُّ: ثُمَّ قَرَأَ: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: 34]. "مرقاة المفاتيح"(2/ 740).
(3)
كذا في النسخ المخطوطة، وهو خطأ، والصواب:"عملنا".
(4)
رسالة باللغة العربية سماها: "الأجوبة الاثنا عشر في توجيه الصلاة على سيد البشر"، قال في تعريفها:"رسالة حوت توجيهات التشبيه الواقع في الصلاة على النبي الكريم: اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، جمعتها في مجلس واحد من وقت السحر إلى طلوع ذكاء، مع ما وقع في البين من الصلاة والورد والدعاء". ينظر: "الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام"(5/ 555)، و"حياة شيخ عبد الحق =
إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3370، م: 406]. إِلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرْ: (عَلَى إِبْرَاهِيمَ) فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
920 -
[2] وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرَّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. . . . .
ــ
وقوله: (إنك حميد) أي: حامد لأحبائك بإجزال المثوبات، أو لذاته بصفات الكمال وبث الآيات، أو محمود بنسبة الخلق، أو بكلامه القديم.
وقوله: (مجيد) أي: عظيم شريف كريم.
وقوله: (إلا أن مسلمًا لم يذكر: على آل إبراهيم في الموضعين) وليس مذكورًا في رواية من البخاري أيضًا.
920 -
[2](أبو حميد الساعدي) قوله: (وذريته) بضم المعجمة، وحكي الكسر، وقيل: مثلثة، وقد يخص بالنساء والأطفال، وهي من:(ذرأ) بالهمزة: أي خلق، إلا أن الهمزة سهّلت لكثرة الاستعمال، وقيل: هي من الذر، فليس مهموز الأصل، كذا في بعض الشروح، ويظهر منه أن الذرية بتشديد الراء إن كان من الذرّ، وبتخفيفه وتشديد الياء نحو برية وخطية، بقلب الهمزة ياء وإدغام الياء في الياء، وقد سبق في (باب الإيمان بالقدر).
وقوله: (كما صليت على إبراهيم)، وكذا قوله:(كما باركت على إبراهيم) في
= محدث دهلوي" (ص: 189).
إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيدٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6360، م: 407].
ــ=
نسخة صحيحة بزيادة (آل)، والذي في رواية أحمد (1): ذكر إبراهيم في الصلاة، وآل إبراهيم في البركة، وبينهما مناسبة كقوله تعالى:{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73].
اعلم أن هذه الصلاة قد رويت بألفاظ مختلفة وزيادات من الكتب الستة وغيرها، وقد يزاد: وارحم محمدًا كما رحمت على إبراهيم، وربما يقولون: وترحمت، وتعقب بأنه لم تصح روايته، وأيضًا لا يقال: رَحِمْتَ عليه بل رحمته، وبأن الترحم فيه معنى التكلف والتصنع فلا يحسن إطلاقه على اللَّه سبحانه، قال الأسنوي: أي لا يقال ذلك على اللغة الفصحى، وإلا فقد نقله الطبري عن الصفاني، كذا في شرح الشيخ.
ومع قطع النظر اختلفوا في إطلاق مطلق الرحمة عليه صلى الله عليه وسلم، ونقل عن (التبيين) (2): أنه كره بعضهم أن يقال: اللهم ارحم محمدًا؛ لأنه يوهم التقصير، إذ الرحمة تكون بإتيان ما يلام عليه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(رحم اللَّه لوطًا يأوي إلى ركن شديد، ورحم اللَّه هاجر لو تركتها لكان عينًا معينًا)، والصحيح أنه لا يكره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان من أشوق العباد إلى مزيد رحمة اللَّه تعالى، ولا يستغني أحد عن رحمة اللَّه، وقد ورد في الكتاب نسبة الرحمة إليه صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159]، وقوله صلى الله عليه وسلم:(إلا أن يتغمدني اللَّه برحمته)، وأمثال ذلك كثير، والمنع من ذلك مكابرة، وأما إيهامه التقصير كما في الحديثين اللذين ذكرهما القائل، فذلك إطلاق آخر نادر لا ينحصر استعمالها فيه.
(1)"مسند أحمد"(1/ 262).
(2)
"تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق"(1/ 123).