الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1295 -
[1] عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً. . . . .
ــ
(الموطأ) عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد: كانت إحدى عشرة، وعند عبد العزيز إحدى وعشرين، والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال والأوقات، ويحتمل أن يكون ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها.
وقد روى محمد بن نصر من طريق داود بن قيس قال: أدركت الناس في إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز بالمدينة يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث. وقال مالك: هو الأمر القديم عندنا.
وعن الشافعي قال: رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع (1) وثلاثين، وبمكة بثلاث وعشرين، وقالوا: هل يجوز بغير أهل المدينة صلاتها بست وثلاثين؟ قال النووي: قال الشافعي: لا يجوز؛ لأن لأهلها شرفا بهجرته صلى الله عليه وسلم ومدفنه، وقال الحليمي: إن من اقتدى بأهل المدينة فقام بست وثلاثين فحسن أيضًا، ويفهم من (المحيط) في مذهبنا أيضًا الجواز، لكن لا بجماعة؛ لأن النفل بالجماعة في غير التراويح مكروه عندنا، ثم قيل في سبب قيام أهل المدينة بست وثلاثين ركعة: إن أهل مكة كانوا يطوفون بالبيت أسبوعًا، ويصلون ركعتي الطواف بين كل ترويحتين، فأهل المدينة لما بعدوا من هذا الفضل صلوا بدلها من ذلك أربع تكبيرات فرادى فرادى، وعملهم اليوم أن يصلوها بالجماعة، ويسمونها الست عشرية يأتون بها آخر الليل بعد الفراغ من التراويح في أوله.
الفصل الأول
1295 -
[1](زيد بن ثابت) قوله: (اتخذ حجرة) للأكثر بالراء، وللكشميهني بالزاي.
(1) في النسخ المخطوطة: "بسبع" وهو خطأ، والتصويب من "فتح الباري"(4/ 253).
فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ ناسٌ، ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: "مَا زَالَ بِكُمُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ،
ــ
وقوله: (من حصير) الحصير ما اتخذ من سعف النخل قدر طول الرجل أو أكبر منه، كذا في (مجمع البحار)(1)، وفي (المشارق) (2): هو ما ينسج من لحاء القضبان، وفي (القاموس) (3): الحصير كل ما ينسج من جميع الأشياء.
وقوله: (ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم) أي: شدة حرصكم في إقامة الصلاة بالليل بالجماعة.
وقوله: (حتى خشيت أن يكتب عليكم) ظاهره يدل على افتراض الصلاة بالليل جماعة في رمضان لوجود المواظبة عليها، وهو مشكل لأن مجرد المواظبة لا يدل على الفرضية، وأجاب المحب الطبري بأنه يحتمل أن يكون اللَّه عز وجل أوحى إليه بأنك إن واظبت على هذه الصلاة معهم افترضتها عليهم، وقيل: خشي أن يظن أحد من أمته من مداومته عليها الوجوب، قال القرطبي: أي يظنونه فرضًا، فيجب على من ظن ذلك كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو حرمته فإنه يجب عليه العمل، كذا في (المواهب)(4) نقلًا من (فتح الباري).
(1)"مجمع البحار"(1/ 509).
(2)
"مشارق الأنوار"(1/ 323).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 351).
(4)
"المواهب اللدنية"(4/ 195 - 196)، و"فتح الباري"(3/ 13 - 14).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد يقال: كان عادة اللَّه تعالى جرت في الأكثر بأن ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم حكم بفرضيته، وفيه ما فيه، وقيل: وقع ذلك في نفسه اتفاقًا، كما في بعض القرب التي داوم عليها فافترضت.
ثم استشكل أصل هذه الخشية مع ما ثبت في حديث الإسراء من أن اللَّه تعالى قال: هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي، فإذا أمن التبديل كيف يقع خوف الزيادة؟ وأجاب عنه بعضهم بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم، وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها، يعني عند المواظبة، فترك الخروج إليهم لئلا يدخل في الواجب من طريق الأمر بالاقتداء، لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر فتجب عليه، ولا يلزم من ذلك زيادة فرض في أصل الشرع، كذا نقل عن الخطابي.
وأقول: في هذا الجواب نظر؛ لأنه على تقدير وجوب صلاة الليل على النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب اقتداء الأمة الوجوبان باقيان سواء خرج إليهم وصلى معهم أو لا، ولو قيل بكونها من خصائصه صلى الله عليه وسلم فلا يجب عليهم سواء خرج أو لا، فما الوجه في ترتب خشية الفرضية على المواظبة؟ وأيضًا كيف يترك صلى الله عليه وسلم ما هو واجب عليه لهذه الخشية؟ فلا يفيد هذا الوجوب ويندفع السؤال بما ذكر من الأجوبة السابقة.
وأجاب الحافظ ابن حجر في (فتح الباري)(1) بثلاثة أجوبة، أحدها: أن المخوف عليه قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة، وثانيها: أن يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان، ولا يكون ذلك زائدًا على الخمس،
(1) انظر: "فتح الباري"(3/ 13).
فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 731، م: 781].
1296 -
[2] وَعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ فَيَقُولُ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 759].
ــ
بل هو نظير ما ذهب إليه قوم في العيد ونحوها، وثالثها: أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة، وقد وقع في الحديث أن ذلك كان في رمضان.
وقوله: (في بيته) خبر (إن) بتقدير: صلاتُه في بيته، وقد خص من هذا العموم بعض ما شرع فيه الجماعة من النوافل، وكذا ما خص بالمسجد كركعتي التحية، وهو ظاهر.
1296 -
[2](أبو هريرة) قوله: (بعزيمة) أي: بجد وتأكيد، وقيل: بفرضية، وفي الحديث:(خير الأمور عزائمها) أي: فرائضها، ومنه في (ص): ليست من عزائم السجود.
وقوله: (من قام رمضان) أي: بجماعة أو منفردًا، (إيمانًا) أي: تصديقًا بحكم اللَّه، (واحتسابًا) أي: طلبًا لثوابه من غير رياء وسمعة.
وقوله: (ما تقدم من ذنبه) أي: الصغائر من حقوق اللَّه تعالى كما هو المقرر من المذهب.
وقوله: (ثم كان الأمر على ذلك) أي: على ما كانوا عليه من قيام رمضان من