الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
1309 -
[1] عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَاغْتَسَلَ، وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، فَلَمْ أَرَ صَلَاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. وَقَالَتْ فِي رِوَايَة أُخْرَى: وَذَلِكَ ضُحًى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 357، م: 336].
ــ
وجاءت في أعدادها أيضًا أخبار مختلفة من اثنين إلى اثني عشرة ركعة، وذلك باختلاف الأوقات والأحوال، والعبد مخير في ذلك، واختار أكثر العلماء أربعًا؛ لأن أحاديثها أصح، والأخبار والآثار من كل جانب مذكورة في كتاب (سفر السعادة)(1)، وقد تكلمنا في شرحه بما يسع الوقت، واللَّه أعلم.
الفصل الأول
1309 -
[1] قوله: (أم هانئ) بهمزة في آخره اسمها فاختة، وقيل: عاتكة.
وقوله: (وصلى ثماني ركعات) حديث أم هانئ هو العمدة والمشهور في باب صلاة الضحى، وقال بعضهم: صلاته صلى الله عليه وسلم هذه في بيت أم هانئ كانت شكرًا لفتح مكة، فكان الأمراء يسمونه صلاة الفتح، وقيل: كانت صلاته هذه في بيت أم هانئ قضاء لحزبه صلى الله عليه وسلم الذي فات في تلك الليلة بسبب الاهتمام بمهمات الفتح وشغله عنها، ورده النووي بما رواه أبو داود من طريق كريب عن أم هانئ أنها قالت: صلى سبحة الضحى، وأخرج مسلم (2) أيضًا في (كتاب الطهارة) عن أم هانئ: صلى ثمان ركعات سبحة الضحى، والإضافة إلى الضحى يدل على سببية الوقت كما في صلاة الظهر
(1) انظر: "سفر السعادة"(ص: 28 - 89).
(2)
"صحيح مسلم"(336).
131 -
[2] وَعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: كَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى؟ قَالَتْ: أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 719].
1311 -
[3] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ،
ــ
والعصر، وفي (المواهب اللدنية) (1): عن ابن عبد البر في (التمهيد)(2) من طريق عكرمة بن خالد عن أم هانئ قالت: صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات، فقلت: ما كانت يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذه الصلاة منك؟ قال: (هذه صلاة الضحى).
وقال الترمذي (3): وفي الباب عن أم هانئ وأبي هريرة ونعيم بن همار وأبي ذر وعائشة وأبي أمامة وعتبة بن عبد السلمي وابن أبي أوفى وأبي سعيد رضي الله عنهم، وقال أحمد: أصح ما جاء في صلاة الضحى حديث أم هانئ رضي الله عنها، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: لم يخبرني أحد أنه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أم هانئ.
1310 -
[2] قوله: (عن معاذة) بضم الميم، وقوله:(كم كان) أي: كم ركعة كان.
وقوله: (ويزيد ما شاء اللَّه) ولم يزد أكثر من ثنتي عشرة ركعة.
1311 -
[3](أبو ذر) قوله: (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة) ذكر
(1)"المواهب اللدنية"(4/ 216).
(2)
"التمهيد" لابن عبد البر (8/ 136).
(3)
"سنن الترمذي"(473).
وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 720].
ــ
الطيبي (1) في إعرابه وجوهًا، وأظهرها أن قوله:(صدقة) اسم (يصبح)، و (على كل سلامى) خبره، و (السلامى) بضم السين وتخفيف اللام وفتح الميم عظم في فِرْسِنِ البعير، وعظامٌ [صِغارٌ] طولُ إصبَعٍ أو أقلُّ في اليد والرجل، وجمعه سلاميات، وقال النووي في (الأذكار) (2): السلامى العضو، وقيل: الأنملة، وقيل: كل عظم له مفصل، وكل عظم يعتمد به الإنسان عند الحركة، ويؤيده ما في حديث بريدة:(فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه بصدقة)، والمعنى: على كل عضو وعظم من بني آدم كل يوم صدقة، ويستحق الشكر على أن خلقه، وجعله بحيث يمكنه الحركة، وعلى صحته وسلامته، ولما تعسر ذلك يسره الشارع بأن جعل ما يصدر من ذكر اللَّه وثنائه وغيرها من الخيرات حتى أمر بالمعروف ونهي عن المنكر من جملة الصدقات التي يجب على كل سلامى، وأيسر من ذلك أن يصلي ركعتين في أول النهار، وفي الحقيقة الصلاة شكر لكل نعمة ظاهرة وباطنة، أو يشتغل فيها كل عضو وكل جزء من أجزاء بني آدم القلب والبدن بذكر اللَّه وعبادته، وخص منها بهذه الفضيلة صلاة الضحى، لكونه واقعا في أول النهار الذي هو مبدأ النعم ومفتحه.
وقوله: (ويجزئ من ذلك) يروى بضم التحتانية وفتحها، قال القاضي عياض في (المشارق) (3): بالفتح بمعنى ينوب عنه ويقوم مقامه غير مهموز، وجزاه اللَّه خيرًا
(1) انظر: "شرح الطيبي"(3/ 171).
(2)
"الأذكار"(ص: 54).
(3)
"مشارق الأنوار"(1/ 230).
1312 -
[4] وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"صَلَاةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 748].
ــ
أي: أثابه وكافأه، وجزيت فلانًا وجازيته على فعله، وبالضم بمعنى كفى، أجزأ الشيء كفى مهموزًا، وقال الهروي: فإن أردت معنى الكفاية، قلت: جزا وأجزا، وإلى هذا ذهب آخرون، وإن جزا وأجزا بمعنى متقارب في كفى وقضى، وقال آخرون: أجزيت عنك: قضيت، وأجزيت: كفيت، ويجزي منه ذلك ركعتان، أي: ينوب ويقضي، انتهى. ونقل عن (مطالع الأنوار) يجزئ مهموزًا وغير مهموز، هذا والمشهور أن يجزي بغير همزة من الجزاء بمعنى القضاء والإنابة، وبهمزة من الإجزاء بمعنى الكفاية، فتدبر.
1312 -
[4](زيد بن أرقم) قوله: (رأى قومًا يصلون من الضحى) من زائدة أو تبعيضية، فإن ما يصلون بعض من صلاة الضحى وفرد منها، أو بيانية، أي: يصلون شيئًا هو الضحى، فافهم. والمعنى: كيف يصلون في هذا الوقت مع علمهم بأن هذه الصلاة في غير هذه الساعة أفضل؟ وهي حين ترمض أي: يجد الفصيل -وهو ولد البعير أو البقر- حر الشمس، والرمض محركة: شدة وقع الشمس على الرمل وغيره، رمض يومنا كفرح: اشتد حره، وقدمه: احترقت من الرمضاء بالمد الأرض الشديدة الحرارة، كذا في (القاموس)(1)، والأوابون: هم الراجعون بالتوبة والتوجه إلى اللَّه، من الأوب بمعنى الرجوع، وهذا وقت تركن فيه النفوس إلى الاستراحة، فلا يصلي فيه إلا من رجع إلى اللَّه، وآنس بذكره كجوف الليل.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 594).