الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
48 - باب في الأضحية
ــ
راعى مصلحة نفسه، ويحتمل أن يكون عثمان رضي الله عنه فعل ذلك أحيانًا بخلاف مروان فواظب عليه، فلذلك نسب إليه بدليل أن البخاري ومسلمًا وأبا داود والنسائي أخرجوا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حضرت يوم العيد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فكانوا يصلون قبل الخطبة، وقد روي عن عمر [مثل] فعل عثمان، وقال عياض ومن تبعه: لا يصح عنه وفيما قالوه نظر، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري قال: من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية، وروى ابن المنذر عن ابن سيرين أنه فعل ذلك زياد بالبصرة، قال: ولا مخافة بين هذين الأثرين وأثر مروان؛ لأن كلا من مروان وزياد كان عاملًا لمعاوية، فيحمل على أنه ابتدأ ذلك فتبعه عُمّاله، واللَّه أعلم، انتهى.
ومن فوائد الحديث إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة وجواز عمل العالم بخلاف الأولى؛ لأن أبا سعيد رضي الله عنه حضر ولم ينصرف على ما هو الصحيح، فيستدل به على أن البداية بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها، وقال الشيخ ابن الهمام (1): لو خطب قبل الصلاة خالف السنة ولا يعيد الخطبة، وقيل: حمل أبو سعيد فعل النبي صلى الله عليه وسلم على التعيين، وحمله مروان على الأولوية، واعتذر من ترك الأولى بما ذكره، فرأى أن أصل السنة وهو استماع الخطبة أولى من المحافظة على هيئته فيما ليست من شرطها، كذا قال الشيخ، واللَّه أعلم.
48 -
باب في الأضحية
فيه أربع لغات: الأضحية بضم الهمزة وكسرها مع تشديد الياء وتخفيفها، وجمعها
(1)"فتح القدير"(2/ 77).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أضاحي بتشديد الياء وتخفيفها، وجاء ضحية على وزن عطية، وجمعها ضحايا كعطايا، وأضحاة بالفتح، وجمعه أضحى كأرطاة وأرطى، وهي اسم لما يذبح من النعم تقربًا إلى اللَّه مما يجوز ذبحها في الشرع في وقت مخصوص، والتضحية مصدر، وبها سمي يوم النحر بالأضحى، أو من الضحوة بمعنى ارتفاع النهار، بل التضحية أيضًا مشتق منها؛ لأنها تذبح في وقت الضحى، وهو أول وقتها.
ثم اختلفوا في أن التضحية واجب أو سنة (1)، فذهب أبو حنيفة وصاحباه وزفر وحسن رحمهم الله أنها واجبة على كل حر مسلم مقيم موسر، وعند الشافعي رحمه الله وفي رواية عن أبي يوسف سنة مؤكدة، وهو المشهور المختار في مذهب أحمد رحمه الله، وفي رواية عنه: واجب على الغني، وسنة على الفقير، وفي (رسالة ابن أبي زيد) في مذهب مالك: أنها سنة واجبة على من استطاعها، فإما أن يريد بالسنة الطريقة المسلوكة أو بالوجوب التأكيد، والمعنى الأول أقرب، ودليل الوجوب حديث روى الترمذي وأبو داود والنسائي عن مخنف بن سليم (2) قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعرفات، فسمعته يقول:(أيها الناس! على كل أهل بيت في كل عام أضحية)، وهذا صيغة الوجوب، وقال صلى الله عليه وسلم:(من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا)، ومثل هذا الوعيد لا يلحق إلا بترك الواجب، كذا في (الهداية)(3).
(1) في "المرقاة"(3/ 1077): اخْتُلِفَ هَلْ هِيَ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ؟ فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ: هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِينَ مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ، وَاعْتَبَرَ فِي وُجُوبِهَا النِّصَابَ.
(2)
"سنن الترمذي"(1518)، و"سنن أبي داود"(2788)، و"سنن النسائي"(4224)، وفي المخطوطة:"المحبق بن سليم" وهو تحريف، والصواب: ما كتبناه، هكذا في السنن الثلاثة.
(3)
"الهداية"(4/ 355).